الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على أعتاب مؤتمره السادس : الشيوعي السوداني , قدّامك السكّة ومدى المجهول

خالد فضل

2016 / 7 / 26
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أيام قليلة تبقّت على إلتئام المؤتمر العام السادس للحزب الشيوعي السوداني حسبما تمّ إعلانه رسميا من قيادة الحزب , وبالفعل فإنّ الأخبار التي أُذيعت في الآونة الأخيرة أشارت إلى إكتمال عقد المؤتمرات الفرعية للحزب لعلّ آخرها مؤتمر مديرية الخرطوم (العاصمة). عقد مؤتمر عام لأي حزب سياسي يعتبر مناسبة سياسية باذخة المعاني فما بالك إذا كان المؤتمر للحزب الشيوعي السوداني , تكتسب المناسبة قيمتها المضافة لأنّ التوقعات دائما ترتفع عند أحزاب الوعي والإستنارة ؛ والشيوعي السوداني ظلّ منذ تأسيسه يمثّل منارة من منارات التقدم والوعي في بلد أطبق عليها مع الأسف ظلام السلفية الشمولية الدينية الإسلامية بكل أعبائها الثقيلة ولفترة قاربت الثلاثين عاما سلختها الأجيال السودانية المتعاقبة من حقّها في الوعي والتقدم والسلام والتنمية والرفاه .
ظلّ الشيوعيون السودانيون يمثلون عناوين القيم المطلوبة لبناء الأوطان فسيرتهم في الحياة العامة ولدي غالبية المواطنين السودانيين ارتبطت بطهارة اليد ,والتضحية ونكران الذات, والجسارة في مواجهة الظلم والاستبداد , مع دقّة التنظيم والإنضباط , ولا غرو أن قال قائل في رثاء شهداء الحزب الشيوعي السوداني الذين قضوا في المذبحة التي تلت حركة 19يوليو1971م (إنّ الشجاعة بفضل أولئك الأفذاذ صارت مُعدية ), ما أبلغ تلك العبارة !
الجميع يعلمون ما حاق بالحزب الشيوعي السوداني من عواصف هوجاء على كافة المستويات ولفترة زمنية شارفت على نصف القرن , فقد فقد الحزب قياداته الملهمة بقيادة الشهيد عبدالخالق محجوب ورفاقه من قيادات الصف الأول في الحزب من المدنيين والعسكريين في المذبحة المار ذكرها , وأضطرّ الحزب للعمل تحت الأرض منذ العام 71حتى 1985م , وقبل أن يستجمع قواه وينفض غبار العمل السري ومطلوباته ويتخلّص من تبعاته , اجتاح البلاد وباء الإسلام السياسي عبر إنقلاب الإنقاذ 1989م , ليدخل الحزب في دوامة العمل السري مرّة أخرى لم يخرج منها إلاّ بشق الأنفس على وقع إتفاقية السلام الشامل (2005م) وما وفّرته من مناخ حريّات نسبية , تزامن مع هجمة الإسلاميين تلك سقوط وتفكك الإتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الإشتراكية الأخرى في أوربا الشرقية , وبالتالي سقوط النموذج الشيوعي في السلطة والذي وفّر دعما معنويا وفكريا وبعض الدعم اللوجستي للحزب الشيوعي السوداني خاصة فيما يتعلق بتدريب الكوادر وفرص البعثات الدراسية الجامعية وما فوق الجامعية لعدد كبير من الطلاب السودانيين استفاد منها الحزب الشيوعي بكل تأكيد , بيد أنّ آثار سقوط النموذج لم يتوقف عند هذا المدى فحسب بل إمتدّ ليشمل وقوع مراجعات كبرى في أوساط كوادر قيادية شبابية وقتها , وتحت وطأة العمل السري وسيادة الهمجية الاسلاموية المعادية للفكر الحُر وكل قيم حقوق الانسان , شهد الحزب مغادرة كوادر نوعية كالراحل الأستاذ الخاتم عدلان والأستاذ الحاج ورّاق وغيرهم من الذين أسسوا حركة سياسية مغايرة باسم (حق). ومع العودة التدريجية للعمل العلني واجه الحزب مجموعة من التحديات السياسية والفكرية , كما أعمل عنصر الموت عمله في تخطّف العناصر النوعية من قيادات الحزب الإعلامية والقانونية والأكاديمية والسياسية والفكرية والإبداعية , إضافة إلى نزيف الهجرة الذي طال الحزب الشيوعي بأكثر من أي تنظيم سياسي آخر بفضل نوعية عناصره أساسا , والطلب العالي على قدراتهم في الخارج , مع حملات التضييق وقطع الأرزاق الذي واجههم بفرض الإسلامويون لسياسات وانفاذ برامج التمكين لعناصرهم والمواليين لتنظيمهم , ومع ثقل القيود الأمنية وضآلة الآلة الإعلامية للحزب في مواجهة حملات التجريف الإعلامي الكاسحة التي برع فيها نظام الإسلامويين وتسخيرهم لجهاز الدولة كلّه بإعلامه وقدراته المالية لصالح الأجهزة الأمنية وتنوع أساليب القمع والملاحقات دون أدنى وازع أخلاقي أو قيمي . كل هذه العوامل قادت إلى ضمور فعلي في نشاط الحزب وحركته وسط الجماهير , بل حتى التحالفات السياسية لم يتمكن الحزب من وضع بصمته عليها كما كان في السابق ضف لذلك فقدان الحزب للسند النقابي والذي كان يمثل أحد أهمّ عناصر الإنتشار والحركة والعمل وسط جماهير العمال والمزارعين وغيرهم من الفئات الإجتماعية صاحبة المصلحة الفعلية في برامج وأطروحات ونشاطات الحزب الشيوعي.
يجئ إنعقاد المؤتمر العام السادس في هذا الظرف التاريخي المعقّد بالفعل والملئ بالتحديات الفكرية والسياسية والتنظيمية , فهناك أدبيات كثيرة صارت في عداد التاريخ بما فرضه واقع العولمة وعصر الإتصالات وتعدد الوسائط مما هيأ الأجيال الحالية من الشباب للتفاعل الحُر دون الإلتزام بكثير من القواعد الصارمة التي ميّزت العمل التنظيمي الشيوعي , هنالك أفكار جديدة , وأشكال جديدة للتنظيم المدني خاصة في منظمات المجتمع المدني التي باتت حاضنة لكثير من جهود الشباب ,هناك حركات سياسية صاعدة ومناضلة خاصة فيما بات يعرف سياسيا بالجنوب الجديد ويشمل الرقعة الممتدة من دارفور إلى النيل الأزرق , هذه الحركات لها أطروحات تتطلّب النظر والتمحيص وبالتالي بناء التحالفات على ضوء المشتركات والواقع , كما أدى الإنفجار المعرفي إلى سيادة نوع من التفكير النقدي وسط الأجيال الشابة تحديدا , وبمثل ما بات هناك نزوع جماعي نحو الإستقلالية بالرأي والإعتداد به والنقاش حوله , لم يعد في وسع الأجيال الصاعدة تقبُل فكرة الإلتزام والإلزام الصارم بحدود النقاشات , ولعلّ فيما يدور حاليا من مناقشات حول قرار اللجنة المركزية للحزب بفصل بعض القيادات وعلى رأسهم د. الشفيع خضر وحاتم قطّان وآخرين من عضوية الحزب , وتبادل الإتهامات عبر وسائط الإعلام والإتصال المختلفة ما يؤشّر إلى وجود ململة متعاظمة داخل الحزب , وهذه من المواضع التي تحتاج بالفعل إلى عمل وجهد كبير في المؤتمر العام للحزب , فكل الحادبين على الحزب من عضويته بالطبع ومن أصدقائه يودّون رؤية حزب حداثي مستنير ومواكب موحّد يخطو نحو المستقبل بكل ثقة يسنده إرث راسخ من التضحيات الجسيمة والأداء الفكري والسياسي الباذخ , يعضّد ذلك عضوية نوعية باهرة حُرّة وواعية , فالواقع السوداني اليوم وفي المستقبل القريب ملئ بالتحديات التي تستوجب وجود حزب ذو أفق وفكر سياسي متقدّم , وليس أقدر من الحزب الشيوعي بالقيام بمثل هذه المهمة , إذا أحسن استغلال موارده البشرية واستفاد من قدرات أعضائه وأصدقائه في مناخ ديمقراطي وشفّاف وحُر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا