الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة الفلسطينية تدعو لمقاضاة بريطانيا بسبب وعد بلفور

منعم زيدان صويص

2016 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


دعا رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، في خطاب ألقاه في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية في موريتانيا في 25 تموز الماضي بالنيابة عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،الدول العربية، "لمساعدة الفلسطينيين على مقاضاة الحكومة البريطانية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بسبب مسؤوليتها عن وعد بلفور،" وقال إن وعد بلفور"قاد إلى نكبة الشعب الفلسطيني."

لطالما تساءلت وعجبت لماذا لم يقدم أي فلسطيني أو عربي اقتراحا كهذا، خاصة بعد إنشاء هذه المحكمة الدولية التي بدأت نشاطاتها في تموز 2002، أو يطلب حتى اعتذارا من بريطانيا على هذه الفعلة، كالاعتذارات التي قدمتها بعض الدول لدول أخري، في الشرق والغرب، حول أعمال غير إنسانية أو مجازر أو بشاعات ضد شعوبها قبل عقود طويلة من الزمن. لا أذكر أن العرب طلبوا من بريطانيا الاعتذار عن قرارها بخلق "وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي" الذي أعلنه وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور عام 1917 كجائزة لليهود على مساعدتهم للحلفاء خلال الحرب العظمى الأولى. وبدل أن تقدم بريطانيا جائزة للعرب على مساعدتها للحلفاء ضد الدولة العثمانية، عاقبتهم بأن اقتطعت جزءا من بلادهم لتحل المسألة اليهودية في أوروبا على حسابهم، وهو قرار أدى إلى كل المآسي التي شهدتها المنطقة، ويشهدها العالم بأسره الآن، لأنه كان قرارا انتهازيا يدل على الاستهتار بمصائر الشعوب. واستطيع أن أقول أنه لولا مأساة الشعب الفلسطيني التي بدأت بعد نجاح اليهود في تأسيس دولتهم في فلسطين عام 1948، لتغير التاريخ ومجرى الأحداث في الشرق الأوسط كليا ولحققت الشعوب العربية تقدما كبيرا في جميع المجالات.

فبالإضافة إلى تحويل معظم الشعب الفلسطيني إلى "لاجئين" في الأقطار المجاورة والعالم، أدى خلق إسرائيل إلى تفاقم الفرقة والنزاعات بين العرب أنفسهم، وتاجرت الأحزاب العربية والسياسيون الانتهازيون العرب بهذه القضية. فكل أدعى أنه هو الذي يحارب إسرائيل وان الآخرين خونة يتعاملون معها، وبينما وقفت الشعوب ضد كل شيء غربي ، انتهج الحكام منهجا آخر، فقد صادقوا الدول الغربية ومعظمهم توصل معها إلى اتفاقات، " تحت الطاولة" لأنه لم يكن باستطاعتهم الصمود بوجه إسرائيل المدعومة من الغرب، وأسسوا أجهزة مخابراتية وأمنية ليحكموا شعوبهم ويحافظوا على الاستقرار واستمرار أنظمتهم.

وعلى امتداد عقود طويلة، كانت المأساة الفلسطينية المحرك الأكبر لمشاعر الشعوب العربية، التي شهدت هزائم الأنظمة المحيطة بفلسطين أمام إسرائيل. وكان الجرح النفسي عميقا، وخاصة بين الشباب، وأضحى حلم الأجيال العربية، ليس تحقيق التقدم العلمي والثقافي وتأسيس حكومات ديمقراطية، وإنما إنهاء دولة إسرائيل ورجوع الشعب الفلسطيني إلى بلاده. فالأحداث في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى أدخلت الإحباط واليأس إلى قلوب العرب. وأقتنع بعض السياسيين الإسلاميين الذين ظهروا في مصر مع تأسيس "جماعة الإخوان المسلمون" بقيادة حسن البنا عام 1928، بضرورة استخدام العقيدة الدينية في الحرب ضد الكيان الجديد والدول الاستعمارية الداعمة له. وغزت الحركة الإسلامية قلوب وضمائر الشباب المسلم الذين كانوا مؤمنين بأن الله سينصرهم ويحارب معهم "إن هم نصروه،" وانتشرت بينهم الفكرة التي تقول بأن المسلمين بدأوا بالتراجع في جميع الميادين فقط بعد أن تخلوا عن الإسلام ومبادئ الدين. وما هي إلا بضع سنوات بعد الهزيمة الكبرى عام 1967 حتى رفع الإسلاميون شعار "الإسلام هو الحل" الذي آمنت به جميع الحركات المبنية على الإسلام السياسي خلال القرن العشرين.

ولكن الإسلام السياسي لم ينجح، لأن عددا كبيرا من المثقفين المؤثرين كانوا يفضلون العلمانية واللحاق بركب الحداثة، ولأن الحركات الإسلامية انقسمت إلى فرق شتى متناحرة تعتنق مبادئ متعددة، وكل فرقة كانت تدعي أنها هي التي تطبق تعاليم الإسلام "الصحيح،" وكانت جميعها تؤمن بوسائل غير قابلة للتطبيق في عالم اليوم. وضاق الشباب المسلم المتحمس ذرعا بالجماعات الإسلامية التقليدية، ولم يرضخوا للمبادئ التي تبناها مؤسسو الجماعة الإسلامية الأصليون في مصر، وانشقوا عنهم وكونوا حركات تبنت العنف المفرط لتحقيق مبادئها، وتفرع من هذه الحركات المتطرفة فرق أكثر تطرفا، وتحاربت في ما بينها، وكان لكل واحدة منها مؤيدون وممولون لهم أهداف شتى، واختلط الحابل بالنابل. وفي النهاية نسيت هذه الفرق المتعددة القضية الفلسطينية وبدأت بمحاربة بعضها البعض وتدمير الدول العربية المحيطة بالدولة الصهيونية وتشتيت شعوب هذه الدول، لا بل التقت مصالح بعض الشراذم منهم بمصلحة هذه الدولة. وبالنتيجة، يمكن الاستنتاج أن خلق إسرائيل في الحقيقة كان السبب الأصلي لنشأة الإرهاب الذي نشهده والفوضى التي تعم العالم الآن. ويحق للمرء أن يتساءل: لماذا لم ينفذ "المنتحرون" من داعش، والنصرة -- ربيبة الجزيرة -- وغيرهما، على الأقل، هجمات من هذا النوع على مصالح إسرائيل في الخارج؟

وفي داخل فلسطين نفسها نما الإسلام السياسي، بتشجيع من إسرائيل في البداية، وسبب انقسامات داخلية وأدى إلى تفتيت القوى الفلسطينية الوطنية وتشجيع إسرائيل على تدمير أي شيء أمكن للشعب الفلسطيني أن يبنيه، واستغلت إسرائيل مبادئ الإسلام السياسي لتستعدي شعوب العالم على الفلسطينيين والعرب، وقال أريئيل شارون لجورج بوش بعد هجمات 11 إيلول 2001، إن إسرائيل تحارب نفس النوع من الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات. ومن الجدير ذكره أيضا أن الكثيرين من منظري القاعدة وفروعها، ومعلميها، كانوا فلسطينيين، من أمثال عبد الله عزام وأبو محمد المقدسي (عصام طاهر البرقاوي)، وأبو قتادة (عمر محمود عثمان)، أبرز منظري تيار ما يسمى "السلفية الجهادية".

وإذا اعتبرنا الوهابية لونا آخر من ألوان الإسلام السياسي، فهي لم تنجح سياسيا إلا في السعودية، ولم تحقق أي تقدم في أي مجال، لا للإسلام ولا للمسلمين، بل ساهمت في زيادة تأخرهم من جميع النواحي، ورغم قوة المملكة العربية السعودية الاقتصادية وتأثيرها على العالم الإسلامي، لم تلعب أي دور في مقاومة إسرائيل. وهنا نتساءل، كما تساءلت وسائل الإعلام: "هل تصريح المالكي هذا جاء على خلفية التقارير التي تحدثت عن التعاون بين إسرائيل والسعودية والذي تم التعبير العلني عنه من خلال زيارة الوفد السعودي إلى إسرائيل قبل عدة أيام من انعقاد القمة؟"

وزاد الطين بلّة تدخل إيران في القضية الفلسطينية واستغلالها لعواطف الفلسطينيين والشعوب العربية، مستعملة أداتها في لبنان. وقد بقى الكثيرون مخدوعين بإيران وحزب الله إلى أن انكشفت الحقيقة عندما نشبت الحرب الأهلية في سوريا، وأصبحت إيران وحزب الله جزءا أساسيا من الحرب المذهبية السنية الشيعية في المنطقة والتي لا يبدو لها نهاية، لا في سوريا ولا في العراق ولا في اليمن، والمرشحة للامتداد إلى البحرين وغيرها.

إسرائيل لا تحب تحليلات كهذه، وهي حساسة جدا لأي ربط بين الإرهاب وخلق إسرائيل ولذلك فإن دعوة فلسطينية كهذه ستكون محرجة لها لأنها ستذكر العالم، الذي نسي القضية الفلسطينية، بأن هذه القضية لا تزال حية وأن ملايين الفلسطينيين المسلوبي الحقوق يعيشون الآن تحت حكم دولة تمييز عنصري واضح، وخاصة بعد مطالب زعماء إسرائيل باعتبار إسرائيل دولة يهودية.

لا أدري لماذا لم يتنبه أحد أو يعلق على نداء السلطة الفلسطينية هذا. هل توقع الكتاب والمحللون العرب أن تعليقات من هذا القبيل على هذا الاقتراح الفلسطيني ستكون ضارة؟ لا بأس أن تصمت السلطة الفلسطينية بعد "نكش"هذه المسألة لتجنب مشاكل دبلوماسية وعقوبات اقتصادية وغيرها، ولكن ما هو الضرر الذي يمكن أن يحدثه بحث هذه المسألة في الإعلام العربي؟ هل الخوف يأتي من الأنظمة العربية التي لا تريد إثارة الغضب الغربي في هذه المرحلة بالذات؟ هل هناك فرق بين مطالبة تركيا بالاعتذار عن مذبحة الأرمن، ومطالبة بريطانيا وقوى الغرب العظمى بالاعتذار عن عذاب وذبح الفلسطينيين الذي استمر قرنا من الزمان؟ أعتقد أن هذا التحرك سيكون مفيدا للقضية الفلسطينية وسيذكّر العالم بها بعد أن نسيها المتحاربون الحاليون في المنطقة أنفسهم، سواء كانوا من المعسكر الإيراني أو المعسكر الخليجي، وسيذكّر أمم العالم بمأساة الشعب الفلسطيني وبالخطاء الفادح الذي ارتكبته بريطانيا، وخيانتها لحلفائها العرب الذين انضموا إليها ضد العثمانيين في الحرب العالمية الأولى. إن مجرد المطالبة بالاعتذار وتذكير العالم بهذه المسألة في الظروف العالمية الراهنة بالذات سيشوه صورة إسرائيل وسمعتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اقتراح فلسطيني يثير السخرية
محمود سلطان ( 2016 / 8 / 4 - 11:18 )
من يقترح مثل هذا الاقتراح لا يعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية
وعد بلفور صدر في الثاني من نوفمبر 1917 حين كانت الدول الحلفا تنظر في توزيع تركة الرجل المريض حين لم يكن هناك أمة عربية وشعب فلسطيني كان هناك هوية عصملية لكل مواطني السلطنة
كان الوعد ردا على مذكرة من وايزمن يطالب بريطانيا بمساعدة اليهود بإنشاء وطن قومي ليقوم اليهود بحماية الطريق إلى الهند بدل أن تتكلف بريطانيا بالحماية وكانت بريطانيا مدينة لليهود في أميركا الذين لولا مساعدتهم المالية لما انتصرت بريطانيا على ألمانيا
بلفور اعطى الوعد بشرط ألا تلحق أية أضرار بحقوق المواطنين في فلسطين
عاد مؤتمر فرساي 1919 يؤكد تعاطفه مع اليهود في إحياء النقب الصحراوي في فلسطين
المساعدة الكبرى في إقامة دولة اسرائيل الحالية جاءت من العرب أنفسهم
قرار التقسيم 47 أعطى اليهود 3% فقط من فلسطين الحية غير الصحراوية ومع ذلك رفضه العرب بحجة أن فلسطين أرض وقف للمسلمين وهي حجة اليهود أيضاً لكن اليهود قبلوا بالتقسيم والعرب رفضوه
لو قبل العرب بالتقسيم لكانت فلسطين اليوم عربية ولما كان هناك لاجئون وقضية فلسطينية
لكن فقارات زعماء العرب كانت تحكهم شوقاً للسلطة

اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف