الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف

محمد الحاج صالح

2016 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف

ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
لولا ما حصل في الأيام الأخيرة من تسمية لملحمة حلب الكبرى من قبل فصائل إسلامية باسم "ابراهيم اليوسف"، لما دفعتُ نفسي للكتابة عما أعرفه عن شخصيتين يعاد اعتبارهما بطريقة مغشوشة تجعل منهما أبطالاً في عيون أجيال سورية جديدة تسوقها العاطفة وقلة المعرفة. الشخصان المقصودان هنا هما "عدنا عقلة" و "ابراهيم اليوسف"، ولقلتُ عندئذ ما يمكن أن يقوله المرءُ عن زملاء مدرسة: "ذهبا في مصيرهما... الله يرحمهما".
كلاهما ابراهيم وعدنان درسا الثانوية في ثانوية الرشيد في الرقة وهي مدرسة ضخمة اعدادية وثانوية في الوقت نفسه، وكانا يسبقاني بصفين.
أورد هنا حدثاً يوحي بجزء من شخصية إبراهيم اليوسف:
كنا فتيان نلبس بدلة الفتوة أكثر الأوقات. وكانت هناك مبارة كرة يد في ملعب نادي النهضة الذي صار اسمه نادي الشباب. أظن أن المبارة كانت بين النهضة الرقاوي والفتوة الديري "غازي" سابقاً. الجمهور يتفرج واقفا فلا كراسي بالطبع. وكنا نحوص في الصفوف الخلفية ونمط أنفسنا للأعلى لنرى بشكل أوضح. أحد زملائنا زاحم ابراهيم اليوسف غير متعمد، فما كان من ابراهيم إلا أن ضربه، وتشاجرا واستطعنا أن تحجز بينهما. دقائق وتحصل الطوشة. استدعى ابراهم ولملم أبناء عمه وربما ممن يقربون له وعفسوا زميلنا عفسة رهيبة، وما اكتفى ابراهيم اليوسف بهذا. إذْ استل سكيناً وغرسها في خاصرة زميلنا، فوقع زميلنا في دمه وهربوا هم.
اسعفنا زميلنا للمشفي القريب جداً من مكان المبارة كما يعلم أهل الرقة. ولم يستطع أطباء ذاك الوقت من إنقاذ كلية زميلنا، فاستأصلوها.
صبح اليوم التالي جاءت أم زميلنا ونحن في تحية العلم، وإبراهيم مازال معنا. (طرد فيما بعد لمدة أسبوع حسبما أذكر ونقل إلى مدرسة أخرى ولم نعد نراه). كانت أم زميلنا تصرخ"
- ويتك يا إبراهيم اليوسف... وينك... معاي فطورك... تعال افطر
كانت تحمل كلية ابنها بقطعة قماش بيضاء مدماة
- تعال فطورك جاهز.
كلاهما إبراهيم وعدنان لعبا دوراً كبيراً في أحداث الثمانينيات، دورٌ أكبر من كل قيادة الإخوان. وبالمناسبة لم تترك قيادة الإخوان فرصة لم تعبر فيها أن ابراهيم اليوسف ليس إخوانياً، حتى في رسائل اعتذارية متخاذلة ومتعددة لحافظ أسد.
ابراهيم ينحدر من عائلة من "تاذف" وهي البلدة التي تتميز (ليس وحدها على كل حال) بذاك التدين النمطي لجزء من الريف الحلبي المتأثر بالإخوان والسلفية. أما عدنان فينحدر من عائلة شركسية. أبوه كان شرطياً تنقل في كل أنحاء سورية، ولم تكن سمعة الأب كشرطي حسنة. يمكن القول، معايشة واستنتاجاً من أقوال زملاء الثانوية، إن إبراهيم كان أهوجاً عنيفاً، بينما كان عدنان أكثر كاريزمية وأهدأ ويهندس الأمور بتفكر، وقد درس هذا الأخير الهندسة فعلاً.
كان لهبّة الثمانينيات تقريباً نفس ملامح الثورة الحالية. جمهور واسع غير راض، بل ناقم على بدايات تأليه حافظ الأسد. حاضنة معقولة للسياسة وليس للعنف. نقابات مهنية غير مسيطر عليها من السلطة. هذه النقابات لعبت الدور الأهم في الاحتجاج الوليد. معارضة ضعيفة لكنها بدأت تتجذر فيها يسار بحجم ليس كبيراً ولكنه ليس صغيراً. وفيها بالطبع الإخوان الذي تقووا تحت حكم الأسد الأب مثلما تقوى إخوان مصر تحت حكم الرئيس المؤمن أنور السادات، وذلك بغضّ نظر السلطات عنهم، وأيضاً بضرب اليسار.
كلام قيادات الإخوان عن أن إبراهيم وعدنان ليسا إخوانين هو صحيح وكاذب في الوقت ذاته، فمثلما خرجت جماعات التكفير والهجرة من عباءة إخوان مصر، خرجت الطليعة المقاتلة جماعة مروان حديد من عباءة إخوان سوريا.وهي الجماعة التي ينسب إليها العمليات العسكرية والخطاب الطائفي غير المسبوق في سورية. والشيخ مروان حديد هو إخواني جهادي التفكير عذبته المخابرات السورية تعذيباً شديداً أودى بحياته عام 1976
وبالمناسبة جرت محادثات مباشرة بين على دوبا رئيس الأمن العسكري أنذاك وقيادة الطليعة في قبرص عام 1984. ويقال أن عدنان كان هو ممثل الطليعة في المحادثات. لا أحد يعرف ما جرى في المحادثات ولا ما بعدها، ولكن الأمر استتب لحافظ أسد فترة طويلة وقُتلت السياسة في المجتمع السوري.
وقد سمعت من أحد معتقلي بعث العراق الذين قضوا مدداً طويلة أنه علم أن عدنان عقلة كان معتقلاً في سجن تدمر في زنزانة لوحده، وأنه كان يتمتع بميزات لا تتوفر للمعتقلين الآخرين، منها أنه كان ينام على سرير. قد لا يعرف غير السوريين ما يعني أن ينام معتقل في سجن للنظام الأسدي في سرير!
وكانت النتيجة الكارثية لانتفاضة الثمانينيات عندما بدأت نشرة النذير بخطابها الطائفي المقيت والغبي والمتخلف مترافقة مع عمليات عسكرية إرهابية هي مثل من يريد ليّ ذراع رابعة بمؤخرته. أما الباقي فمعروف. التبرير اكتمل في يدي حافظ أسد فوضع المعارضين جميعاً في السجن وأعدم من أعدم، وذبح آلاف المدنين في حماة ومدن سورية أخرى.
الخلاصة: درب سعيّد درب أخيه. ومن سمى ملحمة حلب الكبرى باسم إبراهيم اليوسف يعيد الخطأ ذاته ويلدغ السوريين من الجحر ذاته ويستثمر دماءهم وآلامهم بالطريقة الرخيصة المتخلفة ذاتها بلا وازع من ضمير ولا دين ولا أخلاق.
أنقل هنا أيضاً كلاماً تحليلياً لتاريخ سورية الحديث لياسين الحاج صالح:

من أنه في تاريخ سورية بعد تأسيسها 1920 خسر من تكلم بالطائفية علناً ولم يعمل لها وإن عمل فبهَوَج ، وربح من لم يتكلم بالطائفية وعمل لها بالسر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن