الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمقوم

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2016 / 8 / 30
الادب والفن


رن الهاتف فردت زوجة الشيخ بعد تلكؤ:
- الشيخ غير موجود .. من أقول له.. لما يعود.. لأخبره...؟
- قولي له الداعية الأخت أم قتادة..
- الأخت أم قتادة... أم قتادة.. يا مرحى.. انتظري.. سأمرر له السماعة ...

كان الشيخ مضطجعا على بطنه، رافعا رجليه يلعب بهما، وبين يديه سبحة صغيرة. هو من أوصى بغيابه لكل من يسأل، مستثنيا بعض أعضاء قيادة التنظيم. والأخت أم قتادة منهم.

ما أن سمع باسم أم قتادة حتى نهض الشيخ ووقف مهرولا..
سأل الزوجة متلهفا:
- أين هي..؟ أين هي..؟
صائحا متجها نحو البهو المؤدي إلي الباب:
- تفضلي.. تفضلي.. يا أختنا الكريمة الفاضلة.. زارتنا الخيرات والبركات...

نبهت الزوجة رجلها الفقيه بإشارة بعينيها ويدها، أن يزرر سرواله المفتوح ويصلح من هندامه، ثم سلمته سماعة الهاتف:
- هي لم تأت.. هي على الهاتف تطلبك..

أدار الشيخ الفقيه عينيه ما بين المرأة وأشياء الغرفة، ثم أمسك بالهاتف وابتعد.
لاحظت الزوجة تعمده الاختلاء وكلامه بصوت مهموس وناعم لم تتعوده منه.
لم تطل المكالمة، واضح أن المتحدثة كانت مختصرة أكثر من المتوقع. عاد إلى مكانه وجلس مستويا. يحرك بتوتر أصابع يديه، ساهما في التفكير.
تجرأت الزوجة، بعد تردد، وسألت بعلها عن سبب اختلائه، وعن ما يشغله، وفي أي موضوع تكلمت معه الأخت أم قتادة يا ترى؟
ثار الشيخ في وجه أم الأولاد غاضبا:
- اسمه الهاتف الخليوي يا جاهلة الجهلاء.. اغربي عن وجهي يا "عيفة النساء".. قبّحك الله وتبّا لك.. متى كنت تتدخلين في الشؤون البعيدة عنك يا شمطاء..
اختفت المرأة مهزومة وغابت مفزوعة. بكت سوء حظها من غير دمع، سنه يضاعف عمرها، هو يصغر وهي تهرم، بعد أن أنبت منها سبع أطفال..تحولت إلى جدته...

استرجع الشيخ أنفاسه واتجه صوب المطبخ. وجدها منكمشة على نفسها في الركن. أفرغ كأس ماء في جوفه وسأل:
- أين وضعت كتابا كنت جلبته قبل أيام..
تجاهلت وجوده وسؤاله.
اقترب منها ووقف:
- أتتذكرين الكتاب المجلد، المجلد الأخضر اللون، المذهب العنوان... الكتاب الذي أوراقه أكثر اصفرارا..

ظلت المرأة منكمشة على نفسها، غير قادرة على رفع عينيها. لما كرر سؤاله من جديد، أشارت برأسها نافية أن تكون رأت ما يسأل عنه.

رجع إلى غرفته وهو يتكلم بصوت مسموع، متعمدا أن يبدو كمن يحدث نفسه...
- يا ربي لا تحرجني مع أختنا الجليلة الورعة أم قتادة.. يا رب.. تريد أختنا في الله التقية أم قتادة استرجاع نسختها من كتاب "الموطأ" للإمام مالك...

رفعت الزوجة رأسها، مسحت وجهها، قامت وغادرت غرفة المطبخ، لقد بددت كلمات الشيخ شكوكها التي كبرت في المدة الأخيرة، خصوصا منذ تم تعيينه على رأس فرع النساء في التنظيم.

ارتدى جلبابه الأحمر القاني واعتمر طربوشا من نفس اللون، رش على وجهه ولحيته بعض العطر، ثم خرج لملاقاة الأخت الفاضلة الجليلة الورعة أم قتادة في زقاق قريب من الجامع الأعظم.
وجدها تنتظره بتلهف .
ما أن رأته حتى اتجهت صوبه:
- لم يبق لدي صبر، وأردت إخبارك بضرورة أن نجد حلا وبديلا لمكان لقاءاتنا بعد الفجر...
حك الشيخ شيئه وتبسم:
- أنا كنت أحس أنك تريدين مني أن أسافر بك إلى "مارتيل" في الشمال أو المنطقة الجبلية "عين خرزوزة"... لكن انتظري حتى أصرف العجوز وأرسلها للعطلة مع أولادها عند ذويها في البادية...

أمسكت الأخت أم قتادة بيد الشيخ المرتعشة ضاحكة، فسحبها منها بسرعة منبها أنهما أمام الجامع.
التفتت فبدا لها الشارع خاليا. حركت كتفيها، وواصلت:
- آش من "مارتيل" أو "خرزوزة" يا الفقيه.. ألم تسمع بما وقع لأخينا مولاي عمر وأختنا للا فاطمة؟
- بلغني أنهما وقعا في فخ المخزن وضبطتهما دورية للدرك، في نفس الموقع الذي نتردد عليه نحن..
استغربت بروده ولا مبالاته..
- ألا تشعر أو تحس بالذنب.. لأنك من أرشدته إلى ذلك المكان الشاطئي؟؟
رد الشيخ ساخرا:
- حقا، نعم.. أنا من اكتشف المكان الجميل.. لكني لم أرسله كي يكشف مؤخرته مع صاحبته داخل سيارة...
- لكنك لم تخبرني عنا.. ما نحن فاعلان..
- أرض الله واسعة.. هنالك شواطئ ساحرة لا يصلها إنس ولا جان...أكثر جمالا ورومانسية..
- ...
- لقد تيمنت خيرا من اسم المنصورية، ومن تسمية القمقوم...
- نعم.. أخبرتني في السابق.. الاسم يحيل على النصر والانتصار.. لكن "القمقوم".. لم تشرحه لي..
- "القمقوم" يذكرني يقيام الليل، وأصل الكلمة هو: قم يا إمام القوم، وقد تم نحت الكلمة وتكثيفها لتصبح "قم قوم" التي إدغمت في كلمة واحدة "قمقوم"...
ضحكت الجليلة الورعة التقية حتى بانت نواجذها...
ضحك الشيخ معها من دون فهم واضح لسبب ضحكتها..
أسعفت الداعية حيرته:
- ظننت أن للكلمة صلة بعضوك المقمقم، النافر كالمنقار...
ضحكا معا هذه المرة، وأيد هو تفسيرها الذي ينتصر لذكوريته ولفحولته.
اقترحت عليها جولة بالسيارة في شاطئ عين الدياب. ركبت جنبه، شغل موسيقى أمداح نبوية.
قال لها:
- نحن لا نسلك ولا نتبع إلا ما جاء في الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح..
ردت عليه متحمسة:
- أنا جدي لأمي كان متزوجا من أكثر من أربع نساء..
- الشرع ينص على نكاح أربع..
ضحك، وزاد قائلا:
- مثلي أنا..
- عهدي بك لك زوجة واحدة..
- بل أربع...
- وأين الأخريات.. الثلاث..؟
- تحسسي جسدك يا عالمة.. أنت تحتشد فيك ثلاث نساء.. وإذا أرت الانفصال عنك سأطلقك بالثلاث..
ثم انخرط في ضحك مسترسل..
ضربت كتفه وهددته:
- والله لو فكرت في الانفصال عني لفضحتك ولقتلتك يا فاجر..
- أفجر منك ما رأت عيناي...
تضاحكا حتى أدمعت عيونهما. أوقف السيارة في زقاق مظلم، أمال مقعد السيارة الذي تجلس عليه الجليلة وارتمى عليها، نسيت هي نفسها وأطبقت على جسده المترهل.
كان سريع القذف فنال حاجته منها قبل أن يرتد إليها طرفه، أمسكت به بكل جموحها فصرخ متألما. وصرخت هي الأخرى متأوهة. لم يعرفا كيف وجدا نفسيهما مطوقين بمجموعة من حراس الحي المسلحين بالعصي الغليضة.
تمالك الشيخ نفسه وخرج من السيارة ليواجه هؤلاء الفضوليين المسلحين.
سوى طربوشه فوق رأسه وسأل:
- ماذا في الأمر..
ظل المسلحون صامتين مما زاد في إرباك الشيخ..
تمتم من جديد:
- ألا يمكن للمرء الاختلاء بحليلته في سيارة في مكان آمن.. بلدنا والحمد لله آمن.. والله معنا ونجانا من الحروب ودمارها..
ثم تشجع وأمر الواقفين بترديد دعاء من خلفه والختم ب"آمين...".
أخذ الصامتون يضحكون ويشيرون إلى رأس الشيخ..
كانت لحيته ملطخة بالسائل الذي قذف.
أما أم قتادة فقد أصابتها نوبة ضحك هيستيرية، جعلت أولادها الستة يعمدون إلى إيقاظها من نومها...
كان كابوسا رهيبا حمدت الله على كونه مجرد أضغاث أحلام..
أصر أولادها على معرفة حكاية حلمها الضاحك، ترددت قبل أن تخبرهم وهي تمتم، أنها رأت نفسها في الفردوس الأعلى محاطة بالحوريات يضحكنها، جزاء هدايتها للبنات وتوجيههن للعمل الصالح.

ذهب الأولاد، وبقيت الداعية تفكر في سر الورقة التي وجدتها تحت وسادتها، تتساءل عن مصدرها ومن أتى بها.
كانت الورقة مكتوبة بخط يد عرفت بسهولة من صاحبه. ورقة عبارة عن معجم سري . قرأت مرتعشة:

- كتاب "الموطأ": الرغبة في وطئك.
- أنس بن مالك: أنيستي ومالكة قلبي.
- الصحيحان: أنت وأنا.
- سورة النصر: شاطئ المنصورية.
- قم الليل: اللقاء بموقع "القمقوم" ليلا.
- سورة الأعراف: زواج عرفي.
- الوسواس الخناس: شيئك وشيئي.
- ولما قضى زيد منها وطرا...: عندما أنال رغبتي منك.
.....
احتواها الذهول وغمرتها الرهبة، سارعت، دون إكمال القراءة، إلى تمزيق الورقة التي بين يديها، غطستها في المرحاض وجرّت حبل الطرّادة..
طفت مزقة صغيرة فوق الماء، مزقة مبللة عليها لفظة باهتة لكنها مقروءة : "القمقوم".
جرّت الطرادة من جديدة، كانت فارغة من المياه. بقيت المرأة الداعية داخل المرحاض.. محتجزة تنتظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .