الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية والعولمة

حميد حبيب المالكي

2016 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ارتبط ظهور العولمة بالتطور السياسي والصناعي والتجاري والاقتصادي والسياسي والثقافي والتكنولوجي، صحيح ان العولمة جاءت تراكمية لكنها برزت واكتملت كمفهوم بعد الحرب العالمية الثانية وما رافق نهاية هذه الحرب من احداث لعل اهمها:
*تراجع كبير في الحركات والتوجهات القومية التي تدعو لعنصرية او انغلاق الدولة على نفسها بعدما عاناه العالم من هذه التوجهات وسلوك الدول طريقة التوحد والعمل الجماعي المشترك للوقوف بوجهها والتصدي لها.
*اعتماد الدول على بعضها البعض في اعادة البناء والتعاون فيما بينها ونتج عنه ظهور الاتفاقية العالمية للتعرفة الجمركية جات في اوروبا 1947م ، ذات الوقت ساعدت الولايات المتحدة الكثير من دول اوروبا على النهوض من جديد.
*قفزة صناعية وتكنولوجية شهدها العالم في مختلف الاصعدة والمجالات، وتحسن مستوى الدخل للفرد في كثير من دول العالم، وما تبعه من توسع كبير في الحركة التجارية بين الدول سواء الصناعية بعضها مع بعض او الدول المصنعة والدول المستهلكة، او الدول المنتجة للسلع والدول المنتجة للمواد الخام والاولية.
*ثورة التواصل والاتصالات بين الافراد والدول، سهولة وسرعة حركة النقل الجوي والبحري والبري، ثورة عالم الاتصالات السلكية واللاسلكية والانترنت، مما جعل العالم فعلا قرية صغيرة، ما يحدث في اي بقعة على الارض ينتقل خلال ثواني او دقائق الى كل مكان وما عاد اي مكان معزولا والكل مترابط وما يحصل في بقعة بعيدة عنك قد يكون له تاثير عليك بشكل من الاشكال.

كل ذلك نما وازداد ووصل ذروته بعد انهيار المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي 1991م فما عاد وجود لقوى معارضة او معرقلة وكابحة للعولمة التي نشأت وترعرعت في احضان الرأسمالية والليبرالية الغربية وخاضعة لشروطها ومحددة بحدودها.
ان الاسباب السابقة واسباب اخرى غيرها ادت لظهور العولمة ونحن لدينا تصور عن ما تعنيه العولمة من تداخل بين الدول والعلاقات والاعتمادية ما بينها بنفس الوقت ما تعنيه من تبعية الدول الفقيرة والنامية والعالم الثالث الى دول العالم الغربي الرأسمالية.

العلاقة بين العولمة والتنمية:
لكي نتكلم عن علاقة بين التنمية والعولمة نحتاج الى اثبات وجود هذه العلاقة بينهما اساسا وهذا ما يقودنا الى عرض ما نراها عوامل ترابط وتداخل وهي:
*ان العولمة والتنمية كلاهما فكرا وعمليات ومادة جاءا من الغرب، من الدول الليبرالية والرأسمالية، من الدول التي تملك المال والصناعة وتسيطر على التجارة والصناعة والتجارة العالمية والتي تساهم بالنسبة الساحقة من الاقتصاد العالمي، بتعبير اخر الشمال بينما لم يكن اي من هذه المفاهيم نتاجا لدول الجنوب والدول الفقيرة والنامية.
*ان كلا المفهومين تستخدمه الدول الغربية لاختراق الدول النامية وتحاول فرض ما يتعلق بهما على تلك الدول، تحاول فرض تصوراتها ونماذجها عن التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والعولمة وما يرافقها.
*ان المجالات الرئيسية للتنمية هي المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمجالات الرئيسية للعولمة هي الاقتصادية والسياسية والصناعية والتكنولوجية، اي انهما متداخلان بشكل كبير خصوصا في الجانب الاقتصادي والسياسي.

في الوقت الذي ازداد تدخل الدول الغربية في شوؤن الدول النامية تحت عناوين متعددة مثل التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وما يرافقه من متطلبات كالحريات والحقوق المدنية والسياسية والاعلامية والتعبير عن الرأي والاعتقاد وغيرها، بذات الوقت تقوم تلك الدول الغربية بفرض نظمها الاقتصادية وتصوراتها وبرامجها واراءها على دول العالم النامية من خلال سيطرتها على المنظمات الدولية او من خلال المساعدات التي تقدمها لها فتضمن من خلالها تبعية تلك الدول لها.
اي ان الدول الغربية التي تصدر التنمية للعالم النامي نفسها تخترقه من خلال العولمة، تخترقه بفرضها قوانين وقرارات واتفاقيات على الدول النامية بحيث تستمر الدول الغربية باستغلال الدول الفقيرة وديمومة تبعيتها لها.

إختراق الدول النامية:
تمكنت الدول الغربية من اختراق الدول النامية من خلال العولمة والتنمية، وقد نجحت الدول الغربية بتحقيق هذا الاختراق والاستمرار به للاسباب التالية:
*الغالبية العظمى من النظم السياسية في الدول النامية هي من النظم السياسية المتخلفة فهي اما نظم استبدادية سلطوية او اشكال بدائية من الديمقراطية غير الراسخة والتي اخذت قشور الديمقراطية دون جوهرها او اخذتها كقالب دون ان تخضعه لعملية موائمة مع بيئتها وظروفها وخصوصيتها الداخلية.
*فشل المنظومات الاقتصادية في الدول النامية، فالاقتصاد بشكل عام فيها اقتصاد ريعي واستهلاكي لا اقتصاد انتاجي ولذلك دخول الافراد فيها متدنية جدا وهي لا تمتلك منظومات صناعية حتى لابسط الحاجات وتعتمد بشكل كبير على ما تستورده من الخارج صناعيا وتكنولوجيا وحتى زراعيا فهي متخلفة وانظمتها الزراعية متخلفة لذلك منتوجية الارض متدنية جدا.
ان معظم المواد الخام والاولية للصناعات في العالم مصدرها الدول النامية ولكنها لا تستغل ذلك لتخلفها وفشلها سياسيا واقتصاديا وذلك سببه اما فساد النخب الحاكمة وصاحبة القرار في الدول النامية و عملها لمصالحها الشخصية الضيقة او عمالتها لدول اجنبية، او سبب خارجي وهو ان الدول الصناعية نفسها تضغط باتجاه ان تبقى الدول النامية متخلفة.
لذلك فان الدول النامية تحولت الى مصدر للمواد الخام والاولية التي تشتريها منها الدول الصناعية باسعار زهيدة ثم تقوم بتصنيعها من ثم تعود فتصدرها لها على هيئة سلع ومنتوجات باثمان باهضة، اي ان الدول النامية مصدر للمواد الخام وسوق مفتوحة ومتطلبة ومتزايدة على استهلاك السلع.
وحتى الدول ذات الدخول العالية من الدول التي تمتلك ثروات نفطية مثل دول الخليج العربي وليبيا والجزائر وبروناي وفنزويلا وانغولا فانها لم تستفد من الوفرة المالية ولم تتمكن من تطوير لا منظومة سياسية ولا منظومة اقتصادية كفوءة، وكل ما حدث هو انها تحولت الى مستهلك كبير للسلع المنتجة في الخارج ببذخ وتبذير دون خطط مستقبلية حتى بعد مضي ما يقارب القرن على فورة النفط فيها.
بالمقابل فان الدول الصناعية تمتلك رؤوس الاموال وتهيمن على اقتصادات العالم بسيطرتها على وسائل الانتاج والمصانع والتقنيات والتكنولوجيا التي تمتلكها والتي من خلالها تتمكن من فرض شروطها على الطرف الاخر الذي هو بحاجة المنتجات التي تنتجها.
والدول الغربية بمجملها تمكنت من تثبيت نظم ديمقراطية تلبي احتياجات الشعب وتستمد وجودها وشرعيتها من رضا الشعب وتحقيقها لمطالبه وتطلعاته والمضي نحو دولة الرفاهية حيث كثير من دول الغرب ما عاد يناقش فيها مواضيع كالتعليم او الصحة او الخدمات الاساسية لانها اصبحت متوفرة للجميع وبافضل ما يكون.
فحتى الدول الشيوعية السابقة في شرق اوروبا تمكنت خلا ربع قرن من ان ترسخ نظما ديمقراطية فعالة وتحقيق مستوى دخل فرد وناتج اجمالي قومي جيد وتطوير صناعاتها وزراعتها واقتصاداتها بشكل عام، ان النقلة التي حققتها بعض تلك الدول سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا بفترة زمنية قصيرة جديرة بالدراسة، وحتى بموضوع الفساد الذي كان مستشريا في دول المنظومة الشيوعية قد تراجع بشكل كبير وتحول الى نسب قليلة بعدما تحولت تلك الدول الى الديمقراطية.
ان ما تقدم قادنا بشكل طبيعي الى نقطة القوة الثانية التي مكنت دول الغرب من تحقيق الاختراق للدول النامية، وهي النظم السياسية الغربية، فالنظم السياسية الغربية بمجملها نظم ديمقراطية ليبرالية وليس فيها ولا نظام واحد استبدادي، والاساس الذي تقوم عليه تلك النظم هو رضا المواطنين فشرعيتها ووجودها هو بتلبية مطالب الشعب والاستماع له، فكل فرد يشعر انه ممثل في الحكومة وصوته مسموع وحرياته وحقوقه مصانة وان الحكومة تعمل لمصلحته ولخدمته.
كل ذلك حصّن وقوّى تلك النظم مما جعلها لا تخاف الابتزاز كما هو الحال ببعض النظم الحاكمة في الدول النامية التي تخضع لابتزاز الدول الغربية لاجل ان يستمر الحاكم بحكمه لانه على علم ان لا شرعية له الا القوة وسكوت الغرب او الدول الكبرى عنه.
ان النظم الديمقراطية سمحت بالتطور والتحديث في مختلف جوانب الحياة وحققت تفاعل واستجابة عالية ما بين افراد الشعب والنظام السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لان العوائق تقل بشكل كبير وعملية التحول والتطور والتغيير تجري بشكل اكثر سلاسة وسهولة ودون صدام او دموية او اضطراب.

الخلاصة:
بعد ما تم عرضه فاننا نجد ان هنالك ترابط وثيق مابين العولمة والتنمية، لان كلا المفهومين غربيين واستخدمتهما الدول الصناعية لاختراق والسيطرة على الدول النامية وان تضمن بها تبعية الدول النامية لها واعتمادها عليها، وان كليهما قد برز بشكل واضح ما بعد الحرب العالمية الاولى واخذ موقعا كبيرا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
صحيح ان اساس واليات كل من هذين المفهومين يفرق عن الاخر لكن مجالهما متقارب جدا فهما يلتقيان بشكل اساسي في الجانب السياسي والجانب الاقتصادي، لكن العولمة تاخذ فرادة وتمايز اكبر في الجانب الثقافي بينما التنمية تاخذ فرادة وتمايز في المجال الاجتماعي، كما انهما يتمايزان بان العولمة تعتمد جانب التحديث التكنولوجي والصناعي وغياب الحدود الاقتصادية وتبني منظومة اقتصاد غربية_ او تابعة وتدور في فلكه_ بينما التنمية تركز على البناء والخطط والاليات لتحويل النظام السياسي الى ديمقراطي والنظم الاقتصادية الى ليبرالية وما يتبع ذلك.
ان البعض يرى ان العولمة عامل ايجابي باعتبارها تحقق ثقافة عالمية واحدة، ومنظومة اقتصادية وصناعية عالمية لا تعترف بالحدود وتقلل الفوارق بين الشعوب في حين يراها اخرون عاملا لاختراق المجتمعات والدول وجعلها تابعة واسيرة للغرب لانها لا تمكّن الدول النامية من ان تبلغ ما بلغته الدول الغربية الا في القشور بينما تبقى الاسس القوية للاقتصاد والتكنولوجيا بيد الغرب.
وحتى مع الحركة الجديدة في العالم التي تتجه لاقامة المصانع بالقرب من مصادر المواد الخام والاولية والتي سمحت باقامة مصانع مهمة ومعروفة عالميا في دول اسيوية وافريقية وامريكية جنوبية، لكن ذلك لم يغير من حال الدول التي اقيمت فيها، فهذه المصانع تشيد وفقا لشروط صاحب راس المال وهس اساسا تم تشييدها هناك لكي تزداد فائدة صاحب راس المال الغربي والتي من خلالها يوفر اجور نقل المادة الخام الى الدولة الغربية ومن ثم اعادتها كسلعة الى المستهلك، ووفر اجور العمال المرتفعة في الدول الغربية مقابل اجور بخسة.
ان هذه العملية جعلت الاموال والثروات تتزايد اكثر واكثر في العالم الغربي واستمر الفقر في الدول النامية لكن بتغيير طفيف على حال الافراد المعاشية.
ان استطلاعا بسيطا لتركز الاموال بالعالم وبعيدا عن الدخول في حسابات الارقام و النسب الدقيقة التي تختلف في كل دراسة واحصائية عن الاخرى لكنها تتفق جميعا ان معظم الاموال والثروات يمتلكها الغرب والقليل تمتلكه الدول النامية، فما لا يقل عن 80% من رؤوس الاموال العالمية تمتلكها 20% من دول العالم بمعظمها دول صناعية غربية بينما 80% من دول العالم الفقيرة تمتلك فقط اقل من 20% من رؤوس الاموال العالمية.
ان التخلف السياسي والاقتصادي في الدول النامية هو ما اعطى للدول الغربية مجالا وفرصة للتدخل تارة بحجة نشر الديمقراطية او مكافحة التخلف، وتارة اخرى باعطاءها المساعدات للدول المتخلفة والتي جعلتها تابعة لها وخاضعة لاملاءاتها، فلو كانت اقتصادات الدول النامية قوية ولاتحتاج للمساعدات ولو كانت نظمها السياسية اقوى واكثر التصاقا وقربا من مواطنيها لما تمكنت الدول الغربية من فرض اي شروط عليها ومثال على ذلك تركيا التي تتصادم مع الغرب احيانا دون ان تخاف من تبعات اقتصادية ولا سياسية لانها مدركة قوتها الاقتصادية والسياسية.
كما انه لا يفوتنا ان ناخذ بالحسبان مقاومة بعض الدول للاختراق الغربي سواء تحت عنوان العولمة او الديمقراطية ومن بين هذه الدول الصين وروسيا، اذ ان نظاميهما السياسيين قويان ونكذلك النظامان الاقتصاديان مما اعطاهما استقلالية كبيرة مكنتهما من عدم الخضوع للغرب وما يفرضه، هذان النموذجان يدلان على انه بالامكان التصدي لكن بنسب وليس بشكل مطلق، لاننا لو نظرنا الى الداخل الروسي او الصيني سنجد ان كثير من اثار العولمة قد دخلت اليهما لكن الممانعة اكبر في مجال فرض التنمية السياسية وفق النموذج الغربي عليهما.
بالتالي فان العولمة وجدت مجالا لها في كل دول العالم لكن نتائجها على الدول النامية سلبية لانها قدمت القشور لتلك الدول بينما احتفظت الدول الغربية والصناعية باللب والمنافع والفوائد المهمة، اما التنمية السياسية فانها مازالت ضعيفة جدا في بعض الدول النامية ومازالت تدار بنظم على غرار نظم الحكم في العصور الوسطى حتى مع عصر العولمة والتحضر والمدنية الحالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص