الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيران الكردي الفاشية

ابراهيم محمود

2005 / 12 / 30
القضية الكردية


ما الذي قارب بين الكردي والنار، ما الذي جعله وأبقاه الرهين الذاتي للنار تلك، ما الذي أوجد في لغته كل هاتيك المفردات التي تشي بنارية عنصره، وتفشّي النارية كعلامة فارقة فيه، ليس من جهة الإقرار بناريته كتمايز وتفرد، إنما كتمييز ملحوظ ذي معنى لا يفوَّت، من قبل العارف بلغته، بشفاهيتها وتاريخيتها؟
قد لا يدرك الكردي نفسه، في المسار المتعيَّن، إلا إذا كان على بيّنة من بيان أمره الناري، ما الذي أضفى على لغته ذلك التنويع في المفردات، لتكون اللغة تلك، شاهدة على تجلي المدى الناري في حياته، لا بل ووثيقة مثبتة على اللغة ذاتها، في إحالة الكردي إلى حيّز النار ودلالاتها أو رمزيتها المعتقديتين؟
صلات القربى الوثيقة هذه، تستطلع الأفق الماضي الذي لا زال يتقدم عليه خيالَه وتاريخه الثقافي، وهو يستظهر مناخه النفسي، وكأنه لا يملك من لدنه ما يبقيه الضنين على ذاته المتعددة المناخات والتواريخ كذلك، بسر يقاوم به كشوف المحيطين به، من جهة الخلائط التي تستقصي ما يتفكره ويتذكره ويتدبره، من منظور النار تماماً، وكأنه يقاوم سره بعلانية تغويه، أو تتصيده برغبة آسرة منه وفيه، لا يجد بداً من التسليم لبلاغة التعريف المباشر بما يشغله داخلاً، وكأن الكردي فيه هو الآخر منه، هو خلافه ، رغم وجود محاولات مستميتة لاستتاره هنا وهناك .
أجدني هنا ممركِزاً مفهوم النار كردياً،مثلما أشدد على التاريخ المخلخل للنار تلك، ليس باعتباري كردياً، لأقول كرديتي تعزيزاً للغواية السالفة الذكر، تصديقاً لحرفية النار بنزوعها إلى الكشف والمكاشفة، وإنما كوني المعاني من سطوة النارية هذه، لغة محكية بصورة خاصة، وعلاقات اجتماعية، وإحالات لغوية لا تخفي قدمها المعتَّق والمؤثر في الذاكرة الجماعية للكردي دون استدراك منه، ولأني أعيش محفزات اللغة بالذات، في نابضيتها، بغية مقاربة ما وراء الاستعمال اليومي والوظيفي والطقوسي العادي للغة، خصوصاً، وأن ثمة وقائع يومية، أوسيرورة حياة تمارس تعريفاً متتالياً بالكردي من جهة نارياته، وكيف تتموقع النار في الكثير مما يجسده سلوكياً، ويعتنقه ثقافياً، وهو متعدد الانتماءات المذهبية، لتبرز النار، سواء أدرك مدى نفاذ اللغة فيه، أو لم يدرك حقيقتها القيمية، لافتةً في تسمية ما لم يسمّه هنا وهناك، عدا عن أن هناك من تناول النار من منظورات مختلفة، كما في حال جيمس فريزر الأثنوغرافي المعروف في كتابه( أساطير في أصل النار)، وغاستون باشلار الموضوعاتي المعروف بدوره في كتابه( التحليل النفسي للنار)، وإدواردو غاليانو الكاتب الأورغوائي المشهور بكتابه الذائع الصيت( ذاكرة النار) ... الخ، حيث أن الذي أتعرض له، هو في سياق مختلف، كما سيظهر تالياً.

مهبط النار

يضفي الكردي قدسية على النار، انطلاقاً من لاشعور تاريخي يعيشه، أو شعور تاريخ متقطع، هو ذاته لا يعرف أبعاد هذا الشعور كما ينبغي قياساً إلى القدسية تلك، حيث إن القَسَم بالنار يتعارض تماماً مع إيمانه الآخر، والأكثر تعريفاً به، وهو إسلامه، وفي حالات كثيرة، إذ إن المألوف هو قسمه بالنار تارة وبالشمس تارة أخرى، ليس بنوع من التساوي بينهما أو التضايف كما يقال، وإنما لأنه لحظة تأكيده على مصداقية شيء ما وفيما يتوجه إليه، يقول( Bi vê rokê) أي يقسم بالشمس مشيراً إليها وهي ظاهرة وكاشفة لما حولها وعداها، ولا تبقي سراً رهين محتجب، أو يقول( Bi agir)، أي بالنار، أنى كان، وفي أي وقت كان، ويعني ذلك أن ثمة تحديداً مكانياً مختلفاً، لكل منهما، فلا يكون أو يتم قسم بالشمس إلا وهي مشرقة، منظورة، وهو إذ يقسم بها، إنما يستخدم اسم الإشارة ({Vê) أي: هذه، معتمداً على حركة ظاهرة من يده، وعلامة للتقريب طبعاً، و( Wê) أي: تلك، علامة للتبعيد. وفي الحالتين هنا، تكون الشمس عيانية، ويكون الطرف الآخر مدركاً لخصوصية ما يقول، ويفهم معنى الكلمة مثله، إنما دون أن ننسى على صعيد التجنيس اللغوي، كيف تكون الشمس أنثى، والنار ذكراً بالكردية، ودون نسيان المستولد الملهم من كل منهما، وهو الضوء أو النورمفردة أنثى Bi vê ronahiyê، من جهة القسم، ليكون المنظور البعيد المحرق أنثوياً( الشمس)، والمنظور القريب والمعاش والمحرق ذكراً( النار)، وتكون الأنثى بصفتها نوراً إحدى التجليات الكبرى للخفاء: الجنس!
في القسم الناري يختلف المكان، إنه مُلغى هنا،لا ليل ولا نهار، ولا زمن محدد بالمقابل، ولا حركة إيمائية، لتأكيد فعل القسم الثاني، طالما أن اللغة تكون كافية في إبراز المقصود، كون النار مفردة، بمجرد التذكير بها، حتى يتضح المقصود تماماً، حيث لا داعي لأي اسم إشاري، إن الكلمة تختزن الزمكان وأسماء الإشارة معاً، عبر الاعتماد على حرف الجر( الباء:Bi).
ثمة قسم مؤثر من نوع آخر ولافت، ومتعدد المعاني بشكل جلي في سيرورة الحياة اليومية للكردي، وهو مركَّب، فحين يقول أحدهم من باب القسم ( Bi Ûcax) حتى يتم استحضار موقد النار، أو بيتها، مع القيّم عليها مجوسياً، إن المجوسي هنا هو النقيض التام الصفة المذمومة المضفاة عليه إسلامياً وخارج المعنى الفعلي فيه، المجوسي أكثر من كونه ساحراً، إنه رجل دين، قيّم ناري، وسيط بين النار في صفتها المادية بوصفها لهباً يشتعل بوجود مادة تحترق، والنور الذي يتم تخيله في الذهن، وتتصاعد الرغبة في التوحد فيه، فالمقدس له علامة نورانية فارقة كلية، كما الحال في مفهوم( النيرفانا) الهندي، أي الانطفاء، أي تحول الجسد نوراً، ويمكن تذكر آغني Agnî، وهو إله النار المقدسة في البانثيون الهندوسي، حيث لا يُخفي الاسم ذلك الترابط بين النار الهندية والنار الكرديةAgir ، وفي الآن عينه يكون القيّم على النار وحارسها حلقة وسطى بين الانسان والذي يؤمن به كإله لكأن الوسيط المقدس يحرس ذكورته عبر النار، إلا أنه يشتهي التحاماً بأنوثته المتقدة نوراً.
في الشأن ذاته، وكما استخدمت الحرف الكبير في الكردية(Û)، وهي الواو المضمومة تماماً،إشارة إلى وجود اسم علم، فإن) Ûcax: أوجاغ لفظاً) هو بمثابة الولي كما هو معروف في وسطنا، وهذه التسمية مستخدمة بكثرة في الوسط الشعبي الكردي المشهود له بالتدين، وذلك عبر الخلط أو بالمزج بين الولي التاريخي القديم في منشئه الناري أصلاً، والولي المستحدث اسلامياً لاحقاً.
ولكي نكون أكثر إلماماً بالكردية في مدخلها الناري وتداعياتها التاريخية وبلاغة الكلم الخاصة بها، يمكن أن نتوقف عند مجموعة مفردات تمتح حضورها من النار، لا بل هي ذاتها عائلة النار، أو محالة إليها دلالةَ.
يدرك المعني بمفهوم النسب ماذا يعني الآري، وكيف أن الكردي يؤكد انتماءه، من خلال النار بالذات، حيث أن الآري من الآر( Ar )، وتعني النار تماماً، أي تشير إلى اللون الأشقر من جهة، والشقار محدَّد ناري، سوى أن الكردي هذا يجد في كلمة Arî) )، أي الرماد تذكيراً بالنار، لكنه( أي الرماد) انتقل إلى المحصَّل نارياً تالياً، كون النار كمفهوم طقوسي تعبدي ديني ترتد إلى الماضي السحيق نسبياً، بينما الرماد راهناً كمعنى متداول، يعكس ضرباً مأسوياً من ضروب التحول الأثري في المعنى، ولكن لعل كلمة ( Har) والتي تعني صفة دالة على الشبق جنسياً، عند الرجل أكثر، وربما كانت في أصلها ناراً( Ar)، كون المرأة يشار إليها بعبارة أقرب إلى النار، وهي( Agir têde dileyize )، وهي تدل على المرأة التي لا تعرف الشبع جنسياً، ولهذا قيل( إن النار تستعر فيها)، دون نسيان مفردات أخرى كما في حال الجمرة المتعددة الدلالات على الصعيد الانفعالي Pizot, sersot, piling…الخ، لإقامة الفصل العنصري( الجنساني) بين الرجل والمرأة، ولكن تبقى النار في محصلتها مؤثرة في تدوين سِفر كامل من العلاقات التي تتحرك وتتولد عبر النار.
حيث أننا نجد أنفسنا إزاء جمهرة كاملة من المتواليات اللفظية المستخدمة في مجالات اليومي، وفي مناح ِ حياتية وقيمية مختلفة، تحدد علاقة الكردي بمحيطه وكونه وذاته.
فمن الرماد الذي خلا أو يخلو من كل أثر ناري، حيث تنعدم قيمة المرء هنا، تبرز كلمة ( Xwelî)، والرماد الذي يحتفظ بأثر ملحوظ من النار المتقدة، ولكن مستتراً، حيث يعتقد المرء أن الرماد وحده باق، تعبيراً عن مشكلة تحصل له، له يد فيها من خلال مفردة Tiraf))، إلى الشخص الذي كان ذا صيت ، ثم تدنت قيمته عبراستخدام مفردة( Pîşot ) ، الجمرة التي فقدت الكثير من وقدتها، خلاف ( Pizot)... تبدو الإقامات المتفاوتة المستويات والاعتبارات للكردي، وعبر النار مباشرة، ويمكن للغوي وحده متابعة الحراك الدلالي لمجموعة المفردات الخاصة بالمحترق والملتهب في النارPiling, Pîşot. Pizot، وتكون مفردة Piling ، مشيرة إلى الجمرة المتقدة، وقد وخطتها خيوط سوداء، وربما كان النمر بالمقابل متداخلاً كاسم مع الجمرة لوناً، وحتى من جهة الفعل الحيواني الرشيق المتميّز به.
هنا تتراوح حياته( أي الكردي) بين الارتباط بالنار المقدسة سماوياً ( النور المحض)وتلك المدنسة أرضياً( النار التي تنبعث عنها روائح هي لسان حال الأرضي)، وكيف يجري الخلط بينهما، بسبب غياب الدقة، وتراكم الخبرات والوقائع المتداخلة في حياته وتاريخه.
يبرز كاوا الحداد، ذاك الكائن الذي يستحضر الحديد، وما يخص الحديد( الكور، والفرن والنار المشتعلة وتحولات المادة الجاري صهرها، ودرجات النار واشتعالاتها... الخ)، لا بل إن كاوا كاسم، في دلالته الحالية، يشير إلى المتأثر بالنار، فهو الموشوم بالنار، النحيل جسده وعبر اسمه إلى ذاكرة نارية، وكيف أن الحداد طارق الحديد يتعرف على النار والشرارات المتولدة من الطرق على الحديد، وفي الصميم التاريخي، تتبدى الميثولوجيا الكونية ببطاقة تعريف مكانية أخرى، وأعني بها ( بروميثيوس : سارق نار الآلهة)، أي المخترق والهاتك لسر من أسرار الآلهة.
بصدد كاوا، يبرز التاريخ مقروءاً بشكل مركب، فهو من جهة قرين ناري، ومن جهة ثانية نزيل الذاكرة القومية للكرد، لأنه، ومنذ أكثر من ألفين وخمسمائة سنة، كان علامة على نشوء التاريخ الكردي، على قيامة الكرد على المستبد الفارسي الذي سامهم الخسف طويلاً، ومن على مرتفع جبلي تُرى النار كإشارة في ليلة دهماء، ويكون خط سير الحركة مختلفاً هنا:
في السرد التاريخي الميثولوجي لبروميثيوس، يهبط هذا الكائن المبتَدع والأكثر من كونه إنساناً يدب على قدمين، ويُرى بالعين المجردة ، كما هو معروف عنه،من حيث كان مقر الآلهة، إلى الأرض، دون أن نعلم من كان في وبانتظاره تماماً، سوى أنه ينير ما حوله، ويخرج بني البشر من عالم الديجور إلى عالم النور.
بينما في السرد التاريخي الكردي ذي الطابع الحكائي الملحمي كذلك، يبرز كاوا أقرب إلى الانسان الحقيقي من كونه خلافه، حيث إن صعوده إلى الجبل، ومن هناك رفعه للشعلة النارية( وقد كان يعرف كيفية استخدام النار والوسائل التي تساعد على الاحتفاظ بها)، ثم هبوطه الجبل، والتحامه بالأرض، ليشير إلى وجود تاريخ أكثر ملموسية وإمكانية تفحص لمقوماته، والذين كانوا رموزه وعلامة تغير فيه، وفي الحالة هذه، إذا كان بروميثيوس يُمنح بعداً كونياً لا تاريخياً( حيث لا تاريخ دقيق له)، فإن كاوا يُمنح علامات فارقة زمكانية وقومية خاصة هنا.
يكون كاوا بالتالي التجسيد التاريخي لوعي ديني سرعان ما تم الالتفاف عليه، وتكريده( إن جاز التعبير)، من خلال المزج بين ما هو قدسي: ناري، ووضعي أرضي، تعالت النار رمزاً استخارياً في الذاكرة الجماعية الكردية منذ القدم، واستعادة متكررة، كنوع من طقوس المسارّة في المسيحية، لتحيين الحدث التاريخي الذي تم ذات يوم، وتخصيب يتجدد للرمز الذي يشد إليه الكرد هؤلاء الذين ينشدون تمايزاً في وضعهم على صعد مختلفة.
بات للنار في سيمائها الكردية مهبطان متناظران، إنما عامودياً:
المهبط السماوي، حيث الشمس، والنور المنبثق من موقدها الضخم والمهيب.
والمهبط الأرضي، حيث موقد النار: التمثيل الحرفي والحِرَفي للشمس، وكيفية الطواف حولها، والاستنارة والتدفؤ بها، كما لو أن حركة دائرية كواكبية تتم في أصولها النجمية( دوران مجموعة كواكب حول الشمس : النجم)، وهو دوران يحقق مفهوم التكامل من جهة، ويحيل الجسد إلى ما يتشوق إليه: التلاشي في روح النار: النور من جهة ثانية.
لهذا لا غرابة البتة حين ينتشر اسم خورشيد) Xorşîd) أي الشمس بين بني الكرد، إحالة للاسم إلى تلك الذاكرة المذكورة، تأكيد على الصلة التي تحدثنا عنها، ومن ثم تتنوع الأسماء الخاصة بمصدرها الشمسي تحديداً كردياً، كما في حال( … ( Ronî, Ronahî, Ronî can, Rewoşen، وكلها مشتقة من الشمس، من معينها النوري، لا بل إن الكلمة الدالة على المثقف بالكردية وهي ( Rewşenbîr)، ذات دلالة تاريخية ودينية وطقوسية كذلك، كون المثقف هنا، يحال إيتمولوجياً إلى ذلك القيّم على النار والطائف حولها، والحريص عليها في آن. إن المثقف خريج الذاكرة الشفاهية، الضليع بأهواء ومناخات الذاكرة تلك، والممثل لها.

تعارضات: التباس التاريخ في الذاكرة النارية

وسط المتتاليات المختلفة للنار، وكيفية استتبابها أرضياً ، إنما دون بقائها على حالها، لأن منطق التاريخ يقف بالمرصاد في مواجهة أي منطق سديمي تأبيدي، تبدو النار الكردية نيراناً كردية، ويبرز المفرد ( النار)، وقد تجلى اسم الجنس الملهم المؤكّد لحصافة معناه، متوحداً مع داخله المشتعل، يبرز الجمع( النيران)، وقد تنادت أسماء وصفات ، هي أنواع، وكأن الجنس استحال الغريب على أنواعه المنتمية إليه، كأن لا علاقة بين النار في مفرديتها ووقارها الدلالي، والنيران في جمعيتها وانتشارها الإشاري، لكأن الكردي عبر هذا التوزع بين المفرد: الوحدة المحصَّن بها، والجمع المفتت في عضده أو لقواه، يفعّل صراحة مأزق فهمه للتاريخ، لا بل ومأسوية التاريخ الذي عاشه وتم تدوينه له قليلاً ، وعليه كثيراً، ويكون حضور النيران تفعيلاً للأرضي فيه أكثر.
يحضر إلى الذاكرة هنا، اليوناني الناري هيراقليطس منذ قرابة2500 سنة، ذاك الذي أبصر التغير: الديالكتيك في مفهومه التاريخي والطبيعي، في النار، ولكنه لم يكن كردياً بالتأكيد، ولا كان تفكيره يتحدد في منحى كردي، وخصوصية النيران الكردية المقدسة والمفترسة ، إن جاز التعبير، فهي تغيّر أكثر مما تتغير، وهذا هو الفارق الكبير بين توضعات النار من مكان لآخر، مثلما هو الفارق بين الكردي في انتقالاته أو ارتحالاته الزمكانية المعلومة، وفي الثقافة المحمولة والمتحولة كذلك.
أعود بذاكرتي إلى الوراء قليلاً، مقارنة بالتاريخ الطويل للنار وتحولاتها عبر أزمنة وأمكنة مختلفة، أعود إلى طفولة عشتها في القرية ، حيث النار أكثر قدرة على تأكيد حقيقتها الجامعة بين الامتداد الشعاعي المتعدد الجهات، والذي يضيء المحيط، ويبث أماناً ملحوظاً، كما في حال ضوء القمر النسخة المقتبسة ( بتصرف) من النور الشمسي، والمدى، الصدى الناري، طالما أن القرية في اشتقاقها تعرّف بقيمومة نارية معينة، وهي أنها مركز استطعام، فأن تكون في القرية، هو أن تعيش متخيلاً نارياً، أن تعيش رغبة ساعية أبداً إلى مجاورة أو معاشرة النار، ومن خلال أدوات ولوازم، على القروي تدبرها أو تأمينها: الحطب: ذاكرة النار الصامتة، وموقد الحطب والإثفية، ومجامع النار المتنقلة في محيط القرية، حيث الرعاة وحدهم قادرون على وصف حميّاهم النارية، ومدى انهمامهم وشغفهم الناريين، كون النار لا تحافظ فقط على تأمين حرارة كافية للجسم:في الأيام الباردة فقط، وإنما تستبعد المخاطر، تستكشفها في الحد الأدنى، وتكون إعلاماً ضوئياً وبليغاً بوجود بشر خارج محيط القرية، فشاعل النارهنا هو كائن إنسي، وإشعال النار يجذّر لمسافة فاصلة بين بهائمي مصنف خارجاً، وعاقل يؤكد انتماءه البشري داخلاً.
كنتُ والنار، كما كانت النار والنور، النار وما ينبعث عنها، هكذا كانت الطفولة انبجاساً شعرياً متواصلاً، في ذاكرة قروية تستشرف برية موعودة بأكثر من متغير مأمول من داخلها، لتكون الطفولة بدورها الذاكرة المتحركة بين تصعيد بالنار في الوعي المعاش، وتحويل للنور إلى فردوس يمتد خلفاً، لا أماماً، لأكون منهوباً من قبلهما، ونتاجاً تاريخياً بالمقابل لهما.
كان الأب، بوصفه رب البيت، مجسد النور في الذاكرة التاريخية الجمعية التكوين، مثلما كانت الأم الظلال التي ترتسم على خلفية لوحة التعليمات الأبوية، وهي في مسعى حثيث لتكون تمثيلاً عيانياً للأب بين الفينة والأخرى، دون أن تستطيع ذلك، لأن حدود الظلال مرسومة، وحد الظل هو أن يبقى المحمول بإرثه الظلي، أن يكون في أكثر الحالات وداعة وطيب خاطر ترجماناً تالياً لطيف النور الموسوم ، طالما أنها تختزن هواجس القمر، وحدود التحرك في الدائرة الليلية والتقفّي برداء العتمة اسماً من أسماء الليل الكثيرة، وليس في أن تعيش انتقالات الشمس بين المشرق والمغرب، بالمعنى الحسي، أن تكون هذه موجودة نهاراً، وحاضرة عبر توكيل كوكبي ليلاً، دون الارتقاء قدرةً إلى الانفتاح صراحة كما الشمس، بل يتحرك( أي القمر) في حدود التلميح خوفاً من النقصان أو التعتيم، بينما الشمس فهي تجهر بالتصريح حباً واشتهاء لسلطة التجلي الفارطة والممنوحة لها كونياً، وربما بدت الأم النار المشغولة بالشوائب بالإحالة، لهذا ظلت ولما تزل المرأة في العرف الشعبي، وفي اللغة المحكية النار الطاغية دنيوياً، وهذا ما كنت أعيش أطواره بالنسبة لخيالات القمر وخيلاء الشمس، كما لو أنني ملزم، وأنا طوع أمر الزمن، بالتوحيد بين لفح سيل النهار وطفح كيل الليل، ويكون الأب في استباقاته النورية الفارضة تعبيراً عن حكمة جدودية ضاغطة، من خلال الحراك الذي يتم في حدود البيت وخارجه، مثلما كانت الأم، تبرز رماد النار، إحالة مرجعية للجمر المتحدث عبرها، وهكذا أكون ربيب تجليات النار المحرقة، حتى يتسنى لي أن أستنير، بينما يتخلخل الجسد برماد يجسد الأم، وقدرتها البرزخية في الوصل والفصل بين الأشياء، وبالتالي أكون حلقة تلي حلقة أخرى في الربط بين ما هو ناري ونوراني.
كانت الإثفية بسيمائها القديمة الأثيرة الدائرية أو شبههاـ تيمناً مكانياً ورمزياً بالصورة المتخيلة عن الشمس( النجم السماوي)، تشكل مدماكاً رمزياً في البناء الصلد للنار ومشتقاتها، حيث كل شيء كان يتبع خط سير النار ذاك، أعني أو أقصد ما تكونه النار كما لو أنها الحقيقة الساطعة، إذ كان علي( علينا) أن نحافظ على وقدتها، مادمنا نرغب في بقاء الضوء داخل البيت، أن نتحمل سطوة الاحتراق، أن أكون أنا الموزع بين كيانية الأم المادية أكثر وكينونة الأب المتعالية نورانية، أن أعاين يومياً ذلك الرماد المتبقي حصيلة الاحتراق، لأتهيأ لنور تال ٍ، وباختصار ، أنا أكون ملتقى ذكورة ( اوجاغية) لها قداستها( مجوسيتها التليدة)، وما في ذلك من وطأة الانبهار بسطوع نار متأججة، وأنوثة ظلية لها تبعتها من الانضواء تحت فتنة النور الأبوي، تيمناً بسبحته، حتى أشب عن الطوق في يوم آت، لا يتحدد عمرياً، طالما أن الأب هو المقرر، وليس الزمن.
حقيقةً،كل الكائنات كانت تتصنف بوصفها الموزعة بين ما هو ناري وما هو نوري، انطلاقاً من المنطق المؤكد للثنائيات الدارجة ولا زال، كما في حال الغراب واللقلق والعقرب والحية والجرذ والضب والدود والبعوض والحريش العاض ... الخ، حيث أن هذه، ذات علامات انتماء نارية، خلاف الفراشة مثلاً والحمام والسنونو والدوري.. الخ، باعتبارها كائنات جنتية نورانية، يضاف إلى ذلك الحكايات والأمثولات التي كانت تتردد في تعزيز فعل النار، والتخوف منها بالمقابل، كل ذلك كان يفصح عن قدر كبير من التعارضات الملحوظة بجلاء في قدر كبير من التأكيدات السجالية ضمناً، والتي يصعب على أي كان، تحمُّل المفارقات اللاذعة القارعة باسمها، وكأنني الكائن الآخر الذي يعيش ويراقب ما هو مرصود لما تقدم.
يعيش الكردي زخم الحضور النيراني في حياته، بين نار حقيقية مشتهاة عندما يستحيل المكان عنده جبلاً، وما في الجبل من نقاء هواء وبرودة لاسعة، ومتعة الاستئناس بالنار في ركن من أركانه، لهذا فهو يضفي على النار عبر الجبل قيمة استثنائية مغايرة لما يعتقده تاريخياً لاحقاً، وعبر مؤثرات قادمة من خارج محيطه، وأعني بذلك الجانب الرمزي والديني للنار اسلامياً، حيث إن النار الاسلامية مخيفة، طالما أنها في الأصل ترتد إلى معينها اللاهب والملتهب صحراوياً، وكيف أنها تذكّر بالعطش والموت والحرارة الكاوية، بينما في الجانب الكردي، فقد بقيت النار شديدة الأنس، مرغوباً فيها، وبدا البرد: الزمهرير المعادل المفارق للنار هناك، وثمة نار أصبحت نزيلة تاريخه الذي تحول فيه من كائن متعدد الأمكنة، متعدد المناخات، وكذلك اقترنت النار بأكثر من مؤثر مهدّد لوجوده، وذلك من خلال الاستخدام اليومي لها كمفردة لا تخفى سلبيتها، في حالات كوارثية، ذلك ما يأتي استكمالاً أو استفحالاً لمذاهب التشتيت والتذويب للذاكرة التي تحيل كائنها إلى ما هوكائن، وتدفع به في الوقت نفسه تجاه ما هو كائن، وما عليه إلا أن يصارع في ذاته بين ما كان وما يكون فيه، أي يكون خصماً وحكماً معاً.
هنا ليس بالوسع تجاهل الكم الكبير والأثير بما لا يقاس، في كتم الأنفاس، للأغاني والحكايات التي تتحدث عن رموز الحكايات çîrok ذات الترددات البيئية الكردية الصرفة، والتي تنبني على تنويعات صوتية مغناة، عند المعتبرصاحب الصوت الدراميDengbêj ، كما نشهد ذلك في اللازمة الغنائية الطللية، إن جاز التشبيه قليلاً: De lêlê de lolo ، وتلك العبارات المفخخة الآلمة والمؤلمة والمؤثرة في الآذان الصاغية في الآن عينه، عن الكبد الحرَّى Kezeb şewitiyo، والقلب المتولع أوالمتلظى، كما يقال Dil peritiyo، وما يحيل القلب والكبد معاً إلى نزيلين مكانيين، من جراء وقوع أحداث رهيبة، أو للتعبير عن فجائع تداهم الكردي في بيته وما يسنده Agir bi malê keto ، أو للتشديد على وقع المأساة الشخصية في وضع معين لا يُحسد عليه: أجيج النار في الجسم Revîna agir di laş de ye... الخ.
كما ذكرت سابقاً، فأنا لا أمركز النار كقيمة وكفعل وإحالات لغوية إلى بؤرة توتر كردية المنشأ محضة، وإنما أتوقف عند الظاهرة اللافتة التي تشكل لسان الكردي، في تضمنه لما هو ناري ونوراني فيه، وبصورة أدق، في استقطابه للمؤثرات المختلفة ذات الخاصية العالية التأثير بالنيران ، وكيف تكون فاشية، حيث أسمي الفاشي هنا انطلاقاً من معنيين متعاطفين من جهة الدلالة وانتثار المعنى:
النار التي لا تهدأ موقعاً، وكيف تنتشر دائرياً، وما تفشيه من حولها وباسمها.
وتلك النار التي تتجلى بسطوتها، حيث تكون فاشيّة هنا، وذلك التداخل بين الإفشاء والفاشية واقعاً.
الكردي يعرّف بنفسه في الكثير مما يقوله وينسبه إلى تاريخه الذاتي أنه ضحية اكتواء نيران الآخرين، وأن النيران تلك، لا تبقيه في سر يخصه، إنها تنزع عنه كل سر، في متابعة مداهمته، وهو حين يتحدث عن هذا الجانب، لكأنما يَبرز جانباً أضحوياً طقوسياً يتسخر له، دون أن يسميه هو بالذات، مثلما أنه لا يكف في الكثير مما يعنيه، وكرد فعل تجاه ما يراه الضيم المتصاعد الملحق به، ذلك الأوجاغي المهدور قيمةً، إنه النور المحاصَر بنيران الآخرين، فيكون الفصل بين مشتق صير أصلاً، والنور الذي لا ينطفىء خارج دائرة النارية المسماة تلك.

فاشية النيران كردياً
ثانية أشدد هنا على أن الذي أطرحه هنا، ينطلق من اعتبارات معايشة تاريخية ونفسية وتربوية وثقافية للكردي، ذاك الذي يقيم علاقة مع نفسه، وكيفية التعبير عنها بلغته الخاصة والعالم الخارجي من حوله، وتأثير الثقافات الأخرى عليه، وضمناً الثقافة الاسلامية خصوصاً في ذلك.
قد يكون من باب المبالغة أو الافراط الصاعق للكثيرين من المعنيين بالموضوع، أو الكرد المهتمين بموضوع كهذا، وأنا أزاوج بين مفردتين في الأصل، تبدوان مفردة واحدة، إن لم يتم تشكيلها، أعني بها ( الفاشية هنا). فبين إطلاق الياء بفتحة تسهل عليها المرور جهة تاء التأنيث باعتبارها صفة للنيران في العنوان، إبرازاً لطغيان المعنى/ القيمة في المفردة النعتية، حيث النيران تستحيل مكاشفة لهويتها وكشفاً لما هي عليه من نيرانية ولما حولها فتشتد الرؤية، وتوقيف الياء هنيهة وقت، ثم إطلاق سراحها، لأن مهمة المعنى تكون تأدَّت، عبر التشديد بالكسرة على الياء تلك، لتكون المفردة حالئذ مثيرة رعب أو مقلقة للقارىء، أكثر مما هو متصوَّر غالباً، كون الفاشية كمفهوم سياسي وقيمي، لا تستخدم إلا في حالات خاصة، الأمر الذي يثير تحفظات سلبية هنا وهناك، طالما أنها في غير موقعها، كما يُظَن، وكأنها زحزحت حقاً من موقعها، وكأنها ثانيةً،تعقيباً أو تعليقاً أو تعميقاً للمعنى، محكومة بأفق معنى محدد، بإقامة جبرية، رغم دور المجاز أو الاستعارة في تحريك الكلمة وتنوع استعمالاتها.
هذا الجانب ملحوظ للقارىء الكردي المعني بدلالات اللفظ، وانعكاساته القيمية، والعربي، الذي، كما أرى، يهمه ما في النيران الخاصة بالكردي من همزات ولمزات القول، أو ارتحالات معان ٍ.
بين تاريخ لا يمكن قراءته في سياق واحد( خط تصاعدي)، أو ما يسمى بالتاريخانية، هو التاريخ الكردي الذي يتوزع داخل وبين لغات مختلفة تمثله من طرف واحد، وتلك التي تعنيه في الصميم هي لغاته لهجاته أساساً، ولغات ثالثة أركيولوجية الطابع، لما تزل خبراءها والضليعين بها أكثر، تاريخ له وعليه أكثر، وذاكرة هي ذاتها من جهة تؤكد مأسويات التاريخ ذاك، رغم بخس حضوره اللصيق به، مثلما تبرز من جهة أخرى مدى ارتباطه بما كان، وكأن التاريخ المتعدد الصور والأطياف لم يدخل الأفق الرحب لحياته ، وعلى مختلف الصعد، بين التاريخ والذاكرة تبرز النيران، نيرانه الفاشية بالقراءتين المقدمتين، وهما تتناوبانه أو تتقاسمانه، كما لو أنه الضحية المنذورة للتاريخ غير عابىء من ناحية، وكما لو أنه المستثنى التاريخي الذي قيّض له الاستمرار طوال هاتيك العصور وتنوعات التاريخ طي الذاكرة التي تشدد على أنه مغاير لسواه، رغم كل التحديات التي استهدفته من ناحية أخرى.
أن أقول : نيرانه، فلتعدديتها، ولهذا فهو، في لغته المحكية، وفي كتاباته الفعلية، رغم قلتها، لا يكف عن الخروج من ذاته، للتعبير عن عما يمكن تسميته بخطأ في الحسابات التاريخية، أو عقدة تاريخية كيدية للنيل منه، وهو ينظّر للمعتبرة مؤامرات عليه، رغم أن شعوباً كانت، وكان لها صيتها( السومريون مثال حي هنا)، قامت وأقامت تاريخاً ثم زالت، كما هي النيران المحاصرة والمجتاحة لأي شيء قابل للاحتراق، أو تبتغي حرقه، مقارناً نفسه بكثيرين من حوله، محيلاً التاريخ نفسه إلى متَّهم، وهو لحظة حضوره فيه، فبوصفه الكائن الهامشي غالباً، وبين الإفشاء والفاشية، تتحد علاقاته مع النيران، ليكون المأخوذ بفتنتها، وقد أعدت لــه الأرض والمجال للانتشار، ومن ثم المداهَم بسطوتها الحرقية، وقد استلبت منه في الحالة هذه الأرض وهو فيها أو عليها مسلوب الإرادة.
تلتبس عليه المواقف والأحكام واللغات والثقافات وحتى الأماكن والأمصار والبلدان التي يرتحل إليها أو يحل فيها، انطلاقاً من ازدواجية علاقاته تلك مع النار وقد تبدت نيران، إيذاناً باختلاف المعنى كثيراً على الأقل.
بين ناره التي يخشع لها، تأكيداً لقدسية الخارج منها: النور، والذين يحرسونها ويحرصون على بقائها مشتعلة، وهي تبقيه رهين المحيط الجبلي حيث الحاجة إلى النار ضرورة مشتهاة، ويكون الحنين إلى الأصول تلك رغبة لا تنقطع، وكأنه في تحد مستمر للعالم المحيط به، وناره ذاتها، وقد غدت نيراناً لأن محيطه توسع، مثلما أنه هو ذاته، لم يبق كما عليه أسلافه وجدوده، فلا تعود النيران ملحقة بالمحيط الجبلي، مثلما لا تعود معرفة بالقدسية تلك، وقد تناولتها ثقافات محيطية وأخرى جاءت من أماكن أبعد من ذلك، وهي لصيقة بيئات جغرافية مغايرة تماماً، كما في الحالة الاسلامية خصوصاً، لتكون زمرة النار جهنمية، وتتحول القيمة بزاوية كاملة، اعتماداً على جوهر النار المكاني، وكأن الضغوط المتتالية والمتراكمة بلبلت عليه الوضع، ليكون من جهة الكائن المطيع لخصوصيات النار المؤبدة في ذاكرته، وما يستجر عليه هذا الدور المستحدث من تجريده من التاريخ المختلف، وعمومية النار وتنوعاتها الدلالية، ليكون العاجز عن فهم ذاته، والتواصل التاريخي مع ذاكرته.
لكأن النار الأولى، رغم أن هذه حقيقةً، ليست الذاكرة الأولى له تاريخياً، ولكن فتنتها هي التي أضفت عليه هذا البعد، هي التي أوجدته، وأعطت لكينونتها العلامات الفارقة التي يمكن معرفته من خلالها، أو التعرف عليه أنى حل واستحل، وليس هو الذي يغيّر في الموقف من النار، لأنها بدورها تاريخية من جهة القيمة والوظيفية والبنيان الثقافي.
ثمة الكثير من القسوة الملحوظة في متابعة ما أسميه باستشراء العنف الذي يمثله الكردي تجاه ذاته وقرينه أو نده الكردي، في محاولته إفشاء سره، وما في ذلك من تعريضه وتعرضه لاجتياحات شتى خارجاً وداخلاً كذلك، لكأنه والسر نقيضان تاريخيان، وليكون في إفشاء السر، ذلك السعي المرئي تماماً من التنازع والتصارع والتنافر الذاتي عبر مختلف العصور، ولا زال جمر هذه الحالات والإحالات متقداً تحت رماده التاريخي.
وبين اتقانه العالي المستوى لعلاقة تواصل حميمية فائقة مع النار، حيث يشهد لـه التاريخ بالاستمرار، مهما ضؤل هذا/ ذاك الدور المدوَّن لـه، وعجزه المستديم في تغيير العلاقة تلك، طالما أن تغيراً قد تم في بيئته، وفي الثقافة المتلقاة والمؤثرة كذلك، تمارس النيران المذكورة آنفاً، وظيفتها المركبة إفشاءً وفاشية، وهي في الحالتين تمثل الجور، وهو جور متمثل فيه بالذات وليس فيها.
ويمكن التأكد من ذلك، بالنسبة للقارىء المختلف: غير الكردي، أن يلاحظ سلسلة التعارضات هذه، لحظة متابعة ما يكونه الكردي في محيط الآخرين، وقدرته على فهم نيران الآخرين، إن جاز التعبير، وما يتجلى به صفات، وهو في محيطه الذاتي، رغم عدم استقلاليته طبعاً، وهو كأنما يشهد حالة من الشيزوفرانيا المطلوبة داخله وخارجه، محكوماً بوسط، يصعب عليه أن يقرر ما يجب عليه فعله، لأن الذاكرة الجدودية تكون أكثر مضاء فعل من التاريخ، لهذا تتنوع صور الاستبداد، وحتى الطغيان الكردية الكردية، في النيل المتبادل، بنوع من المقايضة، تأكيداً للعدوى/ الظاهرة المعاشة من قبل الطرفين، ليكون الاستمرار في التعارض المكشوف أو التباغض الموصوف دعماً لاشعورياً لفعل الذاكرة التي توقف التاريخ، وتلخص الأقاليم وسواها في إقليم واحد هو الجبل، ويكون فيض العنف في الحالة هذه نزوعاً نحو صميم الذاكرة تلك، وإبقاء لها وقد اختلطت مفهوماً ومعنى مع التاريخ، فلا يكون الانتماء الدقيق والواضح لأي منهما سوى ذلك الدورانً والتحرك غير المحدودين في متاهة سيناوية( من سيناء)، وهذا ما تؤكده أحداثه ووقائعه كثيراً، وربما تكون الكتابة هذه بالذات، تجسيداً معيناً لكل من التاريخ والذاكرة الكرديين معاً، وعلى هذا الأساس تتبدى نيران الكردي الفاشية بالمعنيين جلية الاعتبار!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين