الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من أجل صليب وجرس
فاطمة ناعوت
2016 / 8 / 28بوابة التمدن
ليست المشكلةُ في الأوطان، بل في البشر الذين يسكنون الأوطان. ليست المشكلة في مساحة الوطن، فالأوطان واسعةٌ دائمًا مهما صَغُرت، تتسع للجميع، المشكلةُ دائمًا في مساحة القلوب التي تعمّر تلك الأوطان. الأوطانُ دافئةٌ، لكن القلوب الباردة إن سكنت الوطنَ الدافئ، صار الوطنُ صقيعًا وقفرًا موحشًا، لا يليق إلا بالوحوش الضواري.
تضاربتِ الأقوال حول قانون بناء الكنائس الجديد الذي يعدّه صنّاع القرار في الحكومة المصرية. وذهب البعضُ إلى أن هناك نيّة مُخجلة لنزع الصلبان والأجراس عن الكنائس، حتى يُجازُ بناؤها. واستقصيتُ الأمرَ من أولي الأمر فعلمت أن بالقانون شيئًا مريبًا كان السبب وراء تلك الفكرة التي انطلقت فأغضبت المصريين مسلمين ومسيحيين. القانون يحدّد بدقة بالغة كل مليمتر في الكنيسة: شكلها، وارتفاعها، والسور الذي يحدّها، وحتى محتوياتها الداخلية من هيكل ومذبح وصحن وجُرن معمودية وبيت صناعة القُربان والقلّاية وخورس المرتلين وحضن الآب واللوح المقدس والنوافذ وعلام تُطلّ، وغيرها من تفاصيل قد يبدو ذكرها كوصف الماء بالماء وتحصيل الحاصل، ثم لا يأتي أبدًا أيُّ ذكر للجرس والصليب! هنا بدا الأمر مثيرًا للريبة والتشكك. ومن هنا انطلق خوف المصريين، من أن يأتي في مقبل الأيام متشددٌ يعمل في تراخيص المباني مثلا، وينجعص على مقعده قائلا: “طالما مش مذكور في القانون صليب، يبقى مفيش صليب، ومادام القانون لم ينصّ على وجود جرس، يبقى بلاها جرس"! ووقتها لن يستطع أحد فتح فمه أمام غباء ذلك الموظف، "المشرعن" بحكم القانون الذي أغفل ذكر بديهيات، رغم ذكره أمور أقل أهمية.
والحقّ أن تلك النية، لو صحّت، فإننا نكون بصدد كتابة أسوأ سطر في كتاب تاريخ مصر. كنتُ أحسبُ أن أسوأ سطر في تاريخها كتبه الإخوانُ في عامهم التعس الذي حكمونا فيه وكادوا يدمّرون حاضر مصر وغدها. لكن يبدو أن الشاعر الذي كتب: “إن أجمل القصائد لم تُكتب بعد"، نسى أن يقول: “أسوأ السطور لم تُخطُّ بعد"! وها نحن الآن نخُطّه بأياد ثابتة، وقلوب باردة وعيون جوفاء لا بصر فيها ولا بصيرة. أيها السادة، يا كل مواطن مصري يحيا الآن فوق هذه الأرض المباركة، لن أقول لكم كلام شعارات من قبيل: “التاريخ لن يغفر لكم!” بل أقول: “لن نسمح لكم!” مَن نحن؟ نحن العاقلون الذين نرفض أن يُشوّه تاريخُ مصر بأيدينا. نحن الأمهات والآباء الذين نرفض أن يقف أبناؤنا على قبورنا يلعنوننا لأننا سمحنا بأن يُشوّه تاريخ مصر وحاضرتها المعمارية الثرية بالكنائس والمساجد. لأننا سمحنا بأن يُظلم مصريون في مِصرهم ظلمًا خسيسًا مخجلا، لمجرد أنهم قومٌ مسالمون لا يحملون سيوفًا ولا خناجر ولا مدافعَ ولا رشاشاتٍ. إنْ يحملون كتابًا يقول لهم: "باركوا مُبغضيكم.” هم محكومون بكتابهم فلكم منهم مباركتهم. أما نحن فلا يحكمنا ما يحكمهم، بل يحكمنا العدلُ الذي هو صفةٌ من صفات مَن نعبد. هو الذي حرّم الظلمَ على نفسه إذ يقول: "يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا.” نحن المسلمون المصريون أحفاد من قالوا: “يحيا الهلال مع الصليب" في ثورة 19، نرفض أن يُسقطوا الصلبان والأجراس من فوق كنائس أشقائنا. لم يقل منهم أحدٌ: أسقطوا المآذن والميكروفونات عن مساجدنا، فبأي قلب بارد تطالبون بأن يُصلّوا صلواتهم دون جرس ودون صليب يمثّل لهم جوهر إيمانهم وصُلب عقيدتهم؟!
هاجت الدنيا وماجت حين قررت سويسرا بناء مساجدها دون مآذن! أرغينا وأزبدنا حول العنصرية واضطهاد المسلمين، ونسينا أن المسلم وافدٌ على بلاد الغرب، وإن حمل باسبورها. مهاجر وليس صاحب أرض أصيل، مثلما "القبطي" المسيحي صاحب أرض مصر قبل دخول الإسلام فيها بستة قرون وبضعة عقود. فمن أين تأتون بتلك الجسارة و"البجاحة" لتضيّقوا على أصحاب البيت وتجعلوا عيشتهم ضنكًا"! يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا! فلا يأبهون للسفهاء المراهقين منا، ويزيدون من دعائهم لنا نحن جميع المسلمين. لا يعرفون القصاص لأن كتابهم يعلّمهم أن القصاص من المسيء لا يكون إلا بالمحبة والمباركة والصلاة من أجل سلام قلبه! ففيمَ تزعجكم الكنائس وأجراسها وصلبانها وهي تدعو لكم وتعلّم من يدخلها أن قلبه إن مسّة بُغضٌ لإنسان، فلن تُقبل صلاتُه.
هي الأجراسُ التي قرعت وقت آذان المغرب في رمضان يوم 26 يوليو 2013، لكي تجتمع صلواتُ المسلمين والمسيحيين وتُرفع إلى الله في لحظة واحدة لكي يبارك مصر وينجيّها من الإرهاب. يومها كسرتُ صيامي على حبّة تمر قدّمتها لي يدٌ كان في معصمها صليب أزرق. كان هذا يوم تفويض الشعب للجيش لينزع شوكة الإرهاب من أرض مصر. لكننا. نسينا يومها أن نطلب منه أن ينزع شوكة الإرهاب الفكري من صدور الباردين.
أيها البرلمان السعيد، أيتها الحكومة السعيدة، نحن شعبُ مصر، وأسمح لنفسي بأن أتكلم نيابة عن شرفاء مصر لأنني أعرف معدنهم النبيل، نرفض أن تُسقطوا الصليب من فوق هامات الكنائس، لكيلا يحيا الهلالُ وحيدًا وغريبًا فوق أرض لم تعرف منذ منشأها إلا التعددية والجمال والتحضر.
تعلّمتُ في قاعات التصميم بكلية الهندسة قسم العمارة أن جامعًا دون مئذنة ليس جامعًا، وأن كنيسة دون جرس وصليب، ليست كنيسة. وتعلمت من التاريخ أن دولة دون عدل وشيء من الحياء والأدب، هي كيان هشُّ آيل للسقوط. ارتقوا ارتقوا ارتقوا فإن القاع ازدحم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ملاحظة واحدة
muslim aziz
(
2016 / 8 / 28 - 14:23
)
السيدة الكاتبة تحية
نحن معكِ في مقالك. فللاخوة المسيحيين كل الحق في بناء كنائسهم مع اجراسها وصلبانها. كما للمسلمين كل الحق في بناء مساجدهم.
الا انه لي ملاحظة بسيطة على ما جاء في ثنايا مقالكِ(وهو ان الاقباط المسيحيين كانوا قبل المسلمين) وكأن المسلمين المصريين قد جاؤوا مهاجرين من خارج مصر. وهذا ما يروج له بعض الاقباط العنصريين حيث ينادون بطرد المسلمين المصريين وعودتهم الى الجزيرة العربية.
مع العلم ان اكثرية مسلمي مصر كانوا مسيحيين واعتنقوا الاسلام.وشكرا.
.. رفح تتعرض لقصف وغارات، ما يثير مخاوف من اقتراب الهجوم البري
.. مهاب ا?يوب.. من الصفر ا?لى راي?د في عالم الا?عمال ????
.. سوق سافور في مونفارميه الفرنسية يقدم أسعارا تتحدى التضخم في
.. ما هي مخاطر الإدمان على الشاشات؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. محمد الضيف يستغيث بالشعوب العربية للتحركضد إسرائيل ،،،،فهل ه