الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيادة الوطنية: بأى هدف؟

سمير أمين

2016 / 10 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


«البريكسيت» وانفجار الاتحاد الأوروبى
السيادة الوطنية: بأى هدف؟


ان الدفاع عن السيادة الوطنية مثله مثل نقدها يؤدى الى سوء تفاهمات جسيمة عندما نسلخها من المحتوى الاجتماعى الطبقى لاستراتيجيتها. فالكتلة الاجتماعية المسيطرة فى المجتمعات الرأسمالية ترى السيادة دائما كأداة ضرورية لدفع مصالحها الخاصة القائمة على استغلال النظام النيوليبرالى العالمى للعمل وعلى تقوية مواقعها الدولية فى آن واحد. اليوم فى النظام النيوليبرالى المعولم والمسيطر عليه من قبل الاحتكارات المأمولة من الثالوث الاستعمارى (الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا واليابان) ترى القوى السياسية المسئولة عن إدارة النظام للمصلحة الحصرية للاحتكارات المذكورة ان السيادة الوطنية هى الاداة التى تسمح لهم بتحسين مراكزهم « التنافسية» فى النظام العالمي. الوسائل الاقتصادية والاجتماعية للدولة (اخضاع العمل لشروط اصحاب العمل وتنظيم البطالة والوظائف المؤقتة وتجزئة مجال العمل) والتدخلات السياسية (بما فيها التدخلات العسكرية) كلها متشاركة ومجتمعة فى السعى وراء هدف حصري: وهو تعظيم حجم الريع المدفوع لاحتكاراتهم «القومية» الى اقصى درجة تعطى الولايات المتحدة الامريكية مثلا لوسيلة تنفيذ مقررة ومستمرة لهذه السيادة المتفق عليها فى المفهوم «البورجوازي»، ما يعنى اليوم فى خدمة رأسمال الاحتكارات المأمولة يعود الحق «القومي» للولايات المتحدة الامريكية من التفوق المشهود والمؤكد على «الحق الدولي» كانت تلك هى الحال فى دول أوروبا الاستعمارية فى القرنين التاسع عشر والعشرين.

هل اختلفت الأحوال ببناء الاتحاد الأوروبى؟ يدعى الخطاب الاوروبى ذلك فيشرع بالتالى لإخضاع السيادات الوطنية «للحق الأوروبي» الذى تمليه قرارات بروكسل والبنك المركزى الاوروبى عملا باتفاقيات ماستريتش ولشبونة. ورغم ذلك وعلى النقيض من هذا الخطاب تمارس المانيا فى الواقع سياسات تؤدى الى تأكيد سيادتها الوطنية وتعمل على اخضاع شركائها الأوروبيين لاحترام اشتراطاتها. لقد استغلت المانيا الوصفة النيوليبرالية الأوروبية لفرض هيمنتها، خاصة فى منطقة اليورو. وقد اكدت بريطانيا العظمى بدورها ـ باختيارها البريكسيت ـ رغبتها المحددة بتنفيذ الامتيازات التى تتيح ممارستها سيادتها الوطنية.

ولكن علينا ان نتحفظ فى تقليص السيادة الوطنية فى أساليب «القومية البورجوازية» فقط، لأن الدفاع ضرورى ايضا لخدمة مصالح اجتماعية غير مصالح الكتلة الرأسمالية الحاكمة. فيصبح مرتبطا بشكل وثيق بنشر استراتيجيات خروج من الرأسمالية على الطريق الطويل للاشتراكية ويشكل شرطا اساسيا لإنجازات ممكنة فى هذا الاتجاه. السبب هو ان اعادة النظر الفعلية فى واقع الليبرالية الجديدة العالمية و(الأوروبية) لن تكون أبدا لانتاج انجازات غير متساوية من بلد لآخر، من حين لآخر. النظام العالمى (والنظم الفرعية الأوروبية) لم ينلها إصلاح ابدا «من الاعلي» عن طريق قرارات جماعية من «المجتمع الدولي» (او «الاوروبى»). ان تطورات هذه النظم لم تكن ابدا غير ناتج تغيرات فرضت نفسها فى إطار الدول التى تكونها ، وكنتيجة لتطور التنافر بين هذه الدول. ويبقى الإطار المحدد من الدولة (الوطن) هو الذى تنتشر داخله الصراعات المصيرية التى تشكل العالم.

ان لشعوب الأطراف المحيطة بالنظام العالمي، المستقطب بطبيعته، تجربة طويلة بهذه القومية ايجابية، أى المناهضة للإمبريالية (المعبرة عن رفض النظام العالمى المفروض) وباحتمالية مناهضة الرأسمالية . أقول باحتمالية لان هذه القومية يمكن ان تكون ايضا حاملة لوهم بناء رأسمالية وطنية تتمكن من «الالتحاق» بالمنشآت الوطنية للمراكز السائدة فلا تكون وطنية شعوب الأطراف تقدمية الا بهذا الشرط: ان تكون مناهضة للإمبريالية ، وفاقدة الصلة بالليبرالية الجديدة المعولمة. على النقيض فإن «قومية» (ظاهرية فقط)، ملتحقة بالليبرالية الجديدة المعولمة، لاتشكك بالتالى فى مواقف التبعية التى تتخذها الأمة المعنية فى النظام تصبح أداة بأيدى الطبقات الحاكمة المحلية التى تهدف الى المشاركة فى استغلال الشعوب وربما الشركاء الضعفاء فى الأطراف الذين يتعامل معهم بصفة «ملحق استعمار».

ان الخلط بين هذين المفهومين المتعارضين، الذى يؤدى الى الرفض المتسرع لكل «قومية» بلا مزيد من الدقة، يمحو تماما كل امكانات الخروج من الليبرالية الجديدة. ومع الأسف فإن اليسار المعاصر الملتزم بالصراع فى أوروبا ـ وفى اماكن اخرى يمارس كثيرا هذا الخلط.

ان الدفاع عن السيادة الوطنية ليس مرادفا بسيطا لارادة «عولمة اخرى متعددة الأقطاب» (على نقيض مثال العولمة الموجودة) مبنية على فكرة ان النظام الدولى يجب ان يناقش بين شركاء قوميين سياسيين متساوين فى الحقوق وألا تكون مفروضة من جانب الأقوياء ـ الثالوث الاستعمارى وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية ـ كما هى الحال فى الليبرالية الجديدة ـ فليكن ـ لكن لابد من الإجابة على سؤال:

ما الجدوى من عالم متعدد الأقطاب؟ لانه يمكن ان يقوم على فكرة ادارته من قبل التنافس بين نظم تقبل الليبرالية الجديدة، او على النقيض كإطار يفتح المجالات للشعوب التى تريد الخروج من الليبرالية الجديدة يجب إذن تحديد طبيعة الهدف المنشود من النظام المتعدد الاقطاب المطروح وكما تعودنا من التاريخ فإن المشروع القومى يمكن ان يكون خليطا، تتخلله التناقضات بين التوجهات التى تنتشر فيه، فبعضها محبذ لفكرة بناء قوم راسمالى والبعض الاخر له اهداف اخرى ابعد من المضامين الاجتماعية التقدمية. يضرب المشروع السيادى الصينى مثلا جميلا فى هذا المضمار مثله مثل المشاريع النصف سيادية للهند والبرازيل وغيرهما.

الاتحاد الأوروبى معطل

استطاعت المانيا أن تؤكد هيمنتها فى اطار البناء الأوروبى فبرزت السيادة (البورجوازية/ الرأسمالية) الألمانية كبديل للسيادة الأوروبية المفقودة وعلى الشركاء الأوروبيين ان يلتزموا بشروط هذه السيادة الأعلى من الآخرين . أصبحت اوروبا هى اوروبا الالمانية خاصة فى منطقة اليورو التى تدير برلين عملتها لمصلحة مجموعة الشركات الألمانية . ويلجأ سياسيون كبار مثل شوبل وزير المالية الى الابتزاز الطائم ويقومون بتهديد الشركاء الأوروبيين بخروج المانيا من الاتحاد «جركسيت» اذا ما اعترضوا على الهيمنة الالمانية.

ان قبطان السفينة الأوروبية يتوجه بها حتما نحو الشعاب المرجانية الظاهرة ويتضرع له الركاب لتغيير المسار ولكن دون جدوى . يبقى القبطان الذى يتمتع بحماية الحرس البريتورى (بروكسل والبنك المركزي) منيعا ولم يعد يبقى سوى إلقاء قوارب النجاة فى البحر . عملية محفوفة بالمخاطر ولكنها اقل خطرا من الحادث المرتقب. وانا أقول انه لاشىء يرجى من المشروع الاوروبى الذى لايمكن تغييره من الداخل، يجب الهدم لربما اعادة البناء لاحقا على أسس اخرى وتظل نظم كثيرة على خلاف مع الليبرالية الجديدة فى حالة تردد بشأن الأهداف الاستراتيجية لمعاركها لأنها ترفض القبول بهذه النتيجة: الخروج او البقاء فى اوروبا (او فى اليورو)؟ وتتنوع بذلك الحجج بينهم حتى لأقصى مدى لتتطرق غالبا لمسائل تافهة، بل لمشكلات وهمية احيانا يدبرها الاعلام (الأمن، المهاجرون) تقود الى اختيارات فجة ونادرا ما تطال التحديات الحقيقية. فالخروج من حلف الناتو مثلا نادرا ما يثار وتظل الموجة الصاعدة المعبرة عن رفض اوروبا مثل «البريكسيت» انعكاسا لزوال الاوهام فى امكانات الإصلاح.

الا ان هذا الارتباك مخيف . ذلك ان بريطانيا العظمى لاتنوى بالتأكيد ان تمارس سيادتها فى طريق يبعدها عن الليبرالية الجديدة بل على العكس فإن لندن تأمل ان تزيد من انفتاحها على الولايات المتحدة الامريكية بينما تبدو دول الكومنولث والدول الآسيوية الصاعدة بديلا عن الاولوية الأوروبية ولاشىء اخر، ناهيك عن عدم وجود اى برنامج اجتماعى افضل.

يعلن فاشيو اوروبا عن مناهضتهم لأوروبا ولليورو. لكننا يجب ان نعلم ان مفهومهم للسيادة هو مفهوم البورجوازية الرأسمالية ومشروعهم هو ذلك الذى يبحث عن المنافسة القومية فى النظام الليبرالى الجديد، شريكا مع الحملات الكريهة ضد المهاجرين. لم يكن الفاشيون أبدا مدافعين عن الديمقراطية ولا حتى الديمقراطية الانتخابية (الا لمصلحة) ، ولا أيضا ديمقراطية متقدمة. واذا واجهت الطبقة الحاكمة التحدى فإنها لن تتردد : فهى تفضل الخروج الفاشى من الأزمة. وقد أعطت لنا المثل فى أوكرانيا. ان فزاعة رفض اوروبا من قبل الفاشيين تشل المعارك الملتزمة ضد الليبرالية الجديدة. والحجة التى تعود دائما هي: كيف لنا ان نكون فى نفس الوقت ضد اوروبا وضد الفاشية؟ وهذا الارتباك يجعلنا ننسى ان نجاح الفاشية هو نتاج هشاشة اليسار الراديكالي. فلو كان هذا اليسار قد دافع بشجاعة عن مشروع للسيادة واضح فى مضمونه الشعبى والديمقراطى مع العمل على فضح مشروع السيادة الكاذب والديماجوجى للفاشيين لكان كسب الأصوات التى تذهب اليوم الى اليمين المتطرف. ان الدفاع عن وهم إصلاح مستحيل للمشروع الاوروبى لن يسمح بتفادى الانفجار.

H البريكسيت هو مصطلح يعنى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى british exit








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العجز راسب تاريخي
محمد البدري ( 2016 / 10 / 2 - 09:35 )
لا يعلن فاشيو اوروبا عن مناهضتهم لأوروبا ولليورو لان مفهومهم للسيادة هو ذاته مفهوم النظم القومية في المحيط المتخلف وعلي راسهم النظم العربية مع فارق هام وجذري ان برجوازية اوروبا علي وعي بان الثروة في اساسها من قوة العمل للطبقات المحكومة اضافة لما امكن نهبه في زمنها الاستعماري التقليدي الذي ولي بلا رجعة. اما برجوازية المحيط المتخلف فلا هي مهتمة بتنمية الانتاج أو استحلاب للربحية من القوي التحتية المحكومة اما بالدين تارة او بالزعيق القومي العنصري تارة انما بالريع والابتزاز فيما يسمي النظام المملوكي المترسب في قاع وعيها السياسي. فاتت هذه القوي قطارات اللحاق بالراسمالية لانها تسترت بضبابة الحرب الباردة وما قبلها فيما يسمي مرحلة السعي للاستقلال فاصبحت هي وطبقاتها التحتية مكشوفةعندما انقشع غبار تلك الحرب دون اي استطاعة من مواجهه الخارج او الداخل

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا