الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لينين: الدياليكتيك والإنتقائية(1)

حاتم بشر

2016 / 8 / 8
الارشيف الماركسي


تمهيد
في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه ”المادية والمذهب النقدي التجريبي“، يصف فلاديمير لينين تلك الحملات التي شنها ‹‹المحاربين الشجعان››، ‹‹مُدمّري المادية الجدلية››، بأنها
‹‹في واقع الأمر، تخلٍ تام عن المادية الجدلية، يـــعـــنـــي الماركسية›› . على هذا النحو يطابق لينين صراحةً بين المادية الجدلية وبين الماركسية. ولا غرو، فإن المادية الجدلية هي فلسفة الماركسية ومنهجها. والمقتطفات اللينينية التي نقوم بترجمتها اليوم تدور على الجدلية، وتستجلي بعضا من جوانبها. هذا هو الغرض الأساسي الذي من أجله نقلنا هذه النصوص إلى لغة الضاد.
فيما يلي ترجمة لنصّيِّن وردا ضمن كراس لينين الموسوم بـ(مرّة أخرى عن النقابات، وعن الظرف الراهن، وعن أخطاء تروتسكي وبوخارين)*. فأما النص الأول فمقتطفٌ طويل من الفصل الذي عنوانه: {السياسة والإقتصاد. الدياليكتيك والإنتقائية}**. وأما النص الثاني فهو الفصل الأخير من الكراس كاملاً، وعنوانه: {الدياليكتيك والإنتقائية. "المدرسة" و"الجهاز"}***. وفيما يلي عجالة، لا ندحة عنها، حول موضوع الكراس وحيثياته التاريخية:
وضع لينين الكراس إبان النقاش الجاري في الحزب الشيوعي الروسي حول مسألة دور النقابات ومهامها. وفرغ من كتابة الكراس في 25 يناير/ كانون الثاني عام 1921، وتم إرساله في نفس اليوم إلى المطبعة. لقد افتتح تروتسكي باب المناقشة أولا، حين بادر بمعارضة الخطاب الذي ألقاه لينين في 30 ديسمبر 1920 "عن النقابات..". وعلى أثر تروتسكي دخلت إلى حلبة النقاش فرق أخرى معارضة هي ”المعارضة العمالية“، وفرقة ”المركزية الديموقراطية“، وكتلة ”المصدة“.
ذلك هو الإطار التاريخي العام الذي ظهر ضمنه كراس لينين.

هـــــــوامــــــش:
* V. I. Lenin: “Once Again On The Trade --union--s, The Current Situation and the Mistakes of Trotsky and Buhkarin”- Lenin’s Collected Works, 1st English Edition, Progress Publishers, Moscow, 1965, Volume 32, page 70-107-Translated: Yuri Sdobnikov.

**Politics And Economics. Dialectics And Eclecticis

*** Dialectics and Eclecticism
“School” and “Apparatus”.


أولاً: مُقتطفٌ من ”السياسة والإقتصاد. الدياليكتيك والإنتقائية“
من المستغرب أن يتعين طرح مثل هذه المسألة الإبتدائية، البديهية، من جديد. فمع الأسف، إن تروتسكي وبوخارين يدفعان على القيام بذلك. فكلاهما يلقي عليِّ اللوم على أنني‹‹أغيِّر›› المسألة أو أقف موقفا ”سياسيا“، بينما يقفان هما موقفا ”اقتصاديا“. بل إن بوخارين طرح هذا ضمن موضوعاته وحاول أن ”يسمو فوق“ المتجادلين الإثنين كما لو كان يقول: إنني أجمع معا، هذا وذاك¹
إنه الخطأ النظري لصارخ. فإن السياسة لهي تعبير مكثف عن الإقتصاد. هكذا قلت تكرارا في خطابي لأني سمعت من قبل هذا اللوم الذي لا تفسير له، والذي لا يجوز مطلقا صدوره عن لسان الماركسي، بصدد موقفي ”السياسي“. يمتنع على السياسة ألا تعلو على الإقتصاد. وكل رأي آخر إنما يعني تناسي ألفباء الماركسية.

ألربما تقديري السياسي غير صائب؟ قولوا ذلك وبرهنوا عليه. وأما القول (أو حتى الإقرار بهذا الرأي وإن على نحو غير مباشر) بأن الموقف السياسي يوازي الموقف ”الإقتصادي“، وأنه في المستطاع أخذ ”هذا وذاك“، فإن هذا يدلل على نسيان ألفباء الماركسية²
وبعبارة أخرى، إن الموقف السياسي يعني التالي: إذا اتخذنا من النقابات موقفا غير صحيح، فإن هذا يقود السلطة السوفياتية وددكتاتورية البروليتاريا إلى الهلاك. (إن التصدع بين الحزب والنقابات، شريطة أن يكون الحزب على غير حق، من شأنه، بالتأكيد، أن يطيح بالسلطة السوفياتية في بلد فلاحي كما هو الحال في روسيا). فمن الممكن(ومن الواجب) التأكد من صحة هذا الرأي من حيث الجوهر، أي التحليل والتمحيص وتبيان ما إذا كان هذا الموقف صحيحا أم غير صحيح. لكن القول: أنا”أقدر“ موقفك السياسي ”ولـكـن“ هذا موقف سياسي وحسب، بينما نحن في حاجة الى الموقف ”الإقتصادي أيـضـاً“، فإنه يعني تماما القول: ”أنا أقدر“ رأيك بأنك ستحطم عنقك بإقدامك على خطوة كهذي، ولــكــن قدر كذلك أنه خير للمرء أن يكون شبعانا ومكتسيا من أن يكون جائعا عريانا.
لقد هوىَ بوخارين نظريا إلى الإنـتـقـائـيـة عن طريق ترويجه لتركيب الموقف السياسي مــــع الموقف السياسي.
إن تروتسكي وبوخارين يصوغان الأمر كأنهما يقولان: نحن نهتم بتنمية الإنتاج، أما أنتم فتهتمون بالديموقراطية الشكلية فقط. إن هذه الصياغة غير صحيحة لأن المسألة لا³ توضع( ولا يــمــكــن أن توضع بالطريقة الماركسية) إلا على النحو التالي: بغير موقف سياسي سليم تجاه القضية، لن تحتفظ الطبقة المعنية بسيطرتها، ومــــن ثــــم لن يسعها أن تحل مـهـمـتـهـا الإنـتـاجـيــِّة أيضا.⁴
وبصيغة أكثر دقة وجلاء، يقول زينوفييف: ”أنتم ترتكبون خطأ سياسيا يقود إلى الإنشقاقات داخل النقابات. أما نمو الإنتاج فقد تكلمت وكتبت حوله في يناير 1920، ضاربا مثلا بناء الحمام“.
ويرد تروتسكي: ”تصوروا أية انجاز (ص29) ان تضع كراسا فيه مثالا عن الحمام، الا انه لا توجد لديك ”أي كلمة“، ”أي كلمة واحدة“(ص22) عما يتوجب أن تفعله النقابات“.

هذا غير صحيح. ان مثال الحمام يعادل، واعتذر عن هذه الموازنة، عشرة "أجواء انتاجية" علاوة عن بضع من "الديموقراطيات الإنتاجية"*. إن مثال الحمام يشف بوضوح وبساطة، ومن أجل الحمهور على وجه الدقة، وبالتحديد من أجل "الأعماق"، عما يتوجب أن تفعله النقابات، أما "الأجواء الإنتاجية"و"الديموقراطيات الانتاجية" فهى قذى يلوث عيون الجماهير ويُــصــعّــب عليها الإستيعاب.
إن لوم الرفيق تروتسكي قد شملني أنا أيضا فزعم "ان لينين لم يقل كلمة"**(ص66) عن "الدور الذي يجب ان تؤديه تلك الروافع التي تسمى بجهاز النقابات".
عفوا رفيق تروتسكي: عندما اطلعت على موضوعات رودزوتاك بتمامها وصادقت عليها، قلت في هذا الموضوع (اكثر واكمل واصح وابسط واوضح) من سائر موضوعاتك ومن تقريرك كله أو تقريرك الإضافي ومن كلمتك الختامية. لأن المكافأة العينية والمحاكم الرفاقية الإنضباطية، واعيد قولي، تعني من حيث السيطرة على الإقتصاد، من حيث ادارة الصناعة، من حيث ترقية دور النقابات الإنتاجي، مائة مرة اكثر مما تعنيه العبارات المجردة تماما (ومن ثم الجوفاء) عن"الديموقراطية الإنتاجية"و"الإلتحام"...الخ.
وبحجة تقديم وجهة نظر "انتاجية"(تروتسكي) او بذريعة التغلب على الموقف السياسي القاصر والجمع بينه وبين الموقف الإقتصادى(بوخارين)، أظهرا:
1-تناسيا للماركسية تجسد في تعريف انتقائي، باطل نظريا، للعلاقة بين السياسة والإقتصاد،
2-دفاعا أو تسترا على ذلك الخطأ السياسي الذي ظهر في سياسة الإطراح التي تشبع بها كل الكراس-المنهج***الذي وضعه تروتسكي، وهذا الخطأ يقود الى انهيار ديكتاتورية البروليتارية ما لم نعه ونتلافاه،
3-خطوة الى الوراء في مجال القضايا الإنتاجية، الاقتصادية الصرف، المتصلة بكيفية زيادة الإنتاج، وبالتحديد خطوة الى الوراء من موضوعات رودزوتاك العملية التي تقترح مهاما ملموسة، عملية، حياتية، حية(فلتطوروا الدعاية الإنتاجية، تعلموا كيف تجيدون توزيع المكافآت العينية وكيف تستخدمون الإكراه بشكل اصح من خلال المحاكم الرفاقية الانضباطية)، تقهقر الى موضوعات عامة، مجردة، فارغة، باطلة نظريا، على طريقة المثقفين، موضوعات تغض الطرف عما هو اكثر التصاقا بالعمل والتطبيق.

تلك هي، في واقع الأمر، العلاقة بيننا: انا وزينوفييف من ناحية، وتروتسكي وبوخارين من ناحية أخرى فيما يتصل بمسألة السياسة والإقتصاد.
ولهذا لم يسعني إلا أن أتبسم وأنا أقرأ، اعتراض الرفيق تروتسكي علي في 30 ديسمبر:
"قال الرفيق لينين في كلمته الختامية امام مؤتمر السوفييتات الثامن حول التقرير عن وضعنا اننا بحاجة الى أقل من السياسة والى اكثر من الادارة الاقتصادية، بينما في مسألة النقابات وضع في الصدارة الشق السياسي منها"(ص65). وقد لاحت تلك الكلمات للرفيق تروتسكي "عين الصواب". بيد أنها تكشف بالفعل عن تشوش مطلق في المفاهيم، عن بلبلة فكرية غير محدودة حقا وفعلا.

لقد أعربت على الدوام، بلا شك، ولا أزال، وسوف أعرب عن تطلعي إلى أن نُعنى أقل بالسياسة واكثر بالاقتصاد. الا أنه ليس عسيرا على الفهم أن تحقيق تلكم الأماني يتطلب تجنب المخاطر السياسية والأخــطــاء الـسـيـاسـيـة. ان الأخطاء السياسية التي وقع فيها الرفيق تروتسكي وزاد من عمقها وشدتها الرفيق بوخارين تــصــرف حزبنا عن المهام الإقتصادية، عن العمل الإنتاجي وتجبرنا، للأسف، على اهدار الوقت في اصلاح هذه الأخطاء.

هوامش:
¹يتحدث بوخارين، ههنا، بلسان ”كتلة المصدّة“، التي سيأتي ذكرها مرارا، في هذا النص والنص الذي يليه. وكتلة المصدة (بوخارين، بريوبراجنسكي، وغيرهما)، هي كتلة تشكلت ابان المناقشة بصدد النقابات. وقد حملت اسم المصدة لأنها حاولت أن توفق بين جبهة تروتسكي وجبهة لينين، وأن تقوم بدور مصدة عند الإصطدام بين النهجين. وفي معرض رده، سيميط لينين اللثام، عن حقيقة موقف تلك الكتلة، كاشفا عن كونها تدافع، من حيث الجوهر الأمر، عن الخط التروتسكي. بعد فترة وجيزة، اتحد انصار بوخارين، فعلا، على المكشوف، مع التروتسكيين ضد لينين.
²لينين، هنا، يعترض على الفصل التعسفي بين السياسة والإقتصاد. يعترض على مبدأ الثنائية الصلبة (إما..أو). يعترض على اللادياليكتيك، على الإنتقائية التي تتجلى في موقف بوخارين وتروتسكي. الأهم أنه يعترض من وجهة نظر الإقتران الوثيق بين السياسة والإقتصاد، يعني من وجهة نظر وحدة المتباينات=جوهر الدياليكتيك="الفباء الماركسية".
³كلمة لا هنا مشددة بخط من طرف لينين. وكل الكلمات الواردة ببنط مائز كذلك.
⁴هنا يكتشف لينين الإقتصادي في قلب السياسي(دياليكتيكية). بينما يتحرك تروتسكي وبوخارين بين شيئن: سياسة أو/بجانب اقتصاد (انتقائية).

*تروتسكي يتهكم من مثال "الحمام" لأنه مثال بسيط وساذج ولا يشكل انجازا. ولينين يبين لتروتسكي أن هذه البساطة بالضبط هي المطلوبة في مخاطبة الجمهور، ثم يتهكم بدوره من تعبيرات تروتسكي المجردة، المتعالية: "اجواء انتاجية".."الديموقراطيات الإنتاجية".."اعماق الجمهور". علينا ألا ننسى أن اللغة هي انعكاس الفكر، واقعه المباشر. وقد رصد لينين في موضع آخر تلك الظاهرة عند تروتسكي، أعني ظاهرة اللغة الرنانة، لكن الجوفاء: ”ليس كل ما يلمع ذهبا“.
**تروتسكي يريد كلاما في الإنتاج (وليس!) كلاما في السياسة(=انتقائي). لينين يبين أن التدابير السياسية(كالمكافأة العينية والمحاكم الرفاقية) هي (في نفس الوقت)تدابير تمس صميم الإنتاج(=دياليكتيكي).
***المقصود كراس تروتسكي "دور النقابات ومهامها". لاحظ إصرار لينين على ربط كلمة كراس بكلمة منهج على امتداد كراسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.