الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفتاح والانغلاق.. المواجهة السرمدية في السياسات العربية

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2016 / 8 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الانفتاح والانغلاق.. المواجهة السرمدية في السياسات العربية
دكتورعصام بن الشيخ
كاتب جزائري، وأستاذ جامعي
******************************************************************************
تقدّم خلاصات الدبلوماسيين الكبيرين: بطرس بطرس غالي والأخضر الإبراهيمي، العديد من الأفكار الإيجابية لتجاوز المرحلة الحالية "الصعبة"، والتفكير في مستقبل المجتمع والدولة في مصر والجزائر... لقد نصحنا أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، بالمقامرة على الانفتاح والتركيز على حلّ مشكلات المجتمع بقرارات شجاعة والاقتناع بهذه القرارت تجاه الأطراف الغربية التي تصرّ على التدخّل في شؤوننا الداخلية، يكفي أن تقضي يومك في شوارع العاصمة القاهرة أو الجزائر، حتى تدرك أنّ الانسداد المروريّ، صورة مكبّرة عن انسداد مجتمعيّ أكبر، سيفضي إلى فشل سلطويّ ذريع، في حال التراخي عن تقديم خطين متقاطعين من السياسات والبرامج الفعّالة، خطط قصيرة المدى للتسيير العاجل، وخطط وبرامج رؤية مستقبلية لتغيير العواصم السياسية، وفسح المجال للفنيين الاقتصاديين والتحرّر من مغالطات الساسة، في انتظار هندسة أنجح للقوانين والتشريعات السياسية، الضابطة للحياة السياسية، في مقدمتها قانون الانتخابات، الذي يشترط فيه أن يتضمن صرامة أكبر في تطويع القيم السياسية لمصلحة الدولة "دون تجاوز طموحات الأمة"، أي الموازنة بين الامكانات والأحلام، القدرات والتصورات "غير العقلانية"، الرسوخ والمفاجآت غير المقبولة. أما نصيحة الأخضر الإبراهيمي بهذا الخصوص فهي أبسط، فإنّ الحفاظ على قوام دولنا واستمراريتها، يقتضي الاعتراف بأننا دول من العالم الثالث، نتطلع إلى المستقبل والنهوض بأوضاعنا المعيشية ببعديها التنمويّ والسوسيولوجيّ، وألا نظلّ حبيسي الماضي وأخطائه بـ: "بعده السيكولوجي". فما حدث في مصر والجزائر، في النهاية كان نتيجة لحصيلة انتخابية، يتدارسها خبراء الانتخابات في الغرب كنتيجة متوقعة، فلا ينبغي أن نتسبب في عزلة وانكفاءة لأنفسنا، تمنعنا من الانفتاح على العالم، والاستفادة من الشراكات الاقتصادية وفرص التعاون، فالمطلوب هو تجاوز الأيديولوجيات المتشددة، وترسيخ البناء المؤسسيّ من جديد، ثقة أكبر في القيادة، وحفاظ على المكتسبات المحققة وفي مقدمتها الأمن والسيادة، قيادة عملية تسيير ايجابيّ مع إشراك أكبر لرموز الأجيال الجديدة، والاتكال عليها بشكل أكبر كطاقة للتعبئة، إذ يكمن التحدّي في محاولة القيادة السياسية الربط بين مكونات المجتمع/الأمة، وتوجيه الخيارات الوطنية نحو البناء بدل الانتقام "الفئويّ"، باستخدام التنسيق الجماعيّ بديلا عن عصب التخبّط الفردانيّ، كمرحلة أساسية لـ: "إبداع مواجهة جماعية" للمجتمع، تجاه كافة الأمراض والعيوب، والانتقال من وضع أمم (تدار على أراضيها الحروب، وتسيّر كثرتها العددية بطرق عشوائية من قبل الدخلاء، ويستغلّ دينها وعمقها الحضاريّ بطريقة "غير معبّأة لصالحهم")، نحو مرحلة مختلفة من الطموح في النهضة والتغيير الشامل، رمزها استقلالية القرارات وسيادية السياسات.

لا للسياسات الـ: "مفضية للموت"...
فشل الانتقال، غياب الدولة، انتهاكات لحقوق الإنسان، وغلاة متطرفون
انتهت تجارب الربيع العربي إلى العديد من الدروس التي يمكن أنّ نلخصها بعد انقضاء ستّة أعوام من الرياح العاتية، في تجربة تونسية عقلانية أكّدت الدور الفعّال للمرأة وانعكاسات التنشئة البورقيبية للمجتمع التونسيّ المتمدّن على الطابع الهادئ "نسبياّ" للانتقال الديمقراطيّ، بتحييد حركة النهضة والتنازلات التاريخية للشيخ الغنوشي. محاكاة مصرية للتجربة الجزائرية في رفض نموذج حكم الإسلام السياسيّ في دولة تعتبر مؤسستها العسكرية مدرسة سياسية وركيزة وطنية. ثلاثة نماذج سيئة ومشوّهة عن تدمير الدولة وتشريد الإنسان في كلّ من سوريا وليبيا واليمن، ساهم في إفشالها انتشار التطرّف والعنف المسلّح الذي تعذّى على تفاصيل صراع الفرقاء ومن يدعمهم من القوى الدولية المتناحرة في العراق وسوريا. ونموذج غريب لتواطؤ الإسلام السياسيّ لإبن كيران مع المخزن، يشكّل تجربة لما تبقى من النماذج الملكية العربية في الخليج العربيّ، التي تستغلّ الصراع مع النموذج العدوانيّ لتصدير الثورة الإيرانية، لضبط جبهاتها الداخلية، التي أثبتت فشلا ذريعا للدولة، في فصل الطوائف الدينية المتناحرة، ونقصد بها غلاة السنّة والشيعة في دول المنطقة، كذريعة لتمرير توريث الملكية بهدوء أكبر، خصوصا وأنّ الاهتمام الأمريكيّ بالمنطقة، قد تراجع بشكل كبير، وواضح، منذ الاتفاق التاريخي أوباما - روحاني، والذي أدّى إلى تراجع أسعار النفط إلى النصف، وأثار غضب العواصم العربية الحليفة لواشنطن منذ ذلك الوقت، إلى الآن.
الخلاصات التي خرجنا بها عديدة، لقد كانت "ثورات الربيع العربي" مجرّد انتفاضات شعبية تفتقد إلى القيادة، و"خارطة الطريق". سجّل فيها التاريخ تراجع الساسة والكوادر وكبار الداعين للتحول الديمقراطيّ وخبرة كبير لأقطاب الثورة المضادة في إدارة الساحة السياسية من خلف الستار. فكلّ المروّجين للديمقراطيّة تراجعوا في اللحظات الحرجة، خشية مقامرتهم برصيدهم السياسيّ وما راكموه من تجارب وخبرات. لم تعد كلمات علاء الأسواني حول التضحية لصالح الجماهير تلهم الكثيرين، فقد عجزت نبوءاته حول الثورات الشعبية عن مجارات نبوءات برنارد هنري ليفي وبرنارد لويس حول تفتيت منطقة الشرق الأوسط. كلّ ما نجح فيه الأسواني أو عزمي بشارة، هو أفراز كوادر لم تبارح باحة "المراهقة السياسية" - باستثناء نجاح فتاة من صنعاء في نيل نوبل للسلام سنة 2011-، لقيادة "فوضى بناءة" تديرها بعض السفارات الغربية في العواصم العربية، لقد خلص أنيس نقاّش في آخر مؤلّف له، إلى وجود سيناريو هادئ لإعادة هندسة جغرافية للكونفيدرالية المشرقية بناء على حراك الهويات، مع تسجيل فضيحة تاريخية بتحويل البحر الأبيض المتوسط، إلى أكبر مقبرة جماعية لغرقى اللاجئين السوريين الفارّين من الشام (الملعب الروسيّ - الأمريكيّ للصراع).

لا بدّ من التواصل الحيّ بديلا عن الاعتكاف على الشعائرية الشكليّةّ
ليس هذا العنوان موجها ضدّ المقامرين على النهج الدينيّ، ولا ترويجا للعلمانية "الحتمية في النهاية"، غير أنّ ضرورة وضع حدّ لوقوف "تسييس الشعائريات الشكلية" في وجه العلم والمعرفة، أضحى أكثر من ضرورة، ونحن في منتصف العقد الثاني بعد ولوج الألفية الثالثة، فـ: "الزمن قطار لن ينتظر أمة الفرص الضائعة". لقد استفدت من آراء الكثير من المؤرخين والمفكرين بهذا الخصوص، لقد مرّ الغرب قبلنا بهذه المرحلة، يقول بلاسكو ايبانيز Vicente Blasco Ibáñez (1867 - 1928): "عندما كانت إسبانيا لا تحسن القراءة، كانت منهمكة في الصلاة". وعليه، يمكن أن نعترف ابتداء أنّنا "أمة لا تحسن القراءة"، قراءة عصرنا، القرن 21. لقد تحدّث أرنولد توينبي والمهدي المنجرة وإدوارد سعيد وكثيرون، أما توينبي فقال أنّ التاريخ كرّر نفسه أكثر من 20 مرّة، و حذّر المنجرة من مصير الانغلاق في عصر "الإهانة في عصر الميغا إمبريالية"، وتحدّث إدوارد سعيد مرارا وتكرارا عن خطأ المعوّلين على دعم الغرب، لأنّ "الغرب لا يفهم العالم العربيّ"، وتحدّث آخرون وآخرون، تخبئ أوراق الكتب كلّ ما تريد أيها الإسلاميّ الوسطيّ أو المتشدّد، لأنّ فكرك السياسيّ يعيد عجلة مجتمعنا إلى الوراء دورة أو دورتين -لا أعلم-، لأنك لا تريد أن تعترف أنّك جزء من الكلّ، ولا يكفيك صندوق الاقتراع في امتلاك شعور أبديّ باستحقاق القيادة، وقد قامرت -أنت نفسك- على دعم الغرب، لقد كانت عشرات اللقاءات مع السفراء الأجانب، الذين رسموا خطوط حركتك السياسية، ولم تكن أيديولجيتك تمكنّك من التنازل - ولو قليلا- للفصيل السياسيّ المناظر أو المرافق لك، لأنك فكرّت وحيدا في التغيير الشامل، وتجاوزت المقدسات. ليست مقدساتك، بل مقدسات العائلة.
اقتضى الأمر سنوات عديدة حتى استفاق الغرب واعترف بفضل الإسلام عليه، فانتقل من الانغلاق التام إلى الإشعاع الحضاريّ، لقد سمحنا للغرب بالتداول الحضاريّ، لكنّه اليوم أكثر مكرا، وعليك افتكاك التداول إن استطعت. تقع بلاد العرب بين غرب حديث وشرق "يتحّدث" بسرعة عاطفة، فخلقت أوضاعه مشكلات عاطفية لم يجد لها الحكام ولا المفكرون ولا الثوريون حلولا ناجعة.
يقول برناد لويس أنّ الثورة الإيرانية انطلقت سنة 1979 من مبررات مقاومة الذل والإحباط والخزي، كيف ذلك: أما الذلّ Humiliation والإحباط Frustration فقد ردّه إلى توق الفارسيّ إلى الخلاص من النهج الغربيّ في الانقياد الاجتماعيّ، نحو النهج الإسلاميّ، لسبب بسيط، هو ما لاحظه الشعب الإيرانيّ من "خزي"Disgrace في قيم الحضارة الغربية، وانحطاط أخلاقيّ.. كان هذا تفكير شباب طهران سنة 1979. أما اليوم، فقد أثبتت الدراسات أنّ على الرغم من استمرار كره الشعب الإيرانيّ لواشنطن قاطرة قوى الاستكبار العالمي، إلاّ أنّ الشعب الإيرانيّ يحبّ الشعب الأمريكي ويتمنى أن يصل إلى مستويات الرفاه التي وصل إليها الأمريكيون، كانت هذه الأرضية ملائمة لتوقيع الاتفاق التاريخيّ بين روحاني وأوباما.
لا يخف الباحث والسياسي الكويتي عبدالله النفيسي أنّه مستغرب من روحاني الرجل الذي قال له سنة 1972 أن البحرين "ولاية إيرانية"، هو نفسه روحاني الذي ينفتح على واشنطن الآن، لقد فسّر النفيسي ذلك بصنفين من السياسات، انغلاق على الذات مثله الخميني وخامنئي والسيستاني في النماذج الإكلوريسية الشيعية لرجال الدين، بحديّ (الطمأنينية والراديكالية)، ورغبة دفينة للهيمنة الإقليمية واستعادة الخليج الفارسيّ والمنطقة العربية عبر تصدير الثورة.
يفرض خطاب النفيسي حذرا معقدا يجدر تفكيكه في ما يلي:
- حتمية الانتباه إلى خصوصية المنطقة العربية والخليج، (الدفاع عن القومية العربية) تجاه إيران وتركيا وإسرائيل، ليس شوفينية، بل دفاعا عن الهوية.
- الشعائرية الاعتكافية العقدية لشيعة إيران، خلفية سياسية لنمط تفكير إثنيّ ذو بعد استراتيجيّ مهيمن، تأكّد رفضه في الحالة السعودية، بسبب الرفض الإيرانيّ التامّ لنموذج التقارب المذهبيّ في المشهد السعوديّ، وإسلاء الشيخ حسن الصفّار الأولوية للوطن.
- احذر أيها الإسلاميّ من الردّ بنفس النمط، فالنموذج الثوريّ الإيرانيّ بلشفيّ أكثر منه دينيّ. ولك أيها الإسلاميّ العربيّ واجب ودور حضاريّ أهمّ من حلم بلوغ السلطة.
ـ لماذا نصدّر للعالم وجها قبيحا عن العسكرة المجتمعية، ونتجنّب النموذج الحداثيّ للتقدّم الحضاريّ في خدمة الجميع..
حاول المفكر التونسيّ الراحل العفيف الأخضر مليا، أن يروّج للتسامح من خلال أطروحته للتلاقح الحضاريّ، لابدّ وأن تؤدّي أفكار غالي والإبراهيمي وغيرهما، إلى تحضير أرضية تسمح بنجاح هذه الأطروحة، واستفادة مليار مسلم وملايين العرب من خيارات الانفتاح، بدل عذابات الانغلاق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة