الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نرفض قرض صندوق النقد الدولى، نرفض وضع مصر على طريق اليونان

محمد حسن خليل

2016 / 8 / 7
الصناعة والزراعة


نرفض قرض صندوق النقد الدولى
نرفض وضع مصر على طريق اليونان
تأتى نية الحكومة لعقد قرض مع صندوق النقد الدولى بإجمالى 12 مليار دولار غير تسعة مليارات من جهات أخرى خلال ثلاث سنوات لكى تمثل إصرارا على حل الأزمة الاقتصادية على حساب فقراء هذا الشعب، ووفقا لأجندة مؤسسات التمويل الدولية، صندوق النقد والبنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، أجندة الليبرالية الجديدة المتوحشة، التى تتجه بمصر إلى الخراب وتضعها على حافة طريق اليونان، طريق بيع ثرواتها بالخصخصة وتخفيض قيمة عملتها وانطلاق التضخم ليطحن الفقراء ويزيد الأغنياء غنى.
ويواجه النظام بالفعل أزمة اقتصادية حادة تتمثل فى تجاوز الدين العام للناتج المحلى الإجمالى وانهيار احتياطى النقد الأجنبى وعجز ميزان المدفوعات مع الخارج وعجز موازنة الحكومة لزيادة نفقاتها عن إيراداتها بحوالى ثلث مليار جنية، ولكنها بدلا من مواجهة الأزمة فى مجالها الحقيقى بالإجراءات المناسبة تواجهها بطريقة تحرير الاقتصاد وفقا لأجندة مؤسسات التمويل الدولية.
ويعود السبب فى تلك الأزمات كلها إلى مجال الاقتصاد الحقيقى، الاقتصاد الإنتاجى، فنحن ننتج أقل مما نستهلك، ونصدر أقل مما نستورد، وندخر أقل مما نوفر. والحل الحقيقى الوحيد هو فى التنمية بزيادة الإنتاج الزراعى والصناعى للاكتفاء والتصدير، وتنمية القوى البشرية بالاستثمار فى التعليموالتدريب والصحة لزيادة طاقة البشر الإنتاجية، وتحقيق التنمية المستدامة لصالح جيلنا مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة بدلا من تحميلها بديون متراكمة تعجزها كما تعجزنا تلك الديون الآن. الحل يكمن فى التنمية المستقلة التى تتضمن تقليص التبعية للغرب فى اتجاه الاستقلال الكامل.
لكننا سلكنا طريقا مختلفا جذريا منذ عام 1974 عند تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادى. سرنا وراء السياسات المسماه بتحرير الاقتصاد أو الليبرالية الاقتصادية وراء مؤسسات التمويل الدولية. بدأت المسألة بتحرير التجارة الداخلية والخارجية. وكان تحرير التجارة بدلا من سياسة حماية الإنتاج المحلى بالحماية الجمركية وسيلة للغرب لتصريف الراكد من مخزونه السلعى بينما كان كسادا للإنتاج المحلى تحت تأثير المنافسة غير المتكافئة. وارتبط بتحرير التجارة تحرير الاستثمار الخاص المحلى والعربى والأجنبى بشكل متزايد من كل قيود بزعم أن هذا هو طريق التنمية، الذى يستلزم تحرير التجارة والاستثمار أمام المستثمرين المحليين من القطاع الخاص، والمستثمرين العرب والأجانب.
وبالطبع اقتضى كل هذا تحرير متدرج لحيازة وتداول العملة الأجنبية، الدولار وغيره من العملات الحرة، كأداة للتصدير والاستيراد والاستثمار وتحويل الأرباح، وفقد الجنية المصرى سيادته فى بلده كوسيلة واحدة للتداول، وأخذت قيمته فى التدهور.
واستلزم هذا إعطاء الحرية للمستثمرين بالتخفف من الضمانات والحقوق العمالية، فكانت القوانين المتتالية: قانون العمل رقم 203 لسنة 2003، وقانون 135 لسنة 2010 الخاص بتخفيض مزايا التأمينات الاجتماعية للعاملين وتحويله إلى نظام للادخار الفردى بدلا من التأمين الاجتماعى التكافلى حتى تم وقف العمل به مؤقتا بعد الثورة.
وكانت خطوات التحرير المتزايدة تنتج الديون المتزايدة، ولكى يضمن الدائن، مؤسسات التمويل الدولية أساسا رد الديون التى علينا له فهو يشترط سياسات انكماشية من نوع تخفيض الإنفاق الحكومى على الخدمات حتى التعليم والصحة، والتوسع فى فرض الضرائب غير المباشرة التى تصيب أساسا جموع الشعب من الفقراء، وتخفيض الدعم.
مثل رفع الأسعار الضخم المفاجئ فى يناير 1977 أول نتيجة حادة لتلك السياسة قابلها الشعب بانتفاضة ضخمة أجبرت السادات على إلغاء زيادة الأسعار. ولكن استمرار السير على طريق الانفتاح قاد إلى الاتفاق الشهير مع صندوق النقد والبنك الدوليين فى عام 1991 فيما عرف ببرنامج التثبيت والتكيف الهيكلى. كان بداية اتفاق مع البنك والصندوق يشترط آخر المطاف الخصخصة وبيع أصول البلاد لسداد الديون، ومزيد من تخفيض قيمة العملة.
اشترط هذا البرنامج خصخصة القطاع العام الإنتاجى، فصدر فورا القانون 203 لسنة 1991 الخاص بقطاع الأعمال العام والذى سمح ببيع وخصخصة القطاع الإنتاجى فتم بيع ثلاثة أرباع القطاع العام الإنتاجى شاملا خصخصة معظم صناعات الأسمدة والحديد والصلب والأسمنت والأغذية. كما صدر القانون رقم 95 لسنة 1992 بإنشاء سوق الأوراق المالية (البورصة) لكى تكون أحد أدوات الخصخصة تطرح فيها أسهم القطاع العام للبيع.
ليست الخصخصة سوى إعلان إفلاس ضمنى. عجز المدين (مصر) عن سداد ديونه فيلجأ إلى ببيع أثاث المنزل، مصانعه ومؤسساته، وتدمير قدراتنا الإنتاجية، بادعاء أنه سيجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. تبين بالتجربة أن الخصخصة لم تجلب أى أصول إنتاجية جديدة ذات وزن، واقتصار الأمر على نقل ملكية الأصول الموجودة لكى ينتج عن ذلك طرد العمالة تحت اسم المعاش المبكر وزيادة البطالة، ووقف الإنتاج مثلما يحدث فى شركات هامة مثل المراجل البخارية وطنطا للكتان، وتحقيق المستثمرين للأرباح من بيع الأصول العقارية والإنتاج الكمالى مثل المياه الغازية وجلب أحدث تكنولوجيا الأيس كريم والشيكولاتة الأجنبية!
والمستثمر الأجنبى حتى لا يُدخِل رأس مال جديد لشراء تلك الأصول، وإنما يقترض معظمها على الأقل من بنوكنا المحلية لكى لا يخاطر برأسماله، وهو واثق من أن صفقات الفساد التى يشترى بها بالبخس، وكذلك المتاجرة العقارية بأراضى وأصول الشركات المباعة، بحيث يحقق أرباحا خيالية فى معظم الأحيان تكفى لسداد قرضه للبنك المصرى وتحويله للأرباح إلى الخارج!
واستمر تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار حتى ارتفع الدولار من سعر 40 قرشا عام 1973 إلى 8.8 جنيها رسميا الآن، و12 جنيها فى السوق السوداء. قلت قيمة الجنيه إلى حوالى 4% من قيمته خلال السنوات العجاف الاثنين والأربعين منذ بداية الانفتاح حتى الآن، وبالطبع تسبب هذا التضخم فى تآكل الأجور، التى زادت زيادة لا تستطيع ملاحقة الأسعار، فزاد حد الفقر حتى بلغ 43% وفق إحصائية صندوق النقد الدولى عام 2008! وبالطبع مازالت نسبة الفقر فى تفاقم حتى الآن، وهذا بحد ذاته يشى بخطأ الكثير من أرقام الحكومة التى تعلنها الآن، ولكن يبلغ أقربها للدقة بيان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الذى يوصلها إلى 49.5%. أدى التضخم ما يؤدى إليه عادة من تركز وتمركز الثروة حيث يزداد الأغنياء غنى كما يزداد الفقراء فقرا. ارتفعت عوائد الملكية وانخفضت عوائد العمل الآن لحوالى ربع عوائد الملكية، ورجعنا إلى مجتمع النصف فى المائة!
مثل تكوين هيئة السياسات برئاسة جمال مبارك فى سبتمبر عام 2002 دفعة ضخمة للسير فى مسار التبعية لمؤسسات التمويل الأجنبى، دولية الاسم وأمريكية المضمون. فبدأت اللجنة عملها بتخفيض ضخم للجنيه أمام الدولار فى 30 يناير عام 2003، ثم جاءت وزارتها، وزارة رجال الأعمال، نظيف وشركاه لكى تقوم طوال فترة عملها من عام 2004 وحتى يناير 2011 حتى قيام الثورة، لكى تقوم فى تلك الفترة بأكبر موجة للخصخصة شملت 69% من قيمة الشركات التى تم خصخصتها منذ عام 1991 حتى ثورة يناير 2011!
بعد خصخصة معظم الهيكل الإنتاجى انتقلت الخصخصة للخدمات، فتم تحويل الهيئات العامة إلى شركات قابضة، لكى تتحول من شركات خدمات تؤدى خدمة المرافق الأساسية بالتكلفة إلى هيئات ربحية تحمل سعر الكهرباء والمياه والاتصالات بالأرباح الباهظة، ويجوز بيعها وخصخصتها على غرار القطاع العام الإنتاجىز تحولت من هيئات عامة إلى شركات قابضة كل من هيئة الاتصالات عام 1996، والهيئة العامة للكهرباء عام 2000، ثم الهيئة العامة لمرفق المياه والصرف الصحى عام 2004. بدأت خصخصة المرافق بإدخال العمل بنظام BOOT (إبنِ، تملك، أدِر، ثم انقل الملكية للدولة بعد متوسط ثلاثين عاما) فنشأت بمقتضاه شركات كثيرة لتوليد الكهرباء بحيث تشتريها الدولة ضامنة التسويق للمستثمرين بسعر عال على حساب المواطنين، ثم يدعون دعم الكهرباء ويتناسون أنهم بتحويل المرافق إلى شركات قد أداروها على أسس ربحية تحمل على المواطن، ودخول المستثمرين الخاصين العرب والأجانب وضمانهم بيع لإنتاجهم من الكهرباء بأعلى الأسعار لكى تعاير الحكومة الشعب بعد ذلك بدعم الكهرباء الذى يجب رفعه!
ومن أجل فتح الباب على مصراعيه أمام خصخصة الخدمات تم إصدار القانون رقم 67 لسنة 2010 بشأن مشاركة القطاع الخاص فى تقديم الخدمات كلها من طرق ومرافق وتعليم وصحة..الخ. ولكن اللائحة التنفيذية لم تصدر سوى فى يناير 2011 قبل الثورة مباشرة فلم تتح الفرصة لتنفيذه الواسع.
أدى رجوع مجتمع النصف فى المائة وارتفاع الفقر فى ترافقه مع الاستبداد وتعميق التبعية والاستغلال المشترك لشعبنا من المستثمرين الخارجيين (عبر القروض وتصدير رأس المال) والداخليين إلى الغليان الشعبى الذى انفجر فى ثورة 25 يناير 2011، لكى يعقبها تباطؤ أو توقف فى مسار الخصخصة مع بعض الرفع فى الأجور رغم عدم تناسبه مع غلاء الأسعار.
كانت الوقيعة بين النظام والولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب إسقاط محمد مرسى منطقية بعد أن ساندوا الرئيس المخلوع بكل قوتهم، وعمل الإخوان فى خدمة مخططات أمريكا والغرب لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة تابعة تحت مظلة خلافة إسلامية شكلية. كان إصرار المصريين شعبا وجيشا وحكومة هو الحفاظ على كيان الدولة القومية من التفتيت ومقاومة المخططات الأمريكية هو ما نتج عنه ثورة 30 يونيو 2013.
لهذا بينما لم ترَ أمريكا فى تنحية مبارك وتولى المجلس العسكرى الحكم انقلابا أو حكما للعسكر، رأت فى تنحية مرسى بعد خروج عشرات الملايين من الشعب للشارع، وتعيين رئيس مدنى هو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وتعيين وزراء نصفهم من المعارضة الليبرالية بأحزاب الدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والوفد، رأت فى ذلك انقلابا عسكريا على شرعية مرسى المزعومة وطالبت بعودته مع دعم أمريكا والغرب لإرهاب الجماعات الإسلامية بالداخل وحصار مصر فى الخارج.
كان هذا فرصة تاريخية لتقليص التبعية للغرب واللجوء إلى حلفاء دوليين ذوى شروط أفضل كثيرا هم دول مجموعة البريكس وبالذات روسيا والصين، فبدأ تنويع مصادر السلاح لمصر لأول مرة منذ عام 1974، وكان مناسبة للرجوع لسياسة التنمية المعتمدة على الذات من أجل دعم الوقوف على أقدامنا فى مواجهة مخططات التفتيت الأمريكية للمنطقة العربية بأكملها.
استمر الحصار الغربى المحكم حول مصر لمدة عام ونصف بعد الإطاحة بمرسى فى 30 يونيو 2013. تبين للولايات المتحدة وحلفاءها أن وضع هدف مباشر عودة الإخوان الذين يسمونهم بالشرعية المنتخبة فى مصر غير واقعى، بل ومستحيل. ورغم استمرار أمريكا فى القول، على لسان رئيسها، أن عودة العلاقات الاستراتيجية كاملة لابد وأن تتضمن الديمقراطية وعدم الإقصاء، وهو تعبيرهم عن الصلح مع الإخوان المسلمين وعودة حزبهم وجمعيتهم للعمل السياسى والاجتماعى، وإنهاء قضاياهم والإفراج عن سجنائهم، أقول رغم هذا اضطرت الولايات المتحدة إلى وضع هذا الهدف كهدف استراتيجى، مع محاولة الدخول لإخضاع النظام المصرى بطريقة أخرى. لهذا كانت التعليمات الأمريكية لمؤسسات التمويل الدولية الدائرة فى الفلك الأمريكى، بالأخص البنك الدولى، هى بدء العودة لإقراض المصريين والعودة للعلاقات القديمة تدريجيا مع المؤسسات الدولية، بدءا من بداية عام 2015، لعل سياسة الجزرة تفيد مع سياسة عصا الإرهاب الداخلى، فى إعادة جذب النظام لفلك التبعية الاقتصادية الكاملة للغرب اقتصاديا.
بدأ البنك الدولى منذ بداية عام 2015 فى منح مصر قروضا متنوعة فى مجال الصحة وغيرها: قرض ب400 مليون دولار وآخر ب75 مليون دولار وغيرها. كانت استجابة الحكومة المصرية فوق المعتاد، فبدأت الترتيبات لعقد المؤتمر الاقتصادى للمانحين (أى للمقرضين ومشترى المؤسسات الحكومية) فى 13 مارس 2015. استبق كل ذلك بيوم واحد رئيس الجمهورية فى 12 مارس 2012 بإصدار ثلاثة مراسيم بقوانين "لتوفير البيئة الاقتصادية الملائمة للاستثمار" كما قالوا، هى المراسيم بقوانين أرقام 16 و17 و18 لسنة 2015.
صدر المرسوم القانون رقم 16 لسنة 2015 بتعديل بعض إجراءات قانون الإجراءات الجنائية لكى يتيح فى الصفقات التى تعقدها الحكومة مع الطرف الاجنبى أو المحلى ويشوبها عوار قانونى طعن فيه بالمحاكم، يتيح التصالح بدفع تعويض (ما دامت حسن النية متوفرة!) والفيصل فى حسن النية من عدمها هو السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء! ويستفيد من هذا الطعن وإلغاء العقوبة الجنائية كل أطراف المسألة حتى لو لم يتقدموا هم بالطعن، سواء أكانت القضية منظورة أم تم فيها إصدار الحكم وتنفيذه! ما معنى تلك الصيغ؟ معناه أن حكم المحكمة فى قضية شراء شركة أنوال السعودية لعمر أفندى بعودة الشركة، وحتى لو تضمن الحكم سجنا لمن ثبت تلقيه لرشوة، لو حدث ثانية وعرض الطرف الأجنبى الصلح والتعويض لاستفادت حتى الأطراف المصرية، حتى لو كان موظفا مرتشيا حكم عليه بالسجن ويقضى العقوبة فإنه يخرج حرا، كل هذا بموافقة مجلس الوزراء ولجنة معينة من رئيس الوزراء تشمل 4 خبراء؟!! إنه حقا تأمين المستثمرين الأجانب ضد أ ى ملاحقة قضائية لأى صفقات فاسدة أو رشاوى لمسئولين ما دام تقدير السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء أن ما تم قد تم بحسن نية! وهكذا تهدم البنية القانونية لملاحقة الجناه عن طريق السلطة التنفيذية.
أما المرسوم بقانون رقم 17 فيقضى بتعديل بعض بنود قانون الاستثمار لكى يتيح للمستثمرين مزايا استثنائية لبعض المستثمرين بواسطة السلطة التنفيذية والوزارة مثل بيع الأرض لهم بتكلفة مد المرافق فقط، ثم رد تكلفة المرافق عندما يبدأ المشروع فى الإنتاج (!)، والمساهمة فى دفع تكلفة تدريب العمالة، ودفع تأمينات العاملين، وليس كل ذلك لكل المستثمرين ولكنه راجع لتقدير السلطة التنفيذية والوزارة!
هدف القانون كما يدعى هو الإصلاح الاقتصادى والإدارى. هدف الإصلاح وضريبته كما يقول رئيس الجمهورية هو التخلص من العمالة حيث إن سبعة ملايين يعملون فى الحكومة والقطاع العام الآن يمكن أن يكتفى العمل بمليون واحد أو مليونين منهم! وقال رئيس الجمهورية عندما تم رفض اعتماد القانون من مجلس النواب أن النواب بهذا يرفضون الإصلاح الاقتصادى ويرفضون دفع ضريبته!
ولكن أخطر ما فى القانون هو ما أعلنه وزير التخطيط أشرف العربى عندما ذهب لمناقشة لجنة القوى العاملة التى رفضت القانون قبل عرضه على مجلس النواب. لقد قال، محاولا إقناع أعضاء اللجنة أنهم لا يدركون أبعاد الموضوع لأنه فى حالة رفض القانون سيمتنع البنك الدولى عن إعطائنا القسم الثانى والثالث من قرض المليارات الثلاثة من الدولارات التى تم الاتفاق معه عليها! الوزير لا يدرك أنه يفشى سر أن الحكومة قد عقدت قرضا مع البنك الدولى مشروطا بشروط منها التخلص من عمالة الجهاز الحكومى من وراء ظهر الشعب!
هذا هو المسار الطبيعى للأمور: مفاوضات مع مؤسسات التمويل الدولية، غالبا مع البنك أو الصندوق، فبعد دراستهم لواقعنا (وجميع بياناتنا متاحة أمام لجانهم القائمة فى كل الوزارات) يطرحون ما يرونه وسيلة للإصلاح. على الدولة أن تتطوع ببدء إصدار بعض القوانين التى يريدها. بعد ذلك تأتى الموافقة على شروط الدائن الأجنبى فى شكل خطاب نوايا تكتبة الحكومة المصرية للشريك الأجنبى، طبعا الناتج عن دراسات الشريك الأجنبى وطلباته فى تغيير البيئة الاستثمارية لبيئة مواتية للاستثمار ولكن كأنه مقدم من قبل مصر تطوعا أو حفاظا على مظاهر سيادة الدولة المفقودة!
وبهذه الإجراءات مثل عام 2015 عام عودة مصر إلى التبعية إلى مؤسسات التمويل الدولية، وإلى العودة لفخ الديون والالتزامات الناتجة عنه، ونهاية طريق التبعية وأقصى آماله كما رأينا يتمثل فى تخفيض قيمة العملة وخصخصة أملاك الدولة وفاء للديون. وكان كل هذا تحضيرا للفصل الرئيسى للخصخصة عام 2016 الذى نعيشه الآن.
تأتى الحلقة الراهنة من حل النظام لأزمته الاقتصادية على حساب جموع الشعب ولصالح مصلحة المستثمرين فى بيع أصول بلادنا وتخفيض قيمة عملتنا وإطلاق التضخم الذى يفاقم من سوء توزيع الثروة فى بلادنا بإفقار الجمهور وزيادة من هم تحت خط الفقر وزيادة غنى الأقلية الغنية بالفعل بالإضافة إلى السادة الشركاء الأجانب.
تتمثل شروط صندوق النقد الدولى فى الاتفاقية الضخمة الأخيرة فى فتح باب الخصخصة واسعا أمام خصخصة ما تبقى من القطاع الإنتاجى وقطاع الخدمات، فتعلن الحكومة عن "تنشيط البورصة" بطرح 20% من أسهم شركات قطاع الأعمال العام وقطاع الخدمات شاملة بعض البنوك وشركات البترول! شرط القرض هو بيع ما بقى من أصول الدولة الإنتاجية ومرافقها الخدمية وحرمان الأجيال القادمة من الثروة التى راكمتها الأجيال السابقة بعرق هذا الشعب، وإغراقه فى الديون لإحكام قيود التبعية حول رقبته! مع تخفيض قيمة العملة وإطلاق التضخم الذى يزيد الفقراء فقرا ويزيد الأغنياء غنى ويوفر على المستثمر الأجنبى شراء مصر بدولارات قليلة تتحول إلى جنيهات كثيرة! كل هذا مع ما يسمى بالإصلاح الإدارى بالتخلص من 50% من عمالة القطاع الحكومى والعام خلال بضع سنوات!
لهذا نرفض قرض صندوق النقد الدولى لكل ما يحمله من شروط مجحفة ونحذر من السير على هذا الطريق، طريق اليونان، ونهايته خصخصة مرافقها حتى شركة طيرانها وموانئها وحتى التأمين الصحى لديها! طريق السطو على كل شيئ وترك شعب عظيم فقيرا مفتقدا لأساسيات العيش مع زيادة الأغنياء غنى ونهب الفائض المحلى وتعميق التبعية، ونطرح فى السطور التالية السياسات البديلة التى يتبناها حزبنا الاشتراكى.
فى البداية نرفض إلقاء عبئ حل الأزمة الاقتصادية على عاتق فقراء شعبنا وزيادة أغنيائه غنى، فهذا هو طريق "النمو الاقتصادى" على حساب تعميق التبعية الاقتصادية الاستعمارية، وعلى حساب الشعب سواء بانهيار الإنتاج الحقيقى الزراعى والصناعى، مع التركيز على الخدمات التى تمهد الطريق لكى يحقق القطاع الخاص المحلى والأجنبى التنمية الصناعية والزراعية (وهى التى لم يحقق شيئا منها خلال الأربعين عاما الماضية)، مع تدهور قيمة النقود ومجيئ التضخم وتزايد نسبة الفقر.
ونطرح فيما يلى بديلا تنمويا فى إطار تقليص التبعية وصولا إلى التخلص منها ببناء دولة صناعية متقدمة مستقلة، يقوم على رفض قرض صندوق النقد الدولى والشروط المرتبطة به التى تعمق التبعية وتساهم فى نهب فائض بلادنا.
1. على تعبئة فوائض مواردنا من أجل التنمية ومن أجل تحسين ظروف حياة الأغلبية الفقيرة بتحميل عبئ الأزمة الاقتصادية على عاتق الأغنياء وليس على عاتق فقراء هذا الوطن عن طريق:
a. العودة للضرائب التصاعدية، على الأقل كما كانت فى مصر حتى عام 2005، أى 38% على الشركات و42% على الأفراد. إن عبئ الضرائب الحالية تقع أغلبيته على عاتق الموظفين، وشركات القطاع العام وأهمها البترول وقناة السويس، بينما نصيب الضريبة الموحدة، وضريبة المهن الحرة شديد المحدودية. ليكن شعارنا الضرائب على الأغنياء وليس زيادة الضرائب غير المباشرة التى يقع عبؤها على الفقراء مثل ضريبة المبيعات وغيرها.
b. تطبيق مطلب الثورة بحد أدنى للأجور يكفى معيشة المواطن، مع تطبيق حد أقصى لا يتجاوز عشرين ضعفا له. إن التفاف الحكومة الحالى جعل الحد الأقصى للأجور (42 ألف جنيه شهريا) هو خمسة وثلاثين ضعفا للحد الأقصى لخريج الجامعة، أما النسبة الحالية بين الحد الأدنى للأجور (835 جنيه) والحد الأقصى المزعوم (42000 جنيه) فهو أكثر من خمسين ضعفا، ناهيك عن أن هناك 11 فئة مستثناه تأخذ شهريا أكثر من الحد الأقصى للأجور. فى العام الوحيد الذى نشر فيه محاسبون ضد الفساد فى الجهاز المركزى للمحاسبات تفاصيل بند الأجور اتضح منه أن الإدارة العليا (وعددها حوالى عشرين ألفا) تتقاضى 39% من الأجور، أى 54 مليار جنيه سنويا. بينما يتقاضى 5.9 مليون موظف 61% من الأجور، وإعادة هيكل الأجور إلى نسبة 1:20 بدون زيادة بند الأجور يكفى لأجر لائق لكل مواطن!
c. وقف جميع الواردات الاستهلاكية الترفية التى تستهلك نسبة ضخمة من إيراداتنا الدولارية وتسبب عجز ميزان المدفوعات ثم يتبجح المستوردون بأن واجب الحكومة هو توفير الدولارات لهم لكى يستوردوا بحرية أكل القطط والكلاب وكذلك الكافيار وسلع الترف وكافة السيارات الفارهة وذوات السعات الضخمة والموديلات الحديثة لأشباع النهم الاستهلاكى للأثرياء وكذلك للبيروقراطية حيث يخصص للوزير خمس سيارات موديلات حديثة وفاخرة وتخصص آلاف السيارات للعشرين ألف موظف بالإدارة العليا دون إعلان عن عدد السيارات وماركاتها والعائد من منع استيرادها
2. البدء بسياسة تضع فى قلبها تطوير الإنتاج الصناعى والزراعى بدلا من اتباع البنك الدولى حول أولوية المرافق من أجل تهيئة المناخ للاستثمار الأجنبى الذى لا يأتى أبدا، ولا ينهض فى أى مثال تاريخى للدول التى عبرت إلى الدول الصناعية ذات الهيكل الإنتاجى الراقى والمتكامل إلا بمشاركة فعالة من الدولة. ويأتى فى مقدمة واجب التصنيع إحياء مصانع القطاع العام شبه المتوقفة والتى تعمل بنسبة بسيطة من طاقاتها، وتحرمها الحكومة حتى من ضمان إعطاء القروض الضرورية لحل مشاكلها بضمان الحكومة لكى تبقى ودائع البنوك حلال للمستوردين وللمستثمرين المحليين والأجانب. وبناء المرافق الأساسية اللازمة للهيكل الإنتاجى القديم والجديد لكى تحمل عبئها على المشروعات الإنتاجية التى تسهل إنتاجها بدلا من عملها على حساب الاستدانة الداخلية والخارجية، على أن يكون هدف السياسة الإنتاجية إشباع الاحتياجات الأساسية للجمهور من سلع زراعية وصناعية وزيادة نسبة الاعتماد على الذات تدريجيا فى الغذاء والمصنوعات، والنهوض بالهيكل الصناعى لكى يصبح هيكلا متكاملا (ذو ترابطات أمامية وخلفية) يجمع بين الصناعات الثقيلة (صناعة الآلات) والصناعة الخفيفة (صناعة سلع الاستهلاك) والصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة واقتحام المجالات المختلفة للثورة العلمية والتكنولوجية من كمبيوتر وإلكترونيات وهندسة الفضاء واستخدامات الطاقة الذرية سلميا والهندسة الوراثية.
3. تعديل جذرى فى السياسات النقدية الحالية عن طريق جعل الجنيه المصرى سيدا فى بلده وهو العملة الوحيدة القابلة للتداول فى الداخل، وإلغاء شركات الصرافة، وإلغاء حيازة الأفراد للعملة الأجنبية، ومركزة العملة الأجنبية عن طريق البنوك بإشراف البنك المركزى ووضع سياسة للأولويات الاستيرادية للاحتياجات الأساسية للجمهور، وفى حدود المتاح من عملة صعبة. يعنى هذا بالطبع رقابة الدولة على الصرف (للعملة الأجنبية) ورقابتها على التجارة الخارجية. حتى قوانين منظمة التجارة العالمية تسمح بذلك وقت الأزمات، بدلا من سياسات الوزيرة التى تدعو لإعلان إفلاس مصر أو إفلاس مؤسساتها! واتباع سياسة مرنة فى سعر الفائدة بما يعود إيجابيا على تمويل الصناعة والتوسع دون تضخم، ومنح الأولوية للتصنيع.
4. تعديل جذرى فى السياسات المالية بزيادة الإيرادات من الضرائب المباشرة التصاعدية، وزيادة الموارد السيادية بحسن استغلال ثروات المحاجر والمناجم دون فساد وسوء إدارة، وزيادة الموارد الناتج من تطوير الزراعة والصناعة مع زيادة حد الإعفاء الضريبى لكى يعفى كل من هم تحت خط الفقر الحقيقى، مع تقليل الإنفاق الترفى بحد أقصى للمرتبات كما سبق الإشارة، وتقليل الامتيازات العينية لكبار الموظفين من سيارات متعددة وخلافه، وإصلاح ومحاربة الفساد البيروقراطى بالذات باللجوء إلى الرقابة الشعبية. والحد من فى اتجاه القضاء على عجز الموازنة.
5. تنمية القوى البشرية عن طريق التعليم والتدريب والحفاظ على الصحة مع البدء بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية حول نسبة الإنفاق على التعليم الجامعى وقبل الجامعى والصحة والبحث العلمى. ورفض السياسات التقشفية على احتياجات الجماهير وحقها فى التعليم والصحة مع السياسات شديدة السخاء على الأغنياء والمستثمرين بالإعفاءات الضريبية، ورفع الدعم عن الطاقة للمواطنين وبقائها للمستثمرين.
6. العودة إلى اتفاقيات التجارة والدفع، فتبادل السلع مباشرة يقلل الاحتياج للعملة الصعبة وينمى الإنتاج والصادرات، وقد تمت تجربته من قبل فى بلادنا مع روسيا والهند وغيرهما وأثبت نفعه فى مثل حالتنا.
لقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية فى بلادنا بحيث تقف الآن على مفترق طرق. إن طريقة تعميق تبعية مصر لمؤسسات التمويل الدولية والوقوع فى فخ قروضها المشروطة بالخصخصة وبيع أصولنا الإنتاجية ومرافقنا الخدمية وخصخصة التعليم والصحة والتخفيض المتوالى لقيمة العملة والاستمرار فى سياسة تحرير التجارة والاستثمار وتحرير حيازة وتداول العملة الأجنبية خارج الجهاز المصرفى يضعنا على طريق اليونان، طريق بيع أصولنا ومفاقمة تبعيتنا ومشاكلنا وإفقار الفقراء وزيادة الأثرياء ثراءً.
إننا فى الحزب الاشتراكى نرفض قرض صندوق النقد الدولى ونحذر من طريق تعميق التبعية الاقتصادية، وندعوا لانتهاج سياسة تنموية تقوم على التصنيع والزراعة الموجهة لإشباع الاحتياجات الأساسية للجماهير والتى تهدف إلى التحول لبلد صناعية حديثة، وتهدف لبناء هيكل إنتاجى متكامل زراعى وصناعى يشمل الصناعة الخفيفة والثقيلة، والدخول فى التكنولوجيا المتقدمة. فلتقف السياسات المنحازة لأثرياء هذا البلد على حساب أغلبيته الفقيرة.
محمد حسن خليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احنا إللى رفعنا الانتاج
هانى شاكر ( 2016 / 8 / 7 - 06:07 )

احنا إللى رفعنا الانتاج
______________


ماحنا رفعنا انتاج العيال و الخلفة و تبعنا السلفية الملاحيس و بمرمى 2 مليون هيل فى شوارع مصر كل سنة

انتاج ده ولا مش انتاج؟ ... و كنت فين حضرتك و حزبك و الحكومة و الاعلام و احنا بننتج كل العيال دى

ولا هو بس كلام و تنشيط ...

دى مصيبة سودة يا جدعان

....

اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر