الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري

طوني سماحة

2016 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا بد للنهر، عندما يتدفق من أعلى الجبال إلا وأن يحمل بين أمواجه خصائص النبع الأم. فالنبع الملوّث يلد نهرا ملوّثا والنبع العذب يلد نهرا عذبا. دائما ما يلد النبع العذب نهرا عذبا، لكن ومع احتكاك النهر بمختلف طبقات الأرض قد يتحول النهر ملوّثا نتيجة امتزاج مياهه بالأوساخ والقاذورات.

عندما خلق الله الانسان أراد له أن يكون نقيا وطاهرا. يكتب سفر التكوين أن الله خلق آدم (وحواء) على صورته ومثاله ومن ثم أوكل إليه مهمة العمل وسط الخليقة والحفاظ عليها. لم يُخلق الانسان كيما يكون كائنا عشوائيا وضبابيا بفكره وعمله وإيمانه، بل كائنا منظّما، عاقلا ومقدسا. يكتب سفر التكوين أن الله، عندما انتهى من عملية الخلق، نظر الى كل ما صنعه فرآه حسنا جدا. لذلك عندما عيّن الله آدم وكيلا على خليقته، كان من دون أدنى شك ينتظر أن يرى منه نتائج إيجابية. للأسف، وكما أن النهر أحيانا يتشعب فيمتزج بقاذورات الأرض ويفقد بالتالي نقاءه، كذلك فعل آدم (وحواء) من خلال مد جسور التواصل مع الشيطان المرموز إليه بالحية، فكان السقوط المروّع.

لم يقتصر سقوط آدم على الضرر الذي تسبب به لنفسه فقط، بل تعداه ليشمل الخليقة. سقط آدم، فمات روحيا وفكريا وأدبيا قبل ان يخطفه الموت الجسدي لاحقا، ومن هنا كرت السبحة لتشمل كل مجالات الخلق. طعن قايين هابيل فتلوّثت يد القاتل بدماء القتيل. للمرة الأولى في تاريخ الخلق تلوثت حبات التراب عندما شربت الدم وللمرة الأولى فتحت الأرض بطنها كي يتحلل لحم وعظم القتيل ممزوجا بالدود في جوفها. خلق الله الانسان للحياة على الأرض لكن الأرض أصبحت فيما يلي مقبرة الإنسان، لذلك أعاد الله وضع الضوابط التي تحدد مسار العلاقة بين الله والانسان، الخالق والمخلوق من أجل حياة أفضل.

"لا يكن لك آلهة غيري" هي الوصية الأولى التي أعطاها الله لموسى وبالتالي لشعب إسرائيل. بعدما أطلعنا سفر التكوين على تفاصيل سقوط الإنسان، صرنا ندرك أن أول ما دغدغ مشاعر حواء هو تصوير الحيّة (الشيطان) لها بأنها تستطيع أن تكون مثل الله. لم يدر في ذهن هذه المرأة البسيطة أنها، ومن خلال تحقيق هذا الحلم الذي يبدو في ظاهره جميلا وممتعا، كانت في طريقها لسلب ما لم تمتلكه. كانت حواء آنذاك تخطو الخطوات الأولى للجلوس على كرسي ليس لها والسكن في مكان ليس مكانها وتبوأ وظيفة ليست وظيفتها. لم يطل الوقت بهذه المرأة الساذجة كي تدرك أنها بدل الصعود الى الأعلى كانت تنزلق بسرعة الى الأسفل، وفي زمن قليل كانت المرأة التي حلمت منذ لحظات قليلة بأن تكون مثل الله أصبحت رهينة حيّة في يد الشيطان. من هنا كانت وصيّة الله الأولى لموسى "أن لا إله إلا الله" أو بلغة الكتاب المقدس "لا يكن لك آلهة غيري". عندما نعيش في المجتمع ويدرك كل واحد منا مكانته تسير الأمور بشكل أكثر سلاسة. عندما يدرك النجار أنه ليس الحداد وعندما يدرك الموظف الرسمي أنه ليس المحامي وعندما تدرك ربة المنزل أنها ليست مديرة المدرسة تسير أعمالنا على خير ما يرام. لكن عندما يتمنى كل واحد منا الجلوس على كرسي صاحبه تقع المأساة. فالله هو الله والانسان هو الانسان. من هنا تستمد الوصية الثانية والثالثة شرعيتهما "لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن... لا تنطق باسم الرب باطلا".

كان الله يدرك أنه نبع الحياة وأن لا حياة للإنسان بدونه، لذلك كانت وصيته الرابعة "أذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. ". لماذا يوم السبت؟ "لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه". إن كان الخبز ضروريا لحياة الإنسان الزمنية، فالله ضرورة أكبر لحياة الإنسان الروحية. الله هو خبز الحياة وبالتالي لا حياة للإنسان دونه. لذلك كانت ضرورة تخصيص يوم السبت للرب لكي يعيد الإنسان شحن طاقاته الروحية والتي لا بد وأن تنعكس إيجابا على طاقاته الزمنية.

حددت الوصايا الأربعة الأولى علاقة الإنسان بالله. أعادت ترتيب الوظائف في مكانها الصحيح. منذ بدء الخليقة والانسان يحلم بأن يكون شبيها بالله. هذا كان هو حلم حواء الأول. هذا هو أيضا هو حلم بناة برج بابل. وهذا هو حلم الانسان الحديث. شاهدنا الإنسان في العصر الحديث يتلاعب بالجينات من أجل استنساخ الحياة أكانت حيوانا أم بشرا. قرأت حديثا عن إمكانية الاستعاضة بالحمل الطبيعي للحصول على أولاد في المستقبل من خلال استنساخ أنسجة وجينات وتطويرها ومعالجتها.

باختصار نستطيع القول أن الوصايا الأربعة الأولى هي وصايا الحياة. فالله هو مصدر الحياة كما أن الشمس هي مصدر النور. أي حياة لا تستمد طاقتها من الله محكوم عليها بالموت تماما كما أن أي بقعة من الأرض لا تستمد نورها من الشمس محكوم عليها بالظلام. في المقال القادم، نستعرض، إن شاء الله، مسار العلاقة التي تحكم الإنسان بالإنسان من وجهة نظر إلهية من خلال الوصايا الستة المتبقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Sami Simo
طوني سماحة ( 2016 / 10 / 25 - 00:00 )
شكرا أخ سامي على المعلومات القيمة التي أضفتها ألى الموضوع. لا شك أنها سوف تكون سبب بركة لكثيرين. مع محتبي واحترامي

اخر الافلام

.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. يهود #بريطانيا يعتصمون أمام البرلمان في العاصمة #لندن للمطال