الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى التأسيس للمنظمة الثورية -إلى الأمام-

وديع السرغيني

2016 / 9 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في ذكرى التأسيس للمنظمة الثورية "إلى الأمام"

في غضون هذه الأيام، احتفلت الحركة الثورية بذكرى التأسيس والانطلاقة لمنظمة "إلى الأمام"، كمنظمة ثورية أعلنت عن استنادها للنظرية الماركسية اللينينية، ودافعت عن خط وبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، بداية السبعينيات.. كان ذلك يوم الثلاثين من غشت سنة 1970، حيث شكلت عملية البناء والإعلان، إضافة تنظيمية للحركة الثورية المنتعشة آنذاك، وكدعم معنوي ومتميز لمنظمة "23 مارس"، التي أنهت مخاضها بالإعلان عن التأسيس يوم 23 مارس بالذات، من نفس السنة وفي نفس السياق!
ونحن نسترجع هذه الذكرى بكل ما لها من حمولة ثورية، أثرت بشكل كبير في الوضع السياسي حينها، وفتحت المجال للنقاشات الفكرية والسياسية العميقة، بأن سلطت سياطها النقدية على جميع الأطروحات الإصلاحية المهادنة، وجميع التيارات الرجعية والانتهازية، داخل المشهد السياسي المغربي المعارض، مؤكدة على التزامها واصطفافها إلى جانب الحركة الماوية العالمية، باستنادها نظريا على خط الحرب الشعبية الطويلة الأمد، وتكتيكات البؤر الثورية المتحركة..الخ سعيا منها للإطاحة بالنظام، وإقامة الجمهورية الوطنية الديمقراطية الشعبية بدله.
لقد شكلت المنظمة إلى جانب المنظمات الثورية الأخرى، قفزة نوعية في تجربة النضال الديمقراطي الثوري بالمغرب، تمكنت خلالها الحركة من نقل الصراع الطبقي من مستواه المؤسساتي الانتظاري، إلى مستواه الجماهيري الكفاحي، أي من قلب الشوارع ومحيط الثانويات والجامعات، عبر اتخاذها لسلسلة من المبادرات النضالية الجريئة كالإضرابات الطويلة الأمد، والاعتصامات، والمبيت الليلي الجامعي، والإضرابات عن الطعام، واحتجاز الرهائن، واحتلال الشوارع..الخ بالإضافة لمشاركتها ودعمها القوي لجميع المعارك العمالية والنقابية، والعديد من الاحتجاجات الجماهيرية، وكذا الانتفاضات الشعبية والفلاحية المهمة..الخ تميزت خلالها بالحركية والقدرة على التأطير والتنظيم، وسرعة المبادرة، والاستعداد للتضحية..الخ
بهذا كنا وما زلنا نفتخر بهذه التجربة الغنية وبصنـّاعها الأشاوس، الذين قدموا التضحيات الكثيرة والجسيمة، ولم يبالوا بحملات الاعتقال والاختطاف والاغتيال، التي كانت تهددهم، بل قاوموا جميع أشكال التصفية، واستمرت عطاءاتهم وإبداعاتهم النضالية من داخل السجون، وعلى أطراف المنافي، بكل سخاء ومبدئية، بحيث ظلت ذكريات الشهداء، وشهادات المعتقلين، راسخة في مخيلة الشباب الثوري، الذي ما زال مستمرا ومتابعا لنفس المسيرة، عبر أشكال متعددة ومتنوعة، بالرغم من تراجع القادة وانحراف القدماء المؤسسين، عن الخط الثوري، وتخصصهم فقط في "النضال الحقوق ـ إنساني" المجرد!
ونحن بهذه المناسبة، كخط بروليتاري من داخل الحركة الماركسية اللينينة، نشيد بهذه الحركة وبإنجازات المنظمة الميدانية، بنقد وبدون تمجيد مثالي، حيث لا بد من الإشارة للنواقص والمنزلقات، وحالة الحركة في كليتها الآن، أمام تقوقعها، وانحصار حركتها، وتراجع كفاحيتها.. مما يدفعنا للتساؤل والبحث في الأسباب، حيث تلزمنا الاستمرارية، المزيد من البذل والعطاء وتصحيح الأخطاء، لتطوير الحركة والدفع بها إلى الأمام، في إطار من الممارسة النقدية الثورية، التي تستلزم منا مراجعة الإطار الفكري والمرجعي الذي اعتمدته الحركة الثورية حينها، وأطر شعاراتها وخططها المرحلية، ووجـّه مجمل نشاطها اليومي العملي.. إذ وبالرغم من قوة الانتشار، والدينامية التي يتميز بها نشاط الحركة، يبدو أن الحركة في مجملها افتقدت البوصلة الفكرية والسياسية، وغابت عنها الصلابة التنظيمية، والبعد الطبقي في الحركة والبناء، حيث ما زال التركيز على الشبيبة التعليمية، بشكل مبالغ فيه، وحيث ما زالت الطلائع العمالية والكادحة، التي يجب أن تشكل أساسا لأي حركة تدعي الاستناد للماركسية، وتهدف لبناء الاشتراكية، مغيبة في إستراتيجية نضال الحركة.
فماذا ورثناه من الحركة السبعينية ومن المنظمة "إلى الأمام" بالذات؟ فهل نحن نشكل استمرارية خطية؟ أم نوعية، تعتمد النقد والنقد الذاتي، لتجاوز الأخطاء، ولتجنب المنزلقات؟ لقد كانت المنظمة بمعية مجموع مكونات وفصائل الحركة، منظمة ثورية وكفاحية بدون شك.. وقد عبرت بإخلاص وتفاني عن مطالب وطموحات جميع الفئات والطبقات الشعبية الكادحة والمحرومة.. لكنها لم تتعدى سقف المطامح البرجوازية الصغيرة الراديكالية في هذا السياق، وعجزت عن ربط الاتصال بالطبقة العاملة وعن اختراق منظماتها النقابية، ولم تعمل على تطوير أو خلق أشكال تنظيمية بديلة ،أو موازية، لتحقيق هذا الانغراس الطبقي اللازم لمواجهة البيروقراطية المتفشية، والحد من سيطرتها، وتوجيهها الخاطئ والسيئ للوعي العمالي.
فعلى هذا الأساس نعتبر أن الحركة الثورية بالمغرب، سواء المناصرة لخط الحركة، أو المراجعة والمنتقدة لأسسه ومرجعيته، ما زالت تدور في نفس الدائرة المحدودة، ولم تتعداها ليقع التقييم والاجتهاد فكرا، وممارسة، وتحضر الأسئلة المؤرقة التي من المفروض أن تعترف بحركتنا، وبهويتنا، وببرامجنا، وبانتمائنا الطبقي العمالي.. فمن نحن إذن؟ وماذا نريد بحركتنا هذه؟ وما هي الطريقة التي ستقودنا إلى ما نريد ويريده جميع الكادحون الفقراء المحرومون؟ حيث الحاجة ماسّة لبيان شيوعي مغربي، لا يتهرب من هويته الطبقية العمالية، ولا من دوره القيادي في المعركة، من أجل الثورة، والقضاء على النظام الرأسمالي، حيث على أنقاضه سيقيم مجموع الكادحين مجتمعهم الاشتراكي البديل.
فلم تكن الحركة السبعينية بالشيوعية وفق للتحديدات العلمية، ولم تعلن عن مبادئها بالشكل الواضح، الذي يمكن أن يضعها في عداد الحركات الشيوعية المناضلة من أجل الثورة الاشتراكية، ومن أجل بناء المجتمع الذي تنعدم فيه المِلكية، ويقوض فيه نمط الإنتاج الرأسمالي، بل لم يتم التفكير في تشكيل الحزب الشيوعي، حزب الطبقة العاملة المستقل، عن جميع الطبقات الثورية الأخرى، حيث كان ينظر إلى الثورة على أنها ثورة شعبية، وأساليبها يجب أن تكون هي الأخرى شعبية، ليتم التخلي عن دور الطبقة العاملة وحزبها، وعن تكتيك الإضرابات والإضراب العام، والانتفاضة العمالية والشعبية المسلحة.. لمصلحة حرب التحرير الشعبية وجبهات العمل المسلح! فالمنظمة دعت من خلال برنامجها للإصلاح الزراعي، إلى إعادة توزيع الأراضي المصادرة من البرجوازية والملاك الكبار، على الفلاحين الصغار والمتوسطين من خلال تصور برجوازي صغير يشجـّع على المِلكية، ويناقض بالتالي منطلقات وأهداف الحركة الشيوعية منذ تشكلها، والتي ناهضت وتناهض بدون هوادة المِلكية الفردية الخاصة، الصغيرة والكبيرة، سيان لأن الصغيرة تلد بالضرورة الكبيرة.
فالثورة الزراعية في المغرب، كانت وما زالت، تحتاج إلى دراسة عميقة للأوضاع في البادية، متجاوزة الشعارات العامة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إذ تحتاج لرؤية طبقية واضحة وعمالية، تلمس من خلالها القوى البروليتارية مصالحها، وتنجز مهماتها الآنية، لتضمن مستقبل الاشتراكية وتعزز مكتسبات الثورة.. إذ لا يمكن معالجة الأوضاع بالبادية دون التحليل الدقيق للتشكيلة الطبقية، ودون دراسة التناقضات ومختلف المصالح المتضاربة، وطرح المشروع الاشتراكي البديل، الذي سيضمن السير العادي لعملية البناء على أنقاض المِلكية البرجوازية العقارية عبر المصادرة الشاملة والتضييق على جميع أشكال المِلكية والإنتاج الصغير، تعزيزا للقيادة والهيمنة البروليتارية الزراعية، إضافة للدعم الذي من المفروض أن تتلقاه الثورة من المالكين الصغار المنفردين، أو المنظمين في تعاونيات ديمقراطية غير معادية للاشتراكية.
فلا بد من طرح الأسئلة المحرقة، والخوض بجدية في البحث عن إجابات مقنعة، لا تحصر الأمور في العموميات والتأكيد على الإستراتيجيات.. حيث لا بد من نهج التاكتيكات الملائمة، المرتبطة بالعمل اليومي، وبالشعارات المرافقة له.. ولا بد كذلك من نسج التحالفات اللازمة مع جميع القوى السياسية والديمقراطية، التي تحترم مبادئها، وتتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن قضايا الكادحين. إذ لا بد من استغلال جميع واجهات الصراع الطبقي الجماهيري والشعبي، عبر الارتكاز على المطالب والمعارك الشعبية، بالشكل الذي يحافظ على هويتنا الشيوعية، وبالتركيز على مطالبنا الطبقية، وعلى تصورنا في النضال، الذي لن يفرط في مهمة تعبئة الطبقة العاملة وتنظيمها في حزبها المستقل، فكريا وسياسيا وتنظيميا، على جميع الأحزاب والطبقات الأخرى المناهضة للنظام، لكي تتبوء موقعها القيادي والطليعي، وسط معركة النضال من أجل التحرر والديمقراطية والاشتراكية.
فلا يمكن في هذا السياق إلا أن نحيي الرفاق المؤسسين للمنظمة، وأن نشد على أياديهم بحرارة، على ما أسدوه من خدمات لحركة النضال الجذري في المغرب، وندعو كافة الرفاق السائرين على نفس الدرب الثوري، إلى مواصلة النضال، وتنظيم الصفوف ، وإطلاق المبادرات النضالية الوحدوية، وتنظيم الشباب، ودعم الإطارات والحركات المناضلة، العمالية والتلاميذية والطلابية، وحركة المعطلين، وحركة المناهضة للغلاء والخوصصة والعولمة.. والحركة المدافعة عن الأرض..الخ الشيء الذي يدفعنا إلى المزيد من الاجتهاد، والتفاني في العطاء، والتشبث بالمبادئ الشيوعية، وبإعمال أسلوب النقد والنقد الذاتي في تقييم حركتنا، ومجمل نشاطنا الميداني، تطويرا للحركة، ولصقلها، ولإزالة الشوائب منها، حتى نصل للأهداف المبتغاة، ونحقق حريتنا وتحررنا من الرأسمالية، والتبعية، وخطط الإمبريالية المهيمنة.

وديع السرغيني
شتنبر 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإستمرارية ، لكن بأي مضمون ؟
ليلى محمود ( 2016 / 9 / 25 - 04:05 )
هناك إجماع تقريبا في صفوف التيارات و المجموعات و الفصائل و حتى الأفراد من داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية على تقدير تجربة الحركة الثورية الناشئة خلال نهاية ستينيات القرن الماضي ، يصل في بعض الأحيان لحد التقديس الذي ينمو على أساس تضخيم البطولات و ترديد الجملة الثورية ، و اعتبار الإستمرارية على نفس الخط الثوري لإلى الأمام أحد ركائز الحملم اليوم ... لكن الحركة اليوم بحاجة إلى التدقيق في مضمون هذا التقدير و الإستمرارية ، و في ما إذا كان الأمر يتعلق بإعادة ترديد و نشر و حفظ المواقف و التصورات و البيانات الصادرة عن إلى الأمام ، أم أن مجمل الرصيد النظري و السياسي و التنظيمي و العملي الذي خلفته المنظمة يتوجب إخضاعه لسلاح النقد الإشتراكي و إعادة صياغة المواقف و التصورات بناء على نتائج هذا العمل النقدي المستند إلى قراءة و تحليل الواقع العيني و للمنهج الإشتراكي النقدي المستند للمصالح الإستراتيجية للطبقة العاملة .
تلك إحدى النقط المحددة لمفترقات الطرق في مسار بناء و تمتين الحملم اليوم .

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة