الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف دحض الدكتور إمام عبد الفتاح المادية؟!

حاتم بشر

2016 / 9 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


”شاع في ثقافتنا العربية أن الفلسفة المثالية، نظريا، أوهام وخيالات، وعمليا رجعية ومحافظة، أما الفلسفة التجريبية-أو الوضعية أو المادية-فهي وحدها التي ترتبط بأرض الواقع الصلبة، وتساير التقدم والتطور.“
تلك الكلمات هي للدكتور إمام عبد الفتاح إمام. من مقدمة ترجمته لكتاب هيغل "العقل في التاريخ".[ج¹، دار التنوير، 2007]. وهي كما تراها، مليئة بالغلط. فأولاً، يزعم الدكتور أن التحيز إلى الفلسفة المادية هو التحيز الغالب على ثقافتنا العربية(!) الثقافة التي تتآكلها الطائفية شرقا وغربا، التي تحتضر وتنتفض كذبابة في شباك ما أسماه البروفيسور هشام غصيب بـ "اللاعقل المقدس"، تلك الثقافة عينها، طبقا لعبد الفتاح، تذم المثالية وتمتدح المادية(!!).
معلوم أن الأيديولوجيا الشائعة في مجتمع ما ذي بنية طبقية، لا يمكن أن تكون إلا أيديولوجيا الطبقات الحاكمة. ولو سايرنا أغلوطة عبد الفتاح حتى نهايتها المنطقية، لوصلنا إلى الإستنتاج المضحك التالي: المادية هي فلسفة الكومبرادورية(!!) ذلك هو المعنى الموضوعي لغلط(الدكتور!!).
ثانيا، إن تلامذة الصفوف الدنيا في كليات ومعاهد الفلسفة، ليعرفون سعة الهوة السحيقة التي تفصل بين "الوضعية أوالتجريبية" من جهة، وبين المادية(مادية ماركس بالذات) من جهة أخرى. ولكن الدكتور، (دكتور الفلسفة!!) يضع "المادية والوضعية" في سلة واحدة، في مقابل المثالية. وهو يحرص على هذا الخلط في هذا المقطع وعلى إمتداد نص المقدمة..وسنعرف بعد هنيهة السر من وراء هذا التخليط العمدي.
الآن، لنرى كيف يدحض الدكتور إمام عبد الفتاح المادية، وكيف تحرز المثالية الإنتصار على يديه. يقول:
"علينا أن نلاحظ أن الجدل يسير في إتجاه مضاد للفلسفة الـتـجـريـبـيـة أو الـوضـعـيـة". ذلك لأن المبدأ الذي ظلت هذه الفلسفة ترتكز عليه منذ ديفيد هيوم(1711-1776) حتى الوضعية المنطقية في عصرنا الحاضر هو السلطة المطلقة للواقع. وكانت الطريقة النهائية للتحقق من أي شيء في نظرها هي ملاحظة الواقع المباشر. وإذا كانت هذه الفلسفة تحض الفكر على أن يقنع بالوقائع ويتخلى عن أي تجاوز لها، وعلى أن ينحني أمام الأمر الواقع، فإن هيغل يعلمنا أن الوقائع ليس لها في ذاتها سلطة، فكل ما هو معطي ينبغي أن يبرر أمام العقل..هكذا تبدو ثورية المثالية الهيغلية، بقدر ما يبدو الجانب المحافظ في الفلسفات الوضعية، والتجريبية، والـــمـــاديـــة..".
هكذا، يبني الدكتور محاكمته على التعارض القائم بين "الجدل" وبين "الوضعية أو التجريبية" لكي يبين لنا مدى عقمهما في ((أول)) المحاكمة. إلا أنه يبدل المطلوب* في ((نهايتها)) ويحشر "المادية" معهما، ذلك هو السبب الذي من أجله خلط بينهما في أول النص على نحو ما بينا أعلاه.
هكذا يسلك دكتور ((الفلسفة والمنطق!!) سبيل المغالطة المنطقية كيما يذود عن المثالية: فأولا يبدل المطلوب. وثانيا يقع في خطأ اللزوم الزائف** : ففساد الوضعية أو التجريبية "لا يلزم" عنه فساد المادية، بالضبط لأنهما شيئين مختلفين تماما وليس شيئا واحدا كما يسعى هو إلى ايهام القاريء. ((هنا أتسائل: ألم تقع عين (الدكتور!!) ولو بالمصادفة على كتاب لينين "المادية والمذهب النقدي التجريبي"؟! فليعد القاريء النزيه الباحث عن الحقيقة، إذن، إلى هذا الكتاب ليرى بأم عينه أي هوة سحيقة تفصل ما بين المذهبين: المادي والتجريبي! )).
قبل الختام، لا بأس أن نورد للقاريء نصا أو نصين من ماركس وانغلز ، حتى يكون القاريء على بصر بحقيقة موقف مؤسسا المادية الــجــدلــيــة من مسألة"الإنحناء أمام الواقع" التي يلصقها (دكتور الفلسفة!!)، دون وجه حق، بالفلسفة المادية:
لماركس: "..ذلك لأن الدياليكتيك، يُدرج في المفهوم الإيجابي للأوضاع القائمة، في الوقت نفسه، مفهوم نــفــيــهــا المحتوم، وتــهــديــمــهــا الضروري. ذلك لأن الدياليكتيك بإدراكه الحركة بذاتها، التي ليس كل شكل متعين الا شكلا انــتــقــالــيــا من شكولها، لــيــس ثــمــة مــا يــقــف فـي ســبــيــلــه".
لإنغلز: "ليس هناك من أمر نهائي، مطلق، مقدس أمام الفلسفة الجدلية، فهي ترى على كل شيء، وفي كل شيء، خاتم الهلاك المحتوم، وليس ثمة شيء قادر على الصمود في وجهها غير الحركة التي لا تنقطع..".
هذا عن المادية الجدلية فلسفة الماركسية، أما عن المادية التاريخية وهي علم الماركسية الذي يتأسس ويتمم فلسفته، فالقاصي والداني يعرف أن عمودها الفقري هو الثورة...و((نقد كل ما هو كائن، ليس النقد بالكلمة فقط، بل النقد ب"السلاح" أيضا-ماركس)).
وفي الختام..
لقد وعدنا الدكتور في أول المقدمة بالحرف الواحد أنه (..سيقلب تصورنا عن الحقيقة رأسا على عقب). لكنه، بدلا من ذلك، قلب الحقيقة "نفسها" رأسا على عقب!!
هوامش
*تبديل المطلوب هو أحد الأخطاء المنطقية المتعلقة بالمطلوب. حيث تنص قواعد المحاكمة البرهانية على أن المطلوب ينبغي أن يكون مصاغا صياغة جلية، وأن يبقى هو نفسه على امتداد البرهان. وعند الإخلال بهذه القواعد يظهر الخطأ المعروف بتبديل المطلوب.
**اللزوم الزائف هو أحد الأخطاء المنطقية المتعلقة بصورة البرهان. فإذا كان المطلوب لا ينبع من الحجج المساقة لاثباته يظهر الخطأ المسمى "لا يلزم". وهذا الخطأ يؤدي إلى الإيهام اللفظي بالبرهان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا