الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدّين والجنس (من الدّعوة إلى الفضيحة)

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2016 / 9 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني

آدم: «لماذا تظهر متوتّرًا ؟ كأنك تحمل سرّا ثقيلاً. هَدّئ نفسك. لدينا الوقت الكافي لكي ننـاقش كلّ مشاكل الإنسانية».
إبراهيم: «وهل أظهر لك متوتّرا» ؟
آدم: «ربّما أنك مهموم بسرّ ما، أو مَوسُوس بأطروحة سياسية جديدة»!
إبراهيم: « ألم أقلها لك من قبل؟... لقد سبق لي أن قلتُها لك ... إذا أردتَ أن تعرف درجة نضج شعب ما، أنظر إلى مدى تحرّر المرأة فيه، أو إلى مستوى تحرر الجنس داخله، أو إلى جودة التعليم العمومي فيه، أو إلى مستوى فصل الدّين عن الدولة، وعن السياسة. وهي كلّها عناصر مترابطة فيما بينها. ولا يمكن لأي شعب أن يتقدّم في أي مؤشّر من بين هذه المؤشّرات دون التقدّم أيضا في المؤشّرات الأخرى. والفضيحة الجنسية الأخيرة، التي وقعت في المغرب، بين قياديّين إسلاميين، تذّكر بأن شعب المغرب لم ينضج بعد بما فيه الكفاية. بل توجد حركات إسلامية تصرّ على فرض هيمنة الدّين على المجتمع، ولو عبر إبقاء الشعب في انحطاط مجتمعي شامل».
آدم: «أطروحتك جديرة بالنـقاش. ولكن، وعن أية فضيحة جنسية تتكلّم»؟
إبراهيم: تلك التي حدثت مؤخّرًا، في يوم 20 غشت 2016. حيث تورّط فيها مسؤولان قيّاديان إسلاميّان، هما مولاي عمر بن احماد، وفاطمة النجار. حيث ضبطتهما الشرطة يمارسان الجنس، على الساعة السادسة صباحا، داخل سيارة مرسيديس ، كُتب على زجاجها الأمامي «لا تنس ذكر الله»، وكُتب على زجاجها الخلفي «هذا من فضل ربّي». وقع ذلك في شاطئ المنصورية ، بين مدينتي الرباط والدار البيضاء. وعمر بن احماد، ليس مواطن عادي، وإنما هو دكتور في الشؤون الإسلامية، وأستاذ جامعي. وفاطمة النجار، ليست مواطنة عادية، وإنما هي أيضا أستاذة. وهما معًا، مارسا ”الدّعوة الإسلامية السّلفية“ خلال عشرات السّنين. وهما معًا، نائبي رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، الذّراع الدّعوي لِحزب إسلامي أصولي، هو ”حزب العدالة والتنمية“. وهما أيضا عضوين مرموقين في هذا الحزب. وهذا الحزب هو قائد الحكومة الحالية.
آدم: أُوهْ ! هذه قصّة مثيرة ! لكن هل هذه الأشياء حقيقية؟ أليست هذه الفضيحة مجرّد إشاعة مُختلقة؟ هل هي حدث ثابت أم ماذا؟
إبراهيم: هذه أحداث واقعة وثابتة. ألاَ تعلم أن ”المديرية العامة للأمن الوطني“ أصدرت بيانًا رسميّا ردّت فيه على الشيخ أحمد الريسوني (الذي يدرّس الشريعة في الإمارات، والذي اعتبر هذه الحادثة مجرد ”مصيدة“)، وقالت فيه هذه المديرية: أن «عملية ضبط عمر بن احماد وفاطمة النجار حدثت بشكل عَرضي [وليس نتيجةً لِرَصْد مُسبق، أو لفخّ]، عندما اكتشفت الشرطة سيارة مركونة بشاطئ البحر، عند السابعة صباحًا، وبداخلها الموقوفان، وهما في وضعية مُخلّة، تشكل عناصر تأسيسية لفعل مُجرّم قانونًا... وتم إنجاز محضر بالأفعال المرتكبة، ورفع المحجوزات، والآثار المادية التي تؤكّد الفعل الإجرامي(1)».
آدم: ولكن، حسب ما تسرّب من محضر البوليس على شبكة الأنترنيت، قالت فاطمة النجار أنها «لم تمارس الجنس مع عمر بن احماد، وإنما ساعدته فقط على القذف».
إبراهيم: أوّلاً لم توضّح فاطمة بماذا ساعدت عمر على القذف، هل بيديها، أم بأجزاء أخرى من جسمها. ثانيا، إذا قالت فاطمة ذلك فعلاً، فسيكون تَحايُلاً لغويا.
آدم: ولماذا ؟
إبراهيم: لأن «ممارسة الجنس» لا تنحصر في عملية ”الإيلاج“. وعلى خلاف بعض الظنون، كلّ مساعدة على القذف، هي ”ممارسة للجنس“. كما أن كلّ ”ممارسة للجنس“، يمكن أن تتخلّلها مساعدة على القذف، سواءً باليد، أو بأي جزء آخر من الجسم. وكون هذه المساعدة على القذف ناجحة، أو فاشلة، لا ينفي ثبوت وجود ”ممارسة الجنس“.
آدم: أنت تُحيّرني ! بلاد المغرب في حالة غليان بسبب الانتخابات البرلمانية المقبلة (التي ستنظّم في يوم 7 أكتوبر 2016 المقبل)، والناس يناقشون حول من يستحقّ الثقة من بين السادة عبد الإله بن كيران، وإلياس العماري، وإدريس لشگر، ونبيلة منيب، إلى آخره، وأنت تنشغل بفضيحة جنسية ! ولماذا تضيّع وقتك في هذه القضية ؟ هذا ليس من عادتك. هل فضائح الجنس هي القضايا الأهم لدى شعبنا اليوم ؟ ألا توجد مشاكل سياسية أخرى تستحقّ الاهتمام أكثر من هذه الفضيحة ؟
إبراهيم: لم نختر أن نناقش الجنس. لكن الجنس هو الذي فرض نفسه علينا في ميدان السياسة. ونـقاش الجنس، ليس مستـقلا عن السياسة، ولكنه جزء من السياسة. بل قد يفضح نـقاش الجنس قضايا خفية ومهمّة في مجال السياسة.
آدم: ولكن لماذا تـقترح نـقاش هذه الفضيحة الجنسية؟
إبراهيم: لأن هذه الفضيحة الجنسية تحمل معانيّ سياسية مهمّة، ولأن هذه القضية ستحدث في المستـقبل القريب تبعات أو امتدادات خطيرة. ولأنه، بعدما انفضحت هذه القضية الجنسية، تكلّم التنظيمان اللذان ينتمي إليهما عمر بن احماد وفاطمة النجار، (وهما ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“)، تكلاّما إلى الرّأي العام، كأن المُخطئ الوحيد في هذه الفضيحة هو فقط الدّاعِيَّتـَيْن المذكورتين عمر بن احماد وفاطمة النجار. فقرّروا طردهما، وزعموا أن المشكل قد انتهى. وهذا زعم مُضَلِّل، بل ظالم، ومرفوض. وأحسّ أنه من واجبي أن أنتـقد هذا الزّعم المغلّط.
آدم: ولماذا تنبُش في هذه المسألة؟ وأين هو المشكل؟ هذه أمور تافهة، أو عادية، أو معتادة !
إبراهيم: لاَ، هذه أمور غير عادية ! في الحقيقة، إذا حلّلْنا أصل الأشياء، وإذا فحصنا ترابط هذه الأشياء، فمن الممكن أن يتبيّن لنا أن المُخطئ الأكبر، ليس هو عمر وفاطمة، وإنما هو ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“. وإذا كان هذا الطّرح سديدًا، فسيكون مهمّا في ميدان السياسة.
آدم: أُوْوْوْهْ ... هذا اتّهام خطير ! وهل لديك حجج؟ لا يحق لك أن تتّهم الإسلاميين الأصوليين إذا لم تتوفّر على براهين ملموسة ومقنعة ؟
إبراهيم: أظنّ أن الحجج التي يمكن أن أعرضها عليك دامغة ! لأن الدّاعِيَتَيْن، مولاي عمر بن احماد، وفاطمة النجار، وعلى خلاف الإدّعاءات، لم يفعلا سوى تطبيق الأفكار، والتصوّرات، والمعتـقدات الأيديولوجية، التي يحملها، ويؤمن بها، مجمل أعضاء ”حزب العدالة والتنمية“، وكذلك ”حركة التوحيد والإصلاح“. وعليه، فالمُخْطِئ ليس هو الفرع (أي عمر وفاطمة)، وإنما المُخطئ هو الأصل (أي ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“).
آدم: أُوُوْوْوْفْ ! أنا أعرفك جيّدًا. أنت تميل إلى النّبش في التفاصيل. ولم تُعط إلى حدّ الآن أية حجّة كافية.
إبراهيم: إذا فَتَحْتَ صدرك، وَوَسّعْت صَبْرَك، يمكن أن أقدّم لك بعض الحجج المفيدة على ذلك.
آدم: هيّا، تكلّم، عَدِّد حُججك. أنا أصغي إليك.
إبراهيم: طيّب ! الحجة الأوّلى، أنه عندما اعتـقل عمر وفاطمة، في 20 غشت 2016، قال عمر بن احماد للبوليس، أنه «متزوّج عُرْفِيَّا»، منذ عدة شهور، مع فاطمة النجار. وفي الحقيقة، فإن العلاقة التي كانت تربط عمر بن احماد بفاطمة النجار هي ”علاقة غرامية“، وليست علاقة ”زواج عُرْفِي“. ولم يُثْبِت عمر بن احماد هو نفسه توفّر شروط ذلك «الزواج العرفي». لأن الشروط الفقهية «للزّواج العرفي» (حسب أخيه الشيخ الإسلامي أحمد الريسوني، المتخصّص في تدريس «المقاصد» في الإسلام) هي التالية: موافقة الزوجة والزوج، ووجود شاهدين، وإعطاء صَدَاق مُرْض، وقراءة الفاتحة.
آدم: وَاخَّا ... ربّما... أنا لا أدري... زِيدْ... وما هي حجّتك الثانية ؟
إبراهيم: جاء في نشرة «التّجديد»، التي يُصدرها ”حزب العدالة والتنمية“، أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ كانت، منذ شهر مارس 2016 (2)، اِنتبه معي، منذ شهر مارس 2016، على علم بوجود علاقة غرامية، أو «زواج عُرفي»، بين عمر بن احماد وفاطمة النجار. لأن عمر بن احماد استشار في هذا الموضوع كلّا من عبد الرحيم شيخي، رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك محمد الحمداوي، وأحمد الرّيسوني. وهما مَعًا عضوان في المكتب التنفيذي لنفس ”الحركة“. وهم كلّهم دهاقنة الدّعوة الإسلامية السّلفية والأصولية في المغرب. وأكّدوا كلّهم وجود تلك الاستشارة. وكانت ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعرف جيّدًا أن عمر بن احماد متزوّج، وله سبعة أولاد، وأن فاطمة النجار أرملة منذ قرابة سنة، ولها ستة أبناء. وكانت ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعتبر هذه العلاقة عادية، ومقبولة، ولو أنها كانت خارجة عن الزواج القانوي. وَتَنَاسَت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن القانون الجنائي القائم بالمغرب يُجرّم مثل هذه العلاقة، ويعاقب عليها في الفصل 490 بشهرين من الحبس، وغرامة 20 ألف درهم.
آدم: وحسب رأيك، لماذا نسيّتْ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن هذه العلاقة، الخارجة عن الزواج، هي مجرّمة من طرف القانون الجنائي؟
إبراهيم: آهْ ! هذا سؤال مهم ! ... قد يأتي هذا النّسيان من كون عدد كبير من أفراد الحركات الإسلامية الأصولية تُغلّب دائما مرجعية «الشريعة الإسلامية»، على مرجعية القانون الوضعي. وفي ذهنها، المهم هو «الشريعة الإسلامية»، وليس هو القانون الوضعي. الشيء الذي يضرب في الصّميم ”دولة الحقّ والقانون“. وقد دام هذا الموقف (أي نسيان القانون) لدى قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، على الأقل، خلال قرابة 5 أو 6 أشهر، من شهر مارس إلى شهر غشت 2016، أي إلى حين اعتـقال الدّاعيتين مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار، وهما «في حالة تلبّس زِنَى»، في يوم 20 غشت 2016. آنذاك، تذكّرت فجأةً قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن حزبها ”العدالة والتنمية“، هو الحزب الأول في الحكومة، وأن الرأي العام لن يقبل من هذا الحزب الإسلامي عدم احترام القوانين القائمة (في مجال الأحوال الشخصية). ولم تعبّر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عن موقف رافض ”للزّواج العُرفي“ إلا في بلاغها المؤرّخ بِ 21 غشت 2016، أي بعد مرور قرابة 5 أو 6 أشهر على عِلمها بوجود هذه العلاقة غير الشرعية، بين الدّاعيّتين عمر بن احماد وفاطمة النجار. بمعنى أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، كانت تتعامل مع هذه العلاقة، بين عمر بن احماد وفاطمة النجار، كشيء عادي، شرعي، ومقبول، إلى حين أن تدخّل البوليس، فقالت هذه القيادة فجأةً أن هذه العلاقة «مرفوضة». حيث كتبت في بلاغها: «يؤكّد المكتب ويُجدّد رفضه التام لما يُسمّى بالزّواج العرفي، وتمسّكه بتطبيق المسطرة القانونية كاملة في أيّ زواج».
آدم: طيّب ! هذه حجّتك الثانية... زِيدْ... وما هي حجّتك الثالثة؟
إبراهيم: قبل اعتـقال الدّاعيتين، كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعرف جيّدًا، أن عمر بن احماد دخل في علاقة غرامية، أو في علاقة «زواج عُرْفِي»، مع فاطمة النجار. وعلى عكس بلاغ الحركة في 21 غشت 2016، كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعتبر ذلك «الزواج العرفي» أمرا عاديا. والدّليل على ذلك هو أنه، خلال الشهور الأولى (من مارس إلى غشت 2016)، لم تعبّر قيادة ”الحركة“ للدّاعيّتين عن رفضِ، أو منعِ، هذا «الزواج العرفي». وإنما كان موقفها هو فقط : «ضرورة التريّث ... [نظرًا] لما يمكن أن يخلّفه من أثر على الأسر، وعلى العمل داخل الحركة»(3)، ونظرًا لأن «رغبة [عمر وفاطمة] يصعب تنفيذها في هذه الظروف» الحالية (حسب ما نُشِر في جريدة التجديد )(4). فطلبت قيادة ”الحركة“ من عمر بن احماد أن «يَتَرَيَّثَا» خلال بعض الوقت، قبل تحويل هذا «الزواج العرفي» إلى «زواج قانوني»(5) (مثلما سبق أن فعل الوزير الإسلامي الحبيب الشّوباني مع عشيقته وكاتبته الجميلة في الوزارة سُميّة بن خلدون).
آدم: أنت تـقصد أن الفضائح الغرامية أو الجنسية هي متعدّدة لدى الإسلاميين الأصوليين.
إبراهيم: أُوهْ، طبعًا ! ما خفِي منها هو أعظم ! ... وبعدما نُشر خبر اعتـقال الدّاعيتين من طرف الشرطة (في 21 غشت 2016)، وهما في حالة تَلَبّس في ممارسة الجنس على شاطئ المنصورية ، أرادت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن تُنـقذ نفسها من أيّ تَوَرُّط في هذه الفضيحة الجنسية، وفكّرت في نفسها قبل غيرها. فأصدرت على الفور بلاغا تعلن فيه : أوّلاً، «تعليق عضوية الدّاعيّتين عمر بن احماد وفاطمة النجار» من ”الحركة“، ومن الحزب (وليس طردهما)، وثانيا، قرّرت «الرّفض التّام لما يُسمّى بالزواج العرفي». كأنها كانت من قبل تجهل كلّ شيء عن وجود هذا «الزواج العُرفِي»، أو العلاقة الغرامية، بين عمر وفاطمة. وكأن عمر بن احماد لم يخبرها بأيّ شيء منذ شهر مارس 2016. بينما أثناء اعتـقاله في حالة تلبّس، صرّح عمر بن احماد إلى الشرطة (حسب مقتطفات من محضر الاعتـقال، المُسرّب على شبكة الأنترنيت، وحسب ما قاله عمر هو نفسه إلى زوجته الأولى عبر الهاتف، من داخل مخفر الشرطة) أنه «كان منذ مدّة متزوّجا عرفيا بفاطمة النجار». (وهذا ما أكّده الشيخ أحمد الريسوني، هو كذلك، في المقال الذي نشره، والذي دافع فيه عن الدّاعيتين عمر وفاطمة). ولو كان عمر بن احماد صادقًا، لقال إلى البوليس، وإلى زوجته الأولى، أنه كان في «علاقة غرامية» مع فاطمة النجار، وليس في «زواج عُرفِي»!
آدم: أَمْ مْ ... فهمتُك. لكن ما طرحتَه لا يُثبت شيئًا. أنا لا يُعجبني التهجّم على الحركات الإسلامية. أنا أظنّ أنك متحيّز، وأظنّ أن الحركات الإسلامية بريئة. وأفترض أنك تتحامل ضدّ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“.
إبراهيم: طيّب ! إن كان تحليلي لا يُثبت شيئًا، قُل لي من فضلك، في هذه الحالة، لماذا لم تأمر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عمر بن احماد وفاطمة النجار، منذ أن عَلِمت بوجود علاقتهما الغرامية في شهر مارس 2016، بأن يُنْهِيَا فورًا «زواجهما العرفي» ؟ لماذا انتظرت قيادة ”الحركة“ خلال قرابة 5 أو 6 أشهر، إلى حين أن تمّ اعتـقالهما في يوم 20 غشت 2016 ؟ ألا يشكّل هذا الصّمت (حول العلاقة الغرامية، أو حول الزواج العرفي) قصورا خطيرا في تدبير، أو في قيادة، ”حركة التوحيد والإصلاح“ ؟ لماذا تـقول قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ ما لا تفعل ؟ لماذا تفعل ما لا تـقول؟ ورغم كلّ تلك المخالفات، لم تعترف قيادة ”الحركة“ في بلاغها (الصادر في 21 غشت 2016) بأية مسؤولية في هذه الفضيحة، لا صغيرة ولا كبيرة، لا مباشرة ولا غير مباشرة، لا عقائدية ولا عَمَلِية. وحمّلت كلّ المسؤولية إلى عمر بن احماد، وإلى فاطمة النجار، وحديهما. بل لم تـقدّم قيادة الحركة أيّ نـقد ذاتي. وهذا سلوك غير عادل، وغير نزيه.
آدم: ربّما ... ربّما ... من الممكن أن يكون معك الحق... وَاخَّا... هذه حجّتك الثالثة... زِيدْ... وما هي حجّتك الرابعة ؟
إبراهيم: بعدما اعتـقل البوليس عمر بن احماد مع فاطمة النجار (في صباح 20 غشت 2016)، طلب عمر من الشرطة الاتصال بالهاتف مع زوجته الأولى، من داخل مخفر الشرطة. وأخبر عمرُ زوجتَه الأولى بأنه معتـقل الآن في مخفر الشرطة، وقال لها أنه «كان منذ مدة في زواج عرفي مع فاطمة النجار». إلى آخره. بمعنى أن عمر بن احماد، وخلال قرابة 5 أو 6 شهور، لم يسبق له أن أخبر زوجته الأولى بِإبرام ”زواج عرفي“ مع فاطمة النجار، إلاّ بعدما ضبطته الشرطة في حالة تَلَبُّس. وطلب عمر من زوجته الأولى «أن تتنازل له عن المتابعة القضائية» (ضدّ الخيانة الزوجية). ما معنى ذلك ؟ ...
آدم: نعم، ما معنى ذلك؟
إبراهيم: معناه أن الزوجة الأولى لِعُمر لم تكن على علم برغبة زوجها في الزواج ثانيةً. ومعناه أن علاقة عمر مع فاطمة، والتي ابتدأت قبل شهر مارس 2016 (أي منذ أكثر من 5 أو 6 شهور)، كانت تشكّل «خيانة زوجية»، مخفيّة، وسرّية. ومعناه أن قيادة ”حركة التوحيد الإصلاح“، التي كانت على علم تام بوجود هذه العلاقة (=الخيانة الزوجية)، أو بهذا «الزواج العرفي»، كانت متواطئة مع عمر بن احماد، ومع فاطمة النجار، في ممارسة هذه «الخيانة الزوجية»، وفي إخفائها، ضدّ الزوجة الأولى لعمر بن احماد ! فلماذا سكتت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عن هذه «الخيانة الزوجية» ؟ لماذا شارك كلّ من عبد الرحيم شيخي، رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، ومحمد الحمداوي، وأحمد الرّيسوني، عُضْوَيْ المكتب التنفيذي لنفس الحركة، في إخفاء هذه «الخيانة الزوجية» على الزوجة الأولى لعمر بن احماد؟
آدم: وماذا تريد منهم أن يفعلوه ؟
إبراهيم: أسألهم: لماذا لم يغيّر أعضاء قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ «المنكر»، لا بأيديهم، ولا بلسانهم، ولا بقلبهم؟ ولماذا لم تُخبر قيادة ”الحركة“، لا الزوجة الأولى لِعمر بن احماد، ولا أبنائهما، ولا الشرطة، ولا أيّ طرف آخر؟ ألا يشكّل السكوت عن وجود هذه «الخيانة الزوجية»، وإخفاؤها، نوعا من التواطؤ ؟ ولماذا انشغلت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ فقط بإنـقاذ نفسها من أي تورّط في هذه الفضيحة الجنسية، ولو عبر الكذب؟ (وأُوَضِّح أن معني الكذب هنا، هو أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أخفت، أو أنكرت، أنها كانت على علم بوجود «زواج عرفي» بين عمر وفاطمة، خلال 5 أشهر على أقلّ تـقدير، قبل حدوث اعتـقالهما).
آدم: وماذا كان على قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن تـقوله ؟
إبراهيم: أطرح السّؤال التالي: لماذا لم تتجرّأ قيادة ”الحركة“ على نشر أيّ نـقد ذاتي تعترف فيه بأخطائها الخاصة ؟ ألا يتنافى هذا السلوك مع الأخلاق التي تزعم ”حركة التوحيد والإصلاح“ الدّفاع عنها ؟ هل يُعقل أن تبني حركة إسلامية أصولية حزبا سياسيا (هو «حزب العدالة والتنمية»)، وأن تدّعي أن هذا الحزب هو مبني على أساس الدّين الإسلامي، وأن تروّج خطابًا دينيا وأخلاقيا متشدّدًا، ولو أن أعضاء هذا الحزب يعجزون هم أنفسهم على الالتزام بتلك المبادئ والأخلاق الدّينية ؟
آدم: هَمْمْمْمْ ! ... إِوَا ... ماذا أقول لك؟ ... هذه تفاصيل ... وهل يلزم أن نفحص كلّ التفاصيل؟ هل تستحق هذه التفاصيل أن نُضَيّع الوقت في تحليلها ؟
إبراهيم: ولماذا لاَ ؟ اِعْتَبِر حواري معك مثل رواية أدبية تستمتع بها أثناء وقتك الفارغ. ثمّ قل لي بصراحة، أليست التفاصيل مفيدة جدّا ؟ حيث توجد فعلاً في هذه الفضيحة تفاصيل كثيرة، تكفي لتحرير كتاب ضخم. وهذه التفاصيل، هي بالضّبط التي تفضح جوانب ذات بُعْد مجتمعي، وسياسي، وثقافي. بل تكتسي هذه التفاصيل أهمية فكرية كبيرة، وتستحق أن ندرسها، وأن نحلّلها. أمّا إذا تجاهلنا التفاصيل، فسيبقى كلامنا سطحيا، وبدون فائدة ! ... ومن بين التفاصيل الأخرى المهمة، مسألة «وِصَايَة الأبناء على الأم الرّاشدة» !
آدم: ربّما... رُبّما... هذه هي حجّتك الخامسة... لكن، مَا علاقة موضوع الدّاعيتين عمر وفاطمة بموضوع «وصاية الأبناء على الأم الراشدة» التي ذكرتها سابقا ؟
إبراهيم: فعلاً ! ألم تلاحظ أن أبناء فاطمة النجار، وكذلك قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، تعاملوا مع الأستاذة فاطمة النجار كما لو كانت كائنا قاصرًا ؟ فهذا الصّنف من التعامل مع المرأة (من قبل الحركات الإسلامية الأصولية) لا يفاجئ أحدًا. فَبِمُجَرّد أن علم أبناء فاطمة النجار (في مارس أو أبريل 2016) بخبر وجود علاقة غرامية، أو «زواج عرفي»، بين أمهم وعمر بن احماد، اتصلوا فورًا بقيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، وعبّروا عن «رفضهم المطلق» لهذه العلاقة، ولمشروع «زواج» أمهم(6). والغريب هو أن أبناء فاطمة النجار نصّبوا أنفسهم ”أولياء“ على أمّهم، رغم أنها راشدة، أستاذة، وعقلها سليم، وداعية قيادية في ”الحركة“، وتدرك كيف تدبّر حياتها الشخصية. واتخذوا مواقف محافظة أكثر من مواقف أمّهم. (لاحظ كيف تُصبح الأم هُنَا ضحية للتّربية الإسلامية الأصولية التي لَقَّنَتْها لأولادها). وحتّى أمّهم فاطمة النجار، تعاملت مع ”وصاية“ أبنائها، المتطفّلة على حياتها الشخصية، كشيء عادي، مشروع، ومقبول. ولو كانت امرأة أخرى حَدَاثِيّة، أو ديمقراطية، في مكان فاطمة، لما قبلت هذا التدخّل في شؤونها الشخصية.
آدم: أَيْوَا... كَيْفْ... ممكن ... لكن ... وأين هو المشكل ؟ أنا لا أرى أيّ مشكل في وصاية الأبناء على أمّهم، عندما تريد أن تتزوج مرةً إضافية. هذه أمور عادية.
إبراهيم: يمكن إبراز عدّة إشكالات. ومنها مثلا: هل «وصاية الأبناء على الأم» معقولة، أو مقبولة ؟ هل «وصاية الأبناء على الأم» ناتجة عن تربيتهم الإسلامية الأصولية، أم عن ماذا ؟ ألا تُشكّل «وصاية الأبناء على الأم» مجرّد مظهر من مظاهر ”الفكر الذُّكُوري“؟ ولماذا قبلت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ «وصاية» أبناء فاطمة النجار على أمهم، ولماذا لم تعبّر عن رفضها أو شجبها ؟ وهل يُعقل تَدَخّل الأبناء في الشؤون الشخصية لأمهم، رغم أنها راشدة ؟ ومن يضمن لنا أن الأبناء، «الأوصياء على أمهم»، سيغلّبون مصلحة أمّهم على مصالهم الشخصية الخاصة ؟ ألاَ يشكّل موقف الأبناء من زواج أمهم مجرّد موقف عاطفي، أو ذاتي؟ ألا تجسد «وصاية الأبناء» على أمّهم الرّاشدة احتـقارًا سافرًا لها ؟ هل يكفي أن يكون شيء ما (مثل الوِصَايَة على المرأة الرّاشدة) مذكورًا في «الشريعة الإسلامية» لكي نـقبل به دون تفكير، ولا تساءل، ولا نـقد، ولا تـقويم ؟ وهل يعقل حرمان النساء الراشدات من التحكّم في شخصياتهن، وفي أجسادهن، وفي حياتهن ؟ فإذا كان الإسلاميون الأصوليون يظنّون أن عقل المرأة هو منعدم، أو هزيل، بالمقارنة مع عقل الرجل، إلى درجة وجوب فرض ”الوصاية“ على كلّ أنثى، فليتجرّأ الإسلاميون الأصوليون على التصريح بذلك بشكل علنيّ، وواضح. عليهم أن لا يختبئوا وراء نصوص دينية قديمة. ويلزمهم في هذه الحالة، على الأقل، أن يفسّروا لنا مثلاً: لماذا تتفوّق الفتيات على الفِتًيَان في الدّراسات الجامعية، وفي العلوم الدّقيقة؟
آدم: ... أمْ مْ مْ ... أرى ماذا تـقصد ... أنا لا أعرف جيّدًا ... ومن يدري؟ ... قد يكون معك الحق ... طيّب ! هذه حجّتك الخامسة... زِيدْ... وما هي السادسة ؟
إبراهيم: بعدما أصدرت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ بلاغها الأول، ثم الثاني، اللذين تبرّأت فيهما من عمر بن احماد، وفاطمة النجار، قام أشخاص آخرون (مثل الشّيخين أحمد الريسوني، ومحمد الفيزازي(7))، من داخل أعضاء ”حركة التوحيد والإصلاح“، أو من المتعاطفين معها، أو من تيارات أخرى إسلامية أصولية، قاموا بِرُدُود أفعال مخالفة، ومنتـقدة لقيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“. ودافعوا بشدّة عن الدّاعيتين عمر بن احماد وفاطمة النجار، وعبّروا على أن «زواجهما العرفي هو شرعي، ومقبول، ويتطلب الدّعم والمؤازرة أمام المجتمع»! ورغم أن قيادة ”حركة الإصلاح والتوحيد“ عبّرت عن موقف رافض، ومتأخّر، لِ «الزواج العرفي»، فالواقع العنيد هو أن فئات واسعة من أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية كانت، ولا زالت، وستبقى، تؤمن بِ «الزواج العرفي»، وتُدافع عنه، وتريد ممارسته. وفي هذا الصّدد، سبق لوزارة العدل بالمغرب أن قالت أن عدد حالات «الزّواج العُرفي»، أو «زواج قراءة الفَاتِحَة»، يُقدّر في كلّ عام بقرابة 35 ألف حالة. وإذا كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ قد قرّرت «تعليق عضوية الأخوين عمر وفاطمة»، بسبب ممارسة هذا «الزواج العرفي»، فإن هذا القرار لا يُنهي المشكل. حيث لم تـقل لنا قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ ماذا ستفعل مع أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية الذين لا زالوا يدافعون بحماس عن فكرة «الزواج العرفي» ؟ هل ستنتظر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ إلى أن يمارس هؤلاء الأعضاء، هم أيضا، هذا ”الزواج العرفي“، وإلى أن يحصلوا في فضيحة جنسية، لكي تطردهم، هم بدورهم؟ ألا تُحسّ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن هذه المعتـقدات تشكل خطرا على المجتمع ؟ ألا ترى قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن الضحية الأولى لِمُخلّفات «الزواج العرفي» هي أولاً النساء، وثانيا الأبناء الصغار، وليس الرجال؟ ولماذا ظلّت ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك من شابهها من الحركات الإسلامية الأصولية، وخلال عقود متوالية، لا تُبالي بمطالب الجمعيات النّسوية التي تدافع عن حقوق النساء، والتي ظلّت تُنبّه إلى ما تعانيه النساء من معاناة، وعذاب، وشقاء، من جراء «الزواج العرفي»، ومن جرّاء مجمل السلوكيات الذّكورية الأخرى الجائرة، التي تمسّ المرأة في سلامتها، أو في كرامتها ؟ المهم إذن، هو أن فضيحة «الزواج العرفي»، لا يعني فقط عمر بن احماد وفاطمة النجار (مثلما زعمت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“)، وإنما يهمّ مجمل الحركات الإسلامية الأصولية، ويهمّ كل المجتمع.
آدم: ... إِيِّيييهْ ... نعم ... بصراحة، لم يسبق لِي أن فكّرتُ في هذا الموضوع من هذه الزاوية. أنتم العقلانيون الجدليّون تفتّشون عن القَمْلَة في تَلّ من التّبن.
إبراهيم: هَا، هَا، هَا، ... هذه ليست قَمْلَة، بل هي فِيلَة، يراها كلّ عاقل !
آدم: هِي، هِي، هِي، ... إِيوَا فِيلَة هذي ! ... هِي، هِي، هِي، ... فِيلَة تمشي وتحرّك أذنيها... أُوفْ ... لا يهم ... زِيدْ... ما هي الآن حجّتك السابعة ؟ والأحسن هو أن تلخّص كلامك، وأن تـقول لي بسرعة ما هو الجوهر في فضيحة عمر بن احماد وفاطمة النجار ؟
إبراهيم: الجوهر في فضيحة عمر بن احماد وفاطمة النجار، ليس هو لجوء شخصين محدّدين (الدّاعيّتين) إلى ممارسة الجنس خارج إطار الزواج القانوني، وليس هو العمل بِ «الزواج العرفي»، مثلما ادّعت قيادتي ”حزب العدالة والتنمية“، و”حركة التوحيد والإصلاح“، في بلاغيهما المذكورين. وإنما الجوهر في هذه الفضيحة هو التالي: تعيش الحركات الإسلامية الأصولية باستمرار في حالة تذبذب بين شيئين متناقضين، وهما مرجعية «الشريعة الإسلامية»، ومرجعية «القانون الوضعي». تارةً تـقتصر الحركات الإسلامية على مرجعية الدّين، وتارةً أخرى تستعمل مرجعية العقل. فهذه الحركات الإسلامية الأصولية تَحْتَـكِم في بعض القضايا إلى «الشريعة الإسلامية» وحدها، حين تكون في صالحها. وفي قضايا أخرى تَحْتَكِم إلى القانون الوضعي وحده، حينما يكون في صالحها. ومن فترة لأخرى، يبرز تناقض صارخ بين ما هو موجود في «الشريعة الإسلامية»، وما هو موجود في القانون الوضعي. ومن بين هذه الحالات، نجد بالضّبط مثال «الزواج العرفي». فهو مشروع تمامًا في «الشريعة الإسلامية» (حسب كثير من الفقهاء)، لكنه مُصنّـف في القانون الجنائي الحالي كَ «جريمة زِنَى». وما ينطبق على «الزواج العرفي»، ينطبق أيضًا على «زواج قراءة الفَاتِحَة»، وعلى «زواج المُتعة»، وعلى «نكاح ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم»، إلى آخره. والغريب هو أن بعض الأفراد من الحركات الإسلامية الأصولية يريدون، في نفس الوقت، الاستفادة من «الشريعة الإسلامية»، حينما تكون في صالحهم (مثلا الزواج العرفي)، ويريدون الاستفادة من القانون الوضعي، حينما يكون في صالحهم (مثلا الوصول إلى الحكومة عبر الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات العامة). والخطير هو أن معظم الحركات الإسلامية الأصولية يريد فرض «أَسْلَمَة الدولة»، وفرض «أسلمة القانون الوضعي»، وفرض «أسْلَمَة المجتمع»، وفرض «الشريعة الإسلامية»، على كل المواطنين، سواء بواسطة الحيلة، أم بواسطة القانون، أم بالعنف، أم بالإرهاب، أم بالحرب الأهلية(8), مثلما حدث ذلك، مِرارًا وتكرارًا، في العديد من البلدان المسلمة، كأفغانستان، وباكستان، وإيران، والعراق، وسورية، واليمن، والصومال، والجزائر، ومصر، والسودان، وليبيا، إلى آخره! ويتظاهرون بكونهم لا يُدركون أن هذه الطموحات الإسلامية الأصولية تتنافى مع دولة الحق والقانون، وتتناقض مع الديمقراطية(9)، وتتعارض مع حقوق الإنسان، وتُعاكس روح القانون الوضعي.
آدم: أَمْ مْ مْ ... ولكن يا أخي، نحن شعب مسلم !
إبراهيم: حتّى ولو كان الشعب مسلمًا، فهذا لا يبرّر إجبار كل المواطنين على التديّن، وعلى التعبّد. على عكس ذلك، الجوهر في الديمقراطية، هو فصل الدّين عن الدولة، والعمل بِحُرّية العقيدة، وحرّية العبادة، وكذلك حرّية عدم العبادة.
آدم: غريب ٍ! ألاحظ أنك لا تنتـقد فقط الدّاعيتين المذنبتين، عمر بن احماد وفاطمة النجار، وإنما تنتـقد الحركات الإسلامية السلفية في مجملها.
إبراهيم: وهل تريد منّي أن أنتـقد الفَرْع، وليس الأصل؟
آدم: على كلّ حال، من حقّك أن تنتـقد من تشاء... زِيدْ... هل لديك الآن حجّة ثامنة ؟ وأطلب منك أن تختصر كلامك.
إبراهيم: بالضّبط ! الحجّة الثامنة هي أن عمر وفاطمة هما مجرد ضحايا فكر ديني محدّد. وكلّ محاسبة لعمر وفاطمة لا تمتدّ إلى مستوى نـقد ذلك الفكر، ستكون محاسبة ناقصة، أو سطحية، أو غير عادلة. فمن المؤسف أن نلاحظ أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك مجمل الأحزاب والحركات الإسلامية الأصولية، ليست في مستوى المسؤولية. فهل يصحّ أن «الزواج العرفي» هو العنصر الوحيد غير المعقول الموجود في «الشريعة الإسلامية» ؟ وهل يُعقل أن تنتظر الحركات الإسلامية الأصولية، في كلّ مرّة، حدوث فضيحة مجتمعية مدوّية، لكي تكتشف أن شيئا ما لا يمكن قبوله في «الشريعة الإسلامية» ؟ وإلى متى ستستمر الحركات الإسلامية الأصولية في تناول مساوئ «الشريعة الإسلامية» عبر عزل كلّ قطعة صغيرة، الواحدة تلو الأخرى، بدلاً من تناول كل القطع كاملة، ودفعة واحدة ؟ لماذا لا تـقدم الأحزاب والحركات الإسلامية الأصولية على دراسة منهجية وشمولية، تهدف إلى اكتشاف ونـقد كل العناصر غير المعقولة، الموجودة في «الشريعة الإسلامية» ؟ متى ستـتـجرّأ الحركات الإسلامية الأصولية على الاعتراف أن تاريخ صلاحية «الشريعة الإسلامية» قد انتهى منذ أكثر من ألف عام ؟ متى ستدرك أن «الشريعة الإسلامية» تتناقض كلّيا مع الديمقراطية، ومع حقوق الإنسان، ومع دولة الحق والقانون ؟ متى سيدرك الإسلاميون الأصوليون أن «الشريعة الإسلامية» تُكَبّل الإنسان بدلاً من أن تُحَرّره ؟
آدم: أُوْوْوْهْ... ذهبتَ بعيدًا في تفكيرك... رُبّمَا... رُبّمَا... ولماذا لا ؟ ... هذا تساؤل مشروع... بل قد يكون تفكيرا منطقيا... لكنني لا أرى إلى أين تريد أن تصل. قُل لي إذن: كيف تفهم أنت بنفسك الحجج أو العناصر السابقة التي حلّلتها ؟ هل لديك استنتاجات محدّدة ؟ وما هي خلاصتك مِمَّا طرحته ؟ ولكن باختصار.
إبراهيم: من بين خلاصات التحليل المقدّم أعلاه، أن المخطئ في هذه الفضيحة الجنسية، ليس هو عمر بن احماد وفاطمة النجار، وحدهما فقط، مثلما زعمت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“. وإنما المخطئ هو مجمل أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية، بفكرهم، ومعتـقداتهم، حول الدّين، وحول المرأة، وحول الجنس. حيث لا يمكن أن يؤمن اليوم بِ «الزواج العرفي»، أو بِ «تعدّد الزوجات»، أو بِ «تزويج الفتيات القاصرات»، أو بِ «وصاية الأبناء على الأم الراشدة»، أو بِ «قُصور عقل المرأة»، أو «قِوَامَة الرّجال على النساء»، أو ما شابه ذلك، لا يمكن أن يؤمن بذلك سوى من يرفض بِتَـعَمُّد مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل ! وإذا كان أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية يعجزون هم أنفسهم على الإلتزام بمبادئ وقواعد خطابهم الإسلامي الدّعوي، مثلما اِتّضَح في هذه الفضيحة الجنسية، فيجب عليهم أن يكُفّوا عن مغالطة أنفسهم، وعن مغالطة الشعب. عليهم أن يَرَوْا، وأن يعترفوا، أن «الشريعة الإسلامية» لا تصلح لعصرنا، وتتناقض مع الديمقراطية، ومع حقوق الإنسان، ومع الحرّيات الشّخصية. فهم يزعمون أنهم يقدرون على معالجة كل مشاكل المجتمع بأيديولوجيتهم الدّينية. لكنهم لا يستطيعون في الواقع، لا فهم، ولا معالجة، أي مشكل من مشاكل مجتمعنا. وعند الاصطدام بأي مشكل مجتمعي، يقولون لنا دائما نفس الشيء: «حَلُّ هذا المشكل المجتمعي يكمن في العودة إلى الدّين، وفي الرّجوع إلى العبادة»! بينما الرجوع إلى العبادة، يبقى مجرد رجوع إلى العبادة، ولا يمكن أبدًا أن يقدر على معالجة أيّ مشكل مجتمعي مهما كان.
آدم: آهْ... إِوَا ... ماذا أقول لك ؟ ... لا أعرف ماذا أقول لك...
إبراهيم: لا، إذا حرّرتَ نفسك من بعض المعتـقدات المُطلقة، وإذا تخلّصتَ من مواقفك المُسْبَقَة، والقاهرة، يمكن أن تـقول أشياء كثيرة، ويمكن أن تُفْصِح عن مشاعر مهمة. وفي ختام حوارنا هذا، قُل لي مثلاً، وبصراحة: هل في قرَارَة نفسك، أو هل في عُمق عقلك، هل تعتبر أن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما مُذنبين، أم بريئين ؟
آدم: ... ءُ ءْ ... إِوَاااا ... ماذا أقول لك؟ ... أظنّ... بصراحة... هما مذنبان ! والدليل على ذلك هو محضر الشرطة.
إبراهيم: لا يا مواطن، هذا خطأَ ! هذا كلام غير دقيق ! عمر وفاطمة ليسا مذنبين بشكل مطلق. البراءة، أو الذّنب، أو الجريمة، لا معنى لها، ولا مشروعية لها، إلاّ طبقًا لِمَرْجِعِيَّة محدّدة. فما يُعتبر جريمة في نظام قِيمِي محدّد، هو براءة في نظام قيمي آخر. فأعرض عليك المرجعيات القِيمِيّة (systèmes de valeurs) الثلاثة التالية:
1)- من وجهة نظر فهم إسلامي أصولي لِ «الشريعة الإسلامية» (مثلما يُروّج لها بعض فقهاء الدّين)، فإن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما بريئين، لأن علاقتهما الجنسية تدخل ضمن «زواج عرفي»، شرعي، ومقبول (مثلما كتب الشيخ أحمد الريسوني، والشيخ محمد الفيزازي). لكننا، في هذا الإطار، نـقول لهؤلاء الإسلاميين الأصوليين: إذا كان هذا «الزواج العرفي» حقّا صحيحًا، ومقبولا، فإننا نودّ أن يستمتع به كلّ المواطنين، رجالاً ونساءً، وبالتّساوي، وخاصة منهم الشبّان، والمراهقون، والعزّاب، وكلّ الذين تجعلهم أوضاعهم المجتمعية عاجزين على توفير الشروط المادية الضرورية لِعقد زواج قانوني (ومن أبرز هذه الشروط: الحصول على شغل، وعلى سكن، وعلى مدخول كافي). ولا نـقبل بأن يكون هذا «الزواج العرفي» امتيازا خاصّا فقط بِزعماء الحركات الإسلامية الأصولية.
2)- من وجهة نظر فهم إسلامي أصولي آخر لِ «الشريعة الإسلامية» (مثلما يدافع عنها فقهاء إسلاميون أصوليون آخرون)، فهذه العلاقة الجنسية بين عمر وفاطمة تُعتبر «زِنى»، وعقوبتها في هذا الفهم «للشريعة الإسلامية»، هي «الرّجم حتّى الموت». لكننا، في هذا الإطار، نـقول لهؤلاء الإسلاميين الأصوليين : رجم الزّاني والزّانية هو معاملة قاسية، أو حشية، وكل إنسان ذو عقل سليم، لن يقبل هذه المعاملة القاسية، حتّى ولو تعلّق الأمر بخصومه.
3)- من وجهة نظر القانون الجنائي القائم حاليا في المغرب، تـقول مادته رقم 490: «كل اتصال جنسي غير شرعي، بين رجل وامرأة، لا تربط بينهما علاقة زوجية، تُكَوِّن جريمة الفساد، ويُعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر، وغرامة من 000 2 إلى 000 20 در هم، أو إحدى هاتين العقوبتين». وطبقًا لهذا القانون، يلزم الحكم بالسجن النافذ على عمر بن احماد وفاطمة النجار.
4)- من وجهة نظر دولة الحق والقانون، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فقد سبق لِرحمان النوضة أن كتب : «معظم الدول الدّيمقراطية في العالم، تعتبر كلّ علاقة بين رجل وامرأة، إذا كانا رَاشِدَيْنِ، وغير مرتبطين بزواج قانوني، وإذا كانت علاقتهما سِلْمية، وبالتّراضي المُتبادل، وإذا لم تكن هذه العلاقة تشمل قاصرًا، ولا معوّقًا ذهنيا، وإذا لم يشتكِ منها أي طرف ثالث (مثلما يحدث في حالة ”الخيانة الزوجية“ المُشْتَكَى منها)، فإن هذه العلاقة لا تُعتبر جريمةً، ولو تخلّلتها علاقة جنسية (خارج الزواج القانوني)، ولا يحقّ أن يتدخّل في هذه العلاقة، لا الدولة، ولا أي طرف آخر، ولا أن يعاقب عليها»(10) ! وعليه، فمن وجهة نظر دولة القانون، وحقوق الإنسان، والحرّيات الشخصية، فإن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما بريئين. ولا يحق للدولة أن تعتـقلهما، كما لا يحق لأية هيئة دينية أن تتدخّل في شؤونهما الشخصية، ولو فُوجِئَا، أو ضُبِطَا، وهما يمارسان الجنس، خارج إطار الزواج القانوني. أمّا إذا اشتكت الزوجة الأولى لعمر بن احماد ضدّ ”خيانة زوجية“، فذاك موضوع آخر. وإذا اشتكت الزوجة، أو الزوج، من خيانة زوجية، يلزم في هذه الحالة تلافي اللّجوء إلى الطّلاق، ومعالجة المشكل بالتي هي أحسن، عبر التفهّم، والتسامح.
آدم: فهمتُك ! معنى قولك هو: لا توجد جريمة مطلقة. ولا تكون جريمة معيّنة ثابتة إلاّ طبقا للمرجع القيمي الذي نَحْتَكِم إليه. وما هو جريمة في مرجع قيمي محدّد، قد يُعتبر فعلا عاديّا، أو مشروعا، في مرجع قيمي مخالف.
إبراهيم: بالضبط !
آدم: وماذا سنفعل الآن ؟ المشكل محيّر. فإذا كان عمر وفاطمة بريئين من وجهة نظر نظام قيمي محدّد، فهل يحقّ أن نُخضع عمر وفاطمة لعقوبة معيّنة تَبَعًا لنظام قيمي آخر ؟ هل نُـفَعِّل القانون الوضعي، أم ”الشريعة الإسلامية“، أم حقوق الإنسان ؟ لأن عمر وفاطمة هما مجرمين من وجهة نظر القانون الجنائي القائم حاليا بالمغرب. وهما في نفس الوقت بريئين من وجهة نظر فهم محدّد لِ «الشريعة الإسلامية»، أو من وجهة نظر حقوق الإنسان. والحاصل في الواقع هو أنه، يوجد خلاف غريب فيما بين الإسلاميين الأصوليين هم أنفسهم حول الفهم الصحيح لِ «الشريعة الإسلامية»: البعض يقول أن «الشريعة الإسلامية» تبيح ”الزواج العرفي“، أو ”زواج قراءة الفاتحة“، أو ”زواج المتعة“، أو ما شابه هذه العلاقة المعنية. والبعض الأخر يقول أن «الشريعة الإسلامية» تصنّف ”الزواج العرفي“ كَـزِنَى، أو كَفِسْق، أو كَدعارة مُحَرّمة ! ما العمل إذن؟ هذا مُحيّر !
إبراهيم: هنا نسأل أعضاء وأنصار ”حزب العدالة والتنمية“، و”حركة التوحيد والإصلاح“، بما فيهم الشيوخ البارزين عبد الإله بنكيران (رئيس الحكومة)، ومصطفى الرّميد (وزير العدل)، وأحمد الريسوني (أستاذ)، وعبد الرحيم شيخي (مهندس)، وسعد الدّين العثماني (طبيب)، وعبد الله بوانو (برلماني)، إلى آخره، ونـقول لهم : «تصوّروا أنكم حُكَّام، أو قُضاة، وقولوا لنا بصراحة ونزاهة: ما هي العقوبة التي تفضّلون تطبيقها على الشّيخين المتورّطين عمر بن احماد وفاطمة النجار ؟ هل تفضّلون تطبيق المادة 490 من القانون الجنائي، وعقوبتها هي ثلاثة أشهر من الحبس، أم أنكم تفضّلون تطبيق حدّ «الشريعة الإسلامية»، التي تحكم بِ «الرّجم حتى الموت» ؟ لكن إن كنتم تفضلون خيّارًا ثالثًا، هو التّسامح، والتفهّم، واللّطف، ودولة الحق والقانون، وحقوق الإنسان، والحرّيات الشخصية، فإننا نتّـفق معكم، ونساندكم، لكننا نطلب منكم، في هذه الحالة، أن تكونوا، على الأقل، منطقيّين مع أنفسكم، وأن تـقبلوا تعميم هذا التّسامح على كل المواطنين، بلا استثناء، نساءً ورجالاً. وأن لاَ تعملوا بقانون ”الكيل بمكيالين“. وأن لا تتحدثوا لنا، من الآن فصاعدًا، لاَ عن «الدولة الإسلامية»، ولا عن هذه «الشريعة الإسلامية» المتطرّفة، وغير الإنسانية، التي تعجزون أنتم بأنفسكم عن الالتزام بأحكامها ! فاختاروا ما تريدون، وكونوا منطقيّين مع أنفسكم ! أمّا أنا، فَلَا أقبل منكم أن تُضحّوا بِعُمر بن احماد وفاطمة النجار، كَ «كَبْشَيْ فِدَاء»، مثلما فعلتُم، بلا شفقة، ولا رحمة. لأن النتيجة الآن، هي تحطيم عائلة عمر بن احماد، وخلخلة عائلة فاطمة النجار، وعدم استـقرار العائلة الجديدة المكوّنة من زواج قانوني بين عمر بن احماد وفاطمة النجار. ولأن الحقيقة الساطعة، هي أنكم كلّكم شُركاء في مسؤولية هذه الفضيحة الجنسية المؤلمة، وفي مسؤولية أمثالها الكثيرة بالمغرب، التي تعدّ، مع الأسف، وفي كلّ يوم، بعشرات الآلاف !
آدم: أظنّ أن ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك ”حزب العدالة والتنمية“، يتمنّون بشغف قوي، أن يجد القضاء حيلة معيّنة، لكي لاَ يحكم على مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار بثلاثة أشهر من الحبس (طبقًا للفصل 490).
إبراهيم: في حالة حدوث مثل هذه ”التّمييز“، فسيكون نوعًا من النّفاق، أو من التّطبيق الانتـقائي للقانون، أو من الإفلات من العقاب، أو من استغلال النفوذ.
آدم: واعْلاَشْ ؟
إبراهيم: اعْلاَشْ ؟! هُوهْ ! اعْلاَشْ ! ألاَ ترى لماذا ؟ إلى متى نُـطِيـق تركيز تَطبيـق القانون الجنائي على أفراد الشعب المعزولين، والفقراء، والضّعفاء؟ لماذا لا يُطبّـق القانون الجنائي على كلّ من كَبُرَ شأنهم مثلما يُطبّق على كلّ من صَغُر شأنهم؟ متى سَيُعامل كل المواطنين بالتّساوي أمام القانون؟ هل حتّى الإسلاميين الأصوليين سيطبّقون القانون بطريقة تَمْيِيزِية؟ أتذكّر بهذا الصّدد مثالاً آخر معبّرًا، هو قضية الصحافي الشاب المعارض هشام المنصوري (34 سنة)(11). وقد حدثت قضيته (في مارس 2016)، قُبَيْلَ وقوع قضية عمر بن احماد وفاطمة النجار.
آدم: تـقصد أن هتين القضيّتين حدثتا بشكل متزامن تـقريبًا !
إبراهيم: نعم. وحسب وجهة نظر «الجمعية المغربية لصحافة الاستـقصاء» (AMJI)، والتي ينتمي إليها هشام المنصوري، تعتـقد أن البوليس كان يرصُد تحرّكات هذا الصحافي المُعارض هشام المنصوري، ربّما بهدف العثور على مبرّر لإدانته. ولما لاحظ البوليس أن هشام تعرّف على امرأة، ثم دخل معها إلى شقّته (في 17 مارس 2016)، هجم البوليس عليه بعنف داخل بيته، ولم يترك لِلمسكين هشام المنصوري حتى الوقت الكافي لممارسة الجنس. واتهم البوليسُ هشامَ بِ ”الخيانة الزوجية“ (حسب الفصل 491 من القانون الجنائي). وقالت «الجمعية المغربية لصحافة الاستـقصاء» (AMJI) أن المتّهم هشام المنصوري تعرّض للإهانة، وللتّعنيف، ونـقل إلى مخفر الشرطة في سيارة مدنية وهو مجرد من ملابسه (باستثناء سْلِيبْ تحتي)(12). (بينما الإسلاميان عمر بن احماد وفاطمة النجار، لم يُعنّفَا، بل أُطْلِقَ سراحهما بكفالة، في انتظار محاكمتهما). وأمام هذه الحالة أيضًا، شكّ بعض الملاحظين أن هشام المنصوري سقط في فخّ مُخطّط له. وافترض البعض الآخر احتمال أن يكون البوليس هو الذي بعث تلك المرأة لكي تتصاحب مع هشام المنصوري.
آدم: وماذا كانت عقوبة هشام المنصوري؟
إبراهيم: يعاقب الفصل 491 من القانون الجنائي ”الخيانة الزوجية“ بالحبس من سنة إلى سنتين، في حالة وجود شكاية الزوجة أو الزوج. وقالت نعيمة الگلاّف، محامية هشام المنصوري، أن القانون الجنائي لا يسمح للنّيابة العامّة بأن تُتابع هشام المنصوري (المُتّهم بالخيانة الزوجية) إلاّ في حالة إذا كان الزوج المعني موجودا خارج المغرب، بينما الزوج المعني كان موجودا داخل المغرب، ورفض أن يقدّم شكاية ضدّ الخيانة الزوجية. وقال المتّهم هشام المنصوري أن تلك المرأة التي تعرّف عليها أخبرته أنها غير متزوجة (بينما اتّضح فيما بعد أن إجراءات طلاقها من زوجها لم تنته بعدُ). ثم حكمت المحكمة على هشام المنصوري بِ 10 شهور حبسًا نافذًا، وغرامة 40 ألف درهم. وآنذاك طبعًا، لم تتضامن الأحزاب والحركات الإسلامية مع هشام.
آدم: هذه القضية تحتوي على تفاصيل كثيرة. وكثرة التفاصيل تحثّني على التّفكير، وتجعلني أحسّ بِسُخُونة في رأسي، كما أحسّ أن دماغي يعمل بحيوية كبيرة.
إبراهيم: هذا جيّد ! نحن كإنسان نحتاج إلى تـنشيط حيويّة عقلنا. وكما تلاحظ أنت بنفسك، لا يمكن أن نفهم أيّة قضية مجتمعية، أو ثقافية، أو سياسية، إلاّ إذا أخذنا بعين الاعتبار قدرًا محدّدًا من التفاصيل... واستمرارا في موضوعنا الأول، يمكن أن نلاحظ باستغراب أنه، حينما يتورّط مسؤول ”مخزني“ (من «خُدّام الدّولة»)، أو زعيم إسلامي، في فضيحة جنسية (مثل الدّاعيتين عمر بن احماد، أو الوزير الحبيب الشّوباني)، يوجد من يذهب فورًا إلى الزوجة (التي هي ضحية ”الخيانة الزوجية“)، لكي يُقنعها بأن تتنازل عن المتابعة القضائية لزوجها. فيفلتُ زوجها هكذا المُتّهم (مثل الدّاعيّة عمر بن احماد، أو الوزير الإسلامي الحبيب الشّوباني) من عقوبة سنتين سجنًا (الموجودة في الفصل 491). ونلاحظ أيضا أنه، حينما انفضحت العلاقة الغرامية بين الوزير الإسلامي الحبيب الشوباني، وكاتبته الجميلة في الوزارة سُميّة بن خلدون، لم يطلب أحد بأن يُطبق هذا الفصل 491 (المتعلّق بِ ”الخيانة الزوجية“) على هذا الوزير الإسلامي الحبيب الشّوباني (مثلما حدث في حالة الزُّغْبِي هشام المنصوري). بل شجّع الحبيب الشّوباني عشيقته على الطّلاق من زوجها، في إطار إفلات تامّ من العقوبة. ثم قالوا لنا أن الزوجة الأولى للحبيب الشّوباني كانت «راضية تمامًا»، إلى درجة أنها هي التي أسرعت لِكي «تَخْطُبَ» لزوجها الزوجة الثانية سُميّة بن خلدون. كما أن زوجة عمر بن احماد تنازلت فورًا عن مُتابعة زوجها بِ «الخيانة الزوجية»، لكنها طلبت فيما بعد الطّلاق من عمر بن احماد، وحصلت عليه. وقرّر عمر بن احماد وفاطمة النجار التّـعجيل بِعَقد زواجهما بشكل رسمي وقانوني، وذلك بهدف التـقليل من الحَرَج الذي تسبّبا فيه للحزب، وللحركة، بأسابيع قليلة قبل الانتخابات البرلمانية التي ستُعقد في يوم 7 أكتوبر 2016 المقبل. ونلاحظ أن زوجات زعماء الحركات الإسلامية الأصولية ليس لهنّ حظّ كبير. حيث أن هؤلاء الزوجات، في حالة تعرّضهنّ لِخيّانة زوجية، يُحْبِـبْنَ أزواجهُنّ، ولا يُرِدْنَ سوءًا لأزواجهنّ، فَيَرْفُضْنَ القيام بأية متابعة قضائية ضدّ أزواجهنّ. أما في حالة العازب المُعارض هشام المنصوري، فلم يكن له مثل هذا الحظ. بل على عكس ذلك، وُجد من يتصرّف كأن الدّعوة القضائية ضدّ ”الخيانة الزوجية“ موجودة ضدّ هشام المنصوري. فكان مصيره السريع هو الحكم عليه بِ 10 شهور سجنًا نافذا، وغرامة 40 ألف درهم.
آدم: دعني أقول لك، حسب قناعتي العميقة، أن الأصل في فضيحة عمر وفاطمة، هو تحامل البوليس ضدّ الحركات الإسلامية. وكثير من الناس، في هذا الظرف السياسي الحسّاس، الذي يسبق الانتخابات البرلمانية، يعتـقدون أنه لو لم يدبّر البوليس مصيدة لِعُمَر بن احماد وفاطمة النجار، لما وُجِدت أصلاً هذه الفضيحة. والهدف هو الإساءة إلى حزب العدالة والتنمية ، وإلهاء الناس بقضايا كاذبة.
إبراهيم: لا يا مواطن ! وحتّى إذا قبلنا جدلاً أطروحة أن وزارة الداخلية، أو النظام السياسي، هو الذي دبّر «فخّا» لشيخينا المذكورين سابقًا، بهدف الإساءة إلى حزب ”العدالة والتنمية“ في الانتخابات البرلمانية القادمة، فإن العقل يقول لنا أن هذا «الفخّ» المزعوم، لم يكن ممكنا، لولا أن الشيخين كانا من قبل متورّطين في علاقة جنسية، متناقضة مع القانون، ومع «الشريعة الإسلامية». فليست الشرطة هي التي وضعت عُنْوَةً مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار داخل سيارة، في شاطئ المنصورية ، على السّاعة السّادسة صباحا؛ وليست الشرطة هي التي أزالت بعض ثيابهما، وألصقتهما في علاقة جنسية. وإنما الشّيخين المذكورين هما اللذان كانا، منذ مدّة، في علاقة غرامية خارج الزواج القانوني، وسقطا بالصّدفة، خلال لحظة حميمية مُحرجة، في شباك بوليس، كانوا يبحثون، في منطقة الشاطئ، عن مجرمين يروّجون المخدّرات.
آدم: لو كانت الشرطة محايدة، لما وقعت هذه الفضيحة. إخواننا في الحركات الإسلامية هم الضحايا الرئيسيين لقساوة البوليس، ولمبالغته في البحوث، والتحقيقات، خاصّة حينما يتعلّق الأمر بفضائح جنسية يتورّط فيها إسلاميون.
إبراهيم: لا يا مواطن ! لو عرفت عدد حالات المناضلين والمعارضين السياسيين اليساريّين، الذين وَرَّطهم البوليس السياسي في فضيحة جنسية، في الماضي، لما نطقتَ بما قلتَه. على خلاف ظنون بعض الناس، لا يتحامل أحد على شيوخنا الإسلاميين الأصوليين، ولا يستغلّ أحد هذه الفضيحة الجنسية ضدّهم.
آدم: ولماذا كل هذه المحاسبة إذن ؟
إبراهيم: نحن نُحاسبهم على مِقدار مَزَاعِمِهم ! هل نسيتَ، أم أنك تناسيتَ، أن هذين الشّيخين، كانا من بين الإسلاميين الأصوليين الذين «ظلّوا يهاجمون، منذ زمان طويل، الحداثيّين المطالبين بالحرّيات الفردية، ويتهمونهم بالفسق، والفجور، ونشر الرّذيلة... ويتّهمون العلمانيين بالفساد، والفحشاء، وارتكاب المعاصي، وعدم خشية الله... وأشرطتهما الكثيرة لا زالت موجودة على الأنترنيت، وعلى اليوتيوب... ولا يكُفّان عن إعطاء الدّروس للشبّان من الجنسين، ويحرّمون التصافح بين الجنسين... ويُجرّمون مجرّد النّظرة بين الجنسين... ويمنعون الاختلاط بين الذكور والإناث... وإلاّ وَعَدُوهُم بمصير في جهنّم»(13) ! فشيوخنا الإسلاميون السّلفيّون والأصوليون، يتكلّمون باسم الله، وباسم الرسول، ويدّعون أنهم وحدهم يفهمون الدّين الفَهْمَ الصحيح، وأنهم وحدهم يحتكرون حقّ النيابة عن الإله، وأنهم يحتكرون تطبيق إرادة الله، ويمارسون التكفير، وأحيانا التـقتيل، باسم الله، ويريدون فرض مجتمع متديّن بالقوّة، مجتمع يكون فيه الإيمان إجباريا، وتكون فيه العبادة إجبارية، ويكون فيه الخضوع المطلق لفقهاء الدّين إجباريا، ويريدون أن يكون هذا الخضوع للفقهاء في كل الميادين، الدّينية، والسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والفكرية، والثقافية، وحتّى في موضا اللّباس. لذا سنكون دائما صارمين في محاسبة كلّ الإسلاميين الأصوليين الذين يحملون هذه المزاعم. ونـقول لهم: نتمنّى لكم الهداية، لأنكم كنتم، وستبقون دائما، دون مستوى مزاعمكم. وننصحكم بأن تثــقّـفوا أنفسكم، قبل أن تزعموا إخضاع المجتمع لتصوّراتكم المتخلّفة. واستفيدوا من تجارب إخوانكم الإسلاميين الأصوليين الموجودين في بلدان أخرى. فكل بلد تسيطر فيه جماعات إسلامية أصولية، إلاّ وتشتـعل فيه حرب أهلية شاملة، ومدمّرة، مثلما حدث، مرارًا وتكرارًا، في كلّ من أفغانستان، وباكستان، ولبنان، والجزائر، وسوريا، والعراق، ومصر، والسودان، والصومال، واليمن، وليبيا، إلى آخره. حيثما تـقوّت الحركات الإسلامية السلفية أو الأصولية، تشتعل حرب أهلية متعصّبة، وعمياء، وتخرّب كلّ شيء. وتاريخ مجمل الحركات الدّينية الأصولية في العالم، سواءً كانت هذه الحركات يهودية، أم مسيحية، أم إسلامية، كلها تعلّمنا، أن مآلها، هو حتمًا، ارتكاب سلسلة لا مُنتهية من الأخطاء، والفضائح، والحماقات، وحتّى الجرائم في حقّ الإنسانية. وهذه السلسلة من الحماقات، هي التي ستـقنع جماهير الشعب، رُبّما على مدى 15 أو 30 سنة، بأن الحل الوحيد، هو فصل الدّين عن الدولة، وفصل الدّين عن السياسية، وسنّ حرية العقيدة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة.
آدم: لكن ما الضّرر إن كانت الحركات الإسلامية تكافح الرّذيلة، وتدافع عن الأخلاق، وتشجّع على حسن السلوك ؟
إبراهيم: وهل تعتـقد أنت أن سلوك فقهاء الدّين نموذجي حقًّا إلى درجة أنه يُبَوِّئُهُم إلى أن يصبحوا قُدْوَةً لكل المجتمع؟ هل تصرّفهم هو أحسن السلوكيات الممكنة؟ ألاَ تلاحظ أن فقهاء الدّين لاَ ينتجون شيئًا، ولاَ يفيدون المجتمع بشيء، وإنما يحرّضون دائما فئة مجتمعية ضدّ أخرى؟ وهل الدّين يحتكر هو وحده حقّ الدّفاع عن الأخلاق؟ ومن نصّب الحركات الإسلامية وصيّة على أخلاق المواطنين؟ وبأيّ حق يتصرّف أنصار الحركات الإسلامية كَ «شرطة أخلاق»؟ ألاَ تعلم السوابق المتعدّدة التي حدثت في المغرب، والتي تصرّف فيها أنصار الحركات الإسلامية السلفية كأنهم «أوصياء شرعيون على مراقبة أخلاق المواطنين»؟!
آدم: لكن لماذا تتّهم الإسلاميين بسوابق؟ وهل هناك سوابق؟ وما هي هذه السّوابق ؟
إبراهيم: أذكّرك ببعض الحالات الحديثة المشهورة، وأبرزها ما يلي :
1) سابقة فتاتين في مدينة إنزگان (أگادير)، اللّتين حاصرهما حشد من الإسلاميين الأصوليين، وهدّدوهما، بدعوى أن طول تَـنُّورَتَيْهِما (juppes) غير كاف. ولمّا حضرت الشرطة، اعتـقلت الفتاتين (بدلاً من اعتـقال الأشخاص الذين تهجّموا على الفتاتين)، ثم تابعت النيابة العامّة الفتاتين الضحيتين بتهمة «الإخلال بالحياء العام».
2) سابقة اعتداء جماعة من الإسلاميين الأصوليين، في إحدى شوارع مدينة فاس، على شابّ اتّهموه بِ «المثلية (homosexuel)»، وانهالوا عليه بالضرب، والرّكل، حتى هلكوه.
3) سابقة خوض أشخاص من الإسلاميين الأصوليين لحملة منظّمة ضدّ النساء غير المحجّبات، وضدّ ”لباس السّباحة“ (bikini) على الشّواطئ، بهدف فرض نمط لباس «إسلامي»، يحجب المرأة كلّها، بل يشوّهها. كأن المرأة (وحدها، دون الرجل) هي كائن غير طبيعي، ويجب إخفاءها، أو سحبها من الفضاء العام.
آدم: أَمْ مْ مْ ... المُهم ... لِنَعُدْ إلى موضوعنا الرئيسي... أنا أظن، مع كثيرين من الناس الآخرين، أنه، لو لم يدبّر البوليس مصيدة لِعُمَر بن احماد وفاطمة النجار، لما وُجِدت أصلاً هذه الفضيحة، وَلَمَا ناقشناها.
إبراهيم: لا يا مواطن ! أرى أن فكرة «المؤامرة» هي فكرة راسخة في ذهنك ! أنت تُصرّ على أن هذه الفضيحة ما هي إلاّ «مؤامرة» ! كلامك غير دقيق. وماذا تريد أن يفعل البوليس ؟ هل تريد أن يعتـقل البوليس كل المواطنين العاديين، إذا ضبطهم يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني؛ أمّا إذا ضبط البوليس زعماء في الحركات الإسلامية يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني، فإنك تريد أن يقول لهم البوليس: «اِسمحوا لنا على الإزعاج، يمكنكم أن تستمرّوا بلا حرج في عملكم، والله يعاونكم» ! لا يا مواطن، هذا طرح غير معقول. كثيرون من الناس لا يعلمون أن بوليس المغرب يضبط في كل يوم، المئات، بل الآلاف، من حالات ممارسة الجنس خارج إطار الزواج القانوني. بينما مئات الآلاف من هذه الحالات تحدث يوميا، ولا يكتشفها أحد. ومعظم هذه الحالات (التي يضبطها البوليس) تُسوّى بدون متابعة قضائية. وأقلية قليلة من هذه الحالات هي فقط التي تُحسم بمحاكمة، أو بالسجن. وحينما تحدث هذه الحالات، فلا أحد من الشعب يعبأ بها (باستثناء الأفراد المدانين بالسجن، وعائلاتهم). لكن حينما يتورّط زعماء من الحركات الإسلامية الأصولية، يصيحون جماعيّا: «نحن ضحايا متابعة بوليسية ! لقد سقطنا في كمين نصبه لنا البوليس»! وهذا كلام غير معقول.
آدم: كيف؟ ماذا تـقصد؟ قُلتَ خلال كلامك السّابق، أن حالات ممارسة الجنس خارج الزواج القانوني تعدّ في بلادنا، وفي كلّ يوم، بمئات الآلاف؟ هل توجد حقًّا هذه الحالات في مجتمعنا المُسلم بهذه الأعداد الكبيرة التي قُـلتها سابقًا ؟ كيف؟ هل هذا صحيح؟ هل يحدث هذا عندنا، نحن الذين ندّعِي أننا «خير أمّة أُخْرِجَت للناس»!؟
إبراهيم: بالضّبط ! حالات ممارسة الجنس خارج الزواج القانوني، التي تحدث في كلّ يوم بالمغرب، تُعَدّ بمئات الآلاف ! نعم، إنها تُعدّ في كلّ يوم بمئات الآلاف ! ولا تنفضح منها سوى نسبة ضئيلة جدًّا. ويمكن أن نـقول أشياء مماثلة عن مجمل البلدان الأخرى المسلمة، مثل الجزائر، ومصر، والسعودية، والعراق، وتركيا، وإيران، وإندونيسيا، إلى آخره. ولا يستطيع أيّ دين في العالم، ولا أية دولة دينية، أن تـقضي كلّيا ونهائيا على ظواهر ممارسة الجنس خارج إطار الزواج القانوني ! ومجمل الشعوب المُسلمة، متشدّدة في خطابها الدّيني، لكن سلوكياتها مخالفة، بل مناقضة، لهذا الدّين هو نفسه. وهذا الخلاف، أو النّـفاق، الموجود في الشعوب المسلمة، يوجد بنفس الحدّة، لدى أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية. ويمكن لكل مواطن أن يكتشف، وأن يلاحظ، هو بنفسه، هذه الظواهر، في بيئته المجتمعية.
آدم: أُوْوْوْهْ ! ... أنا لا أتفق معك ! أنتَ تبالغ جدا ! أنت منحاز. لا أظنّ أن المواطنين يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني، وبهذه الدرجة، أو بهذا الانتشار، داخل مجتمعنا المسلم. أنت تتهجّم على مواطنينا الأبرار، وتتّهمهم، وتهينهم. وهذا غير مقبول.
إبراهيم: كلامك يُثبت، هو نفسه، أنك لا تعرف جيّدًا مجتمعك. أكتفي بأن أعطيك مثالاً واحدا، محدودًا، ومُعبّرًا، من بين المئات من الحالات. وهذا المثال هو حالة السيارات التي يمارس أصحابها الجنس داخل سياراتهم، في بعض الأماكن المعزولة، وخاصّة منها الشواطئ (مثلما حدث في حالة عمر وفاطمة). وغالبًا ما يُلْصِق أصحاب هذه السيارات أوراقًا رقيقة، من البلاستيك الملوّن بالأسود، على زجاجات السيارة، لإخفاء ما يحدث داخلها. فإذا أحصينا مجمل السيارات التي تـقف، في كلّ يوم، عند حلول المساء، بشاطئ البحر، في المدن والقرى الشاطئية بالمغرب، ابتداءً من شاطئ مدينة السعيدية شرقًا، ومرورًا عبر شاطئ طنجة شمالاً، إلى شاطئ الدار البيضاء وسطًا، إلى شاطئ لَگْوِيرَة جنوبًا، فقد نجد أن هذه السيارات تُعدّ، في كل يوم، بمئات الآلف. وإذا أحصينا مجموع هذه السيارات على مدار سنة كاملة، فسنجد أنها تُعدّ بالملايين. أمّا إذا أحصينا كل أنواع وأصناف ممارسة الجنس (خارج الزواج القانوني)، سواءً في سيارة أم في غيرها، فسنجد أنها تعدّ في كلّ يوم واحد بمئات الآلاف. وهذه المشاهد تتكرّر (حسب ما أعرف) منذ أكثر من أربعين سنة !
آدم: هذا موضوع إحصائي جدير بأن يخضع للبحث. ويمكن اقتراح دراسة هذا الموضوع على ”الهيئة العليا للتخطيط“ !
إبراهيم: أنت من يقول ذلك، وليس أنا.
آدم: وماذا تريد أنت ؟ هل تريد أن يعتـقل البوليس كل هؤلاء المواطنين الذين يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني؟
إبراهيم: أبدًا ! ما أريده هو: أولاً، أن تعترف الدولة، وأن تعترف الحركات الإسلامية الأصولية، وأن يعترف الشعب هو نفسه، أن أجزاء واسعة من الجماهير، ومن كلّ الطبقات المجتمعية، ترغب في حرّيات أكبر في مجال ممارسة الجنس. وأريد ثانيًّا، من هؤلاء المواطنين (الذين يرغبون في ممارسة الجنس)، أن يَعُوا حاجياتهم، وحقوقهم، وأن يتجرؤوا على المشاركة في النضال الجماعي المشترك، من أجل إقرار حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية (بما فيها الحرّيات الجنسية). وأريد ثالثًا، أن ينصّ القانون القائم على أن : «كلّ علاقة بين رجل وامرأة، إذا كانا رَاشِدَيْنِ، وغير مرتبطين بزواج قانوني، وإذا كانت علاقتهما سِلْمية، وبالتّراضي المُتبادل، وإذا لم تكن هذه العلاقة تشمل قاصرًا، ولا معوّقًا ذهنيا، وإذا لم يشتكِ منها أي طرف ثالث (مثلما يحدث في حالة الخيانة الزوجية المُشْتَكَى منها)، فإن هذه العلاقة لا تُعتبر جريمةً، ولو تخلّلتها علاقة جنسية (خارج الزواج القانوني)، ولا يحقّ، لا للدولة، ولا لأي طرف آخر، أن يتدخّل فيها، ولا أن يعاقب عليها»(14) !
آدم: بصراحة، وفي داخل نفسي، أنا لا أطيق الرّذيلة. ولو كنتُ مسؤولا كبيرا في الدولة، لَمَنَعْتُ كلّ من لم يتزوّج بطريقة قانونية من أن يمارس الجنس، وبأي شكل من الأشكال. وإلاّ عاقبته بأشد العقاب. لأنني أحبّ الأخلاق، وأكره الفِسْق، وأبغض الزّنى.
إبراهيم: ما قُلتَه ليس «أَخْلاَقًا»، وإنما هو «أَغْلَاقًا» (على وزن جمع ”غَلَق“)، أو «أَغْلاَلًا»! لا يا مواطن ! هل الأخلاق عندك هي منع ممارسة الجنس على كلّ المراهقين، وعن كلّ العُزّاب، وعن كلّ الطلبة، وعن كلّ الذين يعجزون على توفير شروط عقد زواج قانوني، وعن كلّ الذين يرفضون الزواج لسبب مَا، وأعدادهم تُحصى بالملايين في المغرب؟ هل هذا الصّنف من الجماهير لا يستحقّ أن نحترمه، ولاَ أن نعترف له بحقّه في تلبية حاجياته (في مجال ممارسة الجنس خارج الزواج) ؟ وألاحظ أنك لا تفهم أن حرمان بعض المواطنين من ممارسة الجنس (خارج الزواج) يُجبرهم على البحث عن بدائل جنسية، مهما كانت هذه البدائل. وعليه، فهذا التشدّد الأخلاقي، وغير العقلاني، يدفع كلّ هؤلاء المواطنين نحو أنواع شتّى من الانحرافات الجنسية (مثل الشذوذ الجنسي، أو المثلية، أو الاغتصاب، أو الولع بممارسة الجنس مع الأطفال، أو ممارسة الجنس مع الحيوانات، أو الاستمناء باليد، إلى آخره). لا يا مواطن ! نتائج التشدّد في مجال ممارسة الجنس هي أخطر بكثير من نتائج المرونة في هذا المجال. لذا، أطلب منك شيئا من المرونة الفكرية، ومن العقلانية، ومن الرّحمة، ومن التفهّم، ومن التسامح، والإنسانية. فحتّى ممارسة الجنس، تستحق، هي أيضا، شيئا من المساواة الديمقراطية. أمّا قمع الجنس، وكبته، فهما يضرّان بالإنسان، بينما الحرّيات الفردية (بما فيها الحرّيات الجنسية) هي التي تُحييه، وتحرّره، وتُعْلِيه.
آدم: أُوْفْ ... أرى ماذا تـقصد... ماذا أقول لك... ممكن... أتمنّى ... أشتاق أنا أيضا ... أن نصل إلى هذه الحريات، وكذلك إلى النّضج السياسي، والثقافي، المرافق لها... نعم... لكنّني لا أدري كيف الوصول إليها، بهذا النّضج المرافق لها.
إبراهيم: ذلك النّضج الثقافي والسياسي الذي يلزم أن يصاحب تلك الحريات الجنسية، لن يسقط تلقائيا من السماء، بل يجب أن نعلّمه إلى الأجيال الجديدة، عبر تربية جنسية علمية صريحة وعقلانية.
آدم: تماما، هذا ما قصدتُه سابقًا. تعميم تربية جنسية سليمة، ونشر الأخلاق، والتحكّم في النفس.
إبراهيم: اِسْمَحْ لي بأن أثير انـتباهك إلى أن كل الأحكام القاسية، والأخلاقية، والدّينية، التي وضعتها الأجيال السّابقة في الماضي، تُجاه ممارسة الجنس، كانت ناتجة عن كون ممارسة الجنس، كانت تؤدي حتمًا في الماضي إلى إنجاب الأبناء. وبعدما ابتكر العلماء والأطباء والمهندسون وسائل لمنع الحمل، بدأ موقف البشرية يتغيّر تُجاه ممارسة الجنس. حيث تحوّلت ممارسة الجنس من نوع واحد (غير مُتحكّم فيه)، إلى نوعين مختلفين من الجنس. فاليوم، نميّز بين ممارسة الجنس من أجل الإنجاب، وممارسة الجنس من أجل الاستمتاع بالحياة. لهذا السّبب أصبحت الأحكام القديمة (تجاه ممارسة الجنس) غير صالحة. وغدى من الواجب على كل المواطنين، أن يُطوّروا مواقفهم، تجاه ممارسة الجنس، طبقا للإمكانيات الحديثة المتوفّرة. ونظرا لأن المواطن أصبح يتوفّر على وسائل رخيصة وفعّالة لمنع الحمل، فإن البشرية جمعاء، وفي كل بلدان العالم، تتطوّر ببطء، نحو مواقف تجاه ممارسة الجنس خارج الزواج، تتّسم أكثر فأكثر، بِالمُرونة، وبالتفهّم، وبالتسامح، وبالتواضع، وبالاحترام المتبادل. لكن هذا موضوع آخر(15)، ويضيق المجال لنـقاشه.
آدم: فعلاً، هذا موضوع يتطلّب وقتا آخر، وحوارًا آخر.
إبراهيم: يجب الآن أن نختم هذا الحوار المُتشعّب، ولكن، ...
آدم: اِسمح لي، فعلاً، قبل ختم هذا الحوار، دعني أصارحك. حيث ألاحظ فرقًا مهمّا في منهج التفكير، بين الإسلاميين السلفيين والعقلانيين. فالإسلاميون الأصوليون ينظرون إلى ممارسة الجنس خارج الزواج من منظار أخلاقي إسلامي أصولي فقط. بينما العقلانيون ينظرون إلى ممارسة الجنس خارج الزواج من منظار حقوقي، أو ديمقراطي.
إبراهيم: أتّفق معك على هذه الملاحظة المهمة. فعلاً، الإسلاميون الأصوليون ينظرون إلى ممارسة الجنس (خارج الزواج القانوني) من زاوية أخلاقية صرفة، ويحكمون عليها طبقًا لنصوص دينية قديمة ومقدّسة. فيحرّمونها، ويمنعونها، ولو كان ذلك في الخطاب فقط، وليس في الممارسة (مثلما حدث في حالات عمر بن احماد، وفاطمة النجار، والحبيب الشّوباني، إلى آخره). بينما العقلانيون ينظرون إلى ممارسة الجنس (خارج الزواج) كظاهرة مجتمعية، منتشرة، ومتواصلة، وتهم ملايين المواطنين، وهؤلاء المواطنين يستحقّون التـقدير والاحترام، ويستحق سلوكهم الجنسي الدراسة، والتحليل، والاهتمام. وما دامت هذه الممارسة الجنسية لا تضر أحدًا، فإنها تستحق أن تتحوّل إلى حقوق معترف بها، ولو أنها لم تكن مألوفة سابقًا في مجتمعنا.
آدم: مع الأسف، الوقت ضيّق، لكن فعلاً، هذه الجوانب تستحق التعميق والتمحيص.
إبراهيم: قبل أن نختم حوارنا هذا، اسمح لي بطرح ملاحظة صغيرة قد يجهلها الكثير من المسلمين. وهي أنه، من بين مجمل شعوب العالم، أصبحت الشعوب المسلمة هي الأكثر تخلّفًا في مجال ممارسة الجنس. ولِقِيّاس مثل هذه الظواهر، أتمنى أن تضيف ”الأمم المتّحدة“ (ONU) مؤشّرًا جديدا إلى المؤشّرات التي تـقيس بها مستوى ”التنمية البشرية“، أو تلك التي تـقيس بها مستوى سعادة المواطنين، في مختلف بلدان العالم؛ وأقترح أن يكون هذا المؤشّر الجديد مخصّصًا لِقِيّاس مدى رضى الزوجات عن ممارسة الجنس مع أزواجهن. ولو عملت ”الأمم المتحدة“ بهذا المؤشّر، لتأكّد أن الشعوب المسلمة هي الأكثر تخلفا في مجال ممارسة الجنس.
آدم: أُووخْ ! كنّا سننهي النـقاش ! وماذا أيضا ؟ هل تريد أن نناقش الآن فنون ممارسة الجنس، أو ماذا؟
إبراهيم: لا تـقلق ! حافظ على صبرك ! فجدلية الواقع هي التي تسوفنا إلى تلمّس وتناول أشياء كثيرة، ومفاجئة، ومترابطة فيما بينها. وحوارنا الحالي سيكون ناقصا إذا نحن تغاضينا عن تناول هذا الجانب المهم الذي يتسبّب في مشاكل مجتمعية لا تخطر على بال.
آدم: مشاكل لا تخطر على بال ؟ وما هو هذا الجانب المهم ؟
إبراهيم: هل تريد إنهاء هذا الحوار، أم تريد تناول هذا الجانب المهم الذي يؤثّر على قضايا كثيرة في المجتمع ؟
آدم: لاَ ، ما هو هذا الجانب المهم ؟
إبراهيم: إن الشعوب المسلمة لا تكبت فقط الجنس، بسبب هيمنة أيديولوجية الدّين، بل إنها لا تجيد ممارسة الجنس. وهذا الإخفاق في مجال ممارسة الجنس، يشوّش سلبيا على كثير من العلاقات المجتمعية. وعلى الخصوص، يفاقم سوء التفاهم بين النساء والرجال. بل يجعل النساء تُحسّ بأن الرجال يعاملونهن باستخفاف، أو بخشونة، أو بقساوة. وهيمنة أيديولوجية الدّين (سواءً كان هذا الدّين هو اليهودية، أم المسيحية، أم الإسلام)، تدفع دائما نحو إدانة الجنس، أو تحريمه، أو تجاهله، أو نكرانه، أو كبته، أو قمعه. وغدت ممارسة الجنس لدى المسلمين تتّسم على العموم بأنانية الرجل، أو خشونته، أو قساوته، أو تجاهله لاحتياجات شريكته المرأة في ممارسة الجنس. وسوء التفاهم هذا القائم بين الزوجات والأزواج، يؤثّر سلبًا على مجمل أفراد العائلة، بما فيهم الأطفال، وتربيّتهم، ومستـقبلهم المهني، إلى آخره.
آدم: لا أفهمك.
إبراهيم: نعم، تَصَوُّرُ النساء حول الكيفية السليمة لممارسة الجنس يختلف جذريا عن تصوّر الرجال لهذه الممارسة. ولدى الرجال، ممارسة الجنس تبتدئ ببداية الإيلاج، وتنتهي مع نهاية الإيلاج. وهذا السلوك يحوّل ممارسة الجنس، من وجهة نظر النساء، إلى شيء ميكانيكي، أو خشن، أو غريزي، أو أناني، أو حيواني، أو عنيف، أو مقزّز. أمّا لدى النساء، فإن تصوّرها للممارسة السّليمة للجنس يتّسع لكي يشمل سلوكيات كثيرة ومترابطة فيما بينها، ومن أبرزها: التـقارب التمهيدي، والحوار الهادئ، واللّطافة، والمداعبة، والتـقارب، والملامسة، والتدرّج البطيء، والقبلة، والعناق، والدّلك الخفيف، والمودّة، والمحبّة، إلى غير ذلك من الأفعال التي قد تظهر تافهة، لكنها تكتسي أهمية معتبرة في قاموس المشاعر الإنسانية، خاصة لدى النساء.
آدم: لم أفهم ماذا تـقصد.
إبراهيم: لاَ، أظنّ أنك فهمتَ جيّدًا، وربّما أن عقلك هو الذي لا يتجرّأ بعدُ على الاعتراف بأهمّية ما سمعته.
آدم: قلتُ لك لم أفهم جيدا إلى أين تريد أن تصل بكلامك هذا.
إبراهيم: ألم تلاحظ أن «الحب» لا يوجد عند المسلمين في الواقع المُعاش، وإنما يوجد فقط في الشّعر، وفي الأغاني، وفي الرّوايات، وفي الأفلام، أما في إطار واقع العلاقة الجنسية بين الزوجة والزوج، أو بين المرأة والرجل، فإن هذه العلاقة تُختزل في نكاح ميكانيكي. ألم تلاحظ أن المسلمين هم من الشعوب القليلة التي تميّز بين الحب والنكاح، بينما الشعوب الأخرى تمزج بين الجنس والحب؟ ألم تر مثلاً، أن اللغة الفرنسية لا تتوفّر على ما يُعادل لفظة ”النكاح“؛ بل المقابل للعبارة العربية «ممارسة الجنس»، في اللغة الفرنسية، هو «faire l’amour»، ومعناها بترجمة حرفية: ”ممارسة الحب“ ؟ بمعنى أن ممارسة الجنس عندهم لا تنفصل عن ممارسة الحب.
آدم: إِوَا ماذا أيضًا ؟ هل سنناقش الآن فنون ممارسة الجنس، أو ماذا ؟
إبراهيم: لقد ناقشنا فعلاً بما فيه الكفاية. وقبل ختم حوارنا، أذكر نـقطة صغيرة. وأصارحك أنني أحسستُ، في بداية حوارنا، أنك كنتَ حرجًا، أو متردّدًا، أو متضايقًا، من الدخول في نـقاش حول فضيحة جنسية. وهذا إحساس طبيعي. لأننا جميعًا نتحاشى الكلام عن الجنس. لأننا قد نحسّ بكون الحديث عن الجنس يجرّ إلى النّبش في شؤون شخصية، أو يدفع إلى تناول شؤون حميمية، ومحرجة. ولأن الجنس يقترن في ذهننا بغرائز حيوانية، إلى آخره. لكن بعد حوارنا الحالي، ربّما أنك لاحظتَ أن فضيحة الضحيّتين عمر وفاطمة هي حدث مجتمعي هام، ويحتوي على جوانب قانونية، وفكرية، وثقافية، وفلسفية، وسياسية، ومجتمعية. ويستحقّ أكثر من حوار واحد. ويُحتمل أن تكون له في المستـقبل تبعات متعدّدة ومفاجئة.
آدم: ماذا تـقصد ؟
إبراهيم: أُوهْ... لا أقصد شيئا، وإنما أخشى، إن لم تُـقَدَّم مساعدة نفسية عاجلة، إلى كل من عمر بن احماد وفاطمة النجار، أن يدفعهما تأنيب الضمير إلى فعل سيّء، أو مؤسف، مثلما حدث في حالة الوزير الإسلامي السّابق عبد الله بَاهَا.
آدم: ماذا تعني؟
إبراهيم: لأن بعض الناس لا يصدّقون الأطروحة الرّسمية التي قالت أن الوزير الإسلامي عبد الله بَاهَا مات نتيجةً لدهسه بشكل مفاجئ من طرف القطار. فالسيد عبد الله باها ليس مواطنا بسيطا، وإنما هو مهندس، ووزير دولة، ومستشار رئيس الحكومة، ومسؤول كبير في قيادة الحزب الإسلامي ”العدالة والتنمية“، فكيف نصدّق أنه مات لكونه كان يلعب، أو يتأمّل، وهو شاردًا، فوق السّكّة الحديدية للقطار ؟! فهل شخصية مرموقة من هذا الحجم لا تعرف خطورة التواجد فوق السكّة حديدية يمرّ فوقها عشرات القطارات في كل يوم؟ وهل صوت القطار، وصوت بوقه المنبّه، وضوؤه القوي، وزلزال الأرض الذي يحدثه القطار، هل كل هذه الأشياء لم تكف لدفع السيد عبد الله باها إلى الخروج بسرعة من السكة الحديدة لتلافي القطار الآتي بسرعة مخيفة؟ هذا الاستغراب هو الذي جعل بعض الناس يفترضون احتمال موت عبد الله باها نتيجة لانتحار، بسبب فضيحة مَا. ومن يدري، فقد تحتوي هذه الفضيحة المفترضة، هي أيضًا، على الجنس. وبعد تكاثر الشكوك المُعبّر عنها على شبكة الأنترنيت، أصدرت قيادة ”حزب العدالة والتنمية“ الإسلامي بيانا قالت فيه أن عبد الله باها مات بشكل طبيعي، نتيجة لدهسه من طرف القطار، وتلك «مشيئة الله»! فهل يُعقل أن «يشاء الله» موت عبد الله بهاها بهذه الطريقة ؟!
آدم: أُوووهْ ... ذهبت بعيدا... أنت ترى الجنس هنا، وهناك، وفي كل مكان، إلى آخره...الأطروحة الرّسمية تقول أن عبد الله باها مات نتيجة لدهسه من طرف القطار، وأنت تفترض ما تتصوّر... فماذا تعني؟
إبراهيم: أُوهْ... لا أعني شيئا... لا أريد نـقاش هذا المشكل... اِسمح لي، لقد أخطأتُ. أنا أسحب ما قلته سابقًا. لقد حان الوقت لختم هذا الحوار.
آدم: لا أفهمك. أوضح ما عندك. أقنعني.
إبراهيم: اِسمح لي، أنا أسحب ما قلته سابقًا... أنا لا أعرف الحقيقة... تلك مجرد تساؤلات افتراضية... أعتذر... ما أريد قوله، هو أني أعتـقد بصدق، في رأيي المتواضع، أن أحسن طريقة لتلافي تكرار نفس الأخطاء، أو نفس الفضائح. الموصوفة بِ «المُحرجة»، أو «المُحيّرة»، ليس هو تجاهل هذه الفضائح، أو نسيانها بسرعة، وإنما هو تعميق تحليل هذه الفضائح، ولو عبر نص أدبي، كنوع من التنفيس عن المشاعر الدفينة (catharsis). وهذا الأدب المكتوب، إذا كان صريحا، ونزيها، يمكن أن يساعد القارئ، بل الأجيال، على المرور من الحياة العادية الرّوتينية، إلى التحليل العقلاني الهادئ. وقد يساعد هذا التحليل على بلورة خلاصات مفيدة للجميع.
آدم: أنت الآن تمدح نفسك، أيها الشّاطر ، لأنك أدخلتني في حوار مُحرج، ومتشعّب، ومعقّد ! وهذا الحوار معك له بداية، لكن تشعّبه اللّامتناهي يبقيه مفتوحا، وبدون نهاية... لاَ، لاَ، أنا أمازحك. وبصراحة، أعترف لك أنني كنتُ فعلاً متحفّظا على الدخول في هذا الحوار حول فضيحة جنسية محرجة ومؤسفة، لكنني لاحظتُ، فيما بعد، أن هذا الحوار، يفتح آفاقا فكرية مهمة، وهو مفيد فعلاً. وأنه يستحقّ أن يُناقش.
إبراهيم: وختامًا، يمكن أن تُلاَحِظْ أنه، في الوقت الذي تُهَيِّؤ فيه شعوب أخرى ديمقراطية غَزْوَ الفضاء، واكتشاف معارف علمية دقيقة وجديدة، وابتكار تـقنيات وتكنولوجيات مُبدعة، تُسَهّل حياة الإنسان، وتحقّق الرفاهية للشعوب، إلى آخره، نجد أن مجمل المسلمين عبر العالم، من إندونيسيا إلى موريتانيا، مرورا عبر العراق، وسورية، واليمن، ومصر، والجزائر، والمغرب، كانوا، ولا زالوا، منذ قرابة ألف وخمس مئة سنة، غارقين في نـقاشات متخلّفة، تدور حول الجنس، والجِنّ، والقَدَر، والطّائفية، والفَتَاوَى، والمذاهب الدّينية، إلى آخره. فمتى سَتَـتَـجَرَّأ شعوبنا على الرّقيّ إلى مَراتب شعوب العالم الأكثر عقلانيةً وديمقراطيةً ؟!
آدم: شكرا على هذا الحوار الثقافي. والحوار ينفع، ولا يضرّ. وإلى فرصة أحسن !
عبد الرحمان النوضة (الصيغة 7، في 13 شتنبر 2016).
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
(1) http://www.lakom2.com/politique/17633.html.
(2) نشرة «التجديد»، بتاريخ 01 شتنبر 2016، العدد 3887، الصفحة 6. وهي نشرة رسمية صادرة عن حزب العدالة والتنمية .
(3) نفس المصدر السّابق، صفحة 6، العمود الأول.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) أنظر أيضا: (hona24.ma/27979.html)، ليوم 25 غشت 2016.
وانظر أيض: اسماعيل الحكوتي، على موقع (badil.infl/)، ليوم 25 غشت 2016.
(6) نشرة التجديد ، العدد 3887، الصادر في 07 شتنبر 2016.
(7) تصريح الشّيخ محمد الفيزازي لموقع الأيام24 ، في 26 غشت 2016. (www.alayam24.com/articles-27739).
(8) أنظر: بن كيران يستشهد بفتوى الإمام ابن تيمية ويوظفها في القتل والاستشهاد والدم والبلاء . (https://www.youtube.com/watch?v=ocz3XSTUDkw&feature=share).
(9) أنظر وثيقة: يستحيل تحقيق الديمقراطية بدون فصل الدّين عن الدولة ، رحمان النوضة. ويمكن تنزيلها من مدوّنة الكاتب: (http://LivresChauds.Wordpress.Com).
(10) كتاب : أية علاقة بين الدّين والقانون، رحمان النوضة.
(11) أنظر الموقع الإلكتروني: http://www.huffpostmaghreb.com/2015/04/01/hicham-mansouri-arrestati_n_6985780.html
(12) http://www.huffpostmaghreb.com/2015/04/01/hicham-mansouri-arrestati_n_6985780.html
(13) اسماعيل الحكوتي، في 25 غشت 2016، على موقع: (badil.info/).
(14) كتاب : أية علاقة بين الدّين والقانون، رحمان النوضة.
(15) أنظر كتاب : أية علاقة بين الدّين والقانون ، رحمان النوضة.

---

---

---

التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي

---

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س