الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور النخب الثقافية و السياسية في الأزمة السورية وفي صياغة أسس اجتماعنا السياسي المقبل / بقلم يوسف سلمان

ملهم جديد

2016 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار
تحرير – سلام – اشتراكيّة علميّة
نشرة غير دوريّة يصدرها الحزب الديمقراطي الاجتماعي – قيد التأسيس

دور " النّخب الثقافيّة والسياسيّة "
في الأزمة السوريّة وفي صياغة أسس اجتماعنا السياسي المقبل
عوضاً عن المقدّمة
ا - لم تعد الدّولة بالمعنى المعاصر،مجرّد شعبٍ وأرضٍ وحكومة فقط ، إنّما أصبحت تتحدّد أيضاً ،بوجود معيارٍ أساسيٍّ لها،هو معيار وجود المؤسّسات المستمرّة، واعتبار الدّولة نفسها مؤسّسة المؤسّسات،واعتبار الحكّام مجرّد ممارسين لاختصاصاتٍ معيّنة،محدّدة سلفاً، أي أنّهم يمارسون سلطة الدّولة، وفقاً لقواعد معيّنة، لكنّهم " لا يملكون " سلطة الدّولة .
ب – إذا حاولنا تطبيق معيار الدولة هذا على طبيعة وبنية وآلية عمل النّظام السياسي الحاكم في سوريّا، فإنّنا لن نجد له على أرض الواقع، أيّ أساسٍ على الإطلاق، فقد احتكر النّظام التسلّطيّ الشموليّ كلّ شيء، وغيّب دور المجتمع وعمّم الفساد وجعله نمط إدارة، بل وحياة، وصادر الحرّيّات والأحزاب والنّقابات والاتّحادات والصّحافة والإعلام المرئي والمسموع، والقضاء والمدارس والجامعات و "مجالس الشعب والوزراء" والوزارات ومؤسسات كلٍّ من القطاع العام والخاص، والمصارف والمؤسّسات الرسميّة الدّينيّة والمراكز الثقافيّة والإعلاميّة، ومؤسّسة السينما والتلفزيون والاتصالات .
ج – ترافق هذا كلّه مع تشديد قبضة الأجهزة الأمنيّة، الّتي كانت تلاحق وتتابع النشاط السياسي الوطني التقدّمي، أكثر ممّا كانت تتابع وتتقصّى أنشطة الخلايا المتطرّفة، الأمر الّذي نجم عنه وقوع الأرياف وأحزمة الفقر في المدن، في قبضة المقاولين المحلّيين للحرب الدوليّة بالوكالة، الّتي تشنّ على سوريا منذ خمس سنوات ونصف.
د – تأسيساً على ما تقدّم، فإنّ جوهر الأزمة في الأصل، أي قبل بدء الأحداث المأساويّة الدّامية بعقود، إنّما يكمن في أسس اجتماعنا السياسي، أي في طبيعة وبنية الدّولة التسلّطيّة القائمة. لذا، فإنّ الخروج من الأزمة، يكون بالانتقال من نظام حكمٍ تسلّطيّ إلى نظام حكمٍ ديمقراطيٍّ علمانيّ، تعدّديٍّ سياسيّاً، ولكي يكون انتقال من هذا النّوع، سليم العواقب ومجدياً، فإنّه ينبغي أنْ يكون سلميّا، أي بعيداً عن العنف، وهو ما لم يتحقّق للأسف، في سوريا .

2
دور " النّخب الثقافيّة والسياسيّة " في الأزمة السوريّة
1 - لم تتّخذ "النّخب الثقافيّة والسياسيّة " السوريّة، إزاء ما يحدث في سوريا من قتلٍ وتدميرٍ وحربٍ دوليّة بالوكالة، على أيدي الجماعات الإرهابيّة الوهّابيّة التكفيريّة المسلّحة،مواقف إيجابيّة، تليق بمثقّفين وساسة،حريصين على مصلحة شعبهم، بل كانت مواقفها صدىً لمواقف الدول الغربيّة ومشيخات الخليج ومراكز البحوث والجامعات والمؤسّسات الإعلاميّة،التّابعة لتلك الدّول والكيانات،والمموّلة من قبلها. وكما هو معلوم،فإنّ من بيده التمويل، بيده القرار . فتحوّلتْ تلك " النّخب" إلى أداةٍ سياسيّةً طيّعةً بأيدي رعاتها الدوليّين ومموّليها الخليجيّين وحكّام تركيا من الإخوان المسلمين،لتغطية جرائم الإرهاب والتدخّل الخارجي وتبرير ما تقوم به هذه الأطراف، سياسيّاً . كان حريّاً بهذه "النّخب "، خاصّةً الثقافيّة منها، انسجاماً مع مواقفها السّابقة، الّتي كانت تعلن انحيازها للعلمانيّة وثقافة التنوير، أنْ تتّخذ موقفاً عقلانيّاً إيجابيّاً،يرفض الاستبداد السياسي والدينيّ على حدٍّ سواء،ويواجه التدخّل الخارجي بصوره وأشكاله كافّة، بما يخدم خيار ومصلحة الشعب السوري في وقف نزيف الدّم والعنف والتدمير ومباشرة حوارٍ سياسيّ بين السلطة من جهة، وأطراف المعارضة من جهةٍ أخرى، يفضي إلى بناء دولة المواطنة،الدولة الديمقراطيّة العلمانيّة في سوريّا،بديلاّ من دولة التسلّط والاستبداد. لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث، بل تنكّرتْ هذه "النّخب" في أدقّ اللّحظات التاريخيّة وأكثرها خطورةً،لقيم الثقافة الديمقراطيّة العلمانيّة التنويريّة،الّتي كانت تجاهر بها على مدى عقود،وتبنّتْ خطاباً طائفيّاً مقيتاً،يجسّد استقالةً للعقل وانجرافاً إلى أتون الطائفيّة البغيضة، وأصبحت تدافع عن " ديمقراطيّة المكوّنات العرقيّة والطائفيّة والمذهبيّة والقبليّة "، الّتي يعمل الغرب الاستعماري و "إسرائيل" وأنظمة الخليج على تعميمها في المنطقة العربيّة .
2 - نرى أنّ السّقوط المأساويّ لهذه "النّخب" لا يلغي مطلقاً،القيمة الإيجابيّة المعرفيّة للنتاج الفكري،الّذي خلّفه بعض ممثّليّها قبل سقوطهم البائس المدوّي، حتّى وإنْ تنكّروا له لاحقاً،لأنّ الزّاد المعرفي بعد نشره، يصبح ملكاً للجميع، لا ملكاً لصاحبه .
3 - يكمن جذر هذا التحوّل المأساويّ لتلك " النّخب"، في الإذعان لأطروحاتٍ فكريّة وسياسيّة ،روّجتْ لها مراكز بحثيّة ومؤسّسات إعلاميّة أمريكيّة وأوروبيّة غربيّة، قبل الغزو الأمريكي للعراق وبعده،مفادها أنّ الاستبداد،هو احتلال داخلي يغلق منافذ التطوّر الديمقراطي، في حين أنّ الاحتلال الخارجي يحرّر البلد المعني من الاستبداد ويفتح له آفاق التطوّر،وبالتّالي فإنّ الاحتلال هو إنقاذ للبلد من الاستبداد .
1- هذه المواقف والرّؤى تغفل أمريْن خطيريْن جوهريّيْن :
الأوّل، هو أنّ النّظام الشمولي الاستبدادي، مهما كان ظالماً، وهو ظالم بالفعل، لا يمكن أنْ تصل أخطاره يوماً، لدرجة أخطار الاحتلال، الّذي لابدّ أنْ يتوحّد كلّ الوطنيّين، من أجل محاربة كلّ من يطلب الاستعانة به، لأنّه لا يجلب إلاّ الدّمار والفوضى والحروب المذهبيّة والعرقيّة .

3
الثاني، هو أنّ الاحتلال عدوان خارجيّ، لا يستهدف النّظام فقط ، بل يستهدف أيضاً، الدولة والوطن والشعب، فيدمّر المؤسّسات والأحياء السكنيّة والبنى التحتيّة ومرافق ومؤسّسات الدولة ويجعلها خراباً .
إضافةً لما تقدّم،يعمل الاحتلال أيضاً، على تفتيت البلد وتقسيمه وزيادة حدّة النّعرات الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة والقبليّة والعشائريّة فيه، الأمر الّذي يحتاج زمناً طويلاً، ليتحرّر أوّلاً، كي يعاد بناؤه بعد ذلك . أمّا " الديمقراطيّة " الّتي يراد بناؤها في ظلّ الاحتلال، فإنّ معالمها واضحة في العراق وليبيا. هنا ينبغي التأكيد على أنّ الديمقراطيّة تحتاج أوّلاً، حرّيّة الوطن وحرّيّة الفرد في آن، وهو ما ينتفي تماماً في ظلّ الاحتلال .
ولا بدّ أنْ نشدّد في هذا السّياق على أنّ الاستعمار هو غزو أوّلاً، ونهب ثانياً، لمختلف الإمكانيّات الطبيعيّة والبشريّة في البلد المحتلّ .
إنّ بناء الديمقراطيّة، هو مطلب ملحّ لكلّ المجتمعات والشعوب، وهو يحتاج قبل كلّ شيْ إلى قوى وطنيّة ديمقراطيّة علمانيّة، ترتكز إلى قاعدة اجتماعيّة واسعة، تستطيع تجاوز البنى التقليديّة الموروثة، الّتي يعمل الاستعمار على تفعيلها وتوظيفها، بما يخدم مراميه وأهدافه في ترسيخ " ديمقراطيّة وثقافة المكوّنات "، الّتي تقف بالضدّ من الديمقراطيّة، الّتي يمثّل المجتمع المدني المقاوم، أداتها .
4 - حسب منطوق الرّؤية الاستعماريّة، فإنّ حلّ أزمة الدولة في هذا البلد العربي أو ذاك، إنّما يكمن في إسقاط نظام الاستبداد، مع إغفال ما عداه من المشاكل الهيكليّة الرئيسة، المتعلّقة بالدّولة، مثل التبعيّة والاستغلال والاحتلال والتدخّل الأجنبي، على أنْ يتمّ البدء جدّيّاً بحشد الجهود وتوحيدها،وعقد التحالفات الدوليّة والإقليميّة والعربيّة، واتّخاذ كافّة الترتيبات، الضرورية لإنجاز هذه المهمّة تحديداً، التي غالباً ما تنتهي بإحلال استبدادٍ مكان آخر، وبإشعال نار الفتن الطائفيّة والعرقيّة والقبليّة في البلد المعني ، بسبب إصرار الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني وتركيا ومشيخات الخليج على تعميم " ديمقراطيّة المحاصصات الطائفيّة والعرقيّة "، كما هي عليه الحال في ليبيا والعراق، وكأنّه محتوم علينا، إمّا أنْ نعيش تحت وطأة هذا الاستبداد السياسي، أو تحت كابوس ذاك الاستبداد الدّيني،لكنّ شعبنا الأبيّ وقواه الحيّة يرفضون كافة صور الاستبداد وأشكاله .
5 - مثّل "إعلان دمشق" "اختراقاً كبيراً للنّخب الثقافيّة والسياسيّة السوريّة "، حقّقتْه الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا وفرنسا،بالتّعاون مع كندا و دولٍ أوروبيّةٍ أخرى وبلدانٍ خليجيّة، في مقدّمها السعوديّة وقطر، و"خطوةً عمليّةً رئيسة "على طريق حلّ أزمة الدولة السوريّة، عن طريق تحقيق هدفٍ حصريٍّ وحيد،هو " إسقاط نظام الاستبداد بكلّ الوسائل المتاحة " وإغفال ما عداه من مشاكل الدولة السوريّة الهيكليّة الأخرى الرئيسة، أي إضرام نار الفوضى عمليّاً، في سوريّة والمنطقة، وبالتّالي، فإنّه شكّل منصّة هامّة ، غاية في الخطورة، حضّرتْ سياسيّاً وعمليّاً لما يجري الآن في سوريّا من أحداث .
6 - ضمّ " إعلان دمشق " تقريباً، كلّ الأحزاب والجماعات والهيئات والشخصيّات الثقافيّة والسياسيّة، الّتي تنضوي الآن، في إطار " ائتلاف الدّوحة" و " هيئة التنسيق " وحقّق اختراقاً
4
ثقافيّاً وسياسيّاً كبيراً، أحدث تغييراً جوهريّاً خطيراً في رؤى ومواقف وسياسات المعارضة السوريّة، لمصلحة التوجّهات والخيارات السياسيّة لأمريكا وأوروبا ودول الخليج إزاء المنطقة .
7 - استطاع " إعلان دمشق "،الصّادر في 16 تشرين أوّل من عام 2005 أنْ يجمع تقريباً، كلّ أطر المعارضة السوريّة آنذاك،الّتي كانت موزّعة في " التجمّع الوطني الديمقراطي " و " الأحزاب الكرديّة" و " لجان إحياء المجتمع المدني "، الّتي كانت تضمّ أعداداً كبيرة من الأسماء البارزة في الحقل الثقافي، إضافةً إلى عديد النّاشطين الاجتماعيّين والسّاسة المستقلّين . كما أعلن تنظيم " الإخوان المسلمين " في الخارج، الّذي مارس التفجيرات والاغتيالات والعنف المسلّح في سوريّة، على خلفيّةٍ طائفيّة، خلال الفترة الممتدّة من منتصف السبعينيّات وحتّى عام 1982، انضمامه أيضاً إلى الإعلان المذكور.
8 - تمّ تنظيم حملةٍ إعلاميّةٍ مكثّفة،بدأتْ مع الإعلان واستمرّتْ قرابة أسبوع،شاركت فيها في حينه، فضائيّة " الجزيرة" القطريّة وفضائيات خليجيّة أخرى و فضائية( b b c) بالعربيّة وفضائيّة "فرنسا 24" بالعربيّة أيضاً، وفضائيّات لبنانيّة، إضافةً لعديد الصحف اللّبنانيّة والخليجيّة، لتغطيته وإثارة أكبر قدرٍ من الدّعاية والترويج له، للإيحاء بأنّه يحظى بتأييدٍ واسعٍ في أوساط الشعب السوري، لقطع الطريق على أيّة محاولةٍ لانتقاده.
9 - كان موقفنا من " إعلان دمشق" الّذي تمّت صياغته في ليل، سلبيّاً جدّاً، منذ اطّلاعنا عليه، ورأينا فيه أسوأ وثيقةٍ في تاريخ سوريّة المعاصر، لأنّه يأخذنا إلى " ثقافة المكوّنات" و " دولة المحاصصات الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة " ، ويفرغ بالتّالي، كلّ حديثٍ واردٍ فيه عن المواطنة والديمقراطيّة من مضمونه ودلالاته، ويمهّد لوضع سوريّة تحت وصاية حلف النّاتو وأدواته الإقليميّة والعربيّة.لذا،فقد اتّخذنا دون تردّد،عندما كنّا نمثّل فريقاً مازال يعمل ضمن إطار" لجان إحياء المجتمع المدني في سوريّة " موقفاً رافضاً بشدّة، لما ورد فيه من أفكار وتصوّرات تلحق أفدح الأضرار بحاضر بلدنا ومستقبله. ونشرنا في حينه على موقعنا، بعد أسبوعٍ من صدور الإعلان، وثيقةً بعنوان " قراءة نقديّة في إعلان دمشق، صادرة عن لجان إحياء المجتمع المدني في سوريّة ". أدّى موقفنا النّاقد للإعلان، إلى انقسامٍ في " لجان إحياء المجتمع المدني "، بعد رفضنا الانضمام إليه، لأنّ الطرف الآخر المؤيّد له في "اللّجان "، قرّر الانضمام إلى " إعلان دمشق " وأصبح فعلاً، أحد أطرافه المكوّنة. عندئذٍ قرّرْنا، نحن الطّرف الرّافض لإعلان دمشق في " لجان إحياء المجتمع المدني"، بعد مداولاتٍ هادئة، أنْ نخلع ثوبنا القديم، لنرتدي ثوباً جديداً نظيفاً،حسب تعبير لينين، أطلقنا عليه تسمية " الديمقراطيون الاجتماعيّون "،وهي التسمية، الّتي تحوّلتْ بعد يضع سنوات، إلى " الحزب الديمقراطي الاجتماعي – قيد التأسيس " .
10 - يمثّل " إعلان دمشق" من وجهة نظرنا، الخلفيّة السياسيّة والفكريّة الجامعة، لأنشطة وتوجّهات الشخصيّات والأطراف السياسيّة والثقافيّة، المنضوية في إطار كلٍّ من " ائتلاف الدّوحة " و " هيئة التنسيق " وكان وما يزال النّاظم السياسي والفكري والعملي لأنشطة الإطاريْن المذكوريْن . ونستطيع أنْ نقول بكلّ ثقة، إنّ أيّاً من الإطاريْن المذكوريْن، لم يتجاوز سقف الإعلان المذكور ولم يخرج عن محدّداته .
5
11 – لم يترك " ائتلاف الدّوحة " لنفسه، أيّ هامشٍ من الاستقلاليّة في مواقفه إزاء صانعيه ورعاته ومشغّليه الدوليّين والأتراك والخليجيّين،بسبب ارتهانه بصورةٍ كاملة، لمموّليه وداعميه، فأصبح في خياراته وممارساته رهناً لإرادتهم، لدرجة أنّه طلب أكثر من مرّة، التدخّل العسكري الخارجي في سوريا، من " أصدقاء الشعب السوري "، أي من دول حلف النّاتو بقيادة أمريكا، وبالتالي، فإنّ ارتهان "الائتلاف" للإرادة الاستعماريّة،تجاوز كلّ الحدود،وبناءً عليه،فإنّ الحديث عنه يصبح نافلاً. كان واضحاً منذ البداية،بأنّ أولياء الأمر يعملون على فرض"الائتلاف" دوليّاً وعربيّاً، ممثّلاً وحيداً – إنْ أمكن – للشعب السوري، وإنْ تعذّر ذلك، فللمعارضات السوريّة، على أقلّ تقدير.
12 – أمّا " هيئة التنسيق " فكانت حريصةً دائماً، على أنْ تكون في الجوهر، متكاملةً ومنسجمةً في مواقفها مع "الائتلاف "، كي تحجز لنفسها مكاناً في المفاوضات المحتملة مستقبلاً، بشأن سوريا ، كما فعلتْ بانضمامها إلى وفد الرّياض مؤخّراً والتحاقها به، للمشاركة في مباحثات جنيف، من أجل البحث عن حلٍّ سياسيٍّ للأزمة السوريّة ، نرى أنّ ظروفه لم تنضج بعد. لكنّها لم تصل إلى طلب التدخّل العسكري الخارجي في سوريّا . بيد أنّ إصرارها الدّائم، منذ بداية الأزمة وحتّى الآن، على التمسّك بشعار " إسقاط النّظام بكافة رموزه و مرتكزاته "، دون أنْ تتوفّر لديها القدرة على تنفيذه، حتّى لو توحّدتْ جهود المعارضات كلّها، إنّما يعني أنّها تتوسّل الخارج ضمنيّاً، لتحقيق هذا الهدف، دون أنْ تتجرّأ على طلب ذلك صراحةً، بسبب وجود قيادتها في الدّاخل، ولأنّ طلباً كهذا، يضع أصحابه تحت سقف المساءلة القانونيّة .
13- فتحتْ " هيئة التنسيق " منذ بداية الأحداث، قنوات اتّصال مع سفراء الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا وفرنسا في سوريا،قبل مغادرتهم دمشق، في ذروة تدخّلهم النّشط في شؤون سوريا الداخليّة، وفي مقدّمهم روبرت فورد، الّذي أصبح لاحقاً، مسؤول الملف السوري في الخارجية الأمريكيّة،لإيصال رسالةٍ مفادها "يمكنكم أنْ تثقوا بنا "، كما اعتبرت ما يسمّى " الجيش السوري الحر" ظاهرةً موضوعيّةً، يجب دعمها، تحت حججٍ وذرائع مختلفة، مثل الدفاع عن النّفس وحماية المدنيّين .هنا ينبغي التأكيد على أنّه، بقدر ما يبدو الفكر المعارض داخليّاً، أي مركّزاً على الدّاخل فقط ،بقدر ما يهتمّ بالتّصالح مع الخارج،دون أنْ يهتمّ بما يحدثه هذا التناقض من ضعفٍ وتهافتٍ لمنطقه. هنا ينبغي التأكيد على أنّ وقوف هذا الطّرف المعارض أو ذاك، في الخندق المقابل للسلطة، لا يمنحه صفة الديمقراطيّة، ولا ينفي عنه سمة الاستبداد .
14 – رفعتْ " هيئة التنسيق " في مؤتمر الدريج، أي بعد أشهرٍ من بداية الأحداث، شعارات : " لا للتدخّل الخارجي ، لا للعنف ، لا للطّائفيّة "، دون أنْ تعمل على ترجمة هذه الشعارات، على صعيد الممارسة والمواقف العمليّة. بل كانت سياساتها ومواقفها، على العكس من ذلك، تتناقض عمليّاً مع هذه الشعارات . فلم تر في العنف، إلاّ عنف النّظام فقط ، وبقيتْ أكثر من عامٍ ونصف بعد بداية الأحداث، تنكر أيّ وجودٍ للمسلّحين في سوريا، بهدف التستّر على نشاطاتهم التخريبيّة الهدّامة، وكأنّ ارتكابات الإرهابيّين وجرائمهم، لا يسري عليها شعار " لا للعنف " .
15 - لم تكن " هيئة التنسيق " ملتزمةً أيضاً، بشعار " لا للتدخّل الخارجي " الّذي رفعتْه، لأنّها التزمتْ الصّمت تماماً، طوال سنوات الأزمة، إزاء التدخّل الخارجي المباشر وغير المباشر، في
6
الشؤون السوريّة الداخليّة، لكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوروبيّة، والسعوديّة وقطر وتركيا والأردن وقوى 14 آذار في لبنان . وفي الوقت الّذي ترفع فيه " هيئة التنسيق" شعار " لا للتدخّل الخارجي "، فإنّنا نراها تعترض على استخدام روسيا والصّين حقّ الفيتو، لمنع أمريكا وبريطانيا وفرنسا من التدخّل عسكريّاً في سوريا، على غرار ما حدث في ليبيا .
16 – تصرّ " هيئة التنسيق " على توصيف الحرب الدوليّة بالوكالة على سوريا، التي تشنّها الجماعات الإرهابيّة الوهّابيّة التكفيريّة، الّتي جيء بها من مختلف أصقاع الأرض، بدعمٍ وإسنادٍ بالمال والسلاح والإعلام والتدريب والاستخبارات والإتصالات وشبكات تجنيد المقاتلين والدّعم اللّوجستي وغرف العمليّات المشتركة، من جانب أمريكا وبريطانيا وفرنسا و " إسرائيل" وتركيا أردوغان والسعودية وقطر والأردن وقوى 14 آذار في لبنان،بأنّها " ثورة"، وهو المصطلح الّذي نحتتْه دوائر الاستخبارات الغربيّة لتوصيف ما يحدث في سوريا، على الرّغم من أنّ المناطق الواقعة خارج سيطرة الجيش العربي السوري، هي في قبضة " داعش" و " النّصرة " و أخواتهما من تنظيمات القاعدة، الّتي لا تعترف أصلاً، بمرجعيّة أيّة معارضةٍ سياسيّة، وإنْ تبنّى بعض أطرافها، بمراهقةٍ سياسيّة وإعلاميّةٍ ساذجة، النجاحات الميدانيّة في إدلب وجسر الشّغور وبصرى ومعبر نصيب الحدودي وريف حلب الجنوبي، فيكون هذا الطرف المعارض أو ذاك، قد وظّف نفسه غطاءً سياسيّاً للإرهاب . إنّ ما يحدث في سوريا من تدميرٍ لآبار النّفط والغاز والمحطّات الكهربائيّة وتفكيك المصانع وسرقتها وتدمير البنى التحتيّة وتدمير المنشآت العامّة والأحياء السكنيّة وتفجير السيّارات المفخّخة ، لا يمكن أنْ يندرج ضمن إطار نشاطات " الثورة " وأفعالها .
دعوة صادقة
بعد كلّ ما تقدّم، نتوجّه نحن في الحزب الديمقراطي الاجتماعي – قيد التأسيس،الّذي أدرك منذ بداية الأحداث، أن حلّ الأزمة في سوريا، هو سياسيّ بامتياز، وأنّه لا حلّ عسكريّاً لها، نتوجّه إلى " هيئة التنسيق " وإلى المعارضين السوريّين، في أيّ موقعٍ كانوا ، الّذين يهمّهم إنقاذ شعبهم من الويلات والمآسي والنّكبات، الّتي حلّتْ به وأدركوا حجم المخاطر الّتي تتهدّد ببلدهم، نتوجّه إليهم بروح المسؤوليّة الصادقة ونقول لهم،إنّ الاختلاف في الرأي،لا يفسد للودّ قضيّة، وندعوهم إلى مراجعة مواقفهم وأداء دورٍ إيجابيّ في تنسيق جهود المعارضة الوطنيّة،الّتي تعمل،من جهة ،على وقف العنف والتدخّل الخارجي، بكافة صوره وأشكاله، وعلى وقف نزيف الدّم السوري وتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري السلمي الشامل، بالوسائل السياسيّة، والعمل بجدّيّة على تشكيل وفدٍ معارض واحد وازن،يكون متوازناً وبعيداً عن التطرّف . من أجل تحقيق ذلك، ينبغي أنْ يضمّ الوفد الواحد شخصيّاتٍ وأطرافاً من وفد الرّياض، تؤمن قولاً وفعلاً بالحلّ السياسي، دون أية شروطٍ مسبقة، وأطرافاً وشخصيّاتٍ أخرى من منصّـتي موسكو والقاهرة، كي يكون قادراً ومؤهّلا للدّخول في حوارٍ جدّيٍّ مع وفد الحكومة السورية في جنيف أو غيرها من المدن الأخرى، لإعادة صياغة أسس اجتماعنا السياسي المقبل في دستورٍ وطنيٍّ ديمقراطيٍّ علمانيّ لسوريا الجديدة،يقطع مع الاستبداد ويطلق الحرّيّات ويفصل بين السلطات ويحقّق
7
استقلال الأحزاب والنّقابات والاتحادات والقضاء والثقافة والجامعات عن " أجهزة السلطة " وترسيخ " سلطة الدولة "، بوصفها مؤسّسة المؤسّسات، الّتي تتقاطع فيها، بهذه الدّرجة أو تلك، مصالح الأفراد و الفئات والطبقات ومصالح الكتلة الشعبيّة التاريخيّة، الّتي تمثّل أغلبيّة الشعب، ويرسي أسس دولة المواطنة، دولة المواطنين الأحرار،المتساوين في الحقوق والواجبات ، بصرف النّظر عن الدّين والجنس والعرق والطائفة والمذهب والعشيرة، التي تتمتّع في ظلّها الجماعات والأقليّات القوميّة بحقوقها الثقافيّة واللغوية وينتفي في ظلّها مختلف أشكال التمييز. من جهةٍ أخرى، ينبغي حشد كلّ الطاقات، لمحاربة الإرهاب،أي لمحاربة "داعش " و النّصرة" وأخواتهما من تنظبمات القاعدة, ومواجهة المشروع الأمريكي- الصهيوني، الّذي يعمل على تعميم " ثقافة وديمقراطيّة المكوّنات " من أجل تفتيت بلداننا والسيطرة على ثرواتها . نأمل أنْ تتوحّد الجهود المخلصة ، لتحقيق هذه الدعوة الصادقة، التي تنشد بناء سوريا لكلّ مواطنيها، سوريا دولة الحق والقانون والحريات وتطبيق القانون على الحاكم والمحكوم . كلّنا أمل بأنّ الأوان لم يفتْ بعد، لتحقيق ذلك .
. . . .
إعلان دمشق
بما أنّ "إعلان دمشق" يمثّل الخطوة التمهيديّة والمنصّة السياسيّة التحضيريّة الرئيسة لما يجري الآن في سوريا من أحداث، والنّاظم والجامع والمنسّق بين أنشطة "الائتلاف " و "هيئة التنسيق" ، فقد ارتأينا أنْ نعيد نشر وثيقتنا الصادرة بتاريخ 23 تشرين الأول من عام 2005 ، لمن فاته الاطّلاع .

قراءة نقديّة في " إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي"


1- المرحلة دقيقة وحرجة، والظّروف المحيطة ببلدنا، هي على درجةٍ عاليةٍ من الخطورة، نحن أحوج ما نكون فيها إلى أكبر قدرٍ من العقلانيّة والابتعاد عن ردود الأفعال في تحديد خياراتنا المستقبليّة وصياغة أفكارنا ورؤانا السياسيّة الوطنيّة، والحرص الأكيد على استيعاب وجهات النّظر كافّة، كي تتفاعل إيجابيّاً، لتلافي، ما أمكن، جوانب النّقص والقصور فيها . كنّا نتمنّى، لو أنّ الأطراف الموقّعة على "إعلان دمشق" أبدتْ حرصها الأكيد على استيعاب الرّؤى والأفكار المختلفة لجميع الفعاليّات والجهات الثقافيّة والسياسيّة في سوريّا، قبل صدور الإعلان، كي نتجنّب، على الأقلّ، الثّغرات والنّواقص فيه، لكنّ هذا لم يحدث للأسف، رغم تكرار حديثها عن ضرورة عدم إقصاء أحد .
2- ما دام الإعلان قد صدر دون أدنى معرفةٍ منّا بحيثيّات التحضير والإعداد له، رغم
8
العلاقة الّتي تربطنا بعديد الأطراف الموقّعة عليه، الّتي كنّا ننتظر منها على الأقلّ، وضعنا في صورة الأفكار والآراء الّتي يتمّ التّداول بشأنها، فقد أصبح من حقّنا الكامل والمشروع،أنْ نبدي وجهات نظرنا فيه بعقلانيّةٍ كاملة، لنبيّن ما له وما عليه، انطلاقاً من قناعتنا الأكيدة بأنّ هذا الوطن،هو ملك لجميع أبنائه، دون تمييز، وسنظلّ نحن في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريّا، متمسّكين بالحرص على متابعة الحوار مع كافّة الشخصيّات الثقافيّة والقوى الوطنيّة الديمقراطيّة، أحزاباً وفعاليّات ثقافيّة ومدنيّة وشخصيّات وطنيّة، لتبادل الرّأي معها حول حاضرنا و مستقبلنا، خاصّةً مع الجهات والأطراف، الّتي ربطتْنا بها خلال السنوات الخمس الماضية علاقات طيّبة .
3- تنطلق ملاحظاتنا الانتقاديّة للإعلان من إيماننا العميق بأنّ الصراحة والشّفافيّة يجب أنْ تسود بين كافة أطراف العمل والنّشاط الثقافي والسياسي في سوريّا،لكنّنا حرصْنا على أنْ نبدأ من إبراز النّقاط الإيجابيّة الواردة في الإعلان، قبل توجيه النّقد لجوانب النّقص والقصور فيه. والآن،وبعد أنْ خفت قليلاً، ضجيج الحملة الإعلاميّة المكثّفة، الّتي بدأتْ مع الإعلان واستمرّتْ بضعة أيّامٍ لتغطيته، فإنّه يحقّ لنا إبداء رأينا بالإعلان المذكور .
4- نسارع إلى الإعلان عن انحيازنا الكامل لتبنّي جميع النّقاط الواردة في الإعلان، الّتي تكرّرتْ في وثائقنا وبياناتنا الصّادرة خلال الأعوام الخمس المنصرمة، والّتي تقاطعتْ حولها مواقف جميع القوى السياسيّة والفعاليّات الثقافيّة الوطنيّة الديمقراطيّة في سوريّا. فنحن نتبنّى ما ورد في الإعلان من رفض احتكار السلطة، الّذي أسّس نظاماً شموليّاً، أدّى إلى إخراج السياسة من المجتمع، كما نؤكّد على ضرورة الخروج من صيغة الدولة الأمنيّة إلى صيغة الدّولة السياسيّة، الّتي تمكّن شعبنا من الإمساك بمقاليد أموره وإقامة النّظام الوطني الديمقراطي، بصورةٍ سلميّة. نتبنّى نبذ العنف في ممارسة العمل السياسي والقطع مع جميع المشاريع الاقصائيّة والوصائيّة والاستئصاليّة، واعتماد الديمقراطيّة كنظامٍ حديث يقوم على مبادئ الحريّة وسيادة الشعب ودولة المؤسّسات وتداول السلطة، من خلال انتخابات حرّةٍ نزيهة ودوريّة. كما نعمل على بناء دولةٍ حديثة، بقوم نظامها السياسي على عقدٍ اجتماعي، ينتج عنه دستور ديمقراطي عصري، يجعل المواطنة معياراً للإنتماء ويعتمد التعدّديّة وتداول السلطة سلميّاً وسيادة القانون .
5- نتبنّى العمل على ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القوميّة في التعبير عن نفسها والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافيّة واللغويّة واحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها في إطار الدستور وتحت سقف القانون. كما نتبنّى العمل على ضمان المساواة التامّة لمواطنينا السوريّين الأكراد مع بقية المواطنين، من حيث حقوق الجنسيّة والثقافة وتعلّم اللغة القوميّة والتمتّع بكافة حقوق المواطنة، وإعادة الجنسية لجميع من حرموا منها .
6- نؤيّد الالتزام بتحرير الأراضي المحتلّة واستعادة الجولان وتمكين سوريا من أداء دور عربي وإقليمي إيجابي فعّال وإطلاق الحريات العامّة وإصدار قانون عصري

7-
للأحزاب وتنظيم الإعلام والانتخابات وفق قوانين عصريّة . كما نؤكّد على انتماء سوريّا العربي، وحقّ أشقّائنا في العراق وفلسطين في مقاومة الاحتلال ومعارضة جميع أشكال الإرهاب والعنف ضد المدنيين . وندعم تمهيد الطريق لعقد مؤتمر وطني، لإقامة النظام الوطني الديمقراطي وإنهاء مرحلة الاستبداد .
8- بيد أنّ هذه المطالب والأسس قد تمّ إلغاؤها عمليّاً وتفريغها من مضامينها بفقرةٍ واحدةٍ في الإعلان تقول : " ضمان حقّ العمل السياسي لجميع مكوّنات الشعب السوري، على اختلاف الانتماءات الدينيّة والقوميّة "، أي العودة بنا إلى ترسيخ البنى المغلقة، ما قبل الوطنيّة، من دينيّةٍ وطائفية وإثنيّة وعشائريّة، وتحقيق" ثقافة المكوّنات " و " ديمقراطية " التراصف الطائفي والإثني والعشائري، التي تحمل في ثناياها بذور التفتيت والتشظّي والحروب الأهليّة . إنّه يأخذنا إلى حالةٍ من الانتماءات ما قبل الوطنيّة، تفقد فيها المصطلحات الحديثة دلالاتها . ونرى أنّ المجتمعات، خاصّةً، المتعدّدة دينيّاً ومذهبيّاً وعرقيّاً، كما هي عليه الحال في سوريا، لن تجد لحمتها وسلامها الاجتماعي، وربّما وجودها، إلاّ بتجاوز أشكال الترابط والتضامن المغلقة القديمة، ما قبل الوطنيّة، والوصول إلى صيغ وأشكال التضامن الحديثة على أساس مبدأ المواطنة .
9- هناك فقرة طويلة، أقحمتْ في النّصّ، تبدأ بعبارة " الإسلام هو دين الأكثريّة . . . " تحيلنا إلى مفهومي " الأكثريّة والأقليّة " بالمعنى الطائفي أو العرقي، بوصفهما مفهوميْن من مفهومات ما قبل الديمقراطيّة العلمانيّة الحديثة، أي كمفهوميْن مغلقيْن . تأسيساً على ذلك، فإنّ مفهوم المواطنة، الّذي ورد في نصّ الإعلان، يفقد معناه الدلالي الحديث، مادام يرتكز إلى ضمان حق العمل السياسي لجميع الانتماءات الدينيّة والقوميّة ( اقرأْ العرقيّة) أمّا كلمة والإجتماعيّة التي وردتْ بعد (والقومية)، فإنّها تصبح نافلة .
10- إنّ ما ننشده،هو بناء ديمقراطيّة علمانيّة حديثة،يكون فيها مفهوم "الأكثرية والأقلية" مفهوماً سياسيّاً ديمقراطيّاً علمانيّاً متحوّلاً ومتغيّراً،أي مرناً ومفتوحاً ومتجدّداً، بحيث يمكن أنْ تتحوّل الأقلّيّة السياسيّة إلى أكثريّة سياسيّة، والأكثريّة السياسيّة إلى أقلّيّة سياسيّة. هنا لابدّ من استبدال مضموني الأقلية والأكثرية الطائفية أو العرقيّة، بمبدأ المواطنة، بمعناه الحديث، وحق كل مواطن دستورياً وسياسياً وعمليّاً، أخذ حقوقه و واجباته كاملة، بالتساوي مع المواطنين الآخرين، بصرف النّظر عن الدين والجنس والعرق والطائفة والمذهب والعشيرة .
11- اللاّفت في الإعلان أنّه يتجنّب ذكر الولايات المتحدة الأمريكية ولو بكلمةٍ واحدة، وكأنه لا علاقة لها مطلقاً، بتردّي أوضاعنا وأزماتنا، فقد تمّ تحييدها تماماً في الإعلان، من خلال السكوت عنها . نعتقد أنّ هذا المنطق يحرف مسار العمل الوطني عن وجهته الصحيحة، الذي ينبغي أنْ لا يكتفي بالتصدّي لفضح أنظمة الاستبداد في الداخل فقط ، بل عليه أنْ يتعدّاها ليطاول الاستعمار أيضاً. فلا يمكن أنْ تكتمل اللوحة، بتعرية أنظمة الاستبداد في الداخل فقط،والسكوت عن الاستعمار. ربّما كان البعض يعتقد، أنّه بسكوته عن التعريض بالولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أنْ يخطب ودّها ويكسب تأييدها في المرحلة المقبلة . لكنّنا نعتقد أنّ هذه براغماتيّة بلا ضفاف، من شأنها أنْ تضرّ بمصالحنا وبقضايانا الوطنيّة. فالولايات المتحدة، هي التي جاءتْنا غازيةً معتدية، فاحتلّت العراق وجعلتْ منه رأس جسرٍ لإعادة صياغة الأوضاع في منطقتنا، بما ينسجم مع الأولويّات والمصالح الاستراتيجيّة الأمريكيّة والصهيونيّة .
12- يغضّ الإعلان النّظر تماماً عن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمواطنين السوريّين، الّذين يعانون الفاقة والفقر، نتيجة السياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المجحفة بحقّهم، التي يسلكها النظام، والتي هبطت بشرائح واسعة من السكّان إلى ما دون خط الفقر . ويدخل الاهتمام بحلّ مشكلاتهم المعاشيّة وتأمين مستلزماتهم الحياتيّة، في صلب مهام البرنامج الوطني الديمقراطي .
13- يغفل الإعلان كلّيّاً، قضيّة المرأة، التي تمثّل جانباً بالغ الأهمّيّة في أيّ مشروعٍ وطني ديمقراطي،الأمر الّذي يشكّل ثغرةً حقيقيّةً فيه.فالمشروع الوطني الديمقراطي يتطلّب إيلاء اهتمامٍ أكبر بقضايا المرأة، بما يضمن ويعزّز دورها في المجتمع ويلغي جميع أشكال التمييز ضدّها .
14- يتجاهل الإعلان أهمية الحيّزات الثقافيّة بالنسبة للديمقراطيّة، التي تفتقر بغيابها لأبسط المقوّمات . هناك إشكاليّة مفادها أنّ البعض يريد الديمقراطية في السياسة، ولا يريدها في الفكر. فالمشروع الوطني الديمقراطي لا يكتفي بالديمقراطيّة السياسيّة فقط، بل يتعدّاها لتحقيق الديمقراطية الفكرية والاجتماعية أيضاً، وهذا ما تمّ التغاضي عنه في الإعلان .
سنظلّ أوفياء لبناء أسس الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية الحديثة، دولة الحق والقانون، دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، بصرف النّظر عن الدين والجنس والعرق والطائفة والمذهب والعشيرة، الدولة التي تحقّق الاندماج الوطني .
خاتمة
1– في أوقات الأزمات الحادّة والعاصفة،كالّتي نعيش راهناً، تبحث الأطراف،كلّ
الأطراف،كلّ من منظوره الخاص، عن طريقٍ للخلاص، البعض تجبره الظروف القاسية الصّعبة على الانسحاب حقيقةً أو مجازاً، من معترك النّشاط والفعل والعمل، ولهؤلاء نقول إنّ بلدكم بحاجةٍ إليكم ولجهودكم،ونناشدكم أن تعودوا لنعمل سويّاً، لما في خير بلدنا حاضراً ومستقبلاً .
2 – هناك من يهرول إلى عبوديّة الاعتماد على قوىً خارجيّة أجنبيّة، كان آباؤنا وأجدادنا قد ناضلوا طويلاً للتحرّر من أسرها واستعبادها، ليستنسخ تجارب ساحاتٍ أخرى، كالسّاحتيْن اللّيبيّة واليمنيّة، لتطبيقها على الساحة السوريّة. وهناك من ينكفئ على البنى والروابط، ما قبل الوطنيّة، من طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ وعرقيّة، بتشجيعٍ من الدول الاستعماريّة ودول الخليج و " إسرائيل " .
3 – وهناك مع ذلك، من لم يغب وعيهم في مواجهة الأزمة، ونحن في الحزب الديمقراطي الاجتماعي- قيد التأسيس منهم، فانبروا يتلمّسون الحقيقة بالعمل والوعي والأمل، من أجل فهمٍ أكثر دقّةً للخروج منها. فوجدوا أنّ الخروج من الأزمة يتطلّب منّا أنْ نعمل بالتوازي في آن :من جهة،على إعادة صياغة أسس اجتماعنا السياسي على أسسٍ ديمقراطيّةٍ جديدة،تفضي إلى بناء دولة المواطنة، دولة الحقّ والقانون ، الدولة الديمقراطيّة العلمانيّة، دولة المواطنين الأحرار، المتساوين في الحقوق والواجبات،بصرف النّظر عن الدّين والجنس والعرق والطائفة والمذهب والعشيرة، التي تتمتّع فيها الجماعات والأقليات القومية بحقوقها الثقافيّة واللّغويّة وينتفي في ظلّها مختلف أشكال التمييز، بالوسائل السياسيّة السلميّة، على أساس رفض العنف والتدخّل الخارجي، بصوره وأشكاله كافة ووقف نزيف الدم السوري وتحقيق العدالة الاجتماعيّة والتوزيع العادل للثروة وتبنّي نهج المقاومة خياراً استراتيجيّاً للتحرير الأراضي السورية المحتلّة. ومن جهةٍ أخرى، محاربة الإرهاب والتصدّي بحزم، لمشاريع الهيمنة والسيطرة، الّتي يعمل المشروع الأمريكي – الصهيوني ليل نهار على تنفيذها .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير