الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستبداد الديني والخرق الدستوري في قانون الخمور وأثرها في الأمن الوطني

هيثم الحلي الحسيني

2016 / 10 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



صوت مجلس النواب العراقي على قانون مثير للريبة والجدل, يقضي بحضربيع وتصنيع وإستيراد الخمور, ولغرض مقاربة تداعيات هذا التشريع, من جوانب الإحتكام للدستور كمرجعية قانونية متقدمة أولا, ثم مناقشته بهدوء, من جنبة مخالفته للقواعد الفقهية الإسلامية, وتحديدا قاعدتي الإلزام والإمضاء, أو قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام, مما يشكل خرقا دستوريا في التشريع, ثم تلبية الحاجة لمقاربة تداعيات هذا القانون, في الجوانب الإجتماعية والإقتصادية وسلامة الأمن الأهلي, والتي بمجموعها, تؤثر مخرجاتها في الأمن الوطني, خرقا وتهديدا.
فالقانون سيقضي على الشعور بالإنتماء والحرية الشخصية والإعتقادية, لشرائح واسعة في المجتمع العراقي, وتشعرهم بالإحباط والإستهداف والظلم والقمع, كونه يعارض متبنياتهم العقدية والسلوكية, مما ينمي الشعور فيهم كمواطنين, بالتهميش والإحساس بالتبعية والمعاملة الدونية, وبالتالي فهو عنوان للإستبداد السياسي والمجتمعي, وكذا الإستبداد الديني, كما عبرعنه علامة العصر التنويري, الشيخ النائيني خالد الذكر, قبل قرن من الزمن, في بحثه الرصين الموسوم "تنبيه الأمة وتنزيه الملة", إذ دعا فيه الى نظام سياسي, يتماهى ومتبنيات الدولة المدنية والديمقراطية, في المفهوم المعاصر.
وسيستهدف القانون الإقتصاد الوطني بالصميم, كونه سيفتح الأبوب مشرعة أمام التجارة غير الشرعية بهذه السلعة, وهو ما سيفضي بالمال السحت, الى جراب الكثير من المصوتين على القانون, فضلا عن رؤسائهم وسادتهم, الذين بغالبيتهم تمتلئ حقائبهم الدبلوماسية, العائدة من أوطانهم الثانية أو الأولى, بالأنواع الفاخرة والثمينة من هذه السلعة.
فضلا إن الكثير من عوائل هؤلاء المشرعين, في بلدان المهجر, يمارسون حياة, لا علاقة لها بمضامين القانون وعنوانه, كونها حياة لا تحضع لتابواهات المحرمات, التي فرضوها على المجتمع العراقي, وهذا يؤشر الجنبة الأخرى من الفساد السلوكي, كونه يخالف مضامين العدل والحقوق والمساواة, أمام التحديدات والموانع والممنوعات.
كما أن الدستور العراقي النافذ, قد أكد في مواده على "منع أية تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات", طاما أنها لا تتعدى حقوق الآخرين, فحرية الفرد تنتهي عند خط شروعها في تجاوز حرية الآخر, إذا كان المشرع قد إستحضر هذا المعنى في تبرير تصويته على القانون موضوع البحث, والحال أن القوانين ملزمة عادة, بملاحقة ومقاضاة المتسبب بالضرر الواقع على المواطن أو المجتمع أو الدولة, أو الإعتداء على حرمات الغير وحقوقهم, ممن يكون تصرفه بعلة تعاطيه الخمر, أو لعلة أخرى.
فالإجرام مساحته واسعة, ولا يمكن أن يختزل بهذه العلة, وهي تعاطي الخمر أو التجارة به أو تصنيعه, خاصة أن الكثير ممن صوت على القانون, يمارسون الإجرام بأبشع صوره, خاصة في جوانب العبث بالمال العام, وسرقته وإستخدامه للأغراض والمنافع الشخصية, ثم ممارسة جرائم التزوير والكذب وتخريب ممتلكات الدولة ونهبها, والسطو على الممتلكات الشحصية, بدعاو غير نزيهة.
وإن أبشع أشكال هذه الجرائم, هي ممارسة القتل والإرهاب, من خلال الواجهات غير المعلنة للكتل السياسية, خاصة المنضوية تحت الإسلام السياسي, بإختلاف عناوينه, من تنظيمات ومجاميع إرهابية, وميليشيات وقحة, تضمر مستقبلا مرعبا, فهي تتهيأ وتنتوي الإستحواذ على الشارع والمجتمع مستقبلا, وتوجيههما وفق أهوائها ومتبنياتها, وبذا ستمارس القمع على الآخر, وكذا الصراع المستقبلي البيني الخطير فيها, إذ ستستهدف مكوناتها السياسية القائدة والمشكلة لها, قبل غيرها.
ولا حاجة للدليل والحجة في إثبات هذه الوقائع والمعطيات, والتي بنتيجتها يرى الوضع المأساوي القائم, فكان الأجدى بممثلي الشعب, صياغة التشريعات الضرورية لمنع الجرائم والممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية, التي يمكن أن تنقذ الوطن وترد اليه بعض عافيته, لا أن تذهب الى منطقة حساسة, تشعل فتيل أزمات وحقائد وفتن, وبؤر فساد ومعاناة مجتمعية وإنسانية, تضاف الى المأساة القائمة.
فالغريب, أو الذي لم يعد خافيا وغريبا, أن الكيانات المتحركة تحت عنوان الإسلام السياسي, إن صح إصطلاحه, تمارس أبشع أشكال الحشد والتحريك الطائفي, في أوساط مجتمعها الناخب, وتعتمد الخلاف والترويع الطائفي, وسيلة لكسب الأصوات والإستحواذ على مقاعد المجلس النيابي, فتختلق صراعات طائفية ومذهبية, لكل مناسبة ولكل واقعة, خاصة في وسائل الإعلام وأمامها, بينما هي تتوحد بشقيها, عند التصويت على هكذا قوانين, تستهدف ركائز الدولة المدنية والحريات الشخصية.
فليس بعيدا الإصطفاف المريب, بين الإسلام السياسي الطائفي السني, والآخر الشيعي, "وعذرا عن المسميات", عند التصويت غير المشرف, الذي هدف لإلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي, الذي يعد منجزا تأريخيا للشارع العراقي, ومتقدما على سواه في تشريعات الدول العربية عموما, والذي جرى صناعته لمرجعيات مختلفة, منتقاة بعناية, من أحكام المذاهب الإسلامية المختلفة, وبعض النصوص القانونية المقابلة, من نماذج الدول المتطورة, فكانت مفرداته سارية بسلامة وقبول عام, على كافة المواطنين دون إستثناء, ولا يستثني الخصوصيات الدينية والمذهبية.
غير أن الحضور المدني المؤثر حينها, قد أفشل المشروع, بينما قد تلاشى هذا الحضور, في ظل سطوة تشكيلات الإسلام السياسي بشقيها, على مسرح الأحداث, وإنحسار تأثير الداعين الى الدولة المدنية, ومبادئ المواطنة, تحت القبة النيابية, وفي مراكز صنع القرار, وتبقى الآمال شاخصة صوب ساحة التحرير, المكان الذي يعلو به صوت العدالة والدولة المدنية والحكم الرشيد.
إن المسألة الرئيسة في عدم شرعية القانون موضوع البحث, هي لمخالفته المواد الدستورية, التي أعتمد أصلها, في تسويق القانون وشرعنته, فقد إحتج هذا القانون الى المواد الدستورية, التي تنطق بمنع التشريعات, التي تناقض ثوابت الشريعة الإسلامية, في الوقت التي يعارض القانون ذاته, روح ونصوص القواعد الفقهية ذات الصلة.
فالقانون يخالف بالذات وتحديدا, قاعدتي الإلزام والإمضاء الفقهيتين, وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام, التي تقول فيها مجمعة, سائر المذاهب الإسلامية, وخاصة مدرسة آل البيت الفقهية, ومذهب وفكر الإمام المعلم الصادق, والتي تفخر جميع مذاهب الإسلام, أنها قد تفرعت عنها, إجتهادا ورؤى.
وبشكل مقتضب, فإن الفقه الإسلامي, وفق قاعدتي الإلزام والإمضاء, لا يفرض متبنياته على الغير, سواء المخالف دينيا, أو المختلف مذهبا, فالمدارس أحرار بما تؤمن به وتقول به, أو بما هي تلزم نفسها به, ويجري التعامل معها, وفق متبنياتها, لأنها قد ألزمت أنفسها بها, والعكس صحيح, بما يمضي المشرع متبنياته, فهي ماضية عليه, في محاكاته الآخر المخالف, وبذا يكون للفرد, مسلم أو غيره, أن يقاضي المخالف له, وفق شرعة المخالف وفقهه, وإن إختلفت مع شرعة المشتكي.
ومن هذه القاعدة الفقهية, لم تمنع الدولة الإسلامية, غير المسلمين, من البيع والإتجار بالخمور, بينما منعت ذلك على المسلم, كما هو القانون العراقي النافذ, فالنفع والضرر في هذه الجزئية, يعود على ذلك المواطن, بما قد ألزم نفسه به, وفق شريعته, ولا يجوز للشريعة الإسلامية, التي كانت عليها الدولة الإسلامية, دستورا ومرجعا, أن تمنعه ذلك, إستنادا الى هاتين القاعدتين الفقهيتين, وهما الإلزام والإمضاء.
كما أن القاعدة الفقهية الرئيسة الأخرى, التي تنص على متن "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام", التي نطق بحروفها الرسول الأعظم, هي الأخرى تتماهى ومضامين قاعدتي الإلزام والإمضاء, إذ لا يجوز الإضرار بالآخر, مسلم كان أو غيره, وهنا يمكن أن يوقع هذا القانون, الضرر في شريحة واسعة من المواطنين, وفي الكثير منهم في أرزاقهم, من خلال وظائفهم التي سيخسرونها, في الشركات المصنعة أو الموردة أو غيرها, أو من خلال متاجرهم, والتي تشغل الكثير من محدودي الدخل, ضامنة لهم أدنى متطلبات العيش الكريم.
خاصة في ظل عدم إيلاء الدولة جانب معيشة المواطن, أية إهتمامات مطلوبة, وفي ظل الأزمات القائمة, في محنة الصناعة, ومحنة الزراعة, ومحنة السياحة, ومحنة البناء والإعمار, ومحنة القطاع الخاص, وغيرها الكثير, والتي أنتجت أسرابا من العاطلين عن العمل, والذين سيضيف القانون مثار البحث, مجاميع أخرى اليهم.
كما أن هذه الصناعة الوطنية العريقة, متقدمة على سواها في النوع والجودة, في الكثير من الأقطار العربية والجارة, وفي حالة طمرها وموتها, فسيعمد التجار الى إستجلابها بشكل غير شرعي, إستيرادا من الخارج, مما سيهرّب العملة الصعبة, التي هي أصلا يجري تهريبها بشكل مقنن, بدلا من إعتماد منتجات هذه الصناعة, كنافذة لجلب العملة الصعبة, من خلال التصدير.
فضلا أن للمادة المنتجة في هذه الصناعة الوطنية, إستخدامات واسعة, في مجالات الصناعة أو الصحة أو الزراعة أو غيرها, والتي كانت شركة التقطير العراقية مثلا, تؤمنها بشكل سليم, لعقود من الزمن, مما سيضطر الدولة العراقية, الى إستيرادها بالعملة الصعبة, وهو عين فقدان الذكاء الإقتصادي.
ولقد أنجزت من عدة سنين, دراسة معمقة من مجموعة حلقات, في مقاربة قواعد الإلزام والإمضاء الفقهيتين, كونها لم تحض بالإهتمام البحثي والتعريفي المطلوب, من المختصين وغيرهم, وقد قاربتها في مجال تأثيرها في السلم المجتمعي, والعدالة الإنتقالية, والحقوق والسلوكيات, وبضمنها قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام, إذ قدمتها بشكل محدود التداول, ضمن مناقشة فكرية, تحت عنوان مقارب, وقد تجنبت حينها نشر الدراسة, في وسائل النشر والإعلام, كي لا أوصف بالحركة خارج تخصصي, خاصة لتحسس المتخصصين في الفقه, ممن يعدوهم أغرابا على مساحتهم التخصصية الفقهية.
غير أن المعالجة المجتمعية في مقاربة الموضوع, وليس الفقهية الإستدلالية أو الأصولية الصرفة له, فضلا عن الحاجة الملحة للتعريف بهذه القواعد الفقهية الإسلامية, التي تعد ذهبية في مضامينها, وآثارها المجتمعية الإيجابية, جعلتني أعيد القرار, إذ سأباشر نشر حلقات الدراسة تباعا, لغرض التيسيرعلى المتلقي, وذلك بعد إعادة تنقيحها بما إستجد من متطلبات, وعلى ضوء القانون المعني, الذي سيستهدف السلم الإهلي, والتصالح وقبول الآخر, والحريات الشخصية, فضلا عن الإقتصاد الوطني, والأمن المجتمعي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دوله اسلاميه
على عجيل منهل ( 2016 / 10 / 24 - 21:04 )
أن القرار يخالف ما جاء في الدستور العراقي، ويتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادى الديمقراطية، فيما أشار البعض إلى أن القرار يحوّل مدينة بغداد إلى -قندهار-، وأنه مقدمة صريحة لإعلان العراق -دولة إسلامية-!.


2 - يونادم كنه
على عجيل منهل ( 2016 / 10 / 24 - 21:06 )
أدرج في اللحظات الأخيرة على جدول الأعمال لإقراره إضافة مادة جديدة تحضر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة-.
أضاف: أن -هذه الفقرة من القانون تتناقض ومضامين المادة الدستورية الثانية التي تمنع أي تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية، وتضمن حرية الأديان المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية، وإننا نسجل تحفظنا على هذه الفقرة، التي تعكس صورة سلبية للبلاد، وتضر بمصالح شرائحها الاجتماعية، ونحتفظ بحقنا في الطعن في المحكمة

اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال