الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة

حميد حبيب المالكي

2016 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


المواطنة هي احد المفاهيم السياسية الذي كثر الاهتمام به والحديث عنه مؤخرا، وهو ليس بالمفهوم الجديد النشأة وانما قديم ويرجع الى زمن الاغريق، لكنه كان مفهوما غير واضح المعالم ولم يكن يحمل الابعاد التي يحملها اليوم، ويؤخذ على النموذج الاغريقي انه تموذج فيه عنصرية عرقية وجنسية وغيرها حيث لا يساوي بين الاغريق وغيرهم ويعطي فوقية للاغريق على غيرهم ويقسم المجتمع الى ثلاث فئات هم مواطنون واجانب احرار وعبيد كما ان الحق السياسي يختص به الرجال دون النساء، في حين كان النموذج الروماني اللاحق اكثير استيعابا وتقبلا بتاثير توسع دولة روما وتحولها من نظام الدول البسيطة، دول المدن، الى الدول الامبراطورية، اما في العصر الوسيط فالمواطنة كانت بمعنى دفع الضرائب والمواطن هو من يدفعها واستمر هذا الفهم لها الى الثورة الفرنسية 1789 وتضمينها في الدستور الفرنسي ما بعد الثورة وما صارت تتضمنه المواطنة من حقوق قانونية وسياسية ومدنية.
يعود الاهتمام بهذا المفهوم الى كونه يطرح كحل قانوني انساني وعصري مقبول لكثير من المشكلات، فمن خلال تبني المواطنة يمكن للدولة ان تتجاوز وتتغلب على كثير من المشكلات الداخلية كالتمييز العنصري والقومي والديني والطائفي والتهميش والاقصاء وعدم المساواة القانونية او حين تطبيق القانون، ومن خلال المواطنة يمكن للدولة ان تزدهر.
ان الجذر الذي اشتقت منه مفردة المواطنة باللغة الانجليزية هي المدينة او الحضر وبالتالي فان التعريب يكون اكثر دقة لو حمل معنى علاقة التمدن او التحضر، وهذا الاشتقاق يعبر عن جانب مهم في المواطنة وهو انها ترتبط بالتحضر والمدنية وان عكسها او خلافها هو التخلف، اما في اللغة العربية فواضح ان المواطنة مشتقة من الوطن وهي بذلك تعطي صورة فيها نوع من الاختلاف عما في اللغة الانجليزية لنفس المصطلح او المفهوم.
ومن خلال تبني الدول لمبدأ المواطنة المتكافئة والمتساوية بين مواطنيها في الفرص والخدمات وتوزيع الثروات والخيرات وامام القانون وعند تطبيقه، من خلال تبني ذلك تمكنت دول كثيرة من التقدم والتغلب على تناقضات داخلية ومشاكل ما كانت لتتمكن من تجاوزها لولا ذلك، لعل الولايات المتحدة الاميركية وما فيها من تنوع كبير يصل الى حد التناقضات في المستويات المعيشية والاصول العرقية والديانات والطوائف والتوجهات الحزبية وغيرها الكثير، الا ان تبنيها لمبدأ المواطنة مكنها من التعامل مع كل تلك التنوعات واستيعابها ضمن المحتوى والاطار الاوسع هو دولة المواطن او الامة الاميركية .
أن "المواطنة" مفهوم ذو مضمون ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي ... إلخ، ولا يعني حب الوطن فقط، وهو مرتبط بتكون (الوطن-الأمة) نتيجة عناصر ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية ودينية في عصور متتالية وحسب هذا فان المواطنة هي تركيبة متنوعة من العناصر والعوامل التي تشكل المواطنة عبر تطور وتدرج تاريخي، لكن هنالك رد على هذا وهو ان بعض الدول تمكنت وبقرار سياسي من تبني المواطنة خيارا لها وتمكنت من تطبيقه وتحقيقه والنجاح فيه دون ان تمر باي تطور تاريخي، مثل سنغافورة واصلاحات لي كيوان والنجاح الذي حققه في هذا المجال.
تقدم الدولة للمواطن في دولة المواطنة،المساواة والحماية والمواطنة الكاملة غير منقوصة الحقوق لها أبعاد عدة ،فلا مواطن من درجة اولى واخر من درجة ثانية والجميع سواسية امام القانون ومتكافئون في الفرص، وهذا الفهم متعلق بجذور ليبرالية ديمقراطية كانت اساسا قامت عليه المواطنة بفهمها الحالي، نقول انه لا يمكن الفصل بين المواطنة والليبرالية لانها نشأت في كنفها ولا يمكن تصور ان تتحقق المواطنة "في معناها هذا " في خارج النطاق الليبرالي.

ويرى البعض انه لا حل سوى تطبيق وتبني دولة المواطنة، دولة الانسان كامل الانسانية والحقوق، ويعرف الاستاذ نادر كاظم تلك الدولة :((دولة المواطنة تعني أن الحقوق الدنية والسياسية حقوق عامة، لا علاقة لها بأنتماء المرء الطائفي أو العرقي أو الطبقي أو الجندري (الجنس: ذكراوانثى)، وأن الدولة بخيراتها العامة ملك عام لا يجوزلأي طائفة أن تستملكه حصريا وتحتكره لنفسها.))
((المواطنة صلة اجتماعية وسياسية وقانونية)) وهي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه أنتماؤه الى وطن،كما تقول موسوعة السياسة ، لكن بعض المختصين يرفضون أعتبارها مجموعة من الحقوق والواجبات لأن في ذلك تجريد لها من مضمونها ،فهي لها مضامين أنسانية وحل لمشاكل تعانيها الدول والنظم والمجتمعات.

الخلاصة:
ان المواطنة واحدة من المفاهيم السياسية والتي يمكن اعتمادها كمبدأ في الدولة وحكم الشعب، وهي تنطوي على مضامين سياسية وقانونية واجتماعية وثقافية واقتصادية، هي ببساطة ان يتساوى مواطنو الدولة ام القانون وان يتم حكمهم بعدالة وانصاف وان تقر للجميع نفس الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب لون او عرق او دين او طائفة او لغة او طبقة او غيرها، وهي تتضمن بعدا سياسيا يتمثل بان يحمل الفرد جنسية وطنه وان يكون لديه ولاءا لها لتتحقق المواطنة الفاعلة، وان تكون له حقوقه السياسية والمدنية كاملة دون انتقاص.
يحصل نوع من التشويش لدى البعض في مفاهيم المواطنة والوطنية والجنسية، لكن كمختصون في علم السياسة يتوجب علينا التمييز ما بين هذه الافكار والمفاهيم والمصطلحات، فالمواطنة هي مركب من عدة جوانب واعتبارات ومضامين وحقوق والتزامات سياسية وقانونية ومدنية وترتبط الى حدا ما بالجانب العاطفي.
بينما الوطنية فان الاساس فيها هو الجانب العاطفي وهي حب الوطن وان كان علماء الاجتماع يرتبون تبعات على هذا الجانب العاطفي يتمثل بالالتزام بالقوانين والولاء للدولة ولنظامها السياسي، وهو بهذا المعنى يقترب في بعض الجوانب من المواطنة لكن يبقى التمييز ممكنا ولا يصل الى حد الالتباس.
اما الجنسية فهي صلة قانونية سياسية تربط ما بين الفرد ودولته، لا يترتب عليها ان يكون جميع الافراد متساوون امام القانون او بالحقوق المدنية والسياسية والواجبات بالضرورة وانما يتبع ذلك للنظام السياسي ناهيك عن غياب اي محتوى عاطفي لرابط الجنسية.
قد تتولد واحدة من الاخرى لكن ان تتطابق غير ممكن، ونعتقد ان المواطنة ترتبط الى حد كبير بقرار وارادة سياسية في تبنيها وتطبيقها، وهذا قد يكون لسبب ذاتي من داخل النظام السياسي ومن يقوم عليه كما قام لي كيوان بتبنيه في سنغافورة بجهد شخصي الى حد ما وبارادته الذاتية، او انها بدفع وضغط من الشعب كما حصل في الثورة الفرنسية 1789 عندما ضغط الشعب واجبر من يقود العمل السياسي على اقرارها وتضمينها في الدستور الفرنسي.
كذلك استخلصنا ان المواطنة نجحت في تقدم الدول التي تبنها ومكنتها من التغلب على كثير من المشكلات الكبيرة والاختلافات التي تصل حد التناقض والتقاطع لغويا وعرقيا ودينيا وطائفيا واثنيا، نجحت في الولايات المتحدة وبريطانيا.
وترتبط المواطنة ومن الامثلة وتطبيقاتها بالليبرالية والديمقراطية_الى الان على اقل تقدير_ فهي لم تطبق خارج نطاق الدول الليبرالية والديمقراطية، وقد تكون الديمقراطية شرطا اوليا لها، ومن الممكن ان يكون هذا عائقا في تطبيقها في الدول النامية لغياب الديمقراطية الحقيقية فيها، ولذلك يجب اصلاح او تغيير النظام السياسي الى نظام ديمقراطي ومن ثم تبني وتطبيق المواطنة.
ان دولة المواطنة ودولة الانسان كامل الحقوق والذي يتساوى مع باقي المواطنين قانونيا وسياسيا ومدنيا واجتماعيا هي الحل الموضوعي والممكن في حالة مثل الحالة العراقية التي واحد من ابرز اسبابها هو التمييز على اساس الطائفة بين مكونات الشعب.
لا يكفي ان ينص الدستور على الحقوق والواجبات وتعابير جذابة كالعدالة والمساواة، بل لا بد ان يقترن ذلك بتطبيق تلك الشعارات على ارض الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا