الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحافظة على البكارة الفكرية

كور متيوك

2016 / 9 / 14
السياسة والعلاقات الدولية



أن واحد من اصعب الامور التي يمكن أن تواجه المثقف في خضم هذه التقلبات السياسية و الاجتماعية هي الثبات دون التراجع خطوة الى الخلف وقول ما يعتقد بأنها حقيقة وما يفترض أن يحدث حتى يغلب المصلحة العليا والمصلحة الوطنية على المصالح الفردية للسياسيين و النخب ، لكن الامر ليس سهلاً عندما تكون منخرطاً حتى اذنيك في وحل هذه الازمة فأن المحافظة على البكارة الفكرية بالنسبة للمثقف يصبح عملية اشبه بالمستحيل فالكذب والحقيقة يختلطان على الاذن الممتلئ بغشاوة الوحل وبالتالي يكون تبيان الحقيقة من الخداع امتحاناً عسيراً لا يمكن تجاوزها بسهولة .
ولان مثل هذا الوحل لا يمكن أن يخرج منه المثقف دون أن " يتلطخ " به فأن الخيار الافضل دائماً هي الهروب من ساحة المعركة وهذا ما يجعل احد اصدقاء منصور خالد يقول " أن ضميري يقلقني .. المثقف السوداني اما انتهازي او هارب .. " فيرد خالد " إن جاز لي أن اعزيك و اتعزى معك فسأقول إن الهرب الى باريس اشرف من الهرب الى المقرن وما حوله من خمارات يعرج عليها اشقياء البلد .. باريس يا صديقي تحفظ بكارتك الفكرية .. " ولان منصور حارب من اجل بكارته الفكرية عقوداً فلقد استطاع على مر اكثر من خمسة عقود أن يظل يرفد المكتبة السودانية بكل ما هو جديد من فكر المجتمع السوداني في حاجة ماسة عليها .
وفي الستينات وفي بواكير رشده الفكري حدد المعالم الاساسية للمجتمع الذي يريده ورسم خطوطها العريضة وقام بتسميتها بــ " المجتمع الجديد " ويقول : في بلادنا ستظل الثقافة ممسوخة إن لم تضع في اعتبارها الاول عروبة السودان وقومية السودان وزنجية السودان " وعندما حدد خالد الخطوط العريضة للشخصية السودانية واعتبرها دولة عربية ومسلمة فأن الكثير من المثقفين السودانيين كانوا ما زالوا لم يحددوا توجههم الفكري وكيف ينظرون لمجتمعهم وكانوا ما زالوا اسرى للثقافة البريطانية ، أن دور المثقف مهم جداً في المجتمع وكلما استشعر المثقف المسئولية الملقاة على عاتقه فأنه يسرع في التهام الكتب والمعارف التهاماً في سعيه لوضع مجتمعه في الطريق الصحيح والقويم .
وهذا ما فعله د. جون قرنق عندما وجد بأن الفكر السياسي الجنوبي اسير لقوى رجعية من القرون الحجرية والمجموعات القبلية العنصرية ، قام بكسر كل اصنامهم وطرح مشروعه " السودان الجديد " ولقد كانت نقلة سياسية وفكرية في تجربتنا السياسية لكن بمقاييس الزمن الحالي نجد بأن السودان الجديد تشوبها قصور فكري حاد في الكثير من جوانبها و قد تكون ساهمت في تعقيد الازمة الاجتماعية سواء كان من ناحية الطرح الفكري او الممارسة السياسية والعسكرية لكنها كانت اساس بناء ينتظر أن يبني عليه الاخرون ونشك بأن احداً قادر على أن يفعل ذلك . لان المثقف الجنوبي اسير للنظم الاجتماعية والقبلية البالية وبالتالي لا يتوقع منهم أن يقدموا لمجتمعهم شيء جديداً كما فعل منصور خالد وحسن الترابي في السودان و د. جون قرنق ، و جوزيف قرنق و اخرون .
وللمحافظة على البكارة الفكرية فأن الكثيرين من المثقفين والمفكرين يظلون هاربون دوماً من اوطانهم لأنهم ملاحقون من قبل السلطات او يعيشون منفيين او يهربون لأنهم يشعرون بأن بكارتهم الفكرية في خطر كما لاذ منصور خالد بباريس وعندما يلوذ المثقف هارباً فأن العقل يصير وطناً له وفقاً لعلي حرب في كتابه " اوهام النخبة " .
بينما يشعر النخب الحاكمة والمسيطرة على الشأن بالهدوء وسط الفوضى والحرب و الاسترخاء التام فأن المثقف يظل دائماً يشعر بأن الامور لا تسير كما ينبغي لأنه تدرب على البحث عن مكامن الخلل في جسد النخبة الحاكمة فهو لا يرى الا الخلل والتمزق في جسد الامة وبالتالي يوجه كل طاقته الفكرية الى تلك المكامن السحيقة ويلفت انظار المواطنين الى الحقيقة كما يراها هو باعتباره شخص ليس له مصلحة بل أن مصلحته الاولى و الاخيرة هي الكشف عن الحقيقة و إزاحة ستارة الحقيقة ليرى الجميع ما يقبع خلف الستار وعندما يتضح الرؤية من العتمة فأن الجميع يندهش من كمية المساحيق التي كانت تزين الحقيقة وبالتالي فأن المثقف دائماً ما ينظر للحقيقة بريبة ويبحث عن ما خلف تلك الحقيقة من زيف .
إدوارد سعيد في " المثقف والسلطة " عرف المثقف بأنه الشخص الملتزم والواعي اجتماعياً بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فاعل من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة اما انطونيو غرامشي في " كراسات السجن " فيقول إذا كان بالإمكان الحديث عن المثقفين فلا يمكن الحديث عن غير المثقفين لأنه لا وجود لهم ، فبالنسبة له فأن كل انسان يقوم بشكل من اشكال النشاط الفكري ، أي انه فيلسوف فنان ، ذواق ، يشارك الاخرين رؤيتهم الخاصة للعالم وله مسلكه الاخلاقي الواعي ، أي انه يساهم في خلق طرائق جديدة للتفكير .
أختلف سعيد و غرامشي في تعريف المثقف حيث يرى الاخير أن الجميع مثقفين و لا وجود لغير المثقفين بينما يضع سعيد شروط وقيود للمثقف وليعتلي المرء مرتبة المثقف وليسقط منها ، ومن شروط سعيد وقيوده أن يكون متمرداً وينحاز للضعاف و تتجذر في نفسه قيم الحرية والعدالة لكن تعريف سعيد دقيق اكثر لأنه لا يمكن إطلاق وصف المثقف للجميع و إلا فقد المصطلح رونقه ومكانته . وهنا نتوقف لنتساءل عن المثقف الجنوبي فنجد انهم قلة قليلة لان كثر منهم سقط في امتحان الترقي ونزل الى الدرك وفقد حاسة شم مكامن الخلل او أنه فقط بكارته الفكرية ولم يعد يفرق ما بين الحقيقة والكذب . اعتقد أن الجميع بحاجة الى اختبار سلامة بكارته الفكرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل