الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن اتهم احدا

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2016 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


منذ انطلاقة الثورة السورية المجيدة كان السؤال الدارج والذي يُشير الى تأبيد النظام: ما هو البديل اذا سقط النظام؟ وكانت الاجوبة عامة ومبهمة، حيث لاوجود لقيادة واضحة ومعروفة للثورة، ولا يوجد بديل واضح ومقبول من الشعب السوري عامة. والحرية والكرامة أهداف عامة من جهة، ونسبية من جهة ثانية. وعندما افرزت الثورة "الجيش الحر" كان الموقف الوطني واضحا: نحن مع الجيش الحر ضد النظام. وهذا الموقف عبرت عنه الحاضنة الاجتماعية بوضوح. وأي تقدم للجيش الحر على الارض هو لمصلحة الثورة. وعندما شاعت الفوضى وأفرز انفجار المجتمع الفصائل التكفيرية مثل داعش والنصرة ومشتقاتهما، واستقدم النظام ايضا الميليشيات الطائفية من كل البلدان، اصبح السؤال: هل انتم مع النظام او مع الفصائل الارهابية؟. وكان الجواب واضحا نحن ضد الاثنين، لأن الطرفان ارهابيان. هل انتم مع الفوضى أم مع النظام؟. نعم نحن لسنا مع الفوضى، ومع رحيل هذا النظام الذي يقتل الشعب.
وقد تبين بوضوح أن داعش والنصرة ضد اهداف الثورة والمتمثلة بإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة، ولأنها تدعو علنا الى اقامة الدولة الدينية. واذا تجاوزنا داعش كعدو واضح للشعب مثل النظام، الا ان الموقف من "النصرة" وهي الفرع الرسمي للقاعدة مازال ملتبسا. وبعد تغيير الاسم الى "فتح الشام" واعلان انفكاكها الشكلي عن "القاعدة"، أصبح يثير المزيد من الجدل بين الموافق والمعارض وما بينهما، وخاصة أن "فتح الشام" وجيش الاسلام واحرار الشام يشكلون معا القوة العسكرية الضاربة ضد النظام كما حصل في تحرير ادلب وفك الحصار عن حلب وربما تحريرها بالكامل من النظام.
حين نجح النظام في حصار حلب ابتهج حلفاء النظام وخاصة سكان حلب "الغربية"، وبالمقابل غمر الحزن والخوف من التجويع والقتل لسكان حلب "الشرقية". وعندما نجحت القوى المعارضة في فك الحصار وهزيمة النظام في اقوى معاقله في حلب الجنوبية، انقلبت الصورة بشكل معاكس. لكن كان التجييش والحشد الطائفي من الطرفين واضحا للغاية. وتعود كافة الاسئلة القديمة-الجديدة من جديد، وبأشكال مختلفة: هل انت مع النظام، ام مع النصرة ومشتقاتها من الفصائل الجهادية التكفيرية؟ ماهو الموقف الوطني تجاه "النصرة" وشركائها التي تقود المعارك وهي فصائل جهادية طائفية ارهابية وهل يجب توجيه النقد للفصائل العسكرية المعارضة....الخ ودائما المواقف متعددة ومنها:
و
- الموقف (الرمادي) القائل: ليذهب النظام الارهابي، والفصائل التكفيرية المعارضة مثل النصرة وامثالها الى الجحيم، لأن الطرفان ينتميان الى القوى المضادة للثورة، ولا علاقة للشعب بهما.
- الموقف (الثوري) الوهمي: يضيف للرمادي علينا البحث عن الخط الثالث، لكن للأسف بدون جدوى، في الوقت الذي يسيطر فيه السلاح ويقتل كل الكلام.
- الموقف(الثورجي) الكاذب: انا مع الثورة.. ولكن......!
- الموقف (الانسانوي) الانهزامي: الذي مازال بعد خمس سنوات من الصراع المسلح يرفع راية السلم والسلمية، ويدعو الى وقف الحرب، في الوقت الذي يستمر فيه الشعب بحمل راية الثورة المسلحة حتى اسقاط النظام.
- الموقف (الانتهازي) والوقح: الذي يستمر بموقفه الى جانب النظام، بحجة ان الفصائل المعارضة ارهابية وتكفيرية وطائفية، دون ان يرى ان النظام ارهابي وتكفيري وطائفي، وهو الاساس في استمرار الحرب وتدمير سوريا.
- الموقف (المراوغ): من يدعم مقولة لا غالب ولا مغلوب، وعدم امكانية الحسم العسكري، قانه يدعم استمرار الحرب الاهلية الدائرة، والمستفيد هو النظام واستمراره كقائد لهذه الحرب.
- الموقف (المتزحلق): من يقف مع النظام حين يحقق انتصارا على الارض، ويقف مع المعارضة حين تحقق انتصارا ايضا. انه مع المنتصر دائما، ولايهمه اذا انتهت الحرب ام لا.
- الموقف (الشوفيني): الغامض من يدعو الى دولة مدنية ديمقراطية، دون ان يعلن صراحة حق الاكراد في تقرير مصيرهم كشعب اصيل في المنطقة مثل الشعب العربي وغيره من الشعوب في المنطقة. ويرفض تحرير منبج وغيرها على ايدي قوات سوريا الديمقراطية، لأن ال(pyd) سيتصرف مع السكان العرب بإسلوب شوفيني. دون ان يُدرك اصحاب هذا الموقف اننا اذا لم نتخلص من شوفينيتنا العربية، واصبحنا احرارا بمواقفنا وسلوكنا، كيف سنحارب شوفينية الآخرين؟
- الموقف (الديماغوجي) من يخلط الاوراق عن دراية او غباء، ولا يفرق بين فصائل الثورة والكتائب التكفيرية، وبين الفدرالية الدينية المذهبية والفدرالية القومية، وبين الفدرالية القومية والفدرالية الجغرافية، وبين الدولة المدنية الديمقراطية والدولة الديمقراطية العلمانية الحديثة، بين علمانية النظام الاستبدادية والديمقراطية العلمانية. ويظل يجادل دون ان تجد له موقفا.
- الموقف (القاصر) من يدعي الوقوف على مسافة واحدة بين الطاغية والشعب في زمن الثورة، تحت راية حقوق الانسان وتنمية المجتمع المدني.
- الموقف (الواهم): من يعتقد بإمكانية وديمومة قيام دولة دينية في سوريا.
- الموقف (الانغماسي): الذي يرفض توجيه اي نقد للسلاح، لأن المجاهدين يضحون بأرواحهم ضد النظام.
- الموقف (المنافق): الذي يقف ضد تحرير حلب وغيرها من الاراضي السورية من النظام، على ايدي الفصائل الاسلامية التكفيرية.
- الموقف (اليائس): الله يطفيها بنورو...الخ. والمواقف والتسميات كثيرة.
وعلى الأرجح بأن الحلم بقيام دولة ديمقراطية حديثة أصبح بعيد المنال في المدى المنظور. وبالتالي الموقف الثوري الداعي لقيام هذه الدولة يتراجع الى الخلف قليلا، لأنه ببساطة لا يوجد حامل اجتماعي وسياسي لهذا الشعار قادر على ترجمته فعلا على الارض في هذه المرحلة. لكن بكل الاحوال يجب أن يكون للموقف الوطني الديمقراطي حضور على الاقل في الساحة السياسية، وأن يكون واضحا ويستند الى:
اولا، أن كل خسارة للنظام هي مكسب للشعب ضمن صيرورة الثورة والتي تبدو طويلة. وكذلك أي خسارة لداعش هي مكسب للشعب. وان اسقاط النظام الذي رفعه الثوار في بداية الثورة، مازال هو الشعار الرئيسي الذي يجب ان يبقى مرفوعا، لأن اي تسوية مع النظام غير ممكنة وبالتالي ليست هي الوسيلة لوقف الحرب. وان استمرار النظام يعني استمرار المجتمع بتفريخ الفصائل العسكرية الارهابية، من كافة مكونات المجتمع المذهبية والقومية الشوفينية. وأن اسقاط النظام هو البوابة الرئيسية لبداية الحل السياسي في سوريا. وان اي بحث عن توافقات او تسويات مع بقاء النظام او تجديده بحجة أن القوى المضادة اكثر ظلامية ورجعية، هو انزلاق نحو الخلف، نحو النظام الذي يقتل الشعب.
ثانيا: وبالتالي من الطبيعي أن يكون الموقف الوطني داعما للفصائل العسكرية المعارضة في تحريرها للمدن السورية من النظام، رغم أن البعض منها قد يكون أسوأ من النظام. لكن هذه الفصائل تُنجز مرحلة انتقالية يبدو أنه لابد من المرور بها، في تاريخ الثورة السورية. وهي مرحلة تاريخية الى الأمام رغم أن القائمين عليها يستمدون شرائعهم من الاستبداد الديني التاريخي الممتد لآلاف السنين. وقد تنجح بعض الفصائل الاسلامية الجهادية بجر المجتمع الى الوراء قليلا، لكنها لن تكون قادرة على حكم المجتمع لسنوات طويلة، وذلك لأسباب داخلية تتعلق ببنية المجتمع السوري، وخارجية ورفض المجتمع الدولي اقامة كانتونات دينية، مثل داعش وغيرها. وهذه المرحلة الانتقالية هي مُعطى موضوعي، وليس بإرادة احد ان يتجاوزها، او يقفز عليها.
والموقف الداعم ذاته تجاه "قوات سوريا الديمقراطية"، وبالرعاية الامريكية، في تحريرها لمدينة منبج وغيرها من داعش. رغم معرفتنا بعلاقة حزب ال(pyd) مع النظام، والنزعة القومجية الكردية والسعي لتأسيس كيان كردي في الشمال السوري. وهنا يجب التمييز بين النظام وال(pyd)، فهما غير متطابقان. وللكرد مشروعهم الخاص المختلف عن النظام، وهو مشروع الفدرالية التي رفضها النظام والمعارضة. وقد استطاع النظام تحييدهم لمصلحته، في حين للأسف فشلت المعارضة في ذلك.
ثالثا: ومن الضروري أن يترافق الموقف الداعم للفصائل مع الدعوة للانضواء تحت الراية الوطنية، ومشروع وطني تتوافق عليه جميع القوى الوطنية الديمقراطية، ببرنامج يؤسس لمرحلة انتقالية، ودستور مدني ديمقراطي، يحفظ وحدة سوريا، وحقوق كافة مكونات الشعب المتعددة.
ورابعا: وأيضا نقد السلاح وسيطرته على المناطق المحررة، واقامة استبداد جديد كما يحصل في اقامة سلطة دينية، مدعومة بسلطة عسكرية، او سلطة "قومجية" كردية كما يعمل عليه ال(pyd)، وما يرافق ذلك من تهجير وتغيير ديموغرافي، ورفض عودة السكان الى بيوتهم واملاكهم من جديد.
ان الاقرار بمرحلة انتقالية ودعم الفصائل غير الثورية والتي تحتل الساحة، لا يعني التخلي عن مبادئ واهداف الثورة. وأن ثورتنا ثورة الشعب كله، والرفض المطلق للتجييش الطائفي الذي يتعاظم عند كل انتصار او هزيمة. والرفض الكامل لكل استبداد جديد يقوم على الارض المحررة. ومع سقوط النظام فالمجتمع كفيل بالتخلص تدريجيا من كل الاوساخ والاوبئة السياسية والعسكرية التي افرزها بانفجاره الكبير في اول ثورة للحرية في تاريخه القديم والحديث.
وهذا الموقف ليس اختراعا جديدا. انما يعمل به العديد من "المكاتب" السياسية والمدنية المنتشرة بشكل واسع خارج سوريا، وفي الداخل السوري بنسبة أقل. لكن مع غياب الارادة الوطنية للعمل المشترك، تجعل الصوت الوطني خافتا وغير مسموع، وغير مؤثر، مما افسح المجال امام القوى الاقليمية والدولية للتحكم بالقرار الوطني السوري، والذي يتباكى عليه الجميع كذبا فاضحا لم يعد من الممكن اخفاؤه. ومن جهة ثانية، ان عدم الاجماع على الموقف الوطني عند المعارضة يجعل من الموقف ذاته قاصرا، حين يعبر عنه كل "مكتب" بمفرده. ويكون في الغالب تعبير عن رؤية ايديولوجية ضيقة، كالموقف الاسلامي(والاسلام السني هو الحل)، او (العلمانوي) جدا الذي لا يقبل الا بدولة ديمقراطية علمانية مكتملة الاركان، او (القومجي) الشوفيني...الخ. أو يعبر عن مصلحة جزئية للراعي الاقليمي او المال السياسي، الذي يعتاش عليه، حيث يضطر لإلباس الموقف الوطني لبوسا جديدا يتميز به عن الآخرين.
اذا كانت المرحلة الانتقالية هي مُعطى موضوعي، والطبقة السياسية المعارضة هي نتاج موضوعي ايضا لهذه المرحلة من الثورة. وهذا المُعطى أظهر الى السطح كل العفن الذي كرسه الاستبداد التاريخي الطويل في داخل المجتمع. أين هو العامل الذاتي التنويري الذي سيعمل على تجاوز هذه المرحلة الى مرحلة اكثر تقدما باتجاه الحرية والكرامة الانسانية المنشودة؟. هل ستفرز المؤسسات السياسية والمدنية جسما جديدا يعمل مع الأنوية الصغيرة، من اجل تشكيل قطب وطني ديمقراطي، يؤمن فعليا بأهداف الثورة ويعمل على تحقيقها؟ بالتأكيد سيحصل ذلك. لكن ذلك لن يفرزه الواقع الموضوعي بشكل آلي، انما بفعالية مجموعة من النشطاء الجادين، يعملون نحو اهداف محددة وقابلة للتنفيذ، للسير خطوة خطوة نحو الهدف المرسوم. وليس القصد مؤتمر عام يضم كافة انواع المعارضة، وايديولوجياتها المختلفة، انما قطب وطني ديمقراطي، لا ديني، يهدف الى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وتجاوز ملابسات "الدولة المدنية الديمقراطية"، ذات المرجعية الدينية، كما روج لها "الاخوان المسلمين" منذ بداية القرن، واصبح يرددها الجميع مع الشعور بالبهجة بديمقراطية "الاخوان" الجديدة، والتي تستوعب كل التأويلات والتفسيرات المختلفة.
18-8-2016 ----- مروان عبد الرزاق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟