الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون صندوق الاستثمار اعتداء صارخ على السيادة الوطنية

فهمي الكتوت

2016 / 7 / 26
الادارة و الاقتصاد


الأردن- مع استمرار نهج التبعية، تتواصل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي فاقمت الازمة. حزم جديدة من الاجراءات التقشفية تنتظر الاردنيين في قادم الأيام. تقترن هذه السياسات مع انسداد الأفق في الخروج من الازمة، ازمة نهج وسياسات عامة. فقد واصل الاقتصاد الوطني تراجعه خلال العام الماضي 2015 الى 2.4% مقارنة مع 7.5% خلال العقد الماضي، وانخفاض الصادرات المحلية خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 10.7%. وارتفاع معدلات البطالة الى 14.6% في نفس الفترة، علما ان الدلائل تشير الى انها اعلى بكثير. وارتفاع مضطرد بالمديونية التي بلغت 25.365 مليار دينار لغاية نيسان الماضي، كما تقتطع فوائد المديونية مليار دينار سنويا من قوت الفقراء. واتسعت الفجوة الطبقية بتآكل الطبقة الوسطى، وأصبح أكثر من ثلث السكان على حافة الفقر.

وبذريعة تشجيع الاستثمار تصدر الحكومة التشريعات المخالفة للدستور والقوانين المرعية لتمكين الاحتكارات الرأسمالية من الاستيلاء على ما تبقى من مقدرات الشعب الأردني، والتنازل غير المشروع عن الاموال المفترضة للخزينة، بالإعفاءات الضريبية المطلقة، لقانون صندوق الاستثمار الذي يشكل اعتداء صارخا على السيادة الوطنية، حيث يتمتع الصندوق بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، ولا يخضع لقوانين الشركات المعمول بها في الأردن، ويديره مجلس إدارة يملك حرية التخطيط والتنفيذ واستملاك الأموال المنقولة وغير المنقولة؛ سواءً كانت ملكية عامة أو خاصة، وبتفويض من مجلس الوزراء. وقد حصل الصندوق على إعفاءات من الرسوم الجمركية ورسوم الطوابع وأية رسوم أو ضرائب أو بدلات حكومية أخرى بما في ذلك الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة وضريبة الدخل على الأرباح التي يوزعها الصندوق او توزعها الشركة على المساهمين.
في حين تتوالى الإجراءات الحكومية بإصدار حزم من الاجراءات الضريبية التي تسهم في افقار وتجويع المواطنين، وتقليص الانفاق على الخدمات الاجتماعية ورفع تعرفة الكهرباء، وهي تستعد لرفع الدعم عن الخبز، وزيادة الضرائب على الافراد والموظفين، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي. دون مراعاة للظروف المعيشية البائسة التي يعاني منها الشعب الأردني. وقد اقترنت هذه الإجراءات بارتفاع وتيرة السياسات المعادية للحريات العامة والاعتداء على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم، وهي احدى تجليات الازمة التي تعيشها البلاد.
في ضوء ذلك شهِدت البلاد في الآونة الأخيرة موجات احتجاج واسعة من قبل المستثمرين بسبب استمرار حالة الركود الاقتصادي الذي دفع بعضهم للإفلاس او المغادرة، احتجاجا على ارتفاع تعرفة الكهرباء، وزيادة العبء الضريبي، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، فقد تم اغلاق 1500 منشأة صناعية خلال العامين الماضيين بسبب تراجع تنافسية المنتجات المحلية، وارتفاع تكلفة الطاقة وزيادة نسبة الضرائب غير المباشرة "ضريبة المبيعات"، التي تعتبر ضريبة انكماشية تسهم بتآكل الأجور، واضعاف القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة الى ارتفاع تكلفة التمويل، ففي الوقت الذي تشهد البلدان الرأسمالية ما يعرف بالفائدة الصفرية لحفز الاستثمار، ترتفع تكلفة التسهيلات الائتمانية في الأردن الى نحو 10%، كما تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة كبيرة في الحصول على التمويل، وتشير المعلومات ان نسبة التمويل المقدمة لهذه المؤسسات تقدر بنحو 6% من حجم التسهيلات مقارنة مع متوسط 20% في البلدان المشابهة ذات الدخل المتوسط.
ان الإعفاءات المطلقة والامتيازات التي منحها قانون الاستثمار من الضرائب والرسوم في مختلف اشكالها للاحتكارات الرأسمالية والصهيونية، يرافقها زيادة العبء الضريبي على الصناعة الوطنية والمواطنين عامة وتحت مسميات متعددة (ضريبة مبيعات ودخل ورسوم جمركية وتسجيل الأراضي وطوابع ورسوم ورخص ..) والتي تشكل نحو 84% من إجمالي الإيرادات المحلية، وهي نسبة مرتفعة جدا، تسببت بارتفاع مستويات التضخم، خاصة وأن معظمها من الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات والضريبة الخاصة والرسوم.
في حين تعاني الصناعة الوطنية من تحديات ومعيقات، ويشير تقرير المنتدى العالمي للتنافسية لعام 2014-2015 الى تراجع بعض المؤشرات وعلى رأسها مؤشرات البنية التحتية، وتقدم عامل الفساد ليصنف هذا العام كثاني معيقات اداء الاعمال في الأردن بعد ان كان يحل في المرتبة التاسعة في العام الماضي، والتشريعات الضريبية تحتل المرتبة الثالثة، إضافة الى مشكلة التمويل، والبيروقراطية الحكومية، وتراجع كفاءة مستوى التعليم للقوة العاملة، لضعف دور مؤسسات التدريب واعداد وتأهيل العمالة المحلية، وغياب التخطيط وربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق. علما ان العمالة في القطاع الصناعي تشكل حوالي 18% من مجموع المشتغلين الأردنيين، او ما مجموعه 250 ألف عامل وفقا لمعلومات عام 2014 ومتوسط عدد العاملين في المنشآت الصناعية حوالي 13 عامل في المؤسسة الصناعية الواحدة، وهذا يعكس قدرتها على استحداث العمالة وبشكل أكبر من القطاعات الأخرى والتي لا يتجاوز معدل العمالة فيها 2.3 عامل فقط في المنشأة الواحدة.
ان سياسة الكيل بمكيالين المتمثلة في محاباة الاحتكارات الرأسمالية على حساب المصالح الوطنية العليا، وفتح الباب على مصراعيه لتحويل الدولة الى شركة تنهب موارد الامة وتستقوي على الشعب بمزيد من الإجراءات التقشفية، يفاقم الاحتقانات الاجتماعية، ويشكل مناخا ملائما لاستثمار تداعياتها الاجتماعية من قبل التيارات الظلامية، فالفقر والظلم وغياب العدل من أهم حواضن نشوء الحركات الإرهابية. خاصة وأن البلاد تعيش على الحافة، وان بضعة كيلومترات تفصلنا عن الحركات الإرهابية، وما شهدته البلاد في الآونة الأخيرة من عمليات اجرامية تؤشر الى وجود اخطار حقيقية.
واللافت ان الصندوق لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة أو مساءلة مجلس النواب، لا في الحاضر ولا في المستقبل، ولا تملك أي حكومة قادمة أن تفرض رسوماً أو ضرائب على استثمارات الصندوق. ويملك مجلس إدارة الصندوق حق استملاك أي قطعة أرض لإقامة مشروع استثماري بشكل مخالف للمادة 11 من الدستور الأردني التي تنص على "لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة". ويخلو القانون من إلزام المستثمرين بتشغيل العمال الأردنيين.
ولعل التدخل الفظ في مجلس النواب لفرض مشروع قانون صندوق الاستثمار، كما ورد من الحكومة بما في ذلك رفض استثناء العدو الصهيوني، يؤشر الى إصرار السلطة على سياسة التفريط في السيادة الوطنية على الأراضي الأردنية، لبيع ما تبقى من مقدرات الشعب بعد الخضوع لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين وفرض سياسة التخاصية.
ويتزامن هذا النهج مع عودة الحديث عن الخيار الأردني من قبل العدو الصهيوني، وما رافقه من اتصالات وترتيبات مريبة من قبل عناصر رجعية وعميلة. لربط الأردن بسلسلة من المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، منها التوقيع مع العدو الصهيوني على اتفاق البدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة، التي وصفها العدو الصهيوني بأنها أهم اتفاقية مع الجانب الأردني منذ "معاهدة السلام" عام 1994، وصفقة الغاز المشينة.
ويأتي هذا القانون -الذي يُفسح المجال أمام أكبر وأخطر اختراق صهيوني للاقتصاد الأردني-مع سياسات التطبيع التي اخذت بالظهور بشكل علني مع عدد من الدول العربية، بما في ذلك اللقاءات الخليجية-الإسرائيلية العلنية، المتكئة على المبادرة العربية لحل الصراع مع العدو الصهيوني والتي رفضت من قبل العدو، وتتضمن اعترافا عربيا وتطبيعا مع الكيان الصهيوني. ان ما نشاهده في هذه الايام من سياسة الانفتاح والتطبيع مع العدو ما هو الا ثمرة السياسات الاستسلامية والحلول المنفردة مع العدو الصهيوني التي بدأت في كامب ديفيد واسلو ووادي عربة.
إنَّ تهافت أصحاب المشاريع الإمبريالية الصهيونية الرجعية نابع من اعتقادهم بأنَّ الطريق أصبح معبدًا نحو تصفية القضية الفلسطينية، وخضوع الشعوب العربية لمشيئة الامبريالية. وهي تعتقد ان الوقت قد حان لحصاد نتائج المعركة التي خاضتها القوى الظلامية بالوكالة، مُستغلين الانهيار العربي، وتدمير البنية الأساسية في كلٍّ من سوريا والعراق وليبيا واليمن. فان محاولات التوطين وتصفية القضية الفلسطينية ليست جديدة، فقد بدأت منذ أوائل العقد الخامس من القرن الماضي، وأنَّ الشعوب العربية نجحت بدفن هذه المشاريع بمهدها، وان مصير المشاريع الجديدة لن يكون أفضل حالا من سابقاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للمقارنة فقط
عبد الغني أحمد ( 2016 / 7 / 27 - 04:55 )
فهمي الكتوت من مجندي الدفاع عن الطبقة الوسطى النشطاء
حبذا لو تعلم الشيوعيون منه الدفاع عن الطبقة العاملة بنفس الدراية والنشاط

اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة


.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا




.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و


.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف




.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى