الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء في سوريا في ظل حكم البعث

حسن نبو

2016 / 9 / 4
دراسات وابحاث قانونية


وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في سوريا من خلال انقلاب عسكري نفذته مجموعة من الضباط المنخرطين تنظيميا في حزب البعث وبعض الضباط الناصريين . وفور نجاح العملية الانقلابية شكل الانقلابيون مجلسا باسم “المجلس الوطني لقيادة الثورة ” حيث أصدر المجلس المذكور أمرا عسكريا برقم /2/ في 8/3/1963 تضمن إعلان حالة الطوارئ في جميع أرجاء الجمهورية العربية السورية ابتداء من 8/3/1963 وحتى إشعار أخر. أي دون تحديد أي سقف مكاني أو زماني لها, واستمرت حالة الطوارئ المذكورة لأكثر من /50/ سنة.
لقد تم إعلان حالة الطوارئ في 8/3/1963 من قبل ما يسمى بالمجلس الوطني لقيادة الثورة آنذاك بصورة غير متوافقة مع أحكام قانون الطوارئ الصادر برقم /51/ عام 1962 الذي أجاز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع الحرب أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة . على أن تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له. وخلال أكثر من /50/ سنة من تطبيق حالة الطوارئ لم يتم عرض الأمر العرفي الذي أعلن بموجبه إعلان حالة الطوارئ على أي مجلس نواب أو مجلس شعب كما يقتضي قانون إعلان الطوارئ رقم /51/ لعام 1962.
وعندما صدر الدستور الدائم عام 1973 نصت المادة العاشرة منه على ما يلي : )يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون ( ممايعني أن حالة الطوارئ المعلنة من قبل المجلس الوطني لقيادة الثورة في 8/3/1963 أصبحت لاغية , لتعارضها مع أحكام المادة /10/ من الدستور الدائم لعام 1973. ولكن ورغم ذلك لم يتم التعرض لحالة الطوارئ المعلنة بعد انقلاب الثامن من آذار سنة 1963 وبقيت سارية المفعول.
لقد فتحت حالة الطوارئ صلاحيات استثنائية واسعة للسلطة التنفيذية حيث تم وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة في أماكن أوقات معينة ، وتوقيف المشتبه منهم أو الخطرين على الأمن والنظام توقيفا احتياطيا وتفتيش الأشخاص والأماكن في أي وقت , ومراقبة الرسائل والمخابرات والصحف والنشرات والمؤلفات والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير قبل نشرها وضبطها ومصادرتها ، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها والاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات ، وسحب إجازات الأسلحة والذخائر وتحديد العقوبات التي تفرض على مخالفة هذه الأوامر ….الخ . وبكلام أخر : تم منح سلطات استثنائية واسعة للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات دون العودة للمرجع القانوني العادي , وكانت السلطة القضائية إحدى ضحايا إعلان حالة الطوارئ حيث فقدت استقلاليتها إلى حد كبير جدا ، وتقلص دور القضاء العادي لحساب القضاء الاستثنائي الذي انتشر على نطاق مخيف حتى أصبح هو الأصل تقريبا. ومن المؤسف أن الغالبية العظمى من المحاكم التي تم إحداثها استثنائيا بعد هيمنة حزب البعث على الدولة والمجتمع إن لم نقل جميعها هي أبعد ما تكون عن مفهوم المحاكم القضائية التي يجب أن تتصف به بالاستقلالية والنزاهة من حيث الإجراءات أو التطبيق القانوني , إذ أن معظم جلسات تلك المحاكم تجري بصورة سرية , إضافة إلى أن حق الدفاع معدوم أمامها أو صوري إن وجد. كما أن هذه المحاكم غير مقيدة بقانون أصول المحاكمات ويغلب على معظم إجراءاتها وأحكامها الطابع السياسي ، وتخضع لسيطرة الحاكم أو السلطة السياسية.
ويمكن حصر تلك المحاكم بما يلي :
1 – – المجلس العرفي العسكري المشكل بالمرسوم التشريعي رقم /110/ تاريخ 18/7/1963 بناء على الأمر العرفي رقم / 2 / تاريخ 8/3/1965 للنظر في جريمة الفتنة المسلحة التي وقعت بتاريخ 18 تموز 1963 والمحرضين عليها وما يتفرع عنها والأفعال الممهدة . وقد جعل المرسوم القاضي بإنشاء المجلس المذكور جميع قرارات المجلس قطعيه (مبرمة) وغير قابلة لأي طريقة من طرق المراجعة القانونية ، لا شكلا ولا موضوعا ولا من حيث الاختصاص أو تنازع الاختصاص
– 2- المحاكم العسكرية الاستثنائية في دمشق وفي المدن الأخرى -عند الحاجة -والتي أحدثت بموجب المرسوم التشريعي رقم /6/ تاريخ 7/1/1965 للنظر ببعض الأفعال التي اعتبرها المرسوم المذكور بمثابة جرائم , كالأفعال التي تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي في الدولة سواء وقعت بالفعل أو بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة من وسائل التعبير . وكذلك النظر في الأفعال التي تخالف جميع المراسيم التشريعية الصادرة أو التي ستصدر ولها علاقة بالتحويل الاشتراكي وكذلك النظر في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي والأفعال التي تعتبر مخالفة لأوامر الحاكم العرفي أو مناهضة لتحقيق الوحدة بين الأقطار العربية …..الخ أما المقصود به فهي الاعتقال المؤقت في بعض الجرائم والأشغال الشاقة في جرائم أخرى , وتصل العقوبة إلى الإعدام في بعض الجرائم. كما في حالة التكرار مثلا . ويتم إحالة مرتكب الجرائم المذكورة إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية إذا أحيلت إليها بمرسوم يصدر عن رئيس مجلس الوزراء أو بأمر من الحاكم العرفي إذا رأى الأخير أن الجريمة على درجة من الخطورة تمس الأمن العام.
– 3 – محكمة أمن الدولة العليا : المشكلة بالمرسوم التشريعي رقم /17/ عام 1968 للنظر في الجرائم المنصوص عنها بالمرسوم التشريعي رقم /6/ عام 1964 الخاصة بمناهضة أهداف الثورة ومقاومة تطبيق النظام الاشتراكي وعرقلة قيام الوحدة بين البلدان العربية , أي النظر في جميع الجرائم التي كانت المحاكم العسكرية الاستثنائية في دمشق تحاكم مرتكبيها بعد إلغاء المحاكم العسكرية الاستثنائية , إضافة إلى جميع القضايا التي يحيلها إليها الحاكم العرفي بغض النظر عن علاقتها بأمن الدولة أو لا. وقد شكلت هيئتها من رئيس وضابط في الجيش وقاضي يندبه وزير العدل, وقاضي يقوم بمهمة النيابة العامة والتحقيق والاتهام والإحالة , وكانت قراراتها تصدر مبرمة غير خاضعة لأي طريقة من طرق المراجعة القانونية, وإنما تخضع للتصديق من الحاكم العرفي وحده .
حاكمت هذه المحكمة على مدى أربعة عقود من الزمن آلاف الأشخاص معظمهم من السياسيين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
كتبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أي منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريرا عام 2008عن محكمة أمن الدولة العليا في سوريا جاء فيها ما يلي : ” إن محكمة أمن الدولة العليا في سوريا هي محكمة استثنائية تعتبر خارج نطاق القضاء الجزائي العادي وتستخدم لمقاضاة من ترى فيهم الحكومة تهديدا لها. فهي إحدى ركائز القمع الأساسية , إذ توفر التغطية لاضطهاد الأجهزة الأمنية للنشطاء, والمحكمة معفاة من قواعد الإجراءات الجنائية السارية على محاكم الجنايات , ويلعب المحامون دورا محدودا أو شكليا , وكثيرا ما يقابلون موكليهم للمرة الأولى يوم المحاكمة, وتحرمهم المحكمة من فرصة الدفاع شفهيا أو دعوة الشهود وأغلب المحاكمات تقتصر على أربع أو خمس جلسات, وكثيرا ما يقل زمن الجلسة عن نصف ساعة . وانتهت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن قوات الأمن تحتجز المدعى عليهم المقرر مثولهم أمام محكمة أمن الدولة العليا لفترات طويلة تمتد لشهور في العادة قبل إخطارهم بالاتهامات المنسوبة إليهم, ويتم انتزاع الاعترافات ضدهم منهم عن طريق التعذيب في أقبية الفروع الأمنية التي تحتجزهم. وأخيرا دعت المنظمة المذكورة إلى إلغاء محكمة أمن الدولة العليا وإنشاء لجنة قضائية مستقلة للنظر في القضايا القائمة لدى هذه المحكمة .(انتهى تقرير هيومن رايتس وتش ) . ولابد من القول أن محكمة أمن الدولة العليا في سوريا قد ألغيت بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد بفترة قصيرة, لكن إلغاؤها لم يفد بشيء فقد ازدادت وحشية الأجهزة الأمنية وقمعها أكثر من ذي قبل.
4 – المحاكم الميدانية : تم إنشاؤها بالمرسوم التشريعي رقم /109/ لعام 1968. تتبع هذه المحاكم وزارة الدفاع وتتشكل أثناء المعارك العسكرية لمحاكمة الجنود الذين يخالفون الأوامر العسكرية أو يفرون أمام العدو أو يوهنون عزيمة المقاتلين أثناء المعارك مع العدو. تتألف هذه المحاكم من قادة التشكيلات العسكرية ولا يتمثل فيها دفاع ولا تتقيد بأصول المحاكمات وتنفذ أحكامها فورا. وقد وسع الحاكم العرفي بموجب حالة الطوارئ اختصاصها وزمانها لتشمل المدنيين أيضا وكل الدعاوى التي تحيلها إليها الحاكم العرفي في أي وقت وجعلها محاكم دائمة. وقد حوكم أمام هذه المحاكم في الثمانيات من القرن الماضي آلاف المعارضين, وكانت عقوبة غالبية المحكومين هي الإعدام, وكانت المحاكمة تتم بجلسات تعقد في سجن تدمر دون شهود ومحامين, ولا تستغرق مدة المحاكمة أكثر من دقيقة ، حيث تنتهي المحاكمة بقرار إعدام المحكوم عليه.
5 – المحاكم العسكرية الدائمة : المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950. هذه المحاكم أنشأت أصلا لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات العسكرية الصادر بنفس المرسوم التشريعي المذكور ، أي محاكمة العسكريين الذين يخلون بمهماتهم ويمتنعون عن تنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية إضافة إلى محاكمة المدنيين المتخلفين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية . لكن الحاكم العرفي وبموجب قانون الطوارئ قد وسع صلاحية هذه المحاكم استثنائيا لتشمل كافة الدعاوى التي يكون العنصر العسكري طرفا فيها, حتى لو كان الجرم منصوصا عليه في قانون العقوبات العادي, كجريمة القتل أو الإيذاء مثلا, كما يشمل اختصاصها دعاوى معينة حتى لو كان أطرافها أناسا مدنيين, كجريمة الحريق مثلا. وتتبع هذه المحاكم وزارة الدفاع.
6 – المحاكم الأمنية : وهي أشد أنواع المحاكم فتكا في سوريا وهي سرية بامتياز وليس لها أي قانون ينظم عملها وتعقد داخل مقرات الفروع الأمنية من قبل عدد من ضباط المخابرات ويتم تنفيذ الحكم داخل الفرع. وهناك مؤشرات قوية على عودة هذا النوع من المحاكم منذ اندلاع الثورة السورية بصلاحيات أخطر ويقال أن هذا النوع من المحاكم مسؤول عن آلاف عمليات الإعدام تحت التعذيب في فروع الآمن المختلفة. جراء العطش والجوع والتعذيب الوحشي. هذه المحاكم هي أعلى درجات الإجرام القضائي في سوريا.
7 – محاكم الأمن الاقتصادي : أحدثت هذه المحاكم بالمرسوم التشريعي رقم 6 4/ لعام 1977. يمكن القول أن هذه المحاكم كانت حجر عثرة في وجه تشجيع الاستثمار والحراك الاقتصادي . هذا من جهة ومن جهة أخرى كان التقاضي أمام هذه المحكمة يتسم بالتعسف لأقصى الحدود خاصة لجهة التوقيف الاحتياطي الذي كان يتم لفترات طويلة. وتتألف محاكم الأمن الاقتصادي برئاسة قاضي لا تقل درجته عن مستشار استئناف وعضوية شخصين من حملة الإجازة أو الماجستير أو الدكتوراه الذين مارسوا العمل في المجالات الاقتصادية عدد من السنوات حسب نوع الأجازة أو الشهادة التي يحملونها. وتختص بالنظر في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الاقتصادي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /37/ لعام 1966 , كما تختص في جرائم التهريب اذا تجاوز قيمة البضاعة المهربة عن/30/ ألف ليرة سورية ( عدل هذه القيمة فيما بعد وأصبحت300 ألف ) لكن الملفت أن العديد من قرارات هذه المحكمة لا تخضع للطعن بطريق النقص كالجرائم المنصوص عنها في القانون رقم /11/ تاريخ 9/4/1981 على سبيل المثال. وقد ألغيت محاكم الأمن الاقتصادي بمرسوم تشريعي صدر في عام /2003/ وتم إحالة الدعاوى التي كانت تنظر أمام هذه المحاكم إلى محكمة الجنايات ومحكمة بداية الجزاء, لكن قانون العقوبات الاقتصادي بقي منفذا.
إن المحاكم الاستثنائية المذكورة بسبب عدم استقلاليتها وبعدها عن مفهوم المحاكم القضائية وما يجب أن تتصف به من نزاهة وحيادية من حيث الإجراءات والتطبيق القانوني وبسبب سرية جلساتها وإنعدام حق الدفاع أمامها أو صوريته إن وجد وعدم تقيدها بقانون أصول المحاكمات وغلبة الطابع السياسي على إجراءاتها وأحكامها وخضوعها للسلطة السياسية كانت في الحقيقة أداة بيد السلطة السياسية منذ وقوع الانقلاب العسكري في 18 آذار سنة 1963 لقمع كل نشاط سياسي معارض لها وكذلك قمع كل نشاط حر في مجال المجتمع المدني أو في مجال حقوق الإنسان.
بعد هذا العرض المفصل دون أن يصاحبه الملل عن القضاء الاستثنائي في ظل حكم البعث أنتقل إلى واقع القضاء العادي في ظل هيمنة البعث على الدولة والمجتمع .
بتاريخ 15/11/1961 صدر المرسوم التشريعي رقم /98/ المتضمن قانون السلطة القضائية, أي القانون الذي ينظم القضاء العادي. جاء في الباب الثاني من قانون السلطة القضائية أن اختصاصات مجلس القضاء الأعلى هي : 1- تعيين قضاة الحكم والنيابة وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم بناء على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى. 2- الإشراف على استقلال القضاء. 3- إحالة قضاة الحكم والنيابة على التقاعد والاستيداع وقبول استقالتهم 4- اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء وبحصانة القضاة وأصول تعيينهم وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وتحديد أقدمتهم. غير أن المرسوم التشريعي رقم (24) لعام 1966 وتعديلاته جعل رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس القضاء الأعلى ينوب عنه وزير العدل, مما يعني أن السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية هو الذي يرأس الجهة التي تعين القضاة وتسرحهم وترفعهم وتنقلهم وتأدبهم …الخ. وجاء في الدستور الدائم لعام 1973 أن رئيس الدولة يرأس مجلس القضاء وأنه أي رئيس الجمهورية هو الذي يضمن استقلال القضاء. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يستطيع رئيس السلطة التنفيذية حماية واستقلال القضاء من سلطة هو يرأسها ؟ وكيف يمكن تطبيق نظرية فصل السلطات في مثل هكذا مناخ ؟ إضافة إلى أن الدستور الدائم لعام 1973 قد أعطى رئيس الجمهورية حق إصدار التشريعات في فترة عدم انعقاد مجلس الشعب أو بين دورتين متتاليتين , فكيف يستطيع رئيس الجمهورية ضمان استقلالية القضاء وهو إضافة إلى كونه رئيسا للسلطة التنفيذية ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى مشرعا أيضا ؟ مرة أخرى : كيف يمكن تطبيق نظرية فصل السلطات في مثل هكذا مناخ ؟
لاشك أن الدستور الدائم لعام 1973 قد كرس هيمنة السلطة التنفيذية على كل السلطات الأخرى’ لا بل جعلها متحكمة بكل مفاصل الحياة في الدولة والمجتمع.
بقي أن أذكر أن حيادية القضاء تتطلب إضافة إلى استقلاليته عن السلطة التشريعية والتنفيذية أن يكون القاضي حياديا أي غير منتسبا لأي حزب أو جهة سياسية, لكن الدستور الدائم لعام 1973 سمح للقضاة بالانتماء إلى حزب البعث الحاكم, والانتخاب في قياداته. ومثل هذا القاضي لابد أن يكون منحازا للحزب الحاكم الذي هو ينتمي إليه. كما أن انتماء القضاة إلى حزب البعث الحاكم جعل الكثير من القضاة يميلون إلى سماع ما تقرره أجهزة المخابرات والسلطات الأخرى.
أما بالنسبة للقضاء الإداري المشكل بالمرسوم التشريعي رقم (50) لعام 1961 فقد الحق بموجب المرسوم المذكور برئيس مجلس الوزراء. وإذا عرفنا أن كل الدعاوى المنظورة أمام مجلس الدولة هي ضد القرارات والإدارات الرسمية , فكيف يمكن أن يكون القاضي خصما وحكما في آن معا , طالما أن القاضي يتبع لنفس الجهة التي يخاصمها المواطن ؟ وأخيرا لابد من تناول وضع المحكمة الدستورية العليا التي تم إنشاؤها استنادا إلى المادة /139/ من الدستور الدائم لعام 1973. إن صلاحيات هذه المحكمة هي الطعن بدستورية القوانين والانتخابات. لكنها وللأسف لم تتمكن من ممارسة صلاحياتها وذلك للأسباب التالية :
1 – إن رئيس الجمهورية هو الذي يعين بمرسوم أعضاء هذه المحكمة لمدة أربع سنوات وبما أن مدة رئيس الجمهورية هي سبع سنوات فإن هذا يمنح رئيس الجمهورية وصاية كاملة على أعضاء هذه المحكمة المدينين أصلا بوجودهم في مناصبهم لاختيار رئيس الجمهورية لهم.
2 – نصت المادة /145/ من الدستور الدائم لعام 1973 أن الطعن بدستورية القوانين لا يتم إلا عن طريق رئيس الجمهورية أو يطلب ربع أعضاء مجلس الشعب فقط. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يمكن تصور أن من يصدر القوانين سيقدم بنفسه بالطعن بدستوريتها.
3 -. – بالنسبة للطعن بشرعية وصحة الانتخابات تتطلب المادة /62/ من الدستور رفع تقرير بذلك إلى مجلس الشعب المنتخب الذي هو وحده يقرر إحالة التقرير إلى المحكمة المذكورة أو اهمالها وهذا يؤدي عمليا إلى تعطيل صلاحية المحكمة المذكورة في هذه النقطة, وبالتالي فإن أي تزوير يحدث في الانتخابات أو أي بطلان يرافق العملية الانتخابية يمكن أن تمر بدون مساءلة, طالما أن المجلس المطعون بشرعية انتخابه هو نفسه صاحب القرار في النهاية. 4- ألزمت المادة /135/ من الدستور الدائم المحكمة المذكورة بعدم التعرض لدستورية التشريعات والقوانين السابقة لها, وقد أدت هذا المنع إلى استمرار العمل بقانون الطوارئ وكل القرارات الصادرة عن المجلس الوطني لقيادة الثورة بصورة غير شرعية.
……………………………………………………………………………………..
أختتم بالقول :إن عهد حكم البعث في سوريا ، يعتبر من أسوأ العهود في سوريا . ففيه أصبح القضاء الإستثنائي هوالاصل تقريبا ، والقضاء العادي هو الاستثناء .




:)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة


.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي




.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة


.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين




.. رياض أطفال بمبادرات شخصية بمدينة رفح تسعى لإنقاذ صغار النازح