الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توضيح الواضح في فوضى التعريفات

فاطمة ناعوت

2016 / 9 / 1
بوابة التمدن


=====================
أعسرُ الأمور هو توضيحُ الواضح. لكنْ، حين تلتبس المصطلحات، وتحت فوضى التعريفات وسيولتها، نتاج التجهيل العمدي المُمارس على الشعوب، يبدو حتميًّا أن نعيد ترتيب كلماتنا لتنقل أفكارنا على نحو أنصع.
مازال بعض الناس، وبين النخبة للأسف، يخلطون بين المصطلحات فيظنون أن مفردة (قبطية) عكس مفردة (إسلامية)! والحق أن لا علاقة ولا رابطَ مطلقًا بين المفردتين، لا من قريب ولا من بعيد.
الأولى (عِرق) أي هُوية وجنسية، والثانية (عقيدة) أي معتقد ديني. كلمة (قبطيّ) هذه من فصيل: ألمانيّ- آري - فارسيّ- إنجليزيّ- مغربيّ- أمازيغي- باكستاني- قحطاني- موريتاني- هندي، الخ. وبهذا تكون "القبطيةُ" هي "الهُوية" المصرية. ومن كلمة (قَبَط ) اشتقت كلمةُ (Egypt) أي مصر. وهذا يفسّر أن مصر هي الدولة الوحيدة التي اسمها العربيّ يختلف كليًّا في النطق عن الاسم الأجنبي. “مصر – إيجبت"، بعكس الدول الأخرى: "تونس Tunisia- سورية Syria- العراق Iraq- السويد Sweden- انجلترا England- بريطانيا Britain- الصومال Somalia -......” , وحدها مصر هي Egypt.
وبهذا المعنى فإننا جميعا أقباطٌ بحكم الميلاد والهوية والعِرق والجنسية، وبحكم التاريخ. ومَن يُرد أن يعرف كيف اندثر المعنى الحقيقي لكلمة "قبطي" ليستقرَّ في المفهوم الشعبي أنها تعني "مسيحي"، أي كيف تحوّل العِرقُ إلى ديانة(!) عليه بمراجعة تاريخ مصر القديم منذ الفتح العربي لمصر، وما قبله وما بعده، ليفكّ شفرة هذا اللغز المحيّر، لأن شرح هذا الأمر يطول، وتنوء عنه مساحة المقال.
وبهذا التعريف الصحيح للكلمة، أو بإعادة الأشياء إلى معانيها الأولى، نقرّ أن هناك ما يزيد عن التسعين مليون قبطي في العالم، يعيشون في مصر أو خارجها، فيهم مسلمون (سنّة وشيعة) وفيهم مسيحيون (أورثوذوكس وكاثوليك وبروتوستانت) وفيهم يهود وفيهم بهائيون وفيهم لا دينيون، وغير ذلك، جميعهم يكوّنون شعبَ مصر العظيم، الأقباط.
وعلى هذا، فحين أقول: “كلُّ مصريّ هو قبطيّ، وكل قبطيّ هو بالضرورة مصري، وحين أقول إن مصرَ قبطيةُ الهُوية، فإنما أُقرّ حقيقةً تاريخية وجغرافية (لا علاقة للدين بها)، حقيقة بسيطة يعرفها كلُّ طالب علم مُلمٌّ بالتاريخ الصحيح.
لذلك يصيبني الاندهاشُ بقدر ما يصيبني الغمُّ والقنوط، حين (يتنطّع) لجوجٌ، يرفضُ أن يفهم، ويحاول "تجهيل" الناس معه، ممن يدورون في طرقات وحواري الإنترنت يصرخون بجهل وغباء وانعدام عقل:
[الحقوا الحقوا فاطمة ناعوت بتقول إن مصر قبطية، أعوذ الله، عليها من الله ما تستحق!] طيب يا سيدي، عليّ من الله ما أستحقّ.
فيرد عليه متنطعٌ آخر:
[خسئتْ ابنةُ ناعوت، اللهم أرنا فيها عجائبَ قدرتك! مصرُ إسلاميةٌ بإذن الله، وقل موتوا بغيظكم!] هل أموت بغيظي لأنني أقرُّ حقيقة تاريخية معلومة لكل العالمُ إلا نفرٍ من أهلها؟ بالحق سأموتُ بغيظي من التجهيل العمدي للبسطاء.
العلاقة بين العقيدة والهوية تشبه السؤال المازح: "القطار أسرع واللا النخلة أطول؟" تشبه العلاقة بين لون البشرة وسرعة الركض! تشبه العلاقة بين اسمك ودرجة ذكائك! أو بين لون عينيك ودرجة حبك للبامية والفاصوليا!
فكل دولة بوسعها أن تنصَّ في دستورها على عقيدة ما، مثل المادة الثانية في دستورنا (وهذا خطأ فادح)، بينما هويتها ثابتةٌ لأنه حكمٌ جغرافيّ أنثروبولوجي تاريخيّ محكوم بموقعها من العالم وبالسلالات البشرية التي تعيش فوق أرضها.
إيران مثلا فارسيةٌ ومسلمة- ماليزيا ماليزيةٌ ومسلمة- تركيا تركيّةٌ ومسلمة- أفغانستان أفغانيةٌ ومسلمة- فكيف تستنكرون وتتنططون وتلعنون وترغون وتزبدون حين نقرُّ: أن مصرَ قبطيةٌ ومسلمة؟! الهوية: قبطية. الديانة:مسلمة. وفق المادة الثانية بالدستور، التي نرفضها نحن جماعة المثقفين.
أعلم أننا شعبٌ مثقف في مجمله، وما ذكرتُه هنا ليس إلا معلوماتٍ بسيطةً معلومةً للجميع. ولم تعد محطَّ سؤال إلا عند من "يُصرّون" على الجهل، ثم تطويع جهلهم أداةً للسبّ والقذف والتطاول، أو الارتزاق!
أرجو أن يتعلم أولئك السابون الشتامون اللاعنون ما كانوا يجهلون. ثم أن يتكرموا بالكفّ عن السباب الذي يكشف جهلهم. لأن الجاهل وحده هو الذي يقاوم "المعلومة"، حتى وإن جاءته على طبق من فضة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه العرف سيدة فاطمة
muslim aziz ( 2016 / 9 / 1 - 12:45 )
السيدة الكاتبة تحية
لاشك ان تحليلك لمفردة قبطي تحليل صائب فكلمة قبطي تساوي مصري ولكن كيف حلت كلمة مصري مكان كلمة قبطي ومن اين جاءت؟
سيدتي في مصطلحات الشعوب عندنا ما يسمى(العرف) وقدج تعارف الناس اليوم على انكلمة مصري تطلق على شعب مصر وكلمة قبطي تطلق على المسيحي خاصة ولا تطلق على المصري البهائي ولا على المصري المسلم ولا على المصري اليهودي وهكذا.
فأنتي محقة في تحليلك وردود الناس محقة ايضا لأنهم يتبعون العرف وشكرا


2 - هل يتكلم المصريون اللغة القبطية؟
عبد الله اغونان ( 2016 / 9 / 1 - 14:36 )

كلمة قبط كانت تعني المصريون وليس المسيحيين فلم يكن النبي موسى مصريا ولم يكن عيسى مصريا بل كانوا يهودا ولم يستطع موسى دخول مصر وزارها عيسى كلاجئ
ومع دخول الاسلام ووفود الفاتحين العرب الى مصرتعرب سكانها واعتنق جلهم الاسلام وتكلموا بالعربية الى اليوم.مصر اكتسبت اسمها الذي به يعرفه أهلها فليس هناك مصري يسمي بلده اكيبت فهذا مصطلح لكنة أجنبية لاتخلو من تعصب ديني مسيحي
لاعتبار لهذا الاسم فان كان النطق الأجنبي ينطق اسم ماغوك على المغرب فان سكانه يعرفونه باسم المغرب
الهوية هي الدين واللغة والدين السائد في مصر هو الاسلام واللغة هي العربية
ومصر تعرف نفسها الى اليوم بالجمهورية العربية المصرية
نبرة الطائفية تطغى على المقال


3 - الهوية
محمد فيصل يغان ( 2016 / 9 / 1 - 21:04 )
الفاضلة فاطمة ناعوت، باختصار موضوع الهوية شائك و معقد و لكن من باب العجالة أقول ان الهوية متعددة الابعاد و يتم اختزالها احيانا في بعد واحد يحدده الآخر الذي يشكل تهديدا، إن كان الآخر أبيض البشرة اختزلت هويتي بلوني الاسود، و إن كان مسلما اختزلت هويتي بالمسيحية. بالنسبة لمصطلح قبطي كما هو الآن في الاستخدام يعني المسيحي (كون الكنيسة القبطية تمثل 95% من مسيحيي مصر) في مقابل الآخر المسلم و لا يستخدم المصطلح كنقيض للعربي أو الأوروبي مثلا و الدليل أن مصر بعد معاهدة السلام الساداتية و المقاطعة العربية شهدت ردة فعل على شكل حملة عنوانها (فراعنة و ليس عرب) كما أن المصري المسلم و المسيحي في الخارج يعرف على نفسه بأنه مصري. و من البعد الثقافي العام للهوية تبدو مقولة (المصري قبطي) ممجوجة مثل مقولة العراقي آثوري أو السوري آرامي أو سرياني. أعتقد أن مصطلح عربي هو أفضل بعد يلخص هوية أهل المنطقة بتاريخها و تراثها المتنوع.

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح