الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع الدولة القومية والعولمة

قاسم علوان

2005 / 12 / 22
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


يتعلق أحد تفسيرات تجربة التحولات الديمقراطية الحديثة في العالم اليوم، بفكرة أضعاف الدولة القومية وتضاؤل فرص قدراتها على الحكم. وهذا هو موضوع مقولة (الاعتماد المتبادل الكوني العالمي (global (interdependence أو على الأقل في الاعتماد المتبادل الإقليمي الضخم أو الواسع المفترض في الحقبة الحالية، وكما هو الحال في المنظمات الإقليمية (الاتحاد الأوربي) مثلا.. ويحدد ظرف العلاقة أو الترابط عبر القومي المكثف لمصائر المجتمعات المعنية بالمشروع القومي.. فهو يسلط الضغط أو الضوء على تلك الحياة الاجتماعية.. والقوى التي تخرج إلى حد كبير.. أو تعتزم أن تخرج.. عن السيطرة أو التوازن الدوليين.. أو حتى التي تقودها أكثر النخب السياسية القومية عزما وتصميما وإرادة على ما هو محلي وقومي...! حيث أن الحدود الدولية لم تعد صماء.. إذ صار يسهل النفاذ منها دائما، فإن مجال ما يمكن للقوى السياسية المحلية أو القومية تحقيقه بشكل فعال من مشاريع سياسية.. سوف يتقلص أحيانا.. أو يفتقر إلى التحقيق مطلقا...! وذلك بسبب التداعيات المدمرة والمستمرة الآتية من الحلبة الدولية الخارجية التي ينتظر أن تستفزها أية حركة (سياسية) داخلية خطأ... إذ يبدو أن الحدود فقدت قدرتها ليس على التحديد فقط، على الحماية أيضا...!
ويمكن تلخيص الوسائل التي تم من خلالها تعجيز قدرة الدول القومية على الحكم تعجيزا جزئيا أو كليا.. بسبب الاعتماد المتبادل الكوني... وما يتبع ذلك من فقدان القدرة على الحكم المطلق.. أو حتى بالمقابل الاكتفاء الذاتي...! من خلال تبلور صيغة عالمية يرمز لها بحروف الميمات الست (M s (sixوهي أحرف الميم التي ترمز إلى بداية الكلمات التالية.. المال money والرياضيات mathematics والموسيقى music والهجرة migration والقوة العسكرية military force والمناخ meteorology... المال باعتباره وسيلة التجارة والاستثمار ومن ثم الانتشار، الرياضيات وتعني تعميم الثقافة والمعرفة العلمية والتكنولوجيا، الموسيقى والسينما أي مفردات الثقافة الإنسانية عموما بما في ذلك العمارة.. وهي وسائل غير لفظية للتعبير والاتصال. وأما الهجرة فهي: بينما لا يمكن للكثير من الدول حماية الحد الأدنى من أبناء شعبها من ظروف المعيشة الرديئة أو التضييق على الحريات، فأن دولا جديدة أخرى على استعداد أن تستقبل أعداداً متزايدة من اللاجئين والعمال المهاجرين. أما القوة العسكرية.. أو الموارد العسكرية: ربما تتمتع أقلية من الدول أو أنظمة الحكم بالسيطرة المطلقة لأنها انضمت إلى التحالفات العسكرية المتعدية للقومية، كحلف الناتو.. أو أنها تعتمد على الدفاع الذي توفره دول أخرى، بل أن الفصل بين وضع الدولة أو القدرة العسكرية السلبية يتجلى في ازدياد فاعل، بالتوازي مع عوامل داخلية أخرى تضع المبررات لذلك التدخل.. مثل الحركات الانفصالية.. أو الجماعات العرقية المضطهدة.. أو الجماعات الإرهابية.. أو العصابات المسلحة.. التي ينشرها القادة السياسيون أصحاب النفوذ. وأما المناخ فمن المعروف أن ما هو متوفر من الهواء والماء ونوعيتهما.. وكلاهما ضمن حدود ضيقة نسبيا من درجات حرارة يمكن تحملها، إلى جانب تذبذب نوعيتهما الموسمية والإقليمية، والتغيرات التي تطرأ عليهما على المدى الطويل.. فمن المعروف أن المناخ معلم أساسي من معالم الحياة البشرية والنشاط الاقتصادي ومعروف كذلك أن توافر هذين الموردين يتوقف على استقرار تفاعل قد تقلبه ظروف خارجية تتعلق بالإنتاج والاستهلاك على نطاق دولي ودون أدنى حساب لحدود الدولة القومية....!
والرد التقليدي على فقدان القدرة على الحكم والتوجيه في الدولة القومية هو (التكامل المتعدي للقومية supranational integration) وتشكيل أنظمة من ذلك النوع المتعدي للقومية أيضا على سبيل المثال (الاتحاد الأوربي) و (منظمة الآسيان) و (منظمة النافتا) وكذلك العديد من التحالفات العسكرية الأخرى المتعدية هي الأخرى للقومية. ويبدو أن رد الفعل المساوي في الأهمية هو رد الفعل المعاكس في ضعف قدرة الدول القومية على التحكم في مصائرها..! وهو العودة إلى (الوحدات دون القومية sub-national units ) الأصغر حجما....!
كما يبدو أن العولمة تنطوي أيضا على نزعة الانعزال أو سلوك قارب النجاة بالنسبة للأغنياء نسبيا الذين يسعون للدفاع عن منافعهم المحلية أو الإقليمية أو القومية الضيقة، بدلا من مشاركتهم وحدات الدولة الأكثر اتساعا. وتنطوي عملية العولمة متعددة الوسائل إلى جانب رديّ الفعل من الكيانات متعدية القومية، والأخرى دون القومية، على نوعين من النتائج شديدة السوء تتعلق بموضوع عدالة التوزيع بالنسبة للثروات... يشمل أحدهما المحصلة السيئة المتعلقة بالدول المتقدمة، وهو النظر إلى انتقال رأس المال أو الثروات إلى دول الجنوب ذات الأيدي العاملة الرخيصة للاستثمار.. على أنه يقضي على أداء سوق العمل والضمان الاجتماعي فيها، حيث تكون إحدى نتائج ذلك اتساع ثغرة التفاوت الاجتماعي في الدول المتقدمة. وهناك بالمقابل المحصلة السيئة بالنسبة للدول الأكثر فقرا.. والأقل تطورا.. وهي أن المعايير والأساليب الغربية الخاصة بالمعيشة التي تسعى إلى تحقيقها ومحاكاة مثيل لها.. فهي تمثل نفعا مؤقتا وطارئا لا يمكن تعميمه لأسباب تتعلق بكمية الموارد والبيئة....! إلا أن عدم توفر نموذج للإسكان والنقل والاستهلاك قد يطرح بديلا للأساليب الغربية، وسوف يتسع تفاوت التوزيع من جديد، حيث سينجح البعض في العالم غير الغربي في محاكاة نموذج الغرب، بينما ستفشل الغالبية، والنتيجة المشتركة لكل من المحصلتين السيئتين هي كما يلي: بما أن عدد مالكي السيارات الفاخرة والشقق مكيفة الهواء يزداد في ما يعرف في العالم الثالث، وأن عدد الذين يبحثون في صناديق القمامة فيما كان يعرف بالعالم الأول سيزداد هو الآخر.
ما بعد الحداثة
بعد أن لمح البحث في البداية إلى بعض المسارات التي تحرك تحول أنظمة الحكم باتجاه الديمقراطية والمسار الاقتصادي باتجاه العولمة، يشير إلى أن هناك ثلاثة تعميمات يمكن تقديمها، وهي تتعلق بقدر متساو بمكونات الثقافة الجمالية والمعرفية والأخلاقية السياسية، أول هذه التعميمات هو أن هناك اتجاهات قوية نحو (المجانسة عبر القومية للثقافة transnational homogenization of culture) فعلى الأقل فيما يتعلق بالشرائح الذكورية والحضرية من المجتمع الكوني المتعولم حديثا (أي بعض دول العالم الثالث) فإن السينما والموسيقى والملابس اليومية والطعام وأساليب الحياة في سبيلها إلى أن تفقد الكثير من تميزها ورسوخها الواضح بمقابل التقاليد الثقافية القومية والإقليمية المحلية في تلك الدول، بالقدر نفسه الذي تصير فيه اللغة الإنجليزية اللغة العالمية. والتعميم الثاني هو يجب مراعاة الاتجاهات المضادة، حيث الدعوة إلى إعادة اكتشاف وإحياء التقاليد الجمالية والدينية المحلية، التي يتم تبنيها باعتبارها وسيلة رمزية توحد الثقافة الكونية المتعولمة حديثا، ومن ثم تؤدي إلى ظهور السياسة الثقافية التي تسمى ما بعد الحداثة... التي تركز على قضايا الهوية المحلية والاختلاف والروح القبلية...! أما التعميم الثالث فمفاده هو أن الدافع الأخلاقي والثقافي الذي توجده أفكار التحرر والعدالة الاجتماعية والسلم العالمي.. قد فقد الكثير من بريقه وجاذبيته وقدرته على التعبئة السياسية. وينطبق هذا بشكل خاص على أية فكرة للتقدم قد تنطوي على فكرة عمومية للأهداف والغايات النبيلة المرجوة.. التي ينبغي أن يتحرك صوبها التاريخ...! ويمكن أن يحركها الفاعلون المعنيون..! وأن تحققها استراتيجياتهم أو عقائدهم تلك الخاصة بالتغيير. ولنتذكر أنه في وقت ما طرحت كل من نظرية (التحديث الليبرالي) و (الثورية الماركسية) وحتى قبلهما (التبشير المسيحي) ومع ذلك فأن فكرة التقدم هذه بالقدر الذي حافظت فيه على بقائها في وجه قوى ما بعد الحداثة الثقافية.. المقوضة للتنظيم القائم تعاد صياغتها في الوقت الراهن، ويفهم التقدم حاليا على أنه التحاشي المستمر للانتكاس الجمعي إلى البربرية والأشكال المفجعة من النكوص عن النزعة الحضارية....!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• يعتمد هذا المبحث أيضا قراءة في فصل بعنوان (العولمة) من بحث طويل لكلاوس أوفة (نحو فهم دقيق لسياقات المجتمع المدني) منشور في (مجلة الثقافة العالمية) الكويتية العدد 107 أغسطس 2001
• نشر هذا البحث في جريدة (المدى) العدد 481 في 5 أيلول 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن