الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحبة السعادة تهدينا مذاقاتِ طفولتنا

فاطمة ناعوت

2016 / 10 / 9
بوابة التمدن



جلستْ صاحبةُ السعادة أمامها "كنزٌ" هائلٌ من ميراث طفولتنا. ويقول المثل الشعبيُّ الجميل: “من أطعمَ ابني تمرة، صارت حلاوتها بفمي". وبالمثل، صارت حلاوةُ شيكولاتة "كورونا" التي تذوّقتها الجميلة "إسعاد يونس" أمام الشاشة، في فمي، وفي فم ملايين من أبناء جيلي وما سبقني من أجيال كانت قطعة كورونا لديهم، تساوي الكثير.
قدّمت تلك الوطنيةُ النبيلة حلقتين فائقتين من برنامجها "صاحبة السعادة"، حملا عنوان: “صُنع في مصر". ذكّرتنا خلالهما بالمذاقات الساحرة التي عرفتها طفولتنا، فكانت جزءًا أصيلا من تنشئتنا وتربيتنا حيث كانت مكافآتنا إن أحسنّا السلوك، أو حصدنا الدرجات العليا في المدرسة، أو أطعنا الكبار وسمعنا الكلام. وكان الحرمانُ منها يعني أننا أطفالٌ في حصّة العقاب؛ لأننا أسأنا الأدبَ أو كانت علامات الفصل في حقائبنا دون المستوى.
قالت ما معناه: "نحن قادرون على صناعة السعادة، فلماذا نبخس قدر أنفسنا في المقدرة على صناعة الفرح وصناعة المنتجات الجميلة التي تباري كبريات الصناعات العالمية؟" وصدقت فيما قالت. فإن علّمنا القرآنُ أن نقول: “ولا تَبخسوا الناسَ أشياءَهم"، فهل نخبسُ نحنُ أنفسَنا بأنفسِنا؟!
عرفنا في هاتين الحلقتين مَن هو الشخص الذي كان يقفُ على باب سعادتنا الطفولية القديمة. الخواجة اليوناني "تومي خريستو"، السكندري المولد والمنشأ، هو الذي أنشأ مصنع شيكولاتة كورونا عام 1919، ليواكب بدايات صناعة هذا المنتج الجميل في العالم الغربي عام 1891، فأضاف بهذا منحة جديدة لمصر التي شيّدت ثاني دار أوبرا في العالم بعد إيطاليا، وثاني سكّة حديد للقطارات في العالم بعد بريطانيا، وغيرها من الريادات المصرية. وعرفنا سرّ تلك الغزالة الحرون، التي عشقناها على غلاف قطعة الشيكولاتة. كان الخواجة خريستو يمتلك قطعة أرض جوار مصنع الشيكولاتة بالأسكندرية، أقام بها ملعبًا لكرة القدم للترفيه عن العمال بالمصنع، حتى تكتمل صحتُهم النفسية بالتريّض وإقامة علاقات صداقة بين زملاء العمل. وكانت هناك غزالة بريّة شاردة تسكن تلك الأرض الفضاء. وفي ركلة طائشة غير مسؤولة من قدم أحد العمال، ضربت الكرةُ رأسَ الغزالة، فلاقت حتفَها. حزن العمالُ وحزن مسيو خريستو على تلك الروح التعسة التي ضاعت بغير ذنب، ولا قصد. فقرّر أن يمنحها الخلود بوضع صورة غزالة راكضة على منتجه الجميل كعلامة تجارية موثّقة. فكأنما نثر في قلب كلّ طفل من أطفال جيلنا قطرة حبّ لذلك الحيوان الساحر. وكنّا نظنّ أننا سنغدو غزالات رشيقات رامحة مادمنا نأكل كورونا الشهية.
حدّثتنا عن منتجات "قها" التي اقترنت قناني شرباتها الأحمر بأيام نجاحنا في المدارس حيث كانت تدور صواني كؤوس الشربات على الجيران، لتعلن عن نجاح أحد أبناء أو إحدى بنات سكّان العمارة. حدّثتنا عن منتجات "أدفينا"، وأحذية "باتا" التي كانت رهينة حصص الألعاب في مدارسنا.
لماذا توقفتُ عند شيكولاتة كورونا؟ لأنني قبل خمسة أعوام، وما كنتُ أدري أن كورونا مازالت تعمل وتُنتج؛ إذ لم أكن أصادف منتجاتها في محال الشيكولاتة، اشتهيتُ قطعة منها، وظننتُ أنه حلمٌ مستحيل يحتاج إلى ماكينة زمن ليتحقق. تحدثتُ في جلسة ود مع فريق عملي حول ذكريات طفولتي وكم أتمنى أن أحصل على قطعة من شيكولاتة كورونا. بعدها بيوم، فتحت باب ثلاجتي فوجدتُ مفاجأة عجيبة. جميع رفوف الثلاجة ممتلئة بكل منتجات كورونا بكل ألوانها وأشكالها وأحجامها. وعلمت بعدها أن من صنع هذه المفاجأة هو أحد طاقمي وهو شابٌّ وديع اسمه: "أمير سامي". يومها كتبتُ هذه القصيدة.
"يدخلُ عصفورٌ شُرفتي/ ويوشْوِشُ للصَّبّارةِ بسِرٍّ خطيرٍ/ ثم يطيرْ.
لستُ بحاجةٍ إلى تعلُّمِ لغةِ الطيرِ/ لأعرفَ/ أنه يُذكِّرُها/
بطقوسِ اليومِ/ لأن الصبّارةَ/ دائمًا تنسى.
عليها:/ أن تهُزَّ عودَها العجوزْ/ وتنزعَ قدميها المغروستين في الطميِ اليابسْ/
ثم تدْلفَ إلى غرفتي/ قبل الشمسْ.
بعينيها المُجهدتين/ سترمقُ الصبَّارةُ/ ساعةَ الحائطِ/ لتتأكدَ أن البُندولَ/
يرقصُ حاملاً دقّاتِ قلبِ الأمِّ مُخبأةٌ في دقّاتِه/
الأمِّ التي تركتِ ابنتَها دون أن تحِلَّ جدائلَها/ على فِراشِ العُرْسْ.
بعدئذٍ/ تتوكأ الصبارةُ على عصاها/ ثم تدلفُ إلى المطبخْ/
لتعُدَّ كوبَ الشاي وقطعةَ الخُبزِ الناشفِ من أجل فطور الصبيّة الوحيدة/
التي تُطعِمُ القططَ/ من صحنِها.
الصبيةُ ناعسةٌ/ تنتظرُ وخزةَ الصبّارةِ الطيبة/ لتصحوَ.
تُقطِّبُ الصبّارةُ جبينَها/ وتتذكَّرُ:/ تُرى بمَاذا وشوشَها العصفورُ عند الفجر؟
تدخلُ الشرفةَ/ تحملُ الِمخلاةَ التي ركنها العصفورُ عند الحائط/
وتسترقُ السمعَحتى تتأكدَ أن الصبيةَ قد خرجتْ إلى الحقلْ/
لتجمعَ الشعيرَ والقصبْ.
تُفرغُ المخلاةَ/ فوق سريرِ الصبيّة/
ثم تعودُ إلى إصيّصها/
تزرعُ قدميها العجوزتين في الطمي من جديدْ/ وتغفو.
بعد برهةٍ ستعودُ البنتُ مُجهدةً/ مكسوةً بالغبارِ والتعبْ/
وقبل أن تمسكَ مِشطَها الخشبيَّ/
لتنضوَ عن ضفيرتِها القشَّ والترابْ/
تضحكُ/ حين تلمحُ/ في انعكاس المرايا/ أكوامَ الشيكولاتة/
مكدّسةً/ فوق المُلاءة البيضاءْ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي




.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض


.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا




.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24