الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في المفردات الفكرية للهندسة المالية الإسلامية

إخلاص باقر النجار
(Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar)

2016 / 8 / 1
الادارة و الاقتصاد


قـــــراءة فـي الـمـفــردات الــفــكــرية للـهندسـة الـمـاليـة الإسـلامـيــة
أ.م.د.إخــلاص بـاقــر الـنجـــار
العراق / جامعة البصرة / كلية الإدارة والاقتصاد
قـســـم الـعـلوم الـمـالـيـة والمصرفية
الــمــحتــويـــات
المبحث الأول : الهندسة المالية الإسلامية ، المفهوم وأهمية ، المبادئ ، والخصائص
المطلب الأول : مفهوم وأهمية الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثاني : مبادئ الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثالث : خصائص الهندسة المالية الإسلامية

المبحث الثاني : الهندسة المالية الإسلامية ، المداخل والمتطلبات ، المحددات ، الأسس والعوامل التي ساعدت في ظهورها
المطلب الأول : مداخل ومتطلبات الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثاني : محددات الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثالث : العوامل التي ساعدت في ظهور الهندسة المالية الإسلامية

المبحث الثالث : الهندسة المالية الإسلامية ، المشاكل ، التحديات ، ومناهج التطوير
المطلب الأول : المشاكل التي تواجه الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثاني : تحديات تطوير الهندسة المالية الإسلامية
المطلب الثالث : مناهج واقتراحات تطوير الهندسة المالية الإسلامية

المقدمة
ظهرت الحاجة إلى الهندسة المالية التي تُعدُّ شريان الحياة للإبداع المالي بسبب الإحتياجات المختلفة للمستثمرين وطالبي التمويل , لأدوات مالية جديدة تخرج عن صورتها التقليدية ومهامها القديمة ، وقد أدى تطور تقنية المعلومات والاتصالات إلى تحول الأسواق المالية العالمية إلى سوق مالي كبير، يهدف لخفض التكاليف وزيادة العائد ، وقد عرفت الهندسة المالية من وجهة نظر الأسواق المالية بأنها مصطلح لوصف تحليل البيانات المحصلة من السوق المالية بطريقة علمية ، ويُعدُّ هذا مهما بالنسبة للمتعاملين لأن دقة المعلومات وسرعتها أساسية في اتخاذ القرارات ، وتركز على تصميم وتطوير وتطبيق عمليات وأدوات مالية مستحدثة ، وتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشاكل المالية ، بحيث لا يقتصر دورها على المنتجات الجديدة فحسب ، بل يمتد إلى محاولات تطويع أفكار قديمة لخدمة أهداف المؤسسات ، أي يعني في مجمله استنباط أدوات مالية جديدة لمقابلة احتياجات المستثمرين أو طالبي التمويل المتجددة لأدوات التمويل التي تعجز الطرق الحالية عن الإيفاء بها ، وقد شكل موضوع الهندسة المالية الإسلامية واحداً من المواضيع المهمة ضمن عمليات التحليل المالي الذي يكمل منظومة الاقتصاد الإسلامي ، بحيث حققت المؤسسات المالية الإسلامية إنجازات واعدة ، لتوفر لهم البديل المناسب عن المؤسسات المالية التقليدية التي لا تتوافق تعاملاتها مع الشريعة الإسلامية، التي تهدف لإثبات مدى قدرة الهندسة المالية الإسلامية على مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية ، بما تبتكره من أدوات مالية إسلامية بإمكانها أن تستجيب لنمو حاجة الصناعة المالية الإسلامية مالية ومصرفية، ذاتية وملائمة، ميزتها الأصالة والابتكار ، وتتوافر فيها كل الضوابط الشرعية والكفاءة الاقتصادية بعيدا عن محاكاة المنتجات المالية التقليدية .
المطلب الأول : مفهوم وأهمية الهندسة المالية الإسلامية
أولاً : مفهوم الهندسة المالية الإسلامية
تعرف الهندسة المالية الإسلامية بأنها : ( مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من العمليات المالية المبتكرة وصياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل في الإطار الشرعي )، يلاحظ من هذا التعريف أنه مطابق لتعريف الهندسة المالية التقليدية ، إلا أنهما يختلفان في كون الهندسة المالية الإسلامية تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية على عكس التقليدية ، هذا وتشكل الهندسة المالية الإسلامية اليوم حاجة ملحة للتطوير والإبداع في المؤسسات المالية الإسلامية على المستوى المؤسسي والصناعي ، كونها صناعة ناشئة مقارنة بالتقليدية وهي تحتاج إلى التطوير والابتكار لمنتجات مالية إسلامية أصيلة تحافظ على هويتها وتحميها من التقليد ، مما يساهم في تحقيق نمو للصناعة ينعكس إيجاباً على المؤسسات المالية الإسلامية والمصارف ، بشكل يضمن لها التميز في تقديم منتجاتها المالية من خلال التحوط أو إدارة المخاطر ، وتوفير البدائل للمنتجات المالية وتجنب التقليد لمنتجات المصارف التقليدية ، والالتزام بالضوابط الشرعية ، والاستثمار الحقيقي وليس الوهمي وتعزيز المساهمة الحقيقية في التنمية الاقتصادية مثل المشاركات والبيوع والإجارات ... الخ من العقود ، وإن المقصود بالهندسة المالية في المنظور الإسلامي هو ما يلبي مصلحة حقيقية للمتعاملين في السوق المالية وليس مجرد عقد صوري من العقود الوهمية ، وهذا ما يؤكد القيمة المضافة للابتكار ، فالشريعة ليس فقط ما يحكم العلاقة بين الله تعالى والإنسان ، ولكن أيضا ما ينظم العلاقات بين البشر ، إذ يجب أن يكون المسلم على يقين دائم بأن أعماله متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، وعلى الرغم من أن المبدأ الرئيس للتمويل الإسلامي هو تقاسم المخاطر ، إلاّ انه يوجد محظورات في نظر الشريعة مرتبطة بالمجال المالي ، تعتبر كالركائز الأساسية لتشريع التمويل ، ويمكن تفسيرها بإيجاز على النحو التالي : -
1 – حظر الربا : يحرم جميع أشكال الربا التي فسرت في الشريعة على أنها معادلة لفائدة مدفوعة على القرض
2 – حظر الغرر : بيع عنصر محتمل وجوده كبيع الطائر في الهواء أو السمك في الماء مثلا .
3 – حظر الميسر : يحرم جميع أنواع القمار ، وفي الجانب المالي ينطبق على احتمالات المقامرة بالسندات أو الأرصدة في عمليات مالية.
4 - حظر بعض التمويلات: أي التي تُعدُّ غير قانونية من قبل الشريعة مثل إنتاج لحم الخنزير .
ثانياً : أهمية الهندسة المالية الإسلامية
1 – الاستفادة من التطورات البحثية للهندسة المالية الإسلامية ، التي تستكمل المنظومة التعليمية للاقتصاد الإسلامي ، والتأكيد على إيجاد البديل قبل التحريم لأي من المعاملات المالية .
2 – تساعد في إيجاد القواعد الملائمة التي تجمع ما بين العلوم الشرعية والعلوم المالية .
3 – استحداث منتجات مالية مبتكرة على وفق قاعدة الحلال والحرام ، وترك المنتجات المرتكزة على الفائدة ومحاولة تمكين المؤسسات المالية الإسلامية من منافسة المؤسسات المالية التقليدية ، من اجل إدارة سيولتها وخلق التوازن ما بين مواردها واستخداماتها .
المطلب الثاني : مبادئ الهندسة المالية الإسلامية
1 - مبدأ التوازن : أي التوازن ما بين المصالح الشخصية والمصالح الاجتماعية ، وفيما يتعلق بالمنافسة والتعاون وتحقيق الربح والأعمال الخيرية ، فالشريعة الإسلامية نجحت في تحقيق التوازن بين مختلف الحاجات والرغبات ووضعت الكل في الإطار المناسب.
2 - مبدأ التكامل : أي التكامل بين المصالح الشخصية والاعتبارات الموضوعية، بين تفضيلات الزمن والمخاطرة وبين توليد الثروة الحقيقية.
3 - مبدأ الحلّ : إن قاعدة الحل هي الأساس للابتكار المالي بشرط أن يبتعد عن دائرة الحرام ، وترجع أصول المبادلات المالية المحظورة إلى الربا تؤل إلى الظلم، والغرر يرجع إلى الجهل، وقد جمعها الله بقوله تعالى :{{ وحملها الإنسان إنه ظلوما جهولا (72) }} سورة الأحزاب .
4 - مبدأ المناسبة : أي تناسب العقد مع الهدف المقصود منه ، بحيث القصد ملائما للنتيجة المطلوبة مع الهدف المقصود منه، وهذا مدلول القاعدة الفقهية ( العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ).
المطلب الثالث : خصائص الهندسة المالية الإسلامية
1 – الابتكار الحقيقي وعدم التقليد : ان التنوع في المنتجات المالية الإسلامية ، تنوعاً حقيقياً وليس وهمياً كما في أدوات الهندسة المالية ، لأن لكل أداة صيغة تعاقدية وصفات تميزها عن غيرها ، سواء تعلق الأمر بالمخاطر أو الضمانات أو التسعير وهذا ما يؤكد القيمة المضافة للابتكار .
2 – التشريع الإسلامي محل التشريع الوضعي : أي الاعتماد على التشريع الإسلامي في تصميم المنتجات المالية ، والنأي عن الخلافات الفقهية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ، والتأكيد على مبدأ المشاركة في مبدأ الأرباح والخسائر بين الأطراف وليس مبدأ درء المخاطر وتحويلها لأطراف أخرى ، أي عند إبرام العقود المالية لابد أن تكون خالية من كل ما يتعارض مع الضوابط الإسلامية .
3 – التمويل بدل الإستثمار : تُّعدُّ إدارة السيولة الهدف الرئيس لعمل الهندسة المالية الإسلامية على عكس هدف التقليدية المتمثل باستحداث أدوات مالية لغرض التحوط والمضاربة والاستثمار ، فالأولى تسعى لجذب رؤوس الأموال المتوافرة لدى الذين لا يفضلون التعامل بالهندسة المالية التقليدية واستخدامها في عمليات التمويل بدل الاستثمار لأنها أقل مخاطرة .
2- الإدراك والوضوح : يجب أن تكون العقود خالية من الإكراه والتعسف والاستغلال ، وأن يكون لدى أطراف العقد وضوح حول ما يتضمنه العقد من شروط أو بنود .
4- الإمكانية والاستطاعة والالتزام : لحديث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ( لا تبع ما ليس عندك ) ، ويشمل ذلك بيع المعدوم ، ولابد من التزام الأطراف بأجل العقد , وعدم استخدام شيء من الحيل اللغوية أو القانونية , للتحايل على بند أو شرط مما اتفق عليه الطرفان في العقد .
المبحث الثاني : الهندسة المالية الإسلامية ، المداخل والمتطلبات ، المحددات ، الأسس والعوامل التي ساعدت في ظهورها
المطلب الأول : مداخل ومتطلبات الهندسة المالية الإسلامية
أولاً : مداخل الهندسة المالية الإسلامية
1 - المحاكاة : يعني أن يتم مسبقاً تحديد النتيجة المطلوبة من منتج صناعة الهندسة المالية الإسلامية ، وان لا تخرج عن نفس النتيجة التي يحققها منتج صناعة الهندسة المالية التقليدية،بحيث أن الأسلوب المتبع في توليد الأوراق المالية قائم على المحاكاة والتقليد للمنتجات المالية التقليدية.
2 - الأصالة والابتكار: يعني البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات المالية المناسبة لها ، بشرط أن تكون متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمرة لإحتياجات العملاء والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها ، وذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية .
ثانياً : متطلبات تحقيق الهندسة المالية الإسلامية
1- الوعي : بما أن هدف الهندسة المالية تلبية الاحتياجات المختلفة لجميع الاقتصاديين، فلابد أن تكون الحاجات التي يتطلبها السوق معروفة لمن يقوم بالابتكار للأدوات المالية .
2- الشفافية والالتزام : وضوح الأدوات التي يتم ابتكارها ، لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها المضاربون باستخدام الطرق غير الشرعية ، مع الإشارة إلى أن انضباط قواعد الشريعة الإسلامية يشكل بهذا الخصوص صمام أمان بسبب المصداقية الشرعية للهندسة المالية الإسلامية ، إن تم الالتزام بها .
المطلب الثاني : محددات الهندسة المالية الإسلامية
1 - المشاركة في الأرباح أو الخسائر على أساس القواعد الشرعية المعمول بها في العقود .
2 - لا يجب استثمار الموارد النقدية للأوراق المالية الإسلامية في مشاريع تدر عوائد متفق عليها مقدما ، ، فمثل هذه العوائد ان تحققت لا تختلف عن الفوائد و إن سميت أرباحا .
3 - استثمار الموارد التمويلية للأوراق في مشاريع مهمة لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.
المطلب الثالث : الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية
ينبري الأساس الإسلامي للهندسة المالية من خلال حديث سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم حيث قال : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيئا ) ، يستنبط من هذا الحديث الدعوة للابتكار ومحاولة إيجاد الحلول للمشاكل المالية وغير المالية طالما كانت في مصالح العباد ، وبالتالي المنافسة في سوق الخدمات المالية وفي مجمل المسائل المجتمعية ، كما يدل الحديث على أن العمل الذي يصدق عليه أنه استنان ، يتصف بالأمور التالية : -
1 – أن العمل يوصف بالحسن والسوء بحسب موافقته أو مخالفته لأحكام الشريعة،لكن لا يلزم أن يعمل الناس بهذه السنة حتى تستحق هذا الوصف، لأن الأجر أو الوزر ثابت، سواء وجد الأتباع أم لم يوجد.
2- السنة المبتكرة هو إتباع الإسلام، وإن كان هذا القصد وحده لا يكفي في اعتبار العمل نفسه إسلامياً.
3- ان تتوافر فيه الحداثة والابتكار ، لأنه وجه أنظار الناس على شيء لم يكونوا قد عملوا به من قبل.
كما ونبه الحديث إلى خطورة الابتكار غير المشروع ، وركز على قاعدة ارتباط العائد بالمخاطرة ، وكلما كان العائد المحتمل أكبر ، كلما كانت الخسارة المحتملة أكبر ، فكما أن فضل الابتكار النافع كبير ، فكذلك وزر الابتكار السيء أيضا كبير ومضر ، وتأسيساً على ما تقدم يمكن توضيح الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية بحسب التالي : -
أولاً - تحريـم الربـا : الربا هنا يعني الزيادة على رأس المال بدون جهد قلّت أو كثرت فهي محرمة ، فقد ورد تحريم الربا في القرآن الكريم بقول الله تعالى : {{ ياَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ((130)) }} سورة آل عمران ، وقد تدرج التحريم حيث بدأ بالمقارنة بين مضار الربا وفوائد الزكاة , وقال تعالى : {{ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ((39)) }} سورة الروم ، ثم أعلن الله الحرب على آكل الربا بقوله تعالى : {{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين امنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ((275 - 281)) }} سورة البقرة ، وقوله تعالى:{{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، وبصدهم عن سبيل الله كثيراً ، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاباً اليماً (( 161 – 162 )) }} سورة النساء .
وقد حذر سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) وذكر منها الربا ، وهو محرم في جميع الأديان السماوية والحكمة من تحريمه أن فيه ضرراً عظيماً ، فهو يسبب العداوة بين الأفراد ، كما يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئاً ، و الربا نوعاان ربـا النسيئة ، وهو الزيـادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التـأجيل ، وربا الفضل الذي هو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيـادة .
ثانياً : حريـة التعــاقـد : ويعني التعاقد إطلاق الحرية للناس وبالشروط التي يشترطون على ألاّ تشتمل عقودهم على أمور حرمها الشرع ، فما لم تشتمل تلك العقود على أمر محرم بنص ، فإن الوفاء بها لازم ، والعاقد مأخوذ بما تعهّد به ، وإن اشتملت العقود على أمر محرم فهي باطلة .
ثالثاً : التيسير ورفع الحرج : يقصد بالحرج الضيق ، فإذا صار الفرد في حالة لا يستطيع معها القيـام بالعبـادة على النحو المعتـاد فإن الله سبحانه وتعالى يرخص له في أدائها بحسب إستطاعته , وفي هذا رفع للمشقة عن العبـاد , يقول الله تعالى :{{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ وُسْعَها (286) }} سورة البقرة ، ويقول الله تعالى : {{ ومَا جَعَلَ عليكُم في الدِّين مِن حَرَج (78) }} سورة الحج ، ويظهر أثر هذه القاعدة واضحا في التكاليف الشرعية ، فالله تعالى لم يفرض على المؤمنين من العبادات إلا ما وسعهم ، وفي مجال المعاملات حيث جعل الله سبحانه باب التعاقد مفتوحا أمام العباد وجعل الأصل فيها من الاباحة ولم يضع من القيود إلاّ تلك التي تمنع الظلم أو تحرم أكل أموال الناس بالباطل .
رابعاً : الاستحسـان والاستصـلاح : الاستحسان هو ما يستحسنه المجتهد بعقله من غير أن يوجـد نص يعارضه أو يثبته، بل يرجع فيه إلى الأصل العام، وجريان المصالح التي يقرها الشرع وهو باب لحرية التعاقد ، أي أن يعدل المجتهد عن أن الحكم في مسألة ما ، لوجود دليل أقوى يقتضي العدول عن الدليل الأول المُثْبِت لحكم هذه النظائر ، أما المصـالح المرسـلة أو الاستحسان الأخذ بكل أمر فيه مصلحة يتلقاها العقل بالقبول، ولا يشهد أصل خاص من الشريعة بإلغائها أو اعتبارها.
خامساً : التحذير من بيعتين في بيعة واحدة : نهى سيدنا محمد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم عن بيعتين في بيعة واحدة ، والتحذير هنا يركز على ما كان بين طرفين ، فإذا كانت إحدى البيعتين مع طرف والأخرى مع طرف آخر لم تدخل في النهي ، وبعبارة اخرى فإن أي بيعتين بين طرفين تكون محصلتهما بيعة من نوع ثالث ، ينبغي النظر إليها بمقياس البيعة الثالثة ، وفي هذه الحالة الحكم تابعاً لحكم البيعة الثالثة، فإن كانت الثالثة ممنوعة شرعاً كانت البيعتان كذلك ، وإن كانت مقبولةً شرعاً لم يكن هناك حاجة للبيعتين ، وأمكن تحصيل المقصود من خلال البيعة الثالثة مباشرة ، لضمان السلامة الشرعية والكفاءة الاقتصادية للمعاملات المالية .
المبحث الثالث : الهندسة المالية الاسلامية ، المشاكل ، التحديات ، ومناهج التطوير
المطلب الأول : المشاكل التي تواجه الهندسة المالية الإسلامية
1 – البيئة الحاضنة : انطلقت أفكار المنتجات المالية الإسلامية من البيئة التقليدية ، وهذه البيئة نشأت قواعدها وأنظمتها العلمية بعيداً عن المنهج الإسلامي ، ما أدى إلى الإشكال الثاني وهو الهدف والغاية.
2 – الهدف والغاية : لما كانت البيئة الحاضنة للمنتجات المالية الإسلامية هي البيئة التقليدية ، أدى ذلك إلى ظهور مشكلة في هدف وغاية المنتج الإسلامي ، فجاء مفرغاً من معناه ومقصده ، وان كان قد أخذ الصورة الشرعية في ظاهره ، وهذا ما أدى بدوره إلى الإشكال الثالث المتمثل في وسائل الابتكار .
3 – وسائل الابتكار : انعكست الصورة السابقة الذكر للمنتجات المالية الاسلامية على وسائل ابتكارها وتطويرها ، فإقتصرت على الترقيع او اللصق لمنتجات مالية تقليدية ، فلا تكاد ترى منتجاً مالياً تقليدياً إلاّ ومعه نسخته الإسلامية .
4 – مسؤولية تطوير المنتجات المالية الإسلامية : اكتفت الهندسة المالية الإسلامية بإدخال تعديلات على المنتجات المالية التقليدية لتتلائم مع الضوابط الشرعية ، فعملية إخراج المنتجات المالية الإسلامية من نطاق التقليد إلى نطاق الابتكار ، مرهون بتكاثف جهود كل الأطراف المتداخلة في منظومة عمل متكاملة للمصارف والمؤسسات المالية والسوق المالية والبنك المركزي والمتعاملين الاقتصاديين، وبخاصة بعدما توضح ان تقييد المنتجات المالية الإسلامية بالرابط الديني لا يُعدُّ عائقاً في حد ذاته ، بل على العكس يمكن استخدامه كميزة لجلب رؤوس الأموال من العملاء المسلمين وغير المسلمين ، لاسيما بعد فقدانهم الثقة بالنظام المالي ومنتجاته المالية في ظل الأزمة المالية العالمية .
المطلب الثاني : تحديات الهندسة المالية الإسلامية
1 – الافتقار إلى الكفاءات : ، أن القوة العاملة غير المؤهلة ستعيق العمل المصرفي والمالي الإسلامي وتحد من إمكانية نمو المصرف من حيث المخاطر التشغيلية ، لذا لابد من تأهيلاً خاصاً وكفاءات إدارية مدربة تكون على خبرة ودراية تامة بطبيعة عمل المؤسسات المالية الإسلامية .
2 – قلة البحث والتقدير : تفتقر بعض المؤسسات المالية الاسلامية الى الاهتمام بمفهوم الهندسة المالية الاسلامية ، حيث تعاني من غياب ثقافة الابداع والتطوير ، فقد اثبتت التقارير السنوية لاكبر (12) مؤسسة مالية اسلامية في منطقة الخليج العربي غياب شبه تام لمخصصات مالية ، خاصة بالبحث والتطوير للمنتجات المالية الاسلامية ، في الوقت الذي انفقت فيه (9) مصارف اوربية ما يزيد عن مليار دولار على عمليات التطوير والبحث .
3 – غياب حقوق الملكية لصاحب فكرة المنتج المالي الجديد : تتحمل المؤسسات خلال عملية ابتكار منتج مالي جديد تكاليف ومخاطر عالية للتحقق من جدواه ، وبعد نجاح هذا المنتج الابتكار ، ستقدم المؤسسات الأخرى إلى تطبيق هذه التجربة الجاهزة المضمونة والاستفادة من مزاياها ، دون تحمل اي تكاليف أو مخاطر، وهذا ما يحد من تقدم المؤسسات المالية عن محاولة التطوير والابتكار .
4 – ضعف التنسيق بين الهيئات الشرعية : بسبب تضارب الفتاوى بين الدول الإسلامية وحتى داخل البلد الواحد،فنجد بعض المصارف تجيز التوريق والبعض الاخر لا يجيز التعامل به ،لذا على المؤسسات المالية الاسلامية ان تعمل على ايجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي وتوحيد الفتاوى.
5 – الخطأ في تحديد الهدف من الهندسة المالية الإسلامية : ان تركز الهدف في تلبية احتياجات المسلمين ، أضعف الهدف الجوهري المتمثل في خلق القيمة المضافة ، لذا لابد من الجمع بين الوجهة الدينية والاقتصادية وتلبية احتياجات المسلمين وغير المسلمين .
6 – المصداقية والثقة : هناك من يعتقد في صناعة التمويل الإسلامي قناة لتمويل الإرهاب وبيئة لغسيل الأموال ، فضلاً عن مشاكل قلة الخبرات والمهارات الإدارية والتي ستؤثر على مصداقيتها .
7 – المنافسة وكفاءة التكلفة : وهي مميزات تنافسية تتفوق بها المؤسسات التقليدية على الإسلامية ، لما لديها من الخبرة الكبيرة والشبكات الأوسع والحجم الاقتصادي في السوق العالمي للمؤسسات المالية التقليدية ، كما وتعاني المؤسسات التقليدية التي لديها نوافذ إسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية على حد سواء من مشكلة تكلفة عمليات التشغيل العالية للمعاملات المالية الإسلامية .
8 – التسويق : من دون تثقيف وتعليم العملاء بمبادئ وآلية عمل التمويل الإسلامي ، سيبقى العملاء بعيداً عن المنتجات الإسلامية ، وسيكون إقبال المسلمين على المنتجات المالية الإسلامية ضعيفاً بسبب عدم فهم الصناعة ، لذا يعدُّ تسويق هذه المنتجات تحدياً بالنسبة لنمو قاعدة عملاء المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية .
المطلب الثالث : مناهج واقتراحات تطوير الهندسة المالية الاسلامية
1 – منهج المحاكاة : بعد ان عرفنا بأن الهندسة المالية الإسلامية قائمة على المحاكاة والتقليد للمنتجات المالية التقليدية ، وعلى الرغم من مزاياها المتمثلة بالسهولة والسرعة في تطوير المنتجات ، ولا تتطلب الكثير من الجهد والوقت في البحث والتطوير ، سوى تقليد المنتجات في السوق ، نرى بأن سلبياتها كثيرة وتتمثل في النقاط التالية : -
1 – ان ضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية متأتي من كونها مجرد بنود شكلية لا حقيقة لها ولا قيمة اقتصادية لها ، مما جعل التمويل الإسلامي محل شك ، لعدم تحقيقها لأي قيمة مضافة سوى تكلفتها العالية ، التي سيتحمّلها العميل ، لتكون المنتجات الإسلامية المقلدة في النهاية اكثر كلفة من المنتجات التقليدية ، مع انها تحقق في النهاية النتيجة نفسها .
2 – المنتجات المالية التقليدية تلائم الهندسة المالية التقليدية وتحاول معالجة مشاكلها ، وبالتالي فان محاكاة هذه المنتجات سيولد ذات المشاكل ، بحيث تصبح الهندسة المالية الاسلامية في النهاية يتيمة ، وتعاني من نفس الازمات التي تعاني منها الهندسة المالية التقليدية ولم تأتي بجديد ، لأن اي منتج للهندسة المالية التقليدية هو جزء من منظومة متكاملة من الادوات والمنتجات القائمة على فلسفة ورؤية راسخة ، فمحاولة محاكاة هذه المنظومة ، يجر الهندسة المالية الإسلامية لتقليد أدوات المنظومة وعناصرها كافة ، وهو ما يجعلها مهددة بان تفقد شخصيتها وتصبح تابعة بالجملة للهندسة المالية التقليدية ، وبذلك فأنها ستتعرض لكل الأزمات التي عانت منها التقليدية ، فبدلا من أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل للمشاكل الاقتصادية ستكون عبء جديد يضاف للأعباء السابقة .
ثانياً : منهج الأصالة والابتكار : ويتمثل في البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات التي تناسبها على وفق الضوابط الشرعية ، وهذا المنهج يتطلب دراسة هذه الاحتياجات ، والعمل على تطوير الأساليب التقنية اللازمة لها ، لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية ، ووضع أسس واضحة لهندسة مالية إسلامية مستقلة عن الهندسة المالية التقليدية ، وقد ذكرنا بأن هذا المنهج أكثر كلفة من التقليد والمحاكاة ، لكنه أكثر جدوى وأكثر إنتاجية ، لأن التكلفة غالباً تكون عالية في بداية العمل ثم بعد ذلك تنخفض ، كما أن هذا المنهج يحافظ على أصالة المؤسسات المالية الإسلامية ، ويسمح لها بالاستفادة من المنتجات التقليدية ما دامت تفي بمتطلبات المصداقية الشرعية ، كما يساعد ذلك على استكمال المنظمة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية ، ولضمان نجاح هذين المنهجين في تطوير منتجات الصناعة المالية الإسلامية ينبغي تقوية البنية التحتية لها ، من خلال القيام بمجموعة من الإجراءات التي تعود بالفائدة على المنتجات المالية الإسلامية وتتمثل بالتالي : -
1 – إيجاد مراكز مختلفة داخل المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ، مثل مركز الرصد والتواصل المالي الإسلامي مع العملاء ، ومركز اعتماد التدريب المالي الاسلامي ، ومركز المنتجات المالية الإسلامية ، ومركز المعلومات والدراسات المالية ، ثم ربطها بالهيئة الشرعية لتكون المرجعية العليا لكل هذه المراكز .
2 – انشاء مراكز للبحث والتطوير تشترك في رأسماله جميع المراكز والنوافذ المالية الاسلامية الاسلامية ، وتطوير سياسات تسويق المنتجات لتلبية احتياجات المسلمين وغير المسلمين .
3 – خلق البيئة الملائمة في المؤسسات المالية عبر تحفيز الموظفين وخلق ثقافة الابداع والابتكار ، وإقرار مبدأ الحماية الفكرية لمنتجاتها المبتكرة لتستفيد منها مادياً وتشجعها على التطور والابتكار .
4 – إيجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي وتوحيد الفتاوى وإعداد وتأهيل الإطارات اللازمة التي تجمع بين الجوانب الفقهية والاقتصادية .


المــصــــادر
1 - د.إبراهيم سامي السويلم، "صناعة الهندسة المالية http://www.suwailem.net/Books
2 - انجازات الهندسة المالية ما بين المنظور التقليدي والإسلامي ،
http://www.giem.info/article/details/I
3 - د.حسين محمد سمعان،د.موسى عمر مبارك،محاسبة المصارف الإسلامية،الطبعة الأولى،(عمان ،دار المسيرة للنشر والتوزيع، 2009 ) .
4 - أ.خنيوة محمد الأمين وأ.حنان علي موسى،(منتجات الهندسة المالية الاسلامية)،كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير،جامعة منتوري قسنطينة http://iefpedia.com/arab/
5 - زياد رمضان ، مبادئ الاستثمار المالي والحقيقي،الطبعة الثانية،(الأردن،دار وائل للنشر،2002 ).
6- سيد سالم عرفة،إدارة المخاطر الاستثمارية،الطبعة الأولى،(الأردن،دار الراية للنشر،2009) .
7 - د.شوقي أحمد دنيا ، الاقتصاد الإسلامي ، الطبعة الأولى ، ( مصر ، الإسكندرية ، دار الفكر الجامعي للنشر والتوزيع ، 2013 ).
8 - د. صديق الضرير ، الغرر وأثره فى العقود فى الفقه الإسلامي ، نشر مجموعة البركة 1995، http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:92557 .
9 - عنايات النجار، وفاء شريف ، دليل المتعاملين في بورصة الأوراق المالية ، الطبعة الأولى،(مصر،المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2006).
10- د.محمد أحمد حلمي الطوابي ، البورصات وسوق الاوراق المالية في ميزان الفقه الاسلامي ، الطبعة الأولى ، ( مصر ، الإسكندرية ، دار الفكر الجامعي ، 2011 ) .
11- د.محمد البلتاجي، الضوابط الشرعية للعمل المصرفي الإسلامي ،
http://www.bltagi.com/dawabet_eltamweel.htm
12- د.محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية ، دار الفـكر العـربي، القـاهرة ، مـصر، 1977 .
13 - محمد محمود العجلوني،البنوك الإسلامية،الطبعة الأولى،(عمان،دار المسيرة للنشر ،2008) .
14 - د.منير إبراهيم هندي،الفكر الحديث في إدارة المخاطر:الهندسة المالية بإستخدام التوريق والمشتقات،الجزء الثاني،(مصر،توزيع المعارف،2003).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با