الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السنما العراقية.. من اين الى أين...؟

قاسم علوان

2006 / 1 / 2
الادب والفن



بعد ما خلفه الزلزال الهائل الذي هزّ المنطقة والعالم.. والعراق بشكل خاص... بعد هذا التغيير الكبير الذي تعرّض له المجتمع العراقي بشكل عام، وما أتسم به من متغيرات بنيوية جذرية في بنية هذا المجتمع، وسواء كان ذلك سلبا أو إيجابا بانتظار النتائج، علينا أن نطرح هذا الموضوع الذي نعتقد بأنه مهم جدا، باعتبار السينما العراقية جزءا من الثقافة الوطنية، وأن نضع ما أنجزته خلال الخمس والثلاثون سنة الماضية وما قبلها أيضا على لائحة التساؤل، وكذلك تصوراتنا لمستقبلها من خلال رؤيتنا لما تحمله الأيام بعد سقوط أعتا دكتاتورية فاشستية في تاريخ العالم, وبعد ما سببته من كوارث وحروب ليس للشعب العراقي فقط بل لدول المنطقة، وبعد أن طبعت إلى حد ما جميع نواحي الحياة العراقية العامة والخاصة بطابعها الفاشي، بما في ذلك الثقافة وأدواتها، بل وسخرتها لخدمة ذلك النظام، فكانت جزءا من آلية القمع الذي تعرّض له مجتمعنا بمختلف فئاته وطبقاته.
لذا علينا أن نطرح هذه الإشكالية المزدوجة.. النظرية والواقعية معا حول موضوع السينما العراقية.. وهل يمكن اعتبار المنجز السينمائي العراقي في ظل النظام السابق جزءا من تاريخ الثقافة الوطنية العراقية..؟ نقول السينما تحديدا إذ أنها أنتاج جماعي.. غالبا مؤسساتي يفترض العلنية مسبقا، أو أنها كانت أنتاج القطاع العام غالبا، ففي تلك الفترة تضائل حجم إنتاج القطاع الخاص في هذا القطاع بشكل كبير، إضافة إلى غياب المبادرة الفردية أو حتى على صعيد الجماعات تحت ثقل تلك الظروف القاسية، وكذلك غياب تقاليد عمل سينما سرية في العراق بشكل عام مثل ما هو متاح في اغلب دول العالم، بينما في أجناس الثقافة الأخرى ذات الطابع الفردي، وحتى المسرح ذي الطابع الجماعي وبجانب الإنتاج الثقافي الحكومي الموجه لتمجيد النظام وقائده وحروبه، كانت هناك نتاجات ثقافية (شعر، قصة، رواية، مسرح، نقد... الخ) رائعة وجريئة تنتمي بحق إلى الثقافة الوطنية العراقية وتراثها البعيد الجذور، والبعيد أيضا عن التعصب الشوفيني، والى التراث الإنساني العالمي الذي يمجد الإنسان في صراعه ضد قوى الظلم والتسلط .
لقد ألتفت رأس النظام السابق وبعد فترة قصيرة من توليه زمام السلطة في منتصف عام 1968 عندما كان نائبا للرئيس، إلى السينما ووظيفتها في خلق رأي عام منحاز وبسرعة إلى ما ترمي وتهدف أليه تلك السياسات، وربما أكثر من الأجناس الفنية والأدبية الأخرى، وبالتأكيد غير بعيد عن اهتمامه أو اهتمام المقربين منه تجارب السينما السوفيتية والألمانية النازية تحديدا، فأولاها اهتماما غير عادي في البداية، فأوعز بإنشاء مدينة للإنتاج السينمائي على غرار مدينة السينما في مصر، لكن لأسباب نجهلها توقف العمل بذلك المشروع وبشكل مبكر، ربما أكتشف كلفته العالية والتي يشك في الوقت نفسه في مردوديتها الاقتصادية.. وحتى السياسية...! مقارنة بمشاريعه الأخرى (الكبيرة..!) فمن المعروف أنه كان كثير التوجس من الوسط الثقافي والفني عموما، وقد أفصح عن ذلك أكثر من مرة علنا، رغم أن المخرج المصري يوسف شاهين وفي زيارة له للعراق في عام 1977 وفي لقاء صحفي معه في بغداد حذّر من بناء مدينة للسينما في العراق، في كون صناعة السينما في العراق تفتقد إلى تقاليد العمل السينمائي المهنية والحرفية، وبالتالي ستكون نهاية ذلك المشروع الفشل الذريع، أو في أحسن الأحوال تؤول إلى ما آلت أليه السينما المصرية بشكلها التجاري الهابط في السبعينات... على حد تعبير المخرج المذكور.
وربما لم يكن هذا الرأي هو السبب وراء وقف العمل بذلك المشروع، إذ ربما أشار له البعض من الذين كانوا على رأس إدارة السينما في ذلك الوقت والذين وكما هو معروف.. لا يميزون بين ما تعنيه (اللغة السينمائية) واللغة العربية...! بأن (نكتفي بمصلحة السينما والمسرح فأنها تفي بالغرض....!!)
وتحت تأثير هذا التوجه (الفكري) الضيق انطبعت أغلب نتاجات السينما العراقية في تلك الفترة إن لم نقل جميعها بطابع (فلسفة) البعث القومية ذات التوجه العنصري الشوفيني بشكل أو بآخر وربما بدرجة أكبر أو أقل في هذا العمل أو ذاك، مثلا هذا واضح في فلم (القادسية) الذي أمر بإنتاجه وأشرف شخصيا عليه ليتمكن من توظيفه إعلاميا في حربه مع إيران. كما أستقدم له مخرجا عربيا مشهورا وفنيين آخرين وكذلك ممثلين وممثلات، إلا أن هذا الفلم رفض من قبل إدارة مهرجان موسكو السينمائي في وقتها لأنه يطرح (أفكار شوفينية) رغم العلاقات الودية بين البلدين في ذلك الوقت.
وقبل هذا الفلم نلاحظ كيف أجبر مسئولو النظام كاتب السيناريو الأديب المعروف جاسم المطير ومخرج فلم (بيوت في ذلك الزقاق) المخرج قاسم حول على أن يغيّروا ما أنجزوه رأسا على عقب وتحت التهديد والوعيد...!! والمعنيين بذلك أحياءا يرزقون، فبعد أن كان نص السيناريو فلما تسجيليا عن العمل الرأسمالي الحرّفي في البيوت (المانيفكتورة) وكما كان معروفا عن مخرج الفلم بأنه مخرج أفلام تسجيلية، إذ قدّم قبل ذلك بقليل شريطه الوثائقي الرائع (الأهوار) عن أهوار جنوب العراق، تحوّل الشريط إلى فلم روائي...!! ليتناول تاريخ حزب البعث في فترة قبل 17ـ30/تموز1968. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن فلم ( المسألة الكبرى) الذي نقل فيه ساحة ثورة العشرين من وسط وجنوب العراق إلى غربه لأسباب طائفية معروفة. وكذلك خضوع الإنتاج السينمائي بشكل عام للظرف السياسي السائد والعلاقات السياسية العربية القائمة آنذاك من دون أن يدرك احتمال حدوث الاختلافات السياسية قي تلك العلاقات المؤقتة وهذا ما حدث فعلا، فأمّر بإنتاج الفلم المعروف (مقتل الملك غازي) بعد أن أقام له تمثالا في أحد ساحات بغداد.. تزلفا من ملك الأردن الراحل لأنه وقف بجانبه أثناء حربه المذكورة آنفا. وطويلة هي سلسلة الأفلام هذه، ومنها من حمل المباشرة السياسية الفجة لذلك الخطاب، ومنها من تغلف بالأفكار الوطنية الزائفة أو ما يصاحبها من شحنات عاطفية بإطار وطني.. منها مثلا (الرأس) و(البيت) و(العاشق) و(عرس عراقي) و (الأسوار). وحتى بعض الأفلام القليلة والتي صنعت بعيدا عن المباشرة السياسية لأسباب معروفة.. وهي إننا لا نصنع أفلاما دعائية فقط ودائما، فإنها جاءت قريبة جدا من أفلام الواقعية السوفيتية في السبعينات إذ كانت تقول أن مجتمعنا خاليا من أي تناقضات، ولا مشاكل في حياتنا غير المشاكل العاطفية وما يترتب عليها من إشكالات... لا فقر لا عوّز لا بطالة لا تسوّل.. مجتمع نظيف...!! الشوارع نظيفة.. والعراق كله عبارة عن شارع حيفا لا أكثر...!! وأما الرشاوى فان حصلت فهي فقط في الأحلام. هذا إذا استثنينا الكلام عن الأفلام الحربية التي صنعت بسذاجة وتلفيق كبيرين تقنيّا، رغم أن القائمين على الإنتاج آنذاك استقدموا ممثلين وخبراء أجانب في صناعة المتفجرات والمعارك وكذلك صناعة الحيل السينمائية، ولابد أنها كلفت ميزانية عالية تحسب بشكل أو بآخر على دعمهم للثقافة.
وبعد ذلك هل نستطيع أن نضيف هذه المرحلة القاسية من تاريخ السينما العراقية إلى ما أنجزته قبل 1968 باعتباره حلقة متصلة...؟ أنها مجرد أسئلة لإعادة النظر في تاريخ ثقافتنا ككل وليس السينما وحدها.
بعد هذه المداخلة والأسئلة التي تنتظر أغناء هذا الموضوع هذا الموضوع بالإجابة والتعقيب وربما بمعارضة الرأي، ندعو للتساؤل مجددا عن مستقبل السينما العراقية.. ترى ماذا ينتظرها...؟ هل من عودة لسياسة (المؤسسة العامة للسينما والمسرح) بتوظيف نتاجاتها لخدمة النظام السياسي العراقي الجديد أو لخدمة التوجهات الأيديولوجية والسياسية للقوى السياسية التي سترتقي لقيادة السلطة...؟ وربما يرى البعض لابد أن يكون هناك قطاع عام يدعم الإنتاج السينمائي ويدع العاملين فيه يعملون كما يحلوا لهم بحرية تامة بعيدا عن أنظار أي رقيب كما في الديمقراطيات الغربية... وهذا احتمال نراه بعيدا إلى حد ما رغم الوعود (بما فيها الدستورية) برعاية الحرّيات الثقافية ورفع مختلف أشكال القيود عن الإبداع...!! ولكنه غير واقعي لأسباب معروفة للجميع، منها الاتجاهات المحافظة السائدة في المجتمع العراقي الآن مثلا، وظروف إعادة البناء والأعمار والبنية التحتية المدمرة كليا، كل هذا يضعف الأمل بدعم مادي غير محدود... هناك سؤال آخر هل أن النظام السياسي الجديد وبعد التركة الثقيلة التي تثقل كاهله يملك السعة من الوقت والجهد اللازمين للاهتمام بالسينما العراقية وإعادة الحياة لها..؟ بالتأكيد لا.. وهذا الاحتمال هو الأقرب إلى الواقع، إذ ربما يمكن أن تتشكل (جبرا للخواطر) هيئة للرقابة والدعم تابعة لوزارة الثقافة تهتم بشؤون السينما وإنتاجها أو لتأسيس نظام معين للرقابة على الأفلام وتنظيم شكل معين للدعم المادي، كأن يكون نظام للمنح أو التسليف حسب ما هو معمول به في الكثير من دول العالم، فرنسا مثلا، وكذلك إتاحة فرصة لشركات القطاع الخاص للعمل في هذا القطاع غير المجزي فيما يخص الربح بالنسبة إلى الرأسمال العراقي كما لاحظنا من تجاربه والذي كان يتوجس من الإنتاج السينمائي في السنوات الماضية، وعندما أتاح النظام السابق له بعض الفرص في فترات مختلفة من تاريخه، فخطى بعض الخطوات المترددة لكنها في الوقت نفسه جريئة، فأقدم على إنتاج فلم (المنعطف) من إخراج المخرج الراحل جعفر علي، عن رواية الكاتب العراقي الراحل أيضا غائب طعمه فرمان (خمسة أصوات) وفلم آخر لم يكتمل لنفس المخرج اعترضت عليه الرقابة في حينه بعد أن أنجز تماما.
كما كانت هناك محاولات أخرى متباينة المستوى من إنتاج القطاع الخاص، وفي فترات مختلفة من تاريخنا أغلبها ذو توجه تجاري. هذا رغم المساحة الشاسعة التي شغلها هذا القطاع في فترة ما قبل ثورة 14 تموز 1958 وحتى بعدها ، فهو كان اللاعب الرئيسي في مجال الإنتاج السينمائي في تلك الفترة وقد أنجز الكثير من الأعمال السينمائية المهمة في تاريخ السينما العراقية (نبو خذ نصّر) و(سعيد أفندي) وغيرها من الأفلام. وحتى بعد تلك الثورة أستمر نشاط القطاع الخاص الذي أنجز الكثير من الأفلام غير المهمة، تقليدا لما كان سائدا في السينما المصرية واللبنانية آنذاك، وكان من الممكن له أن يتطور ويصبح موازيا لما وصله ذلك القطاع في تلك البلدان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/