الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الاجتماعي في الحضارة الرومانية 2/1

حسني إبراهيم عبد العظيم

2016 / 8 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفكر الاجتماعي
في الحضارة الرومانية 2/1

تمهيد:

تعد الحضارة الرومانية واحدة من أطول الحضارات الإنسانية, إذ امتد عمرها ما يقارب أثنين وعشرين قرناً من الزمان, عاصر ت خلالها العديد من الحضارات الأخرى, والنظم الاجتماعية المختلفة, كما شهدت مراحل مختلفة من التطور والازدهار, ومراحل أخرى من التفكك والانهيار.

والواقع أن الحديث عن وجود فكر اجتماعي منظم ومتكامل لدى الرومان, يعد أمراً مشكوكاً فيه, ذلك أن الرومان لم يقدموا فكراً جديداً متميزاً, وإنما صاغوا مجموعة من النظم والتشريعات العملية في النواحي القانونية والسياسية التي تعمل على المحافظة على بقاء الدولة المترامية الأطراف, ولذلك فإن ما قدمه الرومان للفكر الاجتماعي يعد ضئيلاً جداً إذا ما قورن بما قدمه اليونانيون , ولكن يبقى مع ذلك أنهم أسهموا إسهاماً كبيراً في ظهور العديد من النظم القانونية والسياسية في مختلف المجتمعات, كما أنهم أسهموا كذلك في صياغة العديد من المبادئ السياسية التي ما تزال قائمة حتى الوقت الراهن.

وسنحاول في هذا المقال الكشف عن بعض أوجه الفكر الاجتماعي في الحضارة الرومانية, وذلك من خلال المحورين التاليين:

1ـ نشأة الحضارة الرومانية وأبرز سماتها.
2ـ نماذج من الفكر الاجتماعي في الحضارة الرومانية :

أولا: نشأة الحضارة الرومانية وأبرز سماتها:

يرجع أصل الرومان إلى الجنس الآري, وتعود أصولهم إلى بعض القبائل التي هاجرت من أواسط آسيا, وسكنوا شبة الجزيرة الإيطالية, وقد أدى الموقع الجغرافي الممتاز لهذه المنطقة في منتصف البحر الأبيض المتوسط إلي ازدهار هذه الحضارة بسرعة, وجعلها تسيطر على مقدرات الأنشطة الحربية والتجارية لحوض البحر الأبيض المتوسط.

وينسب الرومان إلي مدينة روما التي تم تأسيسها عم 754 ق.م في موقع قرب نهر التيبر, وبُنيت علي منطقة متوسطة الارتفاع, تحميها مجموعة من التلال, مما جعلها في مأمن من أي عدوان خارجي, وكانت هذه التلال تحجب ورائها سهولاً واسعة خصبة صالحة للزراعة مما جعل روما تتوسع وتفرض سيطرتها علي هذه المناطق, وكانت تلك نقطة البدء في تأسيس الإمبراطورية الرومانية الواسعة, ولم يكد يأتي القرن الثالث قبل الميلاد حتى كانت روما تُحكم سيطرتها على معظم شبه الجزيرة الإيطالية, وكان ذلك في عام 264ق.م.

ويمكن القول إذن إن الحضارة الرومانية قد نهضت في البداية على أسس سياسية وعسكرية, وبالتالي فإن الفكر الذي ارتبط بنشأتها كان يميل إلي ذلك الجانب, غير أنه حدث نوع من الامتزاج بين الفكر الروماني والفكر اليوناني حينما غز الرومان بلاد اليونان، واستولوا عليها, فلم يكد الرومان يغزون المدن اليونانية, حتى بدأت تتلاشي السمات الأساسية للحضارة اليونانية, واندمجت في الإمبراطورية الرومانية , وسرعان ما أخذ الرومان واليونان يتبادلان الأفكار والاساتذه مما أفرز في النهاية سمات مشتركة تجمع بين خصائص الحضارتين.

ويقسم المؤرخون تاريخ الدولة الرومانية من الناحية السياسية إلى قسمين:

القسم الأول: يطلق عليه الدولة الرومانية الغربية وعاصمتها روما, واستمرت منذ إنشاء مدينة روما في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد, حتى سقوط المدينة على أيدي القبائل الجرمانية في عام 476.م, وهو الحدث الذي يعتبره المؤرخون الحد الفاصل بين التاريخ القديم والعصور الوسطي, وخلال هذه المرحلة الطويلة لم يكن هناك منافس لروما داخل الإمبراطورية الرومانية, وتمثل هذه المرحلة الحقبة الوثنية, حيث كان الرومان يعبدون الأصنام وبعض مظاهر الطبيعة , وقد شهدت تلك المرحلة ظهور الديانة المسيحية, وحدث صراع بين الدولة الرومانية والديانة الجديدة, انتهى في النهاية باعتناق الدولة للمسيحية.

أما القسم الثاني: فيطلق عليه الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية, التي أنشأها قسطنطين الأول عام 330 ميلادية, كعاصمة بديلة عن روما, واستمرت هذه الدولة حتى فتح المسلمون بقيادة محمد الفاتح القسطنطينية عام 1453, وهذا العام يعتبره المؤرخون نهاية العصور الوسطي.

ولقد أفرز ذلك التاريخ السياسي الطويل, والتنوع الثقافي الغزير, أنماطاً متعددة من الفكر, وعدداً من المفكرين الذين أسهموا إسهاما مميزا واضحة في الفكر الإنساني بشكل عام.

ومن خلال ما سبق, يمكن تحديد أهم سمات الفكر الروماني فيما يلي:

1- اتسم الفكر الاجتماعي الروماني بالتنوع الكبير, والثراء, وذلك بسبب الاتساع الشديد للدولة الرومانية, حيث شغلت مناطق مترامية الأطراف, وحكمت العديد من الشعوب المختلفة في نظمها الدينية والاجتماعية والثقافية , هذا على عكس الحضارة اليونانية القائمة على أساس دولة المدينة المحدودة سكانياً وجغرافيا.

2- اتسمت العقلية الرومانية بالنزعة العملية التطبيقية النفعية, ولم تجنح إلي التفكير الفلسفي المفارق للواقع, ولذلك فقد نبغ الرومان في وضع القوانين التي تنظم الحياة السياسية في الدولة, كما برعوا في وضع النظم الحربية الدقيقة التي اقتبسوها من الحضارة اليونانية, وخاصة في اسبرطة التي اشتهرت بالقوة العسكرية, وحسن تنظيم الجيش وقوة تسليحه, فالرومان لم يهتموا بالحقائق العلمية في ذاتها إن لم تكن وسيلة لتحقيق فائدة عملية, وكان ذلك أحد أسباب تقدم العلوم فيها.

3- شهدت الحضارة الرومانية تقدماً كبيراً في العلوم الطبيعية, واختفت ظاهرة المدارس الفلسفية التي وجدت في اليونان, وقد ازدهرت علوم الكيمياء والفيزياء والهندسة والأحياء, وتقدم الطب تقدماً كبيراً, وظهر العديد من العلماء في مختلف المجالات, وقد ساهم اليونانيون في ذلك التقدم العلمي الكبير, وقد ازدهرت في ظل الحضارة الرومانية المدارس العلمية, مثل مدرسة الإسكندرية ومكتبتها العظيمة التي تعد واحدة من أعظم المكتبات في التاريخ.

4- تعدد النظم السياسية في الحضارة الرومانية بين الملكية, والجمهورية, والإمبراطورية أتاح تنوعاً وثراء في الفكر السياسي, وهو ما اتضح في ظهور النظريات السياسية, والأفكار والتشريعات, والقوانين التي ما تزال تمثل أساساً تسير عليه كثير من دول العالم حتى اليوم, كما ظهر العديد من المفكرين والقادة السياسيين الذين احتلوا مكانة بارزة في التاريخ الإنساني حتى اليوم.

5- وجود المنشآت المعمارية الضخمة: فقد خلفت الحضارة الرومانية آثاراً رائعة من أهمها المسارح والملاعب الفسيحة, والمعابد, والقصور, والمدن المتكاملة, ذات الشوارع المعبدة, والتنظيم الدقيق,وكل هذه الآثار منتشرة في اغلب أقاليم الدولة الواسعة, في أوربا, وآسيا وإفريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة