الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموصل و غرابة الحدث

رفقة رعد

2016 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كنت أقف قرب نافذة تطل على الشارع الرئيسي حينما جاءت سيارة مسرعة بصياح عالي، صياح إسلامي مصحوب بطلق ناري استقر بسرعة خاطفة في صدر رجل يعبر الشارع، فنام قرب الرصيف لساعات طويلة حتى جاء اهله في لقطة اخرى لا اريد ان أصفها ، كان هذا الموقف الاول لي داخل الموصل وأنا الهاربة من طائفية بغداد إلى نينوى لأجد القاعدة و أشباههم يجولون في المدينة و قد بدت علامات الخوف في وجوه اَهلها، كانوا طيبين بسيطين كل همهم ان يتحصلوا قوت يومهم، و ان لا يفرغ بيتهم من انبوبة الغاز، و الصلاة جداً مهمة عندهم. كل مجتمع رأيته يحمل سلبياته و إيجابيته، أفراد يبحثون عن الحياة في ابسط الأمور، واخرين يبحثون عن السلطة .
ليلهم كان مرعب بسكونه يبدأ مبكراً لأنهم ينامون مبكراً، و صباحهم مخيف لان القتل يبدأ مع الصباح، يتهامسون بينهم عن جثث القتلة التي وجدوها في بداية الزقاق أو على الجسر الخامس أو في النزلة بداية شارع 17 تموز، كان العراق بكل تفاصيله فوضى و الحال كما حال بغداد لكن لم اتصور لحظة ان تصل الموصل إلى ما وصلته اليوم من حال غريب، و هنا سيبدأ كلاً يحلل كما يشاء بين خيانة للجيش و بين خيانة اهل الموصل أنفسهم لتستقر داعش بينهم، لكن الموضوع اكبر بكثير من هذه الاسباب، يتعدى سبب واحد نتكئ عليه لتحليل ما يجري ....

اذكر نسائهم بملابسهم المحتشمة و الحجاب، اما الملابس المنوعة فنجدها في جامعة الموصل و الشوارع الراقية ضمن الموصل في حي الزهور مثلاً، حياة بسيطة لتتحول فجأة إلى جدول من العقوبات، فقبل فترة قصيرة مضت تُرجم فتاة لانها تضع عطراً و شاب اخر يجلد لانه يرتدي قميص بنصف كم، هذا التستر السياسي العنيف يحافظ على هيبة داعش و قدرتها الترويضية للجسد البشري، هي تكنولوجيا ارهابية اذا صح التعبير، تكتيك لمحاصرة الجسد و استخدامه و الانتفاع به سياسياً و إعلامياً، كسلعة نروج لها فتنتفع كل الأطراف بها ...
كما يحاصرون اصحاب المحلات بفرض الاتاوات و الضرائب على كل سلعة و قطعة معروضة للبيع، كمحلات البقالة و شركات الإنترنيت، هذا الاستنفاذ لكل شبر في الموصل، هذا الاستغلال المخيف لكل شيء يجلب النفع يطال حتى الجدران و الأرضيات للمباني الحكومية، حيث يتم بيعها قطعة قطعة على حدةِ، من حلان و مرمر و قرميد للدوائر الحكومية و المقامات الدينية، كمقام الخضر و النبي يونس و بوابة نركال ...
وهكذا ارتفعت الأسعار مع بداية عمليات تحرير الموصل و الفلوجة ليصل سعر قنينة الغاز الواحدة إلى خمسة و أربعين الف دينار، و الكيلو الواحد من الدقيق بسعر خمسة و ثلاثين الف دينار، و سعر كيس السكر إلى خمسة و ثمانين الف دينار، و سعر الكيلو من الطماطم ألفين و نصف دينار، على الرغم من توفر كل شيء في الأسواق ما يباع في العلن و ما يباع سراً حتى المشروبات المسكرة .
داعش تروض السكان باستثمار اجسادهم و عقولهم و دينهم و مأكلهم و مشربهم، بامتلاكها حق مباشر على الموت و الحياة، بامتلاكها السلطة المروعة التي عن طريق إماتة الفرد تضمن لنفسها البقاء، أو كما يقول ميشيل فوكو:"سلطة تعريض ساكنة ما إلى موت عام محقق هي الوجه الاخر لسلطة ضمان بقاء اخرين على قيد الحياة،...، لان السلطة تتعين و تُمارس على مستوى الحياة و النوع و الجنس و الظواهر الكثيفة للسكان".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين تعيش الكاتبة حاليا؟
أحمد الحبابي، برلين ( 2016 / 9 / 13 - 18:08 )
قدّمت لنا الكاتبة مرآة واقعية نرى فيها صورتنا كمواطنين حائرين بين الإرهاب والمليشيات. الموصل كانت على الدوام مدينة معروفة بمحافَظَتها، لكنها أبعد ما تكون عن فكر داعش. لا شك أن أهل الموصل أُخذوا رهينَة في ساعة غفلة. مهما كان موقهم إزاء الحكومة، فإنهم غير مسؤولين عن استيلاء داعش على المدينة في النهاية.
يا ترى أين تسكن الكاتبة رفقة رعد الآن. لا أعتقد أنها تقيم في الموصل حاليا، وربما هي خارج العراق. يا حبذا لو أنها ذكرت لنا أين تسكن الآن. ولربّما أتحفتنا بمقالات عن حياتها بعد انقضاء تلك الحقبة. أقول هذا لأني أعرف الكاتبة من خلال مقالاتها، كما أنها أيضا


2 - استاذ احمد الحبابي
رفقة رعد ( 2016 / 10 / 9 - 17:37 )
مرحبا استاذ احمد
نعم اعيش خارج العراق حالياً، و حياتي في الموصل كانت لمدة قصيرة لكنها مكثفة بالاحداث و تركت لي الكثير من الذكريات....

أسعدني مرورك و قرائتك للمقال
تحياتي لك

رفقة

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير