الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام في المغرب

سميح مسعود

2016 / 8 / 6
الادب والفن


زرت المغرب مؤخرا في شهر آذار الماضي، في زيارة خاصة للتعرف على أسرة الراحل خالد الحسن " ابو السعيد" ، أحد أبرز مفكري وقادة النضال الفلسطيني ومؤسسيه... إبن حيفا الذي تمسك بحلم العودة إليها حتى أخر لحظة في حياته... ارتبط بها برباط عشق دائم، بخيط أثيري يترامى طرفه الاول عند بيت أسرته في "الخضر" على سفح جبل الكرمل، والطرف الآخر ثبته طيلة عمره في شغاف قلبه.

منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها الرباط بدأت بالبحث عن أسرة الراحل الكبير، ومدت لي يد المساعدة في عملية البحث زميلتي المغربية الدكتورة نعيمة بن ادريس مديرة البحوث في المركز الكندي لدراسات الشرق الاوسط ، بجهودها لم يمض وقت طويل حتى التقيت بالدكتور سعيد خالد الحسن في مساء اليوم الذي وصلت فيه ، كان اللقاء في بيته في حي الرياض ... حدثني بفخرٍعن والده الراحل خالد الحسن ... تلمستُ في أحاديثه شبكة معلومات تتزاحم على اتساع أزمنة وأمكنة كثيرة أبهرني سماعها، تؤكد على ضرورة البحث عن الجذور في كل مكان، وهذا ما أفعله في الرباط بنفس النهج الذي اتبعته في الداخل الفلسطيني، لتجميع المادة اللازمة للجزء الثالث من كتابي" حيفا ... بُرقة البحث عن الجذور"... ومن حسن حظي أن محدثي صاحب ذاكرة خصبة تزدحم بقطوف حياتية عن أيام أهله في حيفا، يستدعيها بتعبيرات متدفقة ودلالات عميقة سيزدان بها كتابي.

ومن حسن حظي ان الشاعر علي الحسن الذي أعرفه من قبل يقيم بالرباط أيضا، التقيته برفقة سعيد وسمعت من ابنه أيمن قصيدته التي القاها في ذكرى الاربعين لأخيه خالد ومن أبياتها:

يا ذاهبين إلى حيفا وكرملها في سفحها عَتَب في بحرها حَرَدُ
فأبلغوها بأن الأهل ما قنِطوا من الأياب وإنْ في الغربة ابتعدوا
وأن خالدها ألقى عصاه ولم يَخنعْ لطاغية أو يغوهِ الزَبد
وأبلغوها بان الدهر ذو دول وسوف يهبط من بالغدر قد صعدوا
وأن كل حلول الظلم ساقطة وانها في ثرانا سوف تتئِد
فكل جرح طَوى في قلبه دغلاً في وجه ضامده يوماً سينفصِد

تواصلت مع سعيد الحسن على مدى عدة أيام ، وتأكد لي مما سمعته منه انه أفضل من يتحدث عن سيرة والده العطرة ، ليس لأنه ابنه، بل لأنه كاتب وباحث متميز في العلوم السياسية وعلم الإجتماع، يعمل أستاذا في جامعة محمد الخامس في الرباط، كما أنه مدير عام مركز الدراسات والبحوث في مؤسسة خالد الحسن.

زرت معه المركز وحدثني عن المؤسسة التي تأسست بالرباط في عام 2002، بهدف تنمية البحث والدراسة في مختلف مجالات العقائد والعلوم الإنسانية والإجتماعية والقانونية والإقتصادية والسياسية، وكذلك العناية بتراث خالد الحسن وجهاده والتعريف بالقضايا والأهداف العامة السامية التي عمل على تحقيقها والنضال من أجلها.

ردد على مسمعي بعبارات متصلة مجموعة نماذج من انجازات المؤسسة ونشاطاتها ، ووضع أمامي عدة مؤلفات من الاعمال ألتي اصدرتها ، بما فيها مؤلفات خالد الحسن التي تعمل المؤسسة على اصدارها في إطار "الأعمال الكاملة"، وأطلعني على عدة أعداد من مجلة "البحثية" المحكمة التي تصدرها المؤسسة، وبعد هذا الاستطراد تابع محدثي حبل السرد حول انجازات المؤسسة في مجال المؤتمرات والندوات واللقاءات الفكرية والحلقات النقاشية.

ومجمل القول، استمتعت بأحاديث سعيد الحسن ، وهو يستحضر فيها وميض تفاصيل أحداث ومجريات كثيرة متشعبة عن والده ، تُوحِد الحاضر بالماضي، تبدأ خطوطها الأولى ببيت أهله بمقام الخضر في كرمل حيفا، وتزدحم قطوفها في أمكنة كثيرة ارتحل اليها، تنامى فيها نضاله من أجل قضيته الوطنية بدلالات عميقة، تعاقبت فيها أيامه حتى وافاه الأجل المحتوم بالرباط في عام 1994.

إلى جانب هذا الفيض الزاخر من المعلومات، الخاصة بالراحل خالد الحسن التي سأبرزها في الجزء الثالث من كتابي القادم عن الجذور الحيفاوية،امتزجت زيارتي للمغرب بالراحة والاستجمام والقيام بجولات كثيرة في الرباط لا ستكشافها من جديد ، وكذلك زيارة مدن أخرى لأول مرة.

بداية، تملكتني الرغبة بالتعرف على المكتبة الوطنية بالرباط، وتم لي ذلك في صبيحة ذات يوم، مشيت سيراً على الأقدام في شارع فرنسا نحو الجهة الشرقية من حي أكدال، وسرعان ما بلغت بوابة جامعة محمد الخامس، ثم انحرفت الى اليسار باتجاه المكتبة الوطنية الواقعة في موقع متميز بين شارعي ابن حزم وابن خلدون، على مقربة من بعض الكليات الجامعية، استرعى انتباهي منظرها الخارجي عن بعد، في تكوين هندسي بارز يتألف من برج على شكل صومعة بخصوصية تؤكد على براعة الهندسة المعمارية المغربية الحديثة، بما فيها من لمسات فنية إبداعية ممزوجة بعبق الموروث القديم.

أمضيتُ بعض الوقت في باحة المكتبة، هالني مساحة الأرض المخصصة لها، وجدت اشارة لها في كتيب تعريفي، يحددها بما يقرب من عشرين ألف متر مربع، وتعرفت من الكتيب نفسه أنه تم تأسيسها في عام 1920 باسم الخزانة العامة، ثم أجريت عليها تحولات جذرية في عام 2003، ومنذ ذلك الوقت حملت اسمها الحالي "المكتبة الوطنية للمملكة المغربية " ومن ثم دشن مقرها الجديد في عام 2008، وتوسعت مقتنياتها وأخذت تزخر بمئات الألاف من الكتب،وكذا الألاف من الدوريات والمخطوطات والوثائق، وكل ما يلزم من التجهيزات اللازمة للقاءات والمؤتمرات والأنشطة الثقافية والفنية.

دخلت المكتبة من بابها الرئيس، وتجولت في مختلف مرافقها، توقفت في مكتب الاستقبال ، وذكر لي أحد المسؤولين بعض المعلومات عن المكتبة وأنشطتها، وعلمت منه أن عدد زوارها شهريا لا يقل عن ثلاثين ألف زائر، بعد ذلك تمكنت في تجوالي من التعرف في قسم المخطوطات على مخطوطات نادرة متوفرة في المكتبة، مكتوبة بمختلف الخطوط العربية، مثل الكوفي والنسخ والديواني والمكي والمدني والرقعة، والخط الأندلسي والقيرواني، ومزخرفة بزخارف مذهبة ونباتية ومزدانة برسوم وأشكال هندسية، وجدت بينها مصاحف قديمة ، منها مصحف من القرن الثالث الهجري بالخط القيرواني مكتوب على رق الغزال، بالاضافة الى مخطوطات علمية مثل "جامع أسرار الطب" لابن زهير، و" البرصان والعرجان والعميان والحولان" للجاحظ ، و" المحكم في اللغة" لابن سيده.

في اليوم التالي لزيارة المكتبة الوطنية، انطلقت بسيارة أجرة نحو "قصبة الأوداية" الاثرية الواقعة في الجهة الشمالية من الرباط على ساحل المحيط الاطلسي، وعلى مقربة من نهر بو رقراق... سرعان ما ابتعدت عن حي أكدال، وبعد فترة قصيرة وصلت الباب الرئيس للقصبة، التي بُنيت فيما مضى كقلعة في زمن المرابطين، وازدادت أهميتها في عهد الموحدين، واصبحت في الوقت المعاصر من الأحياء التاريخية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي ... توقفت مطولاً عند سورها وأبراجه التي يغلب عليها الطابع القرطبي، وتعرفت على ابوابها الثلاثة، وعلى تكوينات فنية تقليدية على هيئة منحوتات في السور والقباب والأبراج، تتشابك فيها تفاصيل كتابات بالخط الكوفي وأقواس ونقوش أندلسية بنبض غني بعناصره التاريخية.

تجولت في داخل القصبة في وقت توافدت فيه جموع غفيرة من السياح، سرت فيها عبر أزقة ضيقة ، تحفها من الجانبين بيوت بالغة القدم، ملونة باللونين الأبيض والأزرق، وممهورة بطابع أندلسي مميز، بفعل التراكمات التأثيرية للأندلسيين الذين لجأوا إلى قصبة الأوداية باعداد كبيرة بعد طردهم من اسبانيا، واستقرارهم فيها على موجات متلاحقة.

واصلت السير في الازقة، وفيما كنت أمر في زقاق" ملتو" الذي يمتد نزولاً إلى أسفل القصبة، وجدت أمامي مقهىً من الضخامة بمكان، يسمى بمقهى الأوداية، وجدته يتميز بكراسيه الخشبية الصغيرة، ولباس الجبادور الأندلسي الذي يلبسه النُدُل ... دخلته وجلست في مواجهة ملتقى نهر بو رقراق بالمحيط، أحسست بنفحة هواءٍ منعشٍ تهب من ماء النهر ... طلبت شاياً مغربيا بالنعناع، وبينما كنت أجول بنظري في كل الجهات، رأيت شخصاً على مقربة مني يحمل كتاباً بين يديه، أثارني عنوان كتابه المحدد بكلمتين: " زفرة الموريسكي"، ولغرابة العنوان تجاذبت معه أطراف الحديث ، وفهمت منه أنه أندلسي الأصل، والكتاب عبارة عن مجموعة شعرية للشاعر حسن أوريد ، يُعبر فيها عن مشاعره وعواطفه اتجاه الأندلس.

تصفحت الكتاب وجدت الشاعر يستهله بكلمات عن غرناطة، وحي البيازين، وعن فلول تحتمي بالشواهق والذرى/ هددها الجوع والظمى/ وعن قمم البشارات، وعن مفاتيح لأبواب بلا رتاج، وعن المورسكي وهو يحمل لعنة الطريد، باسماء متعددة، أمس واليوم ويأبى أن يموت في أرضٍ خلاء.

فهمت من محدثي أنه من المورسكيين أيضا، اي من الاندلسيين الذين بقوا في اسبانيا بعد سقوط غرناطة وبدل بعضهم أسماء عائلاتهم بأسماء اسبانية، ثم تم بعد ذلك إبعادهم نحو دول المغرب الكبير... حدثني مطولاً عن أسر كثيرة منهم استقروا في قصبة الأوداية وبنوا مدينة لهم حولها، يحتفظ أحفاد تلك الأسر بفنون صناعاتهم التقليدية حتى الآن، وبمفاتيح بيوت أجدادهم التي تركوها قبل فترة طويلة من الزمن، كما ان كنية بعض تلك العائلات لا تزال شاهدة على أصلها الأندلسي، وأخبرني على سبيل المثال أن اسم عائلته مُلين تنحدرمن العائلة الأموية.

تحدثنا عن غرناطة وحيفا، وعن المفاتيح التي تملأ بيوتهم لتذكريهم بماضي أجدادهم، وفي لحظة توقف عن الحديث، و قال لي متسائلاً: " هل تحتفظ بمفتاح بيت أهلك في حيفا ؟" فأجبته: بأنني أحتفظ به، وقد وضعته في إطارعلقته في صدر بيتي في عمان، وكتبت حوله: " بيت أبي له في القلب مفتاحٌ سابقيهِ / عسى الأحفاد تُرجعه وتسكنُه وتحميهِ"

ثم أضاف متسائلاً: "وماذا تعني لك المفاتيح ؟" فأجبته: " تتشابك في ذاكرة الفلسطيني في الشتات مع أرضه ووطنه وهويته، تقدم له صوراً من الماضي مكتظة بأحداث كثيرة ذات تفاصيل كبيرة وصغيرة تعاقبت من قبل، تتداخل مع تكوينات وجوه وحكايا عذبة الإيقاع تسكن أعماق الذاكرة."

طاف بنا الحديث في مدارات كثيرة، وفي لحظة بدأت الشمس تقترب من الغروب، عندها غادرت المقهى مع محدثي عبد الفتاح مُلين، اتجهنا من باب خلفي للمقهى نحو حديقة جميلة، ومنها اتجهنا إلى خارج القصبة، ثم ركبنا الترام معاً إلى حي أكدال، وبعد فترة من الوقت نزلنا منه على مقربة من مقرالأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، وقد فاجأني عند وداعه باهدائي كتابه السابق ذكره... فارقته على أمل اللقاء به ثانية في الرباط.

في صباح اليوم التالي، اتجهت نحومحطة سكة حديد أكداال في وسط الرباط، ركبت القطار المتجه إلى مدينة فاس، وصلت محطتها بعد أقل من ثلاث ساعات، وبعد فترة قصيرة وجدتني وجهاً إلى وجه مع صديقي جلالي بن إدريس وابنه ياسر،وهو استاذ اقتصاد في جامعة مكناس، قابلته من قبل في مونتريال، عندما زار بنت أخيه زميلتي نعيمة السابق ذكرها، كان اللقاء معه متميزاً... مضينا معاً في سيارته من أمام محطة سكة الحديد، وسرعان ما ابتعدنا عن وسط فاس، واصلنا السير في شارع الموحدين، وشارع لوديا، ومن ثم اتجهنا صعودا الى آخر نقطة في تلة عالية، وبعدها توقفنا أمام فندق المرينيين، ومن تلك النقطة العالية رأيت كل فاس في مشهد بانورامي جميل على ضفة نهر فاس اليمنى.

جلت ببصري يمنة ويسرة بكل جوانبها، واستمعت إلى شرح صديقي جلالي وابنه ياسر حول أهم معالم مدينة فاس،وعن جوانب مفصلية من تاريخها، وجدت من حديثه أنها إرث تاريخي متراكم عبر الزمن، مسجلة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، تنقسم الى ثلاثة اقسام: فاس القديمة التي أسسها فعلياً إدريس الثاني قبل اكثر من ألف ومائتي عام، وفاس الجديدة التي بنيت قبل أكثر من سبعمائة عام، والقسم الحديث الذي بني في عهد الاستعمار الفرنسي.

انصب الحديث على المدينة القديمة، التي تسمى ايضاً بفاس البالي، منظرها الجميل عن بعد استحوذ عليَ، في وقت كان به صديقي يتحدث عن سورها الممتد حولها، ويعدد أبوابه الكثيرة التي تعود إلى زمن المرينيين، ومنها: باب المحروق، وباب السمارين، وباب الخوخة، وباب بو جلود، و أبواب أخرى كثيرة غيرها... امتد حديثه إلى جوانب أخرى كثيرة تتميز بها فاس القديمة، وبعد فترة من الوقت خرجنا من باحة فندق المرينيين واتجهنا ثلاثتنا نحو السور الكبير للتعرف على موروث فاس الغني بعناصره الروحية والمادية.

اجتزنا السور من باب كبير منفرج اسمه "بو جلود" على مقربة من ساحة الباشا البغدادي... اتجهنا مشيا على الأقدام بخطىّ بطيئة الى داخل المدينة ، وبعد ساحة واسعة انحرفنا نحو اليمين وسرعان ما كنا نعبر" الطالعة الكبرى" أوسع شارع يتجه نزولاً إلى اسفل المدينة... مرصوف بقوالب حجارة صغيرة مصفوفة بشكل هندسي متقن، تتفرع منه أزقة ضيقة، مرصوفة بالحجارة الصغيرة ايضا تفضي الى بيوت مسكونة...يكثرعلى جانبي الشارع محلات لبيع المشغولات التقليدية، وبينما كنا نجتاز تلك المحلات ، أوقفني صديقي عند زقاق يسمى "رحاة الشمس الفوقية" وأخبرني أننا نقف أمام بيت " ابن خلدون " مؤسس علم الاجتماع وصاحب المقدمة الخالدة على مدى الأيام، سكنه عندما عاش في فاس القديمة، وأعطى دروساً في جامعة القرويين، كما عرفني أيضاً على بيت آخر خلف نفس الزقاق سكنه الشاعر الأندلسي الشهيرلسان الدين بن الخطيب، صاحب الموشح الشهير:

جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حُلما في الكرى أو خلسة المُختلس

واصلنا السير بعد ذلك في زقاق يفضي إلى مقام إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس ، ومن ثم زرنا جامع القرويين، وجامعة القرويين التي تعتبر أول جامعة في العالم ، تاسست قبل أول جامعة أوروبية (ساليرن الإيطالية ) بمائتي عام ، وتشير المراجع المتوفرة في مكتبة القرويين إلى أنه قد درسَ في جامعة القرويين ابن عربي وموسى بن ميمون وابن خلدون وابن باجة ولسان الدين بن الخطيب والبابا سيلفستر الثاني الذي كان يتقن اللغة العربية وغيرهم، كما تشير المراجع إلى أن هذه الجامعة كانت تُدرس المواد الأدبية والدينية والعلمية إضافة إلى الرياضيات والطب والكيمياء، وكانت تأخذ بنظام الكراسي العلمية.

بعد خمس ساعات من التجوال عدنا أدراجنا عبر " الطالعة الصغرى" ... شار ع واسع يتجه صعودا إلى أعلى المدينة، اتجهنا فيه إلى نفس الباب الذي دخلنا منه...جلسنا في مقهىً قديم، وطلبنا شايا مغربيا بالنعناع... في تلك اللحظة أخذ صديقي جلالي وابنه ياسر يسردان على مسمعي حكايا كثيرة عن مدينة فاس العريقة من أيام زمن مضى.

لاحقا التقيت بالشاعرة المغربية المعروفة فاطمة بوهراكة، التي تعيش في مدينة فاس، أسعدني حديثها عن " الموسوعة الكبرى للشعراء العرب " التي أعدتها وأصدرتها مؤخرا بجهد شخصي لا تدعمه اية مؤسسة أو دار نشر، وقد استغرق العمل لاعدادها تسعة أعوام لتجميع 2000 شاعر وشاعرة من الوطن العربي في مجلد واحد يقع في2042 صفحة... أهدتني الشاعرة فاطمة نسخة من موسوعتها، وأسعدني كثيرا أنها ذكرتني كشاعر ضمن شعراء الموسوعة في صفحة 753، شكرتها على ذكري وعلى إهدائي نسخة من موسوعتها القيمة، وتمنيت لها المزيد من الانجازات في رحاب مدينتها، مدينة فاس التي ينهل منها الشعراء مفرداتهم الجميلة، ويتنامى عبرها وحيهم من تأثير سحرها الآخاذ.

توالت أيام زيارتي للمغرب في أمكن أخرى، طال فيها التجوال بأجواء مشحونة بالإثارة،وفارقتها بقطوف ذكريات لن تُنسى...ومن ثم عدت الى الرباط، لبيتُ دعوة وجهت لي ولزميلتي نعيمة بن ادريس من مؤسسة خالد الحسن، لحضور لقاء في ديوانية المؤسسة، للبحث في مهام حفظ ذاكرة الوطن وذكرياته وبما يعمق صلات ابناء المهجر باوطانهم وبالخصوص منهم المغاربة والفلسطينيين... تحدثت مع زميلتي عن تجربتنا في المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال.

اجتاحني إحساس دافئ بالراحة للتعرف على عدد من أبناء المغرب وطلاب من فلسطين ممن ساهموا في اللقاء، تحدثت بناء على طلبهم عن تجربتي في البحث عن الجذور، حدثتهم عن زيارات كثيرة قمت بها في الداخل الفلسطيني، حصلت من خلالها على نتائج لها مفعولها الكبير في حفظ الذاكرة الجمعية حية للأجيال القادمة.

في نهاية اللقاء حصلت على عدد من الكتب الصادرة عن مؤسسة خالد الحسن، منها كتاب أصدره " أبو السعيد" قبل رحيله بفترة قصيرة، اعترض فيه بشدة على نهج أوسلو ... وضح خطورة التنازلات الفلسطينية في اتفاق أوسلو، وتنبأ بفشل الإتفاق قبل أن يجف الحبرالذي كتب به، و" لقد كانت معارضته مفاجئة لمن تابعوا مسيرته من منظور الإعتدال، ولكنها كانت منطقية لمن يتبع شرحه وتحليله لعملية التفاوض منذ أن بدأت بعد مدريد، لقد صرح كثيرا في هذا الخصوص قائلا: " أنا خالد الحسن ابن حيفا، إذا فقدت حق عودتي لحيفا فشو بدي فيكم. "

أمضيت اليوم التالي في وداع الاصدقاء، وفي مساء نفس اليوم غادرت المغرب وأنا في شوقٍ إليه.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81