الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق في عدم التدين .. بين المواطنة والدعشنة الكامنة

خالد الحروب

2016 / 7 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ثمة حادة إلى الإقرار ب “الحق في عدم التدين” كحق من حقوق الفرد العربي او المسلم في مجتمعاتنا، وبأن هذا الحق لا يحرمه من حقوقه الدستورية والمواطنية الاخرى. تُساق هذه الفكرة لمواجهة مد التدين التعصبي والجامح الذي يعصف في المجتمعات العربية، وهو ما يمكن وصفه بتنويعات مختلفة من “الداعشية الكامنة” وهي التي يتشارك اكثرها تطرفا مع “الداعشية المتوحشة” في الكثير من البنيات الفكرية والقناعات لكن تختلف عنها بأنه لم يتم تفعيلها عنفيا وبالسلاح. داعش لم تأتِ من فراغ، بل هي حصيلة ثقافة هوياتية اجتماعية ودينية وسياسية سيطرت على الفضاء العام خلال نصف القرن الماضي على الاقل، واعتاشت على مناخات تردٍ ذريع ولدها فشل الدولة في منطقتنا، والتدخلات والحروب الخارجية العسكرية التي لم تنقطع. تتوقف هذه الحروف عند العامل الاول وهو الثقافة الدينية والاجتماعية المحافظة والمتسلفة التي اختطفت الجامع والمدرسة والاعلام، وأسست لمعيارية دينية صارمة في تحديد الصواب والخطأ، وترسيم مكان هذا الفرد او ذاك في المجتمع ومنحه او حرمانه الموقع او الاحترام تبعا لتراتبيات وافضليات دينية وتدينية. ولا يعني التركيز هنا على هذا العامل التقليل من بقية العوامل الاخرى، وتحديدا فشل دولة الداخل وتغول دولة الخارج، ذلك ان المساحة المتاحة هنا لا تسمح بنقاش كل شيء.
انخرطت الثقافة الدينية الجمعية في تصنيع “داعشية كامنة” لا يمكن انكارها تحكمت في المجتمعات، واطبقت قبضتها بالتدريج على معظم مساحات الفضاء العام. وتعود الجذور الاولى لهذه “الداعشية الكامنة” إلى زمن انهيار الدعوات الاصلاحية والانفتاحية لتيار الافغاني ومحمد عبده والكواكبي لصالح صعود سلفية وانغلاق حسن البنا ثم سيد قطب وبعدهما التيارات السلفية برمتها. تدعمت تلك الداعشية الكامنة المتصاعدة بعيدا عن المؤسسة الرسمية عبر المؤسسة الرسمية ذاتها في الدول العربية حيث انجرت الى مربع الدين كي تدافع عن شرعيتها السياسية. في المحصلة وبإيجاز قد لا ينجو من إبتسار تنافست الانظمة السياسية والمعارضات الاسلاموية ضد بعضها البعض في تكريس آليات تديين المجال العام في معظم البلدان، وإن بدرجات متفاوتة. وانعكست اشد تجليات ذلك التنافس تأثيرا وتدميرا على طبيعة وتعريف الصراع على الشرعية السياسية، وتديين الاعلام، وتديين مناهج التعليم. كل ذلك أدى إلى تسييد الخطابات الدينية بأطيافها المختلفة، وتحويلها إلى الناظم الاساسي للعقل الجمعي والمنظومة المعيارية التي تفصل على مقاسها الكثير من القوانين، ويتم استخدامها لتقييم الممارسات والاخلاق العامة والاعراف. المعنى التطبيقي لسيادة الخطابات الدينية ان الفرد في الدولة العربية صار له شخصيتان اعتباريتان تتصادمان في كثير من الاحايين: الشخصية الاولى دينية وهي مُعرفة بمدى تدينه والتزامه، والشخصية الثانية قانونية معرفة بكونه مواطن بحسب الدستور. وقد طغى التعريف الاول على التعريف الثاني إلى درجة مُذهلة، حتى صار “الفرد المتدين” هو المعيار والمسطرة وهو “أفضل” من “غير المتدين” من دون نقاش. ولو كانت هذه التفاضلية محصورة في حيز آراء الافراد ببعضهم البعض لما كان لها أهمية، لكنها تفاضلية ظلت تتضخم وتكبر حتى حشرت التعريف القانوني للفرد في الزاوية، ولأنها اعلت ورقت من قيمة “التدين” في المجمتمع واخرجتها من حيز الممارسة الفردية إلى المعيارية المجتمعية التي تتماس مع النظرة القانونية. الاصطدام الكبير بين النظرتين والتعريفيين عندما يخرج التعريف الاول (التديني) الى الحيز العام يأتي من تناقضه مع فكرة الدولة المواطنية الحديثة التي تقوم على اعتبار كل الافراد مواطنين متساويين بحسب الدستور، لهم حقوق وعليهم واجبات مواطنيه وليس دينية. بحسب الدستور يتساوى المسلم مع المسيحي وحتى مع المواطن الملحد الذي لا يصرح بإلحاده. التعريف الاساسي لهذا الفرد هو "المواطنة" وليس درجة التدين. فالتدين والالتزم الديني مسألة فردية خاصة بكل فرد يديرها كما يشاء.
الاطروحة الاساسية التي يرتكز عليها انصار كل دعوة دينية في اي مجتمع في العالم هو ان الالتزام الديني يكرس الاخلاق الحميدة ويضاعف من الخير ويقلل من الشرور. لكن هذه الاطروحة غير متماسكة لا من ناحية نظرية ولا من ناحية احصائية، ذلك ان معظم الدراسات والمسوحات المعولمة حول القيم والاخلاق والالتزام الديني تشير إلى انه لا علاقة مباشرة بين مستويات التدين والاخلاق الحميدة. على سبيل المثال، ولتقريب الصورة، تعتبر البلدان العربية والمسلمة اشد المجتمعات تدينا في العالم، اضافة لمجتمعات جنوب الصحراء الافريقية. لكن العديد من هذه البلدان مثل افغانستان وايران ومصر مثلاً تتصدر دول العالم في كثير من الاخلاقيات السيئة مثل التحرش الجنسي بالنساء، او عدم احترام النظام او النظافة. بينما العديد من البلدان التي تتصف بنسب تدين منخضفة والحاد عالية تقل فيها نسب التحرش بالنساء، ويُحترم النظام والنظافة. على ذلك ليس هناك علاقة آلية بين الاخلاق ومدى الالتزام الديني، على ما تطرحه الحركات الدينية اياً كانت، والاسلاموية في بلداننا.
ذلك كله يطرح جملة من الحقائق والتحديات التي يجب ان تقض مضاجع الجميع، الاولى هي وجوب التخلص من التعسف الاخلاقي الكبير في ربط علاقة قوية وشرطية بين التدين والوطنية، كما تم الترويج في المخيلة العامة خلال سنوات المد الاسلاموي الحركي في المنطقة، معززاً بطريقة غير مباشرة بالخطاب الرسمي. فهنا اشتغل الخطاب الديني بتنويعاته المختلفة بشكل مباشر او غير مباشر على التشكيك العميق في وطنية واخلاقية ومهنية واخلاص غير المتدينين وفي تحليهم بأي من القيم الايجابية، وحصر تلك القيم بالمتدينين فقط. وقد شهدنا في حقبة إسلامويي الثورات العربية ما يقترب كثيرا من نزع الوطنية برمتها عن شرائح عريضة من العلمانيين والليبراليين وغير المتدينين. والمقصود بنزع الوطنية هنا ليس فقط التخوين والاتهام بالعمالة للغرب والخارج وسوى ذلك مما صار معزوفة دائمة في خطابات كثير من الاصوليين إزاء مخالفيهم. بل الاخطر من ذلك كله في هذا السياق وفي مسألة نزع الوطنية هو عدم الاقرار الضمني بأن هؤلاء هم مواطنون يتمتعون بكامل الحقوق والحريات الفردية التي يتمتع بها المتدينون انفسهم.
إن السؤال والتحدي الدائم والمُتجدد الذي يجب ان يواجهه الجميع، سواء في الحكم او المعارضة، او في اوساط المجتمع بشكل عام يتجسد في مفهوم المساواة المطلقة بين المواطنين بغض النظر عن اي معطى آخر، ديني، طائفي، عرقي، مسلكي او سواه، وهو المفهوم المُنتظم في إطار الدولة المدنية التي لا تهتم بمدى تديين الافراد، بل بمنحهم حقوقهم ومطالبتهم بالتزاماتهم بحسب الدستور.
الدولة المدنية القائمة على المساواة في المواطنة عليها ان تحمي حق مواطنيها في التمتع بحرياتهم الفردية والمسلكية، وليس فقط حرياتهم السياسية. ومن تلك الحريات الفردية التي من واجب الدولة حمايتها حرية الافراد وحقهم في عدم التدين. التدين والالتزام بأي من الطقوس شأن فردي لا دخل للدولة فيه، وشأن الدولة هو ان توفر المناخ الصحي للمتدين وغير المتدين في الحياة بشكل طبيعي ومن دون قمع. اذا تدينت الدولة معناه انها انحازت لشريحة من الناس ضد الشريحة الاخرى وسوف تحاول عبر القوانين والتشريعات الحد من حرية غير المتدينين الفردية. ولا فائدة هنا من المناكفة المشتهرة التي تحوم حول "حدود الحرية" وانها غير مطلقة فهذا من البداهات الاجتماعية، ذلك انه في اكثر البلدان انفتاحا في الغرب لا يمكن لأحد ان يمارس حريته الفردية في الخروج عاريا في الشارع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن