الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تصير مشهورًا دون تعب؟

فاطمة ناعوت

2016 / 10 / 20
بوابة التمدن


==================

"جاورِ السعيد، تسعد.” حكمةٌ قالها سلفُنا الحكيم، وحال تطبيقها، نجدها تصدُق حينًا، وتخفق حينًا. فكثيرًا ما جاور فقراءُ أغنياءَ، وتعساءُ جاوروا سعداءَ، فلا اغتنى الأولون، ولا سعِد الآخرون. أما الحكمة الراهنة التي قلّما تُخفق فتقول: “اضربْ المشهور، تشتهر.” اكتبْ على صفحتك، أو اصرخ بصوت خطابي مجلجل على الفضائيات: “ابن رشد كافر"، أو "نجيب محفوظ زنديق"، أو "طه حسين ملحد" "نصر حامد أبو زيد مُهرطق"، وستجد ملايين الآذان تُنصِت لك وتكبّر وراءك وترفعك على الأعناق وتصنع منك بطلا قوميًّا وحامي لواء الدين، خليفةَ الله على الأرض.
ليس مهمًّا أن تكون على دراية بتعريف كلمة: “مهرطق- زنديق- ملحد"، وبكل تأكيد، ليس مهمًّا على الإطلاق أن تكون قد قرأت حرفًا للوليد ابن رشد، أو محفوظ، أو أبي زيد، أو طه حسين. لا والله، بل على النقيض، "فلابد" ألا تكون قد قرأت لأي منهم حرفًا، وإلا ما قلتَ ما قلت. بل أغلب الظن أنك لا تعرف من هم وما جنسيتهم وماذا يعملون.
بالأمس كنت في جلسة مع بعض أصدقائي من الأطباء المصريين في مدينة أبو ظبي. جاءنا شابٌّ متأنق يلبس بدلة وكرافت. قدّمه لي أصدقائي فعلمتُ أنه مندوب شركة تأمين أردني الجنسية. حين علمت جنسيته صافحتُه قائلةً: (أعزّيك في "ناهض حتّر"، الذي اغتالته يدُ الإرهاب الأسود. رحمه اللهُ وعوضكم عنه خيرًا وخلّصنا من المزايدين تجّار الدين.) رمقني الرجلُ في دهشة وقال: “ده كافر ويستحق الموت!” سألته بهدوء: “هل قرأت مقالاته وكتبه؟" فأجابني: “هو كان كاتب؟"
هذا المندوب الذي يرتزق من أعمار الناس بإقناعهم بعمل بوليصة تأمين على الحياة، أفتى بكفر إنسان واستحقاقه القتل، وهو لا يعرف أصلا مَن هو ولا ماذا يعمل. ذلك النموذج منتشر في الأمّة العربية، وفي مصر على وجه الخصوص. أولئك هم "السمعيون" الذين يُغذّون عقولَهم من فُتات ما يسمعون دون أن يبحثوا ويستوثقوا ويقرأوا.
لاحظتُ أن معظم من يكفرونني على صفحات التواصل الاجتماعي يكتبون اسمي: (نعوت). ماذا يعني هذا؟ يعني أنهم "سمعوا" الاسم، فكتبوه على السمع، ولم "يقرأوه" على مقال أو كتاب أو بحث. فكيف يجد امرؤٌ الجرأةَ أن يرميني بالكفر وهو "لم" يقرأ لي كتابًا ولا مقالا؟ الإجابة ببساطة أنه "سمع" بكفري، من "مستمع" آخر، وهذا بدوره كوّن رأيه عني "سماعًا" من "مستمع" آخر لم يقرأني، وهلمّ جرّا. لكن أحدًا منهم لم يقرأ اسمي مطبوعًا على كتاب أو جريدة، فضلا عن قراءة آرائي وأفكاري، وإلا لعرف أن هجاء اسمي: ناعوت، وليس نعوت.
من قتل فرج فودة، تبيّن أنه "أميٌّ" لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه متيقّنٌ من كفر فرج فوده فأفرغ رصاصَ مسدسه في قلب مفكر إسلامي كبير، دون أن يقرأ له حرفًا، وحرم أطفاله منه، وحرم مصرَ من فكره. والذي طعن نجيب محفوظ لم يدر إن كان روائيًّا أم طبيبًا أم ساعي بريد، لكنه "سمع" أنه كافر فرشق خنجره الآثم في عنق الكهل المسنّ الذي حمل لمصر مجدَ نوبل. والذي قتل ناهض حتّر، الكاتب الأردني، لا يعرف أن الكاريكاتور الذي قتله من أجله ليس بريشة الكاتب بل وجده على الانترنت فنشره كما نشره غيره، لكن حتّر كان الأشهر فاستوجب القصاص من شخص يروم الشهرة. والذي قاضاني يخطئ في كتابة لفظ الجلالة، (الله) فيكتبه (اللة)، حاشاه، ثم يزعم أنه يدافع عن دين الله، وهو لم يقرأ كتابه العزيز، ولو قرأه لعرف كيف يُكتب اسمه تعالى في بداية كل سور القرآن الكريم. فهل قرأ حرفًا من كتبي أو مقالاتي ليرميني بالكفر؟
إنه سوء استخدام حقّ التقاضي الذي يسمح لكل "مستمع" لا "يقرأ" أن يقاضي كاتبًا أو مفكرًا أو أديبًا، دون أن "يقرأ" له حرفًا. فيُحكم على ذلك الأديب بالسجن أو تقضي عليه رصاصةٌ أو طعنة خنجر عمياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبروك
عبد العزيز سيد علي ( 2016 / 10 / 20 - 14:12 )
المهم مبروك عودتك الى القاهرة وإعلان سلطات مطار القاهرة بانه تم السماح لك بالدخول لانك لست مطلوبة تحت اية قضية...هذا امر جيد


2 - غير صحيح الناس يعرفونهم من كتاباتهم
عبد الله اغونان ( 2016 / 10 / 21 - 19:52 )

من قرأ ابن رشد يعرف جيدا سفسطته فهو مجرد تلملذ لأرسطو وشارح غامض له
في كتبه المطبوعة يشكك في البعث الجسد
ويشكك في نعيم الجنة واعذاب النار
وقدم العالم
مما جعل عباس محمود العقاد في كتاب له يعتبر بأن فلسفته ليست اسلامية
نجيب محفوظ ومن لايعرف روايته التي حظرت حين صدورها وتناولها النقاد
من لايعرف رواية --أولاد حارتنا -- المليئة بالهرطقة حيث الله هو الجبلاوي القاسي الظالم المتغطرس وحيث الدين هو الأفيون وحيث الأنبياء بأسماء رمزية مكشوفة تسيئ الى سمعتهم
أسطورة أن قاتل فرج فودة أمي من كلام المخابرات
لكن دعونا من قاتله فهذه كتبه المنشورة
وناقشه علماء أزهريون وغير أزهريين
ناهض حتر أردني مسيحي وكان يحاكم على هرطقاته والرسوم والتجديف في حق الذات الالهية وقتل وهو خارج من محكمة
وماكان يجب أن يقتل
دعوا هذه الأسطورة في أن الناس لايعرفون مايقول هؤلاء فلم تعد مجدية

اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة