الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية المحاضرة الأولى: الإنتاج السلعي.

حاتم بشر

2016 / 9 / 15
الارشيف الماركسي


الهدف الذي تتوخاه هذه المحاضرة هو إعطاء فكرة عامة عن الإنتاج السلعي من خلال إبراز أهم خواصه وسماته. والسؤال البديهي: لماذا نستهل دراسة نظام الإنتاج الرأسمالي ببحث موضوعة الإنتاج السلعي بالذات؟ قد يقول قائل: لأن كارل ماركس ينطلق في تحليل الرأسمالية من دراسة الإنتاج السلعي. غير أن هذه الإجابة في الواقع لا تروي ظمأ السؤال، بل تزيده اشتعالا وإلحاحا؛ بدليل أنها تؤوب بنا إلى نفس السؤال من جديد: لماذا بدأ ماركس مسعاه التحليلي من بحث طبيعة الإنتاج السلعي بالذات؟!

إن للإجابة عن هذا السؤال وجهين مرتبطان فيما بينهما إرتباطا وثيقا:
أولا: إن الرأسمالية، من الوجهة التاريخية، هي إستمرار وتطور للإنتاج السلعي البسيط. فإن الإنتاج السلعي البسيط، الذي كان نمطا مُنْتَحِياً أو ثانويا قبل الرأسمالية، يصبح هو النمط السائد في ظل الرأسمالية: فليس جُلّ المنتجات يتحول إلى سلع فحسب، بل إن العمل الإنساني هو نفسه يصير سلعة يشملها البيع والشراء.
ولهذا، فإنه من أجل الوقوف على ظروف وأسباب نشأة الرأسمالية، يتعين على الباحث أن يبدأ بحثه، بالضرورة، بدراسة الإنتاج السلعي.
ثانيا: نجد أن الشكل السلعي، يعتبر سمة عامة للرأسمالية، وأن هذا الشكل-كما سنرى فيما يأتي من الكلام- هو الذي يخفي الإستغلال الرأسمالي. وطبقا لهذا، فلا بد، أولا، من البدء ببحث طبيعة الإنتاج السلعي، من أجل النفاذ إلى جوهر نمط الإنتاج الرأسمالي.

1-نشوء الإنتاج السلعي
سبق نشوء الإنتاج السلعي، نوعا آخر من الإنتاج غير سلعي. هو الإنتاج الطبيعي.
إذن، فأولا، وقبل كل شيء، ينبغي التمييز بين "الإنتاج السلعي" و"الإنتاج الطبيعي":
1-ففي ظل الإنتاج الطبيعي، كانت المنتوجات تُنتَج، أساسا، "للإستهلاك" داخل كل وحدة اقتصادية.
2-على حين أنه في الإنتاج السلعي تنتج المنتوجات "للتبادل" في السوق.
وعليه، فإن الإنتاج السلعي:
"..هو ذلك التنظيم للإقتصاد الإجتماعي، حيث يقوم بإنتاج المنتجات منتجون منفردون يتخصص كل منهم بإنتاج منتوج واحد معين، بحيث تستوجب تلبية الإحتياجات الإجتماعية شراء وبيع المنتجات التي تتحول بناء على هذا الى سلع مطروحة في السوق"-لينين-
والآن، ينبغي علينا، في بحثنا في ظروف نشأة الإنتاج السلعي، أن نميز بوضوح بين:1-شرط نشأته. 2-سبب نشأته.
1-"الـتـقـسـيـم الإجـتـمـاعـي للـعـمـل" هو "شـــرط" نشوء الإنتاج السلعي:
نعني بالتقسيم الإجتماعي للعمل، ذلك النظام الذي بمقتضاه ..”يتخصص المنتجون المنفردون في انتاج منتجات معينة، مع انتاجها أساسا لإستهلاك "الآخرين" وليس للإستهلاك "الذاتي".
ولكن المُنْتِج، لإشباع احتياجاته، هو، الذاتية. ولتسيير إنتاجه، هو، الذاتي. عليه أن يحصل على عدد من السلع التي ينتجها الآخرون.
هكذا،تنشأ حاجة كل مُنتِج إلى الآخرين سواء في قطاع الإنتاج أم في قطاع الإستهلاك.“
يقول كارل ماركس في الفصل الأول من رأس المال: "..إنه التقسيم الإجتماعي للعمل _ بدونه ليس ثمة انتاج للسلع، وإن كان انتاج السلع ليس من الناحية المقابلة، ضروريا للتقسيم الإجتماعي للعمل".
إن تلك العلاقة الجدلية التي يرسمها ماركس بأسلوبه البليغ، إنما تعني ببساطة: أن التقسيم الاجتماعي للعمل هو "شرط" ظهور الإنتاج السلعي، وليس سببه المباشر. لماذا؟
لأن التقسيم الإجتماعي للعمل لا يخلق بذاته الإنتاج السلعي وعلاقات التبادل السوقي. لماذا؟ لأن نتاج عمل مُنتِج معين يمكن له أن ينتقل الى أشخاص آخرين "بدون" التبادل السلعي وبدون "الشراء والبيع". ولقد كان هذا هو ما يجري فعلا في التشكيلة الإجتماعية المشاعية البدائية. يقول ماركس: "ففي الجماعة الهندية القديمة كان العمل مقسما اجتماعيا، دون أن تصبح المنتوجات سلع لهذا السبب".
فما هو السبب المباشر لنشوء الإنتاج السلعي إذن؟
2-الـمـلـكـيـة الـخـاصـة لـوسـائـل الإنـتـاج هي ســبب نشوء، وتطور، الإنتاج السلعي. فبمقتضى هذه الملكية أصبح المُنتِج (كل مُنتِج) مستقلا منفردا يباشر انتاجه تحت مسئوليته الشخصية.
لهذا السبب بالذات، فإن العلاقة الإجتماعية بين المنتجين لا تظهر أثناء عملية "الإنتاج"، وإنما هي تنكشف، فقط، خلال التبادل السلعي: يعني خلال عملية "تبادل" منتوجات العمل في السوق.

2-الإنتاج السلعي البسيط.
الإنتاج السلعي البسيط، أي الإنتاج الصغير الحرفي والفلاحي، هو الشكل "الجنيني" للإنتاج السلعي الرأسمالي. وهو يقوم على أساس التقسيم الإجتماعي للعمل والملكية الصغيرة لوسائل الإنتاج ونتاج عمل المُنْتِج نفسه. وأهم ما يميز الإنتاج السلعي البسيط، كونه يقوم على العمل الشخصي لمالك وسائل الإنتاج، لذلك فهو خلو من علاقات الإستغلال، لماذا؟ لأن كل فرد إنما يمتلك نتاج عمله، هو، الذاتي.
ومن الناحية التاريخية، نشأ الإنتاج السلعي البسيط(كنمط إقتصادي)في كنف التشكيلة العبودية والإقطاعية. وهو يستمر خلال التشكيلة الرأسمالية، وفي الفترة الإنتقالية من الرأسمالية إلى الإشتراكية.
قلنا أعلاه، أن الإنتاج السلعي البسيط هو شكل جنيني. وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أنه لم يكن قط نمطا سائدا للإنتاج. إن تناقضاته الداخلية تحول دون ذلك. لهذا، فإنه لا يلبث أن ينهار، متحولا إلى إنتاج سلعي رأسمالي.

3-من الإنتاج السلعي البسيط إلى الإنتاج السلعي الرأسمالي.
الإنتاج الرأسمالي هو مرحلة متطورة من الإنتاج السلعي البسيط. وهذا يعني أنهما متماثلان من حيث الطبيعة، مختلفان من حيث الدرجة:
1- فهما متماثلان، من حيث أن كلاهما يقوم على أساس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
2-لكن بينما يقوم الإنتاج السلعي البسيط على العمل الشخصي لمالك وسائل الإنتاج. يقوم الإنتاج الرأسمالي على استغلال عمل الآخرين: أي عمل المأجورين. الأول لم يكن قط نمطا سائدا. الثاني يصبح نمط الإنتاج السائد.
والخلاصة: إن تطور الإنتاج السلعي البسيط إلى انتاج رأسمالي، إنما يعني لا مجرد استمرار بسيط، بل يعني انقلابا جذريا في طبيعة العلاقات الإنتاجية. وقد جرى هذا الإنقلاب في عهد انهيار الإقطاع.

4-السلعة بوصفها "الخلية الإقتصادية" للمجتمع البرجوازي
عندما ندقق النظر في الإنتاج السلعي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، فإن أول ما ندركه هو الآتي: إن العلائق الإنتاجية لا تظهر في صورة علائق صريحة بين "الناس"، وانما في صورة علاقات بين "منتجات" اعمالهم.
إن تبادل السلع-يقول لينين-هو العلاقة الأكثر بساطة، وعادية، وأساسية، وشيوعا والتي نلاحظها مليارات المرات في المجتمع البرجوازي(السلعي).
إن الأشياء أو منتجات العمل(العلاقات الشيئية)، هي التي تحدد العلاقات القائمة بين الناس. وإن المجتمع الرأسمالي ليتميز بهذا الشكل السلعي الذي يدثر كل العلاقات الإنتاجية بين الناس.
وهذا يترتب عليه استنتاج منهجي غاية في الأهمية، ألا وهو أن تحليل الإنتاج السلعي والإنتاج الرأسمالي "لا بد" أن يبدأ ببحث علاقة التبادل السلعي.
قال هيغل ذات مرة ما معناه: إن قطرة واحدة من ماء البحر، تحمل في ثناياها كل خصائص البحر وملوحته. وإن السلعة بالنسبة للمجتمع البرجوازي عند ماركس، لتماثل القطرة بالنسبة لمياه البحر عند هيغل!
يقول ماركس:"إن الشكل السلعي للمنتوج..هو شكل للخلية الإقتصادية في المجتمع البرجوازي". ويقول ايضا: "ان السلعة هي الشكل الأوليِّ للثورة الرأسمالية"
إننا عندما ندرس الخلية البشرية، فإننا إنما ندرس الجسد البشري، لكن على مقياس مُصغّر. ولقد استطاع ماركس، بتحليله العبقري للسلعة=الخلية الإقتصادية، أن يتوصل إلى التناقضات الجنينية الدقيقة التي أدت إلى ظهور التناقضات الجوهرية المميزة للرأسمالية المتطورة.
ولكونها "الخلية" الإقتصادية للمجتمع البرجوازي كله، ارتأى ماركس أنه من الضروري.. "أن تبدأ دراستنا بتحليل السلعة"..وهو محور المحاضرة التالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا