الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقات الاجتماعية في المغرب

وديع السرغيني

2016 / 8 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الطبقات الاجتماعية في المغرب

كباقي المجتمعات، خلال العصر الحالي، ينقسم المجتمع المغربي إلى طبقات اجتماعية متضاربة المصالح، تختلف مصالحها وتتناقض، ويتعارض البعض من هذه الطبقات لحد العداء والتناحر.
والطبقة من المنظور الاجتماعي، هي عبارة عن جماعة من الناس لها مصالحها الخاصة داخل المجتمع نفسه. فمن الطبقات من يستفيد ماديا من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المختلة، ويعيش بالتالي في غنى وثراء فاحش، ومنها على النقيض من لا يكاد ولا يقوى على سد الرمق، ولا يتعدى محاربة الجوع وضمان الغذاء لنفسه ولأولاده، وهؤلاء هم الأغلبية الساحقة داخل القرى والبوادي وسائر المدن المغربية.
ويمكن أن نجزم بأن جميع التشكيلات الاجتماعية خلال المرحلة، تتوفر على ثلاثة طبقات أساسية، هي البرجوازية الكبرى والبرجوازية المتوسطة ثم البروليتاريا.
وإلى جانب الطبقات الرئيسية والأساسية الثلاث، هناك طبقات اجتماعية أخرى، وفئات متنوعة، لها وزنها العددي والاجتماعي المهم، والتي لا يمكن إغفال وجودها ضمن التشكيلة الاجتماعية بالمغرب، كالفلاحين والعاطلين والمهمشين والسخرة واللصوص وبائعات الهوى..الخ
فمن الناحية النظرية والعلمية، تـُعرّف الطبقة الاجتماعية كجماعة من الناس، تتميز بالطريقة التي تستفيد بها من ثروات وخيرات الوطن ـ هذا إذا كانت فعلا مستفيدة ـ يعني الطريقة التي بفضلها أصبحت غنية، وكيف أصبح على النقيض منها، الآخرون الذين يشكلون الأغلبية، فقراء ومعدمين لا يملكون أي شيء.
وداخل التشكيلة الاجتماعية المغربية توجد طبقتين أساسيتان تخوض الصراع لحد التناحر، الأولى وهي الحاكمة، تخوضه للحفاظ على الأوضاع القائمة لمصلحتها، والتي لا تخدم سوى مصلحة الأغنياء ومحيط الحكام الذين بيدهم المال والجاه والسلطة.. وتسمى بالطبقة البرجوازية.
وعلى نقيضها توجد طبقة أخرى منتجة لجميع الثروات، لا تملك سوى عضلاتها، تكد وتكدح طيلة حياتها، وتتعرض لأبشع أنواع الاستغلال، وتُهدر كرامتها، دون أن تستفيد من ثمار عملها.. وتسمى بالطبقة العاملة أو البروليتاريا.

• الطبقة البرجوازية
هي إذن الطبقة المستحوذة على الحكم والسلطة في البلاد.. تتوفر على أموال وأملاك متنوعة، تدر عليها أرباحا طائلة لا حدّ لها.. وتكون ممتلكاتها على شكل رأسمال نقدي، أو ورشة عمل، أو قطعة أرض أو عدد لا بأس به من رؤوس الأبقار والأغنام..الخ

- كيف تتشكل وتتراكم الثروات لمصلحة هؤلاء البرجوازيين؟
إن الذي يملك من البرجوازيين معملا لخياطة الألبسة، أو مصنعا للآجور أو الرخام، أو شركة لنقل المسافرين، أو ضيعة لإنتاج التوت، أو باخرة في أعالي البحار.. لا يمكنه الاشتغال لوحده في مشروعه الخاص، ولا يمكنه بالتالي أن يراكم كل هذه الأرباح، وأن يُضخم ثرواته بهذه السرعة، دون أن يستغل أناس آخرين، بل جمهور من الناس، كعمال وكمسيّرين وحراس ومحاسبين..الخ
فصاحب المشروع الذي هو البرجوازي، ينتمي إلى الطبقة البرجوازية، أما العمال المنتجون للسلعة أو الذين يباشرون خدمة ما، ويشتغلون مقابل أجرة يومية، فينتمون للطبقة البروليتارية العاملة.
أما المشرفون على الأشغال، المسيرون للورشات، يعني الشاف أو الوقـّاف أو الكابران.. إضافة لعناصر الإدارة من مدير وسكرتيرة ومحاسب.. فينتمون للطبقة المتوسطة البرجوازية الصغيرة.

+ ملاحظة: بعض الشركات يكون فيها المدير مجرد موظف أجير.. لكن غالبيتها يكون فيها المدير هو صاحب المعمل نفسه، يسيره هو وأولاده كيفما اتفق.

من هنا نستخلص بأن البرجوازية تعيش من استغلالها للطبقة العاملة، حيث يعيش العامل من ثمرة عمله لصالح البرجوازي الذي هو رب العمل، تحت أعين ومراقبة ذاك البرجوازي الصغير الذي يسهر على عملية الاستغلال، ويتابع تفاني العمال ومثابرتهم على الإنتاج، حيث يطالبهم بالكدّ وبالمزيد من الجهد ولكي يربح البرجوازي أكثر، ويتضخم رأسماله أكثر وأكثر.
فالطبقة البرجوازية طبقة مالكة، تحتكر مِلكية وسائل إنتاج جميع الخيرات والسلع والخدمات، التي تلزم المواطن منذ ولادته إلى لحظة دفنه، أي جميع ما يحتاجه في أكله وتعليمه وتطبيبه وسكنه..الخ حيث تتطلب هذه المتابعة صرف أموال ومكابدة وكد، من لدن العمال الكادحين وسائر محدودي الدخل من الشغيلة، لأجل توفيرها في إطار من الحد الأدنى لمقومات العيش الكريم.
فالطبقة البرجوازية هي التي تمتلك السلطة في البلاد، هذه السلطة التي تسهر على أمنها وطمأنينتها بوسيلة الجيش والشرطة والدرك والمخابرات والجواسيس والبلطجية..الخ وتسيطر سيطرة تامة على جميع منابع الخيرات وعلى جميع وسائل إنتاجها، وتمتلك الأبناك والمعامل والمصانع والشركات والمناجم وبواخر الصيد والمساحات التجارية الكبرى والعقار والفلاحة الصناعية الموجهة للتصدير، والغابات والطرق السيارة..الخ.
بعد هذا التعريف البسيط والواضح، نستطيع أن نجزم، وبدون تردد، بأن المجتمع المغربي تحكمه وتسيره الطبقة البرجوازية في إطار الاقتصاد الرأسمالي، المبني على المِلكية والتملك لوسائل الإنتاج، حيث يلزم الفرد الرأسمالي ملك قدر مهم من المال، وهو ما يسمّيه الجميع بالرأسمال، ثم البناية التي سيشيد عليها المصنع أو المعمل أو الشركة، والآلات، والمواد الخام، وسيارات نقل البضائع الموجهة للتصنيع أو المكتملة التصنيع..الخ
وخلال عملية الإنتاج الرأسمالية، لا بد من منتجين حقيقيين لإنتاج البضائع، يبيعون قوة عملهم العضلية والذهنية من أجل هذا الغرض، يعني أنهم مرغمون على الاشتغال لساعات كل يوم، أي ما بين 8 و12 ساعة، لإنتاج سلعة أو القيام بعدة أشغال، مقابل أجرة يومية، تحسب بالساعة داخل المقاولات القانونية التي تؤدي لعمالها الحد الأدنى للأجور.
يكون الإنتاج داخل الورش الصناعية بالقطعة أو بالتسلسل، وكلا النموذجين شائعين بالمغرب داخل بعض القطاعات القريبة من الصناعة التقليدية، أو التي انتقلت منها توّا إلى الصناعة العصرية.. ويكون نموذج التسلسل عبارة على سلسلة من المهمات الصغيرة والكبيرة، لكنها جميعها شاقة ورتيبة، بهدف إنتاج سلعة معينة أو أداء بعض الخدمات، اعتمادا على القوة العضلية، وعلى النباهة الفكرية، واستعانة بالآلات التي أصبحت ضرورية وملازمة للإنتاج العصري والرأسمالي، فكلما ارتفعت أجور العمال كلما التجأ الرأسمالي لتعويض بعضهم بالآلات.
وخلال عملية الإنتاج الدائمة، والتي لا تتوقف سوى بالأزمات أو بالإضرابات العمالية، يحتاج الرأسمالي للعديد من العمال والعاملات، العشرات والمئات والآلاف.. مثال شركة دلفي، يازاكي، والرونو بطنجة، لتشغيل مشاريعه العملاقة، ولكسب الأرباح الهائلة والخيالية، بفضل تفاني وتضحيات العمال الذين يتعرضون للاستغلال البشع والرهيب، وهم يهددون، باستمرار، بالطرد في حالة التشكي، أو الاحتجاج، أو الانتظام داخل النقابة.

• الطبقة المتوسطة أو البرجوازية الصغرى
إلى جانب الطبقة البرجوازية الكبيرة، وهي الحاكمة فعلا، نجد البرجوازية الصغيرة كطبقة مستقلة عن البرجوازية الحاكمة وعن النظام الرأسمالي ككل، فوجودها أو الجزء الأكبر منها سابق عن وجود الرأسمالية كنظام.. فهي طبقة لها وضعها الخاص، وتكوينها الخاص، ومصالحها الخاصة والمعقدة، فعلا.
فهي الطبقة الوسطى داخل المجتمع، وتتكون من المالكين الصغار، الذين بحوزتهم رأسمالا صغيرا لا يحتاج لتشغيله سوى لعمال قلائل، يرتبطون في الغالب بعائلة المشغل، أي الزوجة والأبناء والأصهار..الخ حيث يتم استغلالهم داخل مختلف أوراش الصناعة التقليدية، لصناعة الزرابي والشباشب والجلابيب، وفي مجال البقالة، وداخل ورشات النجارة والحدادة، والحلاقة، والميكانيك، وداخل المقاهي والمطاعم، وفي مجال الفلاحة المعيشية والصيد البحري التقليدي..الخ
أما الفئة الثانية، وهي فئة ذات قاعدة عريضة داخل المجتمع، محسوبة هي أيضا على البرجوازية الصغيرة، فتتشكل من الموظفين والمستخدمين، ومن ذوي المهن الحرة، كالمهندسين والأطباء والمحامين وسائر بسطاء موظفي الإدارة في التعليم، وفي قطاع التمريض، والبريد، وشركات النقل الحضري..الخ
هذه الطبقة التي كان لها وجود قبل ظهور الرأسمالية في المغرب، بل إن أوضاعها تدهورت بسبب من سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي، الذي دفع بالعديد من عناصرها للبلترة، بعد إفلاسها وخسارة أملاكها.
فتنوع مشارب وفئات هذه الطبقة، هو المسؤول عن أوضاعها المتذبذبة، وعن اختلافها وتمايزها في الأهداف والمطامح، فهي الطبقة التي لا تمتلك مشروعا مجتمعيا بديلا عما هو قائم، ولا تعارض الأنظمة الاقتصادية القائمة على الملكية والربح، بل ترغب فيها وتحبذها.. لأنها لا يمكن أن تعيش دون أن تحلم بمجتمع المالكين الصغار، ووعدهم بتوسيع ملكياتهم الصغيرة وتطويرها.

• الطبقة العاملة أو البروليتاريا
وهي أهم طبقة عصرية أنتجها النظام الرأسمالي، هي طبقة تعتاش كليا من بيع عملها للرأسمالي، بعد أن حولتها الرأسمالية إلى بضاعة مهمتها إنتاج البضاعة.. تستهلك شيئا من البضاعة، ويستهلكها إنتاج البضاعة.. على حد التعريف الماركسي لهذه الطبقة.
هي الطبقة المؤهلة لإزالة الرأسمالية والقضاء نهائيا على نظام المِلكية والتملك.. وهو الشيء الذي يلزمنا بالبحث في أسباب ثراء البرجوازية على حساب الغالبية الساحقة من الشعب، وفي طليعتهم الطبقة العاملة منتجة الثروات والخيرات، للوقوف والفهم الدقيق للطريقة التي تحصل بها هذه الطبقة البرجوازية على مجمل الثروات ومراكمتها.
فقد يكون باستطاعة أي فرد له قدر لا بأس به من المال، لوحده أو بمعية شركاء آخرين، تأسيس مصنع لإنتاج الصابون أو لعصر الزيتون، أو لصناعة الألبسة أو الأحذية.. أو تشكيل شركة لنقل البضائع أو المسافرين..الخ لكن الشركات والمعامل والمصانع لا يمكن أن تشتغل لوحدها رغم توفر الأموال والمساهمين، فلا بد لها إذن من عمال يعملون على دوران عجلات الإنتاج باستمرار، وبالليل والنهار، وبدون ملل أو كلل.
فبدون هذا الدوران لن يتقدم الإنتاج خطوة واحدة، ولن تتحقق مراكمة الأرباح. إذ من خلال هذه التضحيات الجسام، التي يقدمها العمال على حساب صحتهم وراحتهم، يتحقق التراكم وتتوسع دائرة الإنتاج والرأسمال.. كأن يستثمر الرأسمالي بداية، في الغزل وإنتاج الخيط، ويوسع بعدها مجال إنتاجه ليصنع أجواخا، وليتقدم بعدها لمجال الأروقة والألبسة وجميع ما يرتبط بصناعة الثوب..الخ
فجميع القوانين المعمول بها في مجال الشغل والتشغيل، تقف إلى جانب الرأسمالي، وضد العامل الشغيل. فكم من العمال يشتغلون ليلا ولسنوات عديدة، دون مراعاة لأوضاعهم الصحية، التي تتدهور، مع مرور السنين؟ وكم من حراس الشركات يشتغلون إثنتي عشرة ساعة في اليوم؟ وبعضهم يصبح عبدا مملوكا لصاحب الشركة، يشتغل بالليل والنهار، وأيام العيد، وبدون عطلة سنوية.. حيث أن غالبية الحراس يسكنون بالمعمل، يحرسون الشركة، ويستقبلون المواد الخام ويغسلون السيارات، ويساعدون العمال في أشغالهم..الخ من أجل أجرة تقل في الغالب عن الحد الأدنى للأجور، المعترف به قانونا.
فالعمال المغاربة مثلهم مثل جميع عمال العالم، يعيشون أوضاعا مزرية، عبيد للأجرة والعمل المأجور، مجبورون على الخضوع والخنوع، في غياب نقابة تتكلم باسمهم، وتنظم صفوفهم، وتطرح مطالبهم الاقتصادية، لقطع الطريق عن مثل هذه الممارسات التي تفضح حقيقة الديمقراطية التي تتغنى بها الدولة وأجهزتها الإعلامية وحكوماتها المتعاقبة.. والتي ليست سوى دكتاتورية مقنـّعة، تخدم مصلحة المالكين..
فما زالت الأغلبية الساحقة من العمال والعاملات تشتغل خارج القانون، أي بدون تصريح وبدون تغطية صحية واجتماعية، وبدون عطل سنوية وبدون حوافز، وبدون حد أدنى للأجور، وبدون تعويضات عن الساعات الإضافية.. بل إن أغلب المعارك والاحتجاجات العمالية التي يصادفها المرء أمام بوابات المعامل، تكون بسبب عدم تأدية الباطرون للأجور لمدة شهرين أو ثلاثة.. أو بسبب التسريح الجماعي أو الجزئي للعمال، تحت ادعاء الإفلاس، أو انتقاما من العمال الذين قصدوا النقابة، وانخرطوا في صفوفها.
فلا يوجد شقاء بنفس المستوى من القسوة كالذي يعيشه العمال في مجتمعنا المغربي، عمال يقضون يومهم كاملا في الأشغال الشاقة، تحت أشعة الشمس الحارقة في أوراش البناء، وفي الضيعات الفلاحية.. يغامرون بحياتهم في المحيط وأعالي البحار، وفي أعماق الأرض بالمناجم.. من أجل كسرة خبز ولا غير! يغيبون عن زوجاتهم وأبنائهم لأسابيع وشهور، يتعرضون للإهانة والسب طوال اليوم، ولا تسلم العاملات منهم من التحرش الجنسي، والاستغلال الجنسي من طرف أغلبية أرباب العمل، أو أبنائهم، أو من ينوب عنهم في الإدارة، وفي تسيير الورشة..الخ
هو ذا الواقع الذي يعيشه العمال والعاملات، وهو واقع لن ينفع معه التراضي، أوالسلم الاجتماعي، أوالتكيف مع الأوضاع.. لن ينفع معه سوى الصراع والاحتجاج، على وضد المالكين المستغلين، وضد نظامهم الاقتصادي الرأسمالي، القائم على الاستغلال، وعلى القمع، وعلى الاستبداد.. بهدف القضاء عليه وإقامة الاشتراكية بدله.. فهي التي ستخلق مجتمعا واقتصادا جديدا، يحكمه ويسيره العمال المنتجون بديمقراطية، ويقتسمون خيرات إنتاجهم التي سيتدبرون توزيعها سواسية، بدون تمييز بين المرأة والرجل، وبين المدينة والبادية، وبين العربي والأمازيغي، وبين العمل الفكري والعمل اليدوي..الخ
فالطبقة العاملة مرتبطة حاليا بالنظام الرأسمالي، فهي وليدته ومنتوجه التاريخي، ولا يمكنها أن تنعم بالحرية، هي ومجموع الكادحين غير المالكين، العاطلين، والشغيلة، وفقراء الفلاحين.. وأن تقود الجميع خلال معركة التحرر، التي سيستفيد منها الجميع، وسيتم القضاء نهائيا على الرأسمالية، وبناء الاشتراكية وتعزيزها في المنطقة المغاربية والعربية وفي العالم أجمع.
وتتشكل الطبقة العاملة من مجموعة من بسطاء الناس، أميون، أو يتوفرون في الغالب على أدنى مستويات الدراسة، يعيشون من كدحهم وشقائهم، من خلال بيعهم لقوة عملهم العضلية والذهنية لمن يساومها من الرأسماليين المشغلين، مقابل قدر من المال يسمونه أجرة.
فمن أجل هذه الأجرة، يقدم العامل قوته العضلية ويستخدمها لمصلحة الرأسمالي في إطار من الأعمال الشاقة الدائمة، التي يقوم بها كحمال، حيث يقضي الغالبية من العمال يومهم كاملا في حمل الأثقال، وتنقيلها من مكان لآخر.
أما العمل الذهني فيتجسد في التقنية أوالحرفة، التي يكتسبها العامل مع طول مدة عمله، وخبرته المتراكمة يوما عن يوم، في إطار من المهارات التي يتوفر عليها بعض العمال الذين يصبحون متخصصين، يشتغلون، ويشغلون الآلات، ويصلحون أعطابها، ويواظبون على صيانتها..الخ وهو الشيء الذي يؤهلهم، ويعترف لهم في بعض الشركات، لنيل مكانة متميزة، وأجرة متميزة كذلك، كالميكانيكي مثلا، والكهربائي والفصّال في معامل الخياطة..الخ

ولكي نفهم أكثر كيف تتم عملية مراكمة الأرباح، وكيف تتضخم الرساميل إلى حدود قصوى، سنحاول الإجابة عن السؤال التالي، كيف يتم استغلال العمال البروليتاريين، وكيف يتم تفقيرهم، من طرف البرجوازيين الرأسماليين الذين يغتنون باستمرار؟
تتحول قوة العمل التي يتوفر عليها العامل، إلى سلعة يعرضها مجبرا للبيع، هروبا من البطالة، وبالتالي من الجوع والتشرد.. فلا مفر من الاصطفاف إلى جانب العاطلين المتعطشين للشغل، إن هو رفض الشغل المقدم له.
طوابير لا حدّ لها من العمال تصطف أمام مشغلين أفراد، لتتم المساومة على الأجرة، ويتم التعريف بنوع الشغل المقترح.. هل بمعمل من المعامل، أو بالمصنع، أو بضيعة من الضيعات، أو بمقاولة بناء أو صباغة..الخ وفي الأخير يتم الاتفاق على مقدار الأجرة، والتي لا تتناسب في غالب الأحيان مع الحد الأدنى للأجور، وبالأحرى لمتطلبات المعيشة المرتفعة باضطراد.. حيث لا تتعدى في المغرب نسبة المقاولات التي تلتزم بالحد القانوني للأجور، العشرة في المائة من المقاولات المُشغِلة. وحيث لا يتعدى الحد الأدنى للأجور 2400 درهم شهريا، في مقابل بدل كراء 1000 درهم للغرفة، داخل الأحياء الشعبية، ومصروف القفة الذي لن يقل عن 100 درهم في اليوم، أي 3000 درهم في الشهر، إضافة إلى واجب الكهرباء والماء والأدوية والسجائر والمقاهي..الخ وكلها مصاريف ضرورية، يحتاجها العامل وقاية من التشرد.
فكما أنجبت الرأسمالية نظامها الاقتصادي، وطبقتها البرجوازية المالكة للرأسمال، والأرض والآلات.. أنجبت حفاري قبورها إلى جانبها، ومن رحمها. وهم العمال البروليتاريين الذين سيدكـّون الرأسمالية دكـّا، ويهدمون اقتصادها الجشع، القائم على الاستغلال، والمحمي من طرف القمع ونظام الاستبداد.
إنها الرأسمالية، ذلك النظام الاقتصادي الجديد، الذي ولدته الثورة الصناعية، منذ حوالي الثلاثة قرون، بعد أن أزاحت تدريجيا الإنتاج الحرفي واليدوي، أو نقصّت منه، لتفسح المجال للصناعة الكبيرة المعتمدة على الرأسمال الكبير، وعلى الآلات المتطورة وعلى نظام الأجرة، وعلى إنتاج السلع الموجهة للسوق وليس للاستهلاك الذاتي.. هذا الإنتاج الذي يحتاج إلى رأسمال كبير، وآلات ثمينة، وبنايات ومواد خام، في مستوى استيعاب الأعداد الكبيرة من العمال.
فمن أجل فهم سر الإنتاج الرأسمالي وطريقته في مراكمة الأرباح، لا بد من الإشارة لمفهوم فائض القيمة، واستيعاب دوره في العملية، هذا المفهوم الذي يرجع الفضل في اكتشافه لعالم الاقتصاد، الفيلسوف المناضل، نصير الطبقة العاملة ومرشدها، كارل ماركس.. كجزء من منتوج العمل الذي يستملكه الرأسمالي، دون أن يدفع ما يعادله.

- فما هو فائض القيمة إذن، ومن أي يأتي؟
يفسر ماركس العملية انطلاقا من متابعته وتفسيره للعمليات البسيطة التي يقوم بها سائر الرأسماليين خلال عمليات التبادل.. كأن يشتروا سلعة ما بمائة درهم ويبيعونها فيما بعد بمائة وعشرة دراهم، أي بربح عشرة دراهم عن العملية، وهو ما سماه ماركس بفائض القيمة.
اعترض الاقتصاديون المدافعون عن الربح والاستغلال، عن هذه الفكرة وعن مفهوم فائض القيمة، معللين موقفهم بأن العملية لا تعدو سوى مبادلة تجارية عادية لا يغتني منها أحد ولا يفتقر، وبأنه لا يمكن مبادلة سلعة بسلعة أخرى، إلا إذا كانت ذات نفس القيمة، يعني أنه لا يمكن مبادلة دجاجة بديك رومي، ولا كيلو زيتون بكيلو قمح، ولا شبشب بزربية..الخ

- فما المعنى إذن؟
المعنى هو أن الرأسمالي وكافة الاقتصاديين المدافعين عن الرأسمالية، يتسترون عن حقيقة جوهرية يستند عليها هذا الاقتصاد، وهي أن في السوق توجد سلعة من السلع المعروضة ذات ميزة خاصة، وهي أن استهلاكها يشكل مصدرا لقيمة جديدة، هذه البضاعة هي قوة العمل، التي لا بد منها لإنتاج جميع السلع والبضائع.

- ولنفسر أكثر ما هي قوة العمل؟
فالبضاعة وجميع البضائع تقاس بالعمل الذي يتطلبه إنتاجها، وتتجسد قوة العمل في صورة العامل الحي، الذي يحتاج من أجل أن يعيش، وأن يعيل أسرته.. لمقدار من وسائل العيش، وهو ما نسمّيه بالعمل الضروري، الذي يتقاضى في مقابله العامل أجرة، تعويضا عنه.. لكن الرأسمالي يؤجر العامل لمدة أسبوع، وبالتالي يكون قد اشترى حق استخدامه وتشغيله لمدة أسبوع، رغم تقديم العامل لكمية من العمل تعادل ما سيتقاضاه من أجرة خلال يومين من العمل فقط! يعني أنه يوفر فائض عمل أربعة أيام المتبقية من الأسبوع، يستفيد منه الرأسمالي ويضعه في جيبه، دون حسيب أو رقيب، وهو ما نسميه بفائض القيمة أو فضل القيمة أو القيمة الزائدة، بهذه الطريقة تتم عملية الاستغلال، وتتراكم الأرباح، ويتضخم الرأسمال.. فعبر الابتزاز المستمر لفائض القيمة تغتني الطبقة البرجوازية، وفي المقابل يتعمق الفقر، ويتضاعف شقاء البروليتاريا.

• فئات اجتماعية أخرى
في قاع المجتمع وعلى هوامشه، حيث توجد التعفنات والكوارث الاجتماعية، وحيث توجد البطالة والفقر والبؤس الفظيع، في أبشع صوره.. منتشرا في هوامش المدن الكبرى وداخل القرى وجميع المناطق المنسية ـ حيث يوجد الشعب المغربي الكادح فعلا ـ فقراء أشقياء بالمعنى الحرفي للكلمة.. فقراء لا يجدون عملا، ولا سقفا يقيهم من الحر والقر، ولا طعاما يسدون به الرمق وينقدون به أنفسهم وعوائلهم من الجوع والموت، وهم يتحسرون على وطن يعج بالخيرات والثروات، ولا يملكون منه سوى البؤس والشقاء، ووعود الانتخابات الكاذبة.
ملايين العاطلين، وخادمات البيوت، والمتربصين بصناديق القمامة، والشحاذون، والنشالون، وبائعات الهوى من الصنف الرديء، وموزعي المخدرات المسمومة.. كلهم ينتمون لهذه الفئة المعروفة بأشباه البروليتاريا أو البروليتاريا الرثة، وهي مجال خصب لتجار الانتخابات، وللحركات الظلامية والسلفية الإرهابية، ولكافة القوى الرجعية الانتهازية..الخ
فمن الناحية الاجتماعية والطبقية، ترتبط هذه الجماهير الشعبية الكادحة، مصيريا بالطبقة العاملة، وبمشروعها التحرري الاشتراكي، المناضل من أجل القضاء نهائيا على بؤسها وشقائها الدائم.. حيث يلزمنا كاشتراكيين، الالتفات لهاته الجماهير بقصد توعيتها، وتنظيمها، وتأطير نضالاتها في سياق مناهضة البطالة والغلاء، وخلال الدفاع عن مجانية التعليم والتطبيب، والنضال من أجل توفير سكن لائق للجميع، بعيدا عن سماسرة الانتخابات، وتجار القروض، وحتالة السياسيين والمرتشين، وبيادق وزارة الداخلية من القياد والمقدمين..الخ وهو الشيء الذي سيتطلب منا الجهد والتفاني، لتنسيق العمل بين الأحياء الشعبية، وبين كافة القوى الديمقراطية والجماهيرية العاملة في هذا المجال.

• نقطة نظام أخيرة
ويتعلق الأمر بإحدى الفئات الاجتماعية التي تجلب الخلط والارتباك، حين يتم التذكير بوجودها، إنها فئة الفلاحين.
فكثيرا ما يقصد بالفلاحين لحظة التعبئة والتحضير للثورة، المحتاجة بدون شك، لتحالفات طبقية قوية ومتينة.. الفلاحين الفقراء والمعدمين، يعني البروليتاريا الريفية التي يتم استغلالها من طرف البرجوازية الريفية ـ أغنياء الفلاحين ـ مقابل أجور هزيلة، داخل الضيعات الفلاحية الكبرى.
إلى جانبهم توجد قاعدة عريضة من المالكين الصغار، يشتغلون بزراعة الأرض وبتربية المواشي، دون أن يحتاجوا لمن يساعدهم في الغالبية من الحالات، بل إن جلهم يشتغل في أعمال إضافية عند الغير، أو في التجارة، أو أي عمل موسمي آخر، لتغطية مصاريفه السنوية.
وعلى النقيض من هؤلاء، الذين يجب أن يتحالفوا وينسقوا نضالاتهم بهدف القضاء على الاستغلال والاستبداد.. يوجد الفلاحون الميسورون، الأغنياء من ذوي الأملاك العقارية الشاسعة، الذين يعيشون من خيرات ومردود الأرض، من دون أن يشتغلوا مباشرة عليها. منهم من ينتمي للبرجوازية الصناعية، ينتج الحليب ومشتقاته، ويصدر الحوامض، ويصنع العصائر والمصبرات، وزيت الزيتون، وقصب السكر..الخ وقليل منهم من يكتفي فقط بزرع الأرض، وجني المحصول وبيعه فيما بعد.. وهو الشيء الذي يؤهل هذه الفئة للانخراط في التحالف الطبقي الحاكم دفاعا عن مصالحها ومصيرها.
إذن فالفلاحون يشكلون فئة اجتماعية تعيش من الاشتغال على الأرض، منها من يملك ومنها من لا يملك سوى قوة عضلاته وهم العمال البروليتاريون.. منها من يحتاج لاستغلال الغير وهو البرجوازي، ومنها من لا يحتاج لاستغلال الغير إلا في مناسبات معدودة ومحدودة، خلال الحرث والزرع والجني أو الحصاد وينتمون للبرجوازية الصغيرة.. فئة منقسمة على بعضها إلى طبقات اجتماعية، لكل منها مصالحها المختلفة والمتميزة، حيث العلاقة التي تجمع ما بينها، هي علاقة صراع، صراع طبقي في آخر المطاف.

وديع السرغيني
غشت 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا