الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤوف فلاح.. فارس يترجل ...

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2016 / 8 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وكأنه كان ينتظر عودتي من سفري البعيد لأودعه راحلا إلى سفره الأبدي الموغل في البعد والبعاد والأبعد...

وأنا هناك على مرمى لهفة من أرض فلسطين، التي أخلص فقيدنا لقضيتها وأحب، كنت أحيانا أتذكره.. وأقول في سري لعله يتابع مع أصدقائي رحلتي المشرقية وما أنشره عنها من انطباعات وصور وخواطر طائرة، هو الذي لامني بلطف ومحبة خاصة على غيابي الطويل عن صفحتي الفيسبوكية، لما التقيت به في افتتاح المؤتمر الوطني الرابع للنهج الديمقراطي (يوليوز الأخير)، وكان آخر لقاء أراه فيه وأسمع لصوته القوي ولكلماته الرصينة التي لم يقهرها الداء اللعين..
يومها كان رؤوف فلاح يضع على كتفيه الوشاح الفلسطيني، ويعتمر بيريه غيفارا، ويقف خلف راية هوغو تشافيز.. يمسك بيديه أوراق المؤتمر، وعلى شفتيه بسمة الأمل العنيد في المستقبل..

وكان معنا صديقنا عمر الزغاري، لمّا سألته عن إمكانية اللقاء به حول فنجان، للاستمتاع بمجالسته، كما تعودنا منذ سنوات في ساحة مرس السلطان، أو في مقهاه (لاسين) القريب من شقته بملتقى عبد المومن وأنوال.

رد علي:

- اتركها يا صديقي عبد الرحيم للصدفة، فما عاد بإمكاني اليوم الكلام في الهاتف، أو الخروج من البيت، إن علي احترام تعليمات الطبيب، ثم إن العلاج الكيماوي الذي أخضع إليه في هذه المرحلة يرهقني وينهك جسدي النحيل..

قال هذه الكلام والبسمة لا تفارق ملامح وجهه البشوش. ولم يكن أبدا يشكو أو يتألم...

وأبت الصدفة إلا أن تكون ابنة عقوق..
وبقيت "أتلصص" أخباره ما استطعت.
لم تمر أسابيع قليلة فقط، حين سألت عنه الأصدقاء أبو النصر والحسين الإدريسي وبلعتيق، وكان الجواب قاتلا:

- رؤؤوف مشى يا خويا.. مشى..ى ى ى...

لم أتحمل سماع هذه الجملة الناعية قبل الأوان والمثقلة بجبال من الأسى والحزن الموحل، حين دفعت بخطاي إلى الأمام هاربا، غير راغب في سماع الكلمات المريعة التي اخترقت صدري كرصاصة طائشة صادرة من فوهة " نيران صديقة"..

هربت وأنا أحاول أن أنفي ما سمعت أذناي، وأن أكذب على نفسي..
رؤوف لن يمضي ولن يذهب..
بل هو باق باق معنا..
إنه فقط يستريح وسينهض.. "لننعم معه بالسهر"...

هو نفس الكذب على النفس الذي وجدتني اليوم أستنجد به كي لا أغرق في اليأس وفي العبث..

ولم يكن رفيقي من زمرة اليائسين ولا العابثين أبدا.

كان رؤوف معلمنا، في السراء كما الضراء، على الصمود، وعلى القبض على الجمر.. فكيف نخذله الآن بعد أن التفت وراح ليستريح استراحة الأبد..

شيعناه عصر أمس الأربعاء بمقبرة الغفران، وكان الرفاق يمشون خلف نعشه راجلين.. رافعين الأعلام الفلسطينية والشعارات النضالية.. والأهازيج الثورية.. الشعارات نفسها والأهازيج التي كان يرددها رؤوف فلاح في ساحات المواجهة والمعارك النضالية التي لم يكن يتخلف عنها...فلم نكن نمشي وراء جنازة، بل كان الجميع من رفاقه ساعتها في ساحة لا تنتهي.. في عرس نضالي لا ينتهي..

لم يكن رؤوف فلاح يتألم أو يشكو من مرض ولا من الواقع العنيد ولا من خذلان المقربين وخيانة الآخرين..
ولم يكن ممتهنا للحزن..
لكن اليوم...
"يستطيع (فلاح) أن يعرف الحزن ليلته هذه
ثم يستأنف الحرب في الغد حتى الظفر..".
———
* المناضل رؤوف فلاح: معتقل سياسي سابق. من قادة الحركة الطلابية المغربية في السبعينيات ضمن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وأحد مؤسسي حركة "إلى الأمام" الماركسية. نقابي سابق بالاتحاد المغربي للشغل. وعضو هيأة المجلة الفصلية الفكرية " التحرر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة