الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آثار على الرمال

حسن البياتي

2016 / 11 / 9
الادب والفن



آثار على الرمال
قصيدة قصصية طويلة (ﭘـوئما)
للشاعر الروسي سيميون كيرسانوف

نقلها من اللغة الروسية وقدم لها: ا.د. حسن البياتي

مقدمة المترجم:
كيرسانوف، سيميون ايساكوﭬـچ شاعر روسي – سوفيتي بارز، ولد في مدينة أوديسا، عام 1906 وتوفي سنة 1972 في موسكو. أنهى دراسته الجامعية عام 1925 في كلية الآداب (أوديسا). بدأ بنشر نتاجه الشعري سنة 1922. وفي عام 1924 التقى بالشاعر ﭬـلاديمير ماياكوﭬـسكي واصبح من مشايعيه.
وكان كيرسانوف احد اعضاء ((الجبهة اليسارية للفنون)) – (ليف)، وهي رابطة ادبية فنية أسست في موسكو نهاية عام 1922 برئاسة ماياكوﭬـسكي نفسه، واستمرت حتى عام 1929. كما كان ضمن أعضاء هيئة تحرير مجلة (ليف) – لسان حال الرابطة المذكورة – التي بدأت بالصدور منذ عام 1923.
في الثلاثينات برز كيرسانوف – الى جانب كونه شاعراً – كاتباً في ميدان الأدب الاجتماعي السياسي، اذ ترك في هذا المجال طابعه الابداعي الواضح. وفي سنوات الحرب العالمية الثانية عمل مراسلاً لعدة صحف عسكرية، ورئيسا ً للجماعة التي اصدرت ((نافذة تاس))، ومؤلفا ً للطبعة الشعبية العسكرية ((العهد المقدس الذي قطعه على نفسه الجندي الروسي المحنك فوما سميصلوف)) .
تحتل القصائد القصصية الطويلة (الـﭘـوئمات) ذات الموضوعات الاجتماعية – التاريخية والموضوعات الفلسفية – مكانة مهمة في نتاج كيرسانوف الابداعي، منها مثلاً: ((ساندرلا)) – 1935، ((ليلة على عتبة القرن الجديد)) – 1940، ((جنة عدن)) – 1946، (( سبعة ايام الاسبوع)) - 1956، وغيرها. كما تبرز هذه الموضوعات ايضاً في دراما شعرية له، عنوانها (( سماء فوق الوطن))- 1947، وفي قصته الطويلة ((ماكار مازاي)) -1950 وفي غير ذلك من أعماله الابداعية.
يمتاز شعر كيرسانوف بتنوع الايقاعات وبالحذاقة في ابتداع الالفاظ. وقد غدا شعره، بمرور السنين، اكثر بساطة من حيث الشكل، وبدأت تغلب عليه الموتيـﭬـات الفلسفية – الوجدانية؛ فالشاعر يتأمل في علاقات الفرد بالمجتمع، بالتاريخ، بالكون، وبرسالته الخاصة هو.
الأثر الابداعي الشعري (آثار على الرمال)، الذي نقدمه للقارئ هنا، هو من مساهمات كيرسانوف في مهرجان الشعر (يوم الشعر) الذي اقيم في مدينة موسكو سنة 1960.
وكنت قد حضرت جوانب من فعاليات هذا المهرجان الابداعي الرائع.

آثار على الرمال
في الـبدْء
في البدء لم يكن:
لا الكون،
لا أنتِ،
لا البحر،
لا الرمل.
تنفس الضباب، تجمع السحاب.
من خلقنا اذن؟ كيف نشأ الكون؟
من كشف الاوقيانوس؟
من أين جئتِ أنتِ؟

ربما
أتى بكِ
فرس البحر.
أنتِ –
جالسة ً ما بين الجناحين-
كنت تمسكين بعرف الفرس،
بنصل سمكة
ذات أشواك وخازة.
أنتِ –
فاتحة عينيك
سعة الافق –
كنت تتأملين الكون،
والبحر،
والرمل.
أما أنا
فقد خلقتُ
لكي أراكِ فجأة
هنا، على الشاطئ.

والاوقيانوس
قد خلق
لكي يفرش-
متموجا ً بمراياه الوفيرة –
أمامك الطريقَ
بالأعشاب المائية.
والطائرة
قد خلقت
لكي تحملني –
مدوية بمحركاتها الأربعة –
وتهبط بي في ذلك العالم
الذي خلقوك فيه منذ لحظات.

أما قبلك،
فمن المرجح أنهم
لم يخلقوا أحداً

والعالم ما خلق إلا
ليبدعك
ويظهرك للعيان


رسومك

رسومك
سماوية،
لوحاتك الزيتية
هي مثلك...
عليها أزهار
لم تنبت في أيتما بقعة –
ليس لها من وجود
الا تحت يديك،
ها هنا،
على اللوحة الزيتية الزرقاء تنمو.
وانت لست في أيتما بقعة.
أين الاوقيانوس؟
لا وجود له في اي مكان.
إن أزهارا ً مثل هذه
لن أعثرعليها
لا في المدارات،
ولا في حدائق النباتات
ولا في أيتما بقعة
من بقاع الارض.
لكنها تنمو
فوق المياه الزرق التي ترسمين،
مثلكِ ومثلي:
ها نحنذا معا ً،
ها نحن لسنا في أي مكان!


عيناك

لك عينان مدهشتان،
كأنما في كل منهما حدقتان،
كما في أحدث الحافلات صنعا ً.
في الليالي،
تطير السيارات مسرعة ً
من شارع لآخر،
محدثة ً ضجيجا ً
بمصابيحها الأمامية المزدوجة.
لك عينان ثنائيتان،
كان ممكنا ً أن تتسعا لوجهين
فيتألق الاوقيانوس كله نورا ً
من مضاعفات
ما تشع به المقلتان.
تفهمين،
ان عينيك خارطة
لنصفيْ الكرة الارضية معا ً؛
وانك حين تغمضينهما
ينغمس خط الاستواء
في غياهب الدجى،
وحين أرجوهما
أن تنفرجا
يلوح فيهما
قطبان أزرقان
أوانَ
تنفرجان.

أنا الأبيض

أنا الأبيض،
يا حبيبتي.
أنا الطباشير،
الذي كان بحرا ً
يملك الأسماك والطيورَ
ثم صار أبيض.
أنا العصر الطباشيري
وعلى جسدي
ثمة بصمات أصداف
في القعر.
وحتى راحتي ذاتها
ليست سوى رسم لورقةٍ
وأنت:
أنت البداية.
أنت تحليق اليعاسيب.
أنت رشاش السمك الطائر.
أنت سماء العواصف الرعدية الاولى.
أنت الحياة التي بدأت قبل هنيهة.
أنت قوس قزح،
أنت باكورة المواشير اللماعة.
أنت المقلتان اللتان انفتحتا تواً.
أنت شلال الشعر الذهبي.
أنت انطلاق الدبابير الاولى...
أما أنا:
أنا الطباشير القصيّ،
في اعماق روحي
روسم اليعاسيب،
والأسماك،
والطيور الغابرات...
جارفةً الصخور
بيدٍ مرحة،
إقرئي لي
على الأبيض:
((أحببتكِ)).

فجأة

وفجأةَ
لي من العمر
قدْر ما تملكين:
حاذق أنا،
سواء في ركوب الدراجات،
وفي اللعب،
وفي السير،
وحاذق في كل مكان أنا.

تاركين معاً
على الرمل
آثار اقدامنا العارية
للمنقبين والعصور،
نحن نعدو الى المدّ.
نرتمي، سابحين معاً،
في أحضان الاوقيانوس.
لقد عزمنا على
ان نعبر المضيق عوماً.
معنا، جنباً لجنب،
تمخر عمودياً
علامةُ استفهام البحر
أو فرس الشطرنج
التي قدمتِ عليها الى الدنيا.
أنتِ،
مرتديةً الفقاقيع والشَّعر
ليس إلا،
تسيرين بقدٍّ أهيف
الى الاعماق.
أنا،
مرتديا ً الرئة المائية،
أُذهل كلاب البحر
وأشق سبيلي إليكِ،
الى القعر المتعدد الالوان.
آه، ما أبدعَ ان يكون لي
من السنين
قدْرَ ما تملكين!

نحن هنا على إنفراد،
حب تحت سطح الماء
بين المرجان والكتل الغامضة.
نغوص من جديد!
نعوم وسط الميدوزات،
والأسماك،
والنجيمات،
والأشواك ! ..
واليدان الورديتان في الأعماق،
مثل عشب الماء،
تمتدان نحوي.
وفجأة
لي من السنين
قدْر ما تملكين !


خلف السُّفرة البيضاء

وخلف السفرة البيضاء
وعند السِّفر الابيض
ثمة ((أنتِ))،
وثمة ((أنا)).
لا يمر حتى يوم واحد –
لا على السفرة البيضاء،
لا على السفر الأبيض –
بغيرك،
بغيري.


تعالي
تعالي
إلي
في المنام.
تجلي في الاعلى،
عند النافذة
اكتبي رسالة
على القعر الرملي
تلْفِني الى المد؛
ربما
يواتيني الحظ
فانجز اتصالاً هاتفياً
الى الجزْر
بانبوبة محارة
في القعر !
أرجوك،
تعالي في المنام
إليّ !


من مكانٍ مت

من مكان ما
أستلَّـتْ خيوطَ حروف مستديرات،
لفَّتها وألقتها على الصفحات.
اشتبكتُ
في حلقات الحروف،
التبستُ
في شموس الاحلام،
رحتُ أجري
من طوق حرفٍ لآخر،
من حروفكِ
المستديرات الوجوه.


الحروف
ألف،
وحاء،
وباء،
وشجرة شوح عند الكثبان
ونهار رائق في حزيران.
زنبق ربيعيّ،
فطر خريفيّ،
نهر،
وسنجاب فوق صنوبرة،
وألف،
وحاء،
وباء في المنام.
واقدام صلبة لسيقان خشبية،
وأيايل نافرة،
وقرون،
وأغطية موائد ثلجية،
وإسكي التزلج على الجليد،
وشواطئ مغطاة بالجليد...
كلها أنتِ؛
والازهار المبتكرة
والفلقُ، والغسقُ
كلها أنتِ؛
كثبان البيد الرملية،
شجيرات الشوح الفتية،
وآثار الطير على رمال البحر.
والالف،
والحاء،
والباء،
المتواريات بعيداً،
أنتِ...

سوف أنطلق

لكنني سأنطلق
الى ما وراء الافق.
وانت ايضاً ستنطلقين
الى ما وراء الافق.
بيد أنك
ستنطلقين الى ماوراء الافق،
كما النهار.
أما أنا
فسوف انطلق
الى ما وراء الافق،
كما الظلال،
حين يرحل، الى الكثبان،
النهارُ.


المسافات

أيتها المسافات،
أنتن هُوىً جوف،
لجج عُمْيٌ،
أخاديد قصور معلقة في الاعالي.
بينما الحب بحاجة الى
مسارب،
شوارع
طرق ممهدة،
بواباتٍ
يستطيع الجميع
ان يمروا من خلالها
ويتلاقوا.
واذا لم تكن ثمة مسالك
ولا طرق معبدة
فربما
غابات،
حقول،
روابٍ...
لكي نسير متعثرين معاً،
غير أننا نستطيع، مع ذلك،
أن يجد أحدنا الآخر
ونتلاقى.
لكن ثمة اسوار.
ثمة نقاط حراسة.
قفي، اجيبي فوراً:
أنّى إليك المعابر؟
عبر المهاوي الجوف،
الانهار،
الخنادق؟
ماذا، وهل الحب ليس أهلاً
لأن ترتفع أمامه
جميع حواجز الطرق
والمسالك الموصدة؟،
لأن يؤدي له الحراس
التحية العسكرية،
مثلما يؤدونها
للتأشيرة ذات الشعار الذي
يعانق فيه الكرة الارضيةَ
شريطٌ أحمر اللون؟

أيها المستقبل،
أيها الكون اللامتناهي !
هناك كان يجب
أن يكتب لهذا الحب اللقاءُ.

يستحثني
ويستحثني الهدير النفاث.
تلويحة طوق !
ويغيب البحر،
تتلاشى الضحكات على الشاطئ
وتنجرف الآثار
تحت طبقات الماء.
سوى جناحين
قد إمتدا على نهايتين.
تنسدل ستارة السحب
على الشموس الساحلية،
على عوالم
طلعتك البهية...

وأنتِ تختفين
لكنك،
وأنتِ تختفين،
تهتفين في النافذة:
- وداعاً !
الحافلة شرعت ترتعش،
انها تحرق الوقود، تنتظر:
رجة،
وها هوذا الحاجز ينهار،
يتهاوى منكباً
قاطع الطرق المقلم...
أيتها الهاتفة ((وداعاً !))،
تدركين
أنّ ((الوداع))
نهر بلا معابر،
هوة بلا قناطر،
وأن جميع الامكنة للقاء
قد أوصدت دوننا.
ولن يقدَّر لي ابداَ،
ولا فجأة،
أن أضع كفي
على البحر،
على الرمل،
على يفاعة كتفيكِ.


عن:
كتاب مهرجان الشعر
دار نشر سوفيتسكي پيساتل (الكاتب السوفيتي) - موسكو 1960، ص 53-56 ، قطع كبيرجداً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق