الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من شعار -العنف الثوري- إلى شعار -الإنكار الثوري- الصريح!

مصطفى بنصالح

2016 / 7 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


من شعار "العنف الثوري" إلى شعار "الإنكار الثوري" الصريح!

استنادا للتقارير الصادرة عن بعض جرائد الرصيف والإثارة، والتي اهتمت وتابعت فصول محاكمة مجموعة "البرنامج المرحلي" المتهمة بالاعتداء على النادلة القاصر شيماء، بتلك الطريقة البشعة والمهينة، التي تابع فصولها الرأي العام الطلابي والعام.. وهو الحادث الذي تمت إدانته ونبذه في حينه من لدن جميع الأصوات والفعاليات الديمقراطية في الساحة الطلابية وخارجها، بدون تردد أو تبرير فارغ.. اطلعنا على فحوى البعض من هذه التقارير، وتلقينا الصدمة المروعة بعد أن وصل لعلمنا معطى إنكار هذه المجموعة، بالجملة والتفصيل، لما نسب إليهم من تهم، مفاجئين الرأي العام بأن لا علاقة لهم بهذه الجريمة التي ليست سوى افتراء وتجني مشبوه في حقهم، كان الغرض منه التنكيل بهم والزج بهم في السجن كعقاب لهم على نضاليتهم داخل الساحة الطلابية، ضمن فصيل طلبة "البرنامج المرحلي"، المستهدف حسب رأيهم وتصورهم! وهو تصريح غريب ومستفز في نفس الوقت.
فمن أين نبدأ إذن؟ هل من الجدية والإحساس بالمسؤولية تجاه الأخطاء، وما تقترفه الأيادي، وهو الواجب، أم من التبرير والإذعان للمواقف المعادية للحوار والديمقراطية، والعمل الوحدوي، الذي يجب أن يسود داخل الاتحادات الجماهيرية؟ أم على النقيض من هذا كله، غطس الرؤوس في الرمال، للاختباء وراء فكرة "المظلومية" و"المؤامرة" و"اختلاق الحدث" واستهداف نشطاء "البرنامج المرحلي" لكسر شوكتهم واعتقالهم والتضييق على حركيتهم..الخ؟!
فالمتتبعون لممارسات وحركية عناصر "البرنامج المرحلي" يعرفون جيدا أن هذه المسلكيات أصبحت تعتبر من الأمور العادية والمعتادة في سلوكهم في أكثر من موقع، فغالبا ما تتم الإشادة والافتخار بممارسة العنف والاستئصال، بل يتم التنظير له "كواجب نضالي" داخل حلقات النقاش "التعبوية" بشكل صريح.. فمن لا يتبنى "العنف الثوري" خلال معارك الصدام مع أجهزة الدولة، أو خلال الصراع الفكري والسياسي ضد مكونات الصف الديمقراطي التقدمي، أو خلال المواجهة والصراع ضد الإصلاحيين والتحريفيين والشوفينيين والرجعيين والظلاميين..الخ فلن يكون أهلا ولا مرحبا به للانتماء للماركسية اللينينية، التي يجب عليها أن تعدّ النار والحديد، لهزم جميع هؤلاء، وشطبهم نهائيا من الساحة الجامعية، ومن الوجود حتى!.
وهو الشيء الذي غاب، أو تم تغييبه، خلال التصريحات المقدمة للمحكمة. فمن خلال هذا السلوك، يتبيّن بأن هذا التيار الذي دافع ويدافع عن انتمائه للخط الديمقراطي القاعدي دون حياء، تغيب عنه المبدئية والجرأة والمسؤولية، حيث كان لزاما على هذه الثلة المقدمة للمحاكمة بأن تتمترس وراء أحد الموقفين، لحفظ ماء الوجه، وكلا الموقفين يجب أن ينطلقا من الصدق في التصريحات، وأن يتخذا الاعتراف كوسيلة.. كأن تعترف المجموعة بتصورها وانزلاقها الخاطئ في التعامل مع مشكلة شيماء، التي ابتدأت تافهة وبسيطة، لتتحول بسرعة لقضية رأي عام، وجريمة ضد المرأة وضد المضطهدات وضد الثقافة الأمازيغية..الخ فتلك خطوة أولى نحو التصحيح، والتطوير للمفاهيم.. وهو سلوك يعجز عن ممارسته الرفضويون والفوضويون.. فالثوريون الحقيقيون هم من يلجأ لهذا الخيار الذي نسميه في ثقافتنا بالنقد الذاتي، الذي نعمل على تكريسه داخل جميع الاتحادات والمنظمات الجماهيرية، لقطع الطريق على جميع الانحرافات والانزلاقات، والتسيبات الفوضوية.. ولتصحيح الممارسة الجماعية للاتحادات، بما فيها اتحاد الطلبة إوطم الذي تلطخت سمعته بهكذا ممارسات شنيعة.
فالنقد الذاتي أصبح مهما وملزما للجميع، مهما تكون النتائج، والأحكام، التي لن تغيرها الاعترافات والتصريحات في شيء.. فهو تربية نضالية، ومنهج لتصحيح الممارسة النضالية وتطويرها، يقف ضد النرجسية تجاه الذات المناضلة التي لا "تخطئ" المواقف، والأعداء، واللحظات..الخ فهو ذا الموقف الأول.
أما الموقف الثاني فسيكون هو الاعتراف والافتخار والتمجيد لهاته الممارسات الشاذة، في إطار من الالتزام "بالخط والممارسة الثورية" و"تحصين الموقع من الشوفينية" و"الوفاء للشهداء".. "دفاعا عن النهج الصحيح وعن التعاليم الماركسية اللينينية"..الخ وهو الموقف الرسمي المنتشر بمواقع النت، والمنتشر بقوة في صفوف هذه المجموعة والمتعاطفين مع مواقفها وممارستها، الشيء الذي نعتبره إلى حدّ ما مقبولا إذا ربطناه بالدفاع عن "الثوابت والقناعات" التي لا نشاطرها الرأي بتاتا.. على اعتبار أن خلافات الحركة الطلابية وفق هذا التصور الخاطئ، لا تحلّ سوى عن طريق العنف والهيمنة والاكتساح والتطويع والتجسس..الخ عكس ما نطالب به نحن الديمقراطيون التقدميون، وهو الحوار الديمقراطي، والنضال المشترك، والعمل القاعدي المنظم والتوافق عليه من طرف كافة الفاعلين والنشطاء الطلاب.
لم يكن لا هذا ولا ذاك، واتخذت المجموعة أسهل الطرق فأنكرت ما نسب إليها من تهم واعتبرت الحادث مفبركا ولا وجود له، وبأن الضجة كلها كان الهدف منها هو التنكيل والاعتقال.. وهو موقف خسيس، وأقل صفة يستحقها كتقدير منا، بأنه جبان وانتهازي.
فلا معنى بألا يجاهر "الرفاق الثوريون" بمواقفهم من العنف داخل الجامعة وبأن يدافعوا عن تصورهم وتقديرهم لمختلف المكونات الطلابية، بصراحة.. وخصوصا ما يتعلق بضبط العلاقات فيما بين هاته المكونات نفسها والذي نعتبرها كأهم نقطة خلاف، بل عقبة في مسار تطور نشاط الحركة الطلابية وتقدمها في الفعل إلى الأمام.. ينتج العنف، ويعيد إنتاجه، ويعرقل مهمة إنجاز خارطة الطريق لإعادة بناء إوطم، ويعطل برامج الحركة الطلابية النضالية، ويبخس النقاش الفكري والسياسي..الخ
فقد سبق وأن نـُظمت من أجل هذا الموضوع ندوة طلابية من المستوى الرفيع، أشرفت عليها لجنة ممثلة لأربعة فصائل طلابية من الصف الديمقراطي ـ الطلبة الماويون، التوجه القاعدي، القاعديون التقدميون، والطلبة الثوريون ـ وكان الهدف منها نشر الوعي بأهمية الاتحاد الطلابي في تأطير وتنظيم نضالات الجماهير الطلابية بدون عراقيل ذاتية، الشيء الذي يتطلب تصفية الأجواء بين المكونات، وبالتالي الالتزام بمواقف نضالية وجب الإشهار بها علنا، وهو الشيء الذي تجسد عن حق في شعارات الندوة ـ ندوة 23 مارس 2010 بمراكش ـ الموجهة للنضال ضد العنف بين الفصائل الإوطمية والنضال من أجل صيانة حرمة الجامعة، ثم النضال من أجل إطلاق سراح الطلبة المعتقلين، وكذا توحيد نضالات الحركة الطلابية من أجل مطالبها.. خلالها سعر "الرفاق الثوريون"، وعملوا ما في جهدهم لإفشال الندوة واتخذوا موقف المقاطعة، والدعوة لها في جميع المواقع، وبكافة الوسائل دون أن ينجحوا في غايتهم هذه، ودون أن يفهم أحد دواعي هذا الموقف الغامض والمتناقض مع طبيعة النضال الطلابي، وطبيعة الإطار الديمقراطي إوطم الذي يسمح بالانتماء لجميع من آمن وتوافق على مبادئه الأربعة وعلى قانونه الأساسي!.
فهو تناقض يعيشه فصيل طلابي، يعتبر نفسه ديمقراطيا، ويناهض البيروقراطية، ولا يعطي لنفسه عناء البحث في الأشكال والوسائل القمينة والناجحة لإشراك الجميع، طلاب وفصائل في حوار رفاقي وديمقراطي، للتداول في خارطة الطريق التي ستنقل الجميع من ضفة الحوار وتسطير البرامج، إلى ضفة الفعل والممارسة النضالية التنفيذية. فعدا التبريرات البلهاء المألوفة، والتي تعتبر الجلوس مع الفصائل خطيئة، تؤدي بمن أقدم عليها للجحيم، معتبرة إياها من "الكبائر" ومن علامات "الانحراف" عن الخط الماركسي اللينيني، السديد! فجميع الفعاليات والحركات والفصائل الطلابية من وجهة النظر هذه، لأنها إما إصلاحية بالمنظور السياسي للتغيير، إما تحريفية للمنهج الماركسي وللخبرة اللينينية في التاكتيك والتحالفات والنضال الجماهيري أو شوفينية عنصرية مبالغة ومغالية في الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، أو ظلامية مناهضة ومستهدفة للهوية التقدمية لإوطم ولإنجازاته التاريخية.. لم تكن هناك من تبريرات مقنعة ومقبولة للنقاش.
حيث كان الأجدى بـ"الرفاق" أن يستغلوا الفرصة للإدلاء بمواقفهم وتصوراتهم، للنضال داخل الساحة الجامعية، ثم بالدواعي التي دفعت بهم للتنكيل بشيماء، عوض التملص، وابتلاع الألسن ورفع شارات النصر.. والحال أن الحركة القاعدية راكمت ما يكفي من التجربة في استغلال المحاكمات، للفضح والتشهير بسياسة النظام الطبقية في مجال التعليم، وفيما تعرفه الحريات الديمقراطية والأوضاع الاجتماعية والمعيشية..الخ فعلى طول تجربة الطلبة القاعديين، لم يسلم الرفاق قط من المتابعات والاعتقالات والمحاكمات والسجن، كضريبة ثابتة، حاولت باستمرار ثنيهم عن مواقفهم الشجاعة، السياسية والفكرية، وعلى عدم تراجعهم أو تنازلهم عن مهمة التنظيم والتأطير للمعارك الجماهير الطلابية من أجل حقوقها، ومطالبها المادية والمعنوية.. وهو الشيء الذي أهلهم لقيادة الحركة الطلابية منذ ظهور أواخر السبعينات. ولم يحدث قط أن أنكر أحدهم مساندته ومشاركته في مجمل حركة النضال الطلابي، من إضرابات واعتصامات ومسيرات ومقاطعة الامتحانات، أو التظاهر في الشوارع نصرة للانتفاضات أو مناهضة للغلاء والبطالة، أو دفاعا عن القضية الفلسطينية، أو تنديدا بوجود الشاة أو القادة الصهاينة على أرض المغرب..الخ ولم يحصل قط أن تلعثم أحدهم على منبر المحاكمات، وأنكر مواقفه أو انتماءه وعلى العكس مما نراه من شباب اليوم الذين يقترفون الجرائم باسم النضال، وتحت راية القاعديين ويشرملون المخالفين ويحلقون رؤوس المشبوهين..الخ ـ وأعتذر لشيماء ـ وفي الأخير يعجزون عن الدفاع علنا عما اقترفته أياديهم، ويتنكرون للمشاركة في الجريمة، وينفون حدوثها من أصلها!
فمن الجذرية والثورية المبدئية، نهج وممارسة النقد والنقد الذاتي لتطوير مواقفنا، ولتصحيح البعض من ممارستنا الخاطئة أو القاصرة.. وهي منهجية سديدة لا تحتاج إلى قرار، وهي التي ستحفز جميع الطلائع الطلابية على متابعة المسيرة النضالية لإوطم التاريخي، وتقوض بالتالي جميع الممارسات الخاطئة، المبنية على فهم خاطئ لدور الحركة الطلابية في الصراع من أجل السلطة السياسية في البلاد، وعن دور اتحاد الطلبة إوطم في العملية، ودور الإطارات الجماهيرية عموما في عملية التعبئة من أجل نجاح المعركة، من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.. وكلها أمور تتطلب تصورا وحدويا يجمع فصائل الحركة الديمقراطية التقدمية ويلفها حول برنامج وحدوي واضح المعالم والأهداف، يتوفر على قيادة طلابية ديمقراطية ومكافحة تنبذ العنف، إلا خلال مواجهة الحملات القمعية والذود عن حرمة الجامعة، وتسعى جاهدة لإشراك الجماهير الطلابية عبر تنظيمها، وتأطيرها فكريا وسياسيا، لخوض المعارك ولتحقيق المطالب، وللمشاركة الفعالة في النضال الإستراتيجي، من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
فالإنكار لن يغير من قيمة الإحكام ومن توجه وطبيعة الحكام.. ولن يغير من نظرة الجماهير والرأي العام للجريمة ولمقترفيها.. على العكس فإن خطوة النقد والنقد الذاتي المحمودة، سيكون لها وقع وأثر نوعي على مسيرة الحركة القاعدية بمجملها، وبالأخص مجموعات "البرنامج المرحلي" واتجاهات طلابية أخرى، والتي يجب أن يبادر بإطلاقها المعتقلون في السجون، وأن تعمم بداخل جميع الفضاءات، وأن يتم الحرص على أن تبقى بعيدة عن مصائد وشباك القوى الرجعية والانتهازية، المتربصة بالحركة القاعدية وبمناضليها قصد استقطابهم. والتي يجب أن يرقى خلالها النقاش إلى مستويات عالية تحضر فيها الديمقراطية والرفاقية والنظرة الشمولية، وبأن يتم التركيز على الأسئلة الحارقة والمقلقة، من قبيل، ما هو تصورنا للعمل في صفوف الحركة الطلابية؟ وما هي طبيعة المهام المطروحة على الحركة الطلابية خلال المرحلة الحالية؟ وهل هناك حاجة موضوعية لاتحاد طلابي يستوعب كافة الجماهير الطلابية وكافة الفصائل التقدمية؟ وهل هناك خارطة طريق لبناء الاتحاد وهيكلته على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع الفصائل والتيارات والمجموعات والفعاليات والطلائع الطلابية المستقلة، في تدبير وتسيير الاتحاد؟ ثم ما هي الخطوط العريضة لبرنامج النضال الطلابي خلال هذه المرحلة بالذات؟
على هذا الأساس، وبتوجيه من هذه الأسئلة المهمة، والتي يمكن أن تغتني بإضافات وتعديلات.. نكون وضعنا عربة النضال في السكة الصحيحة، وسيكون انخراطنا حينها مسؤولا وذي مصداقية، لإعادة الاعتبار لإوطم، ولقيمه الديمقراطية المناهضة للعنف، والحريصة على الحوار والصراع والتنافس الديمقراطي، بين كافة الفصائل المناضلة.. كسبيل وحيد لانتصار الحركة الطلابية على أعدائها الطبقيين، واسترجاع إوطم لتاريخه وأمجاده ومكانته، في الساحة الطلابية والنضالية.

مصطفى بنصالح
يوليوز 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج