الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شباط عام 1944 - ميلاد نبي المسرح

غازي سلمان

2016 / 11 / 14
الادب والفن


24 شباط عام 1944 : ولادةُ نبي المسرح العراقي
ليس اعتباطا ان يختار احدٌ ما تاريخ ميلاده بنفسه ، خصوصا حين يكون مبدعا قُدّر له ان يصوغ ملامح فن مسرحي عراقي، وان يكون أحد أعمدته التي ستبقى باسقة خالدة وإن ذوى الجسد
يختار يوسف العاني 24 شباط 1944 يوما لميلاده ،تاريخ اول وقفة له على خشبة المسرح بمسرحية ذات فصلٍ واحد من تأليفه وإخراجه "ضمن نشاط جمعية العلوم في الثانوية المركزية ببغداد متناسيا ميلاده المدون في وثائقه الرسمية 1 تموز 1927، وسوف يتذكر ميلاده الجديد ويحتفي به طيلة اكثر من سبعة عقود ، دون ضجيج رسمي وحتى "شعبي ".
ادرك منذ البدء ان هذا التاريخ ليس مناسبة للاحتفال فحسب ، بل لمواصلة العمل وتحمل مسؤولية جسيمة هي المسرح ، ويدرك طالب كلية الحقوق ان المسرح يحتاج الى فرقة والفرقة الى مكان عرض ولابد من جمهور قبل كل شيء، فكان ان اسّس (جمعية جبر الخواطر) وكان معه نزار سليم وهاتف الرحال واخرين، واستمر في الكتابة المسرحية والمشاركة في التمثيل لمسرحيات عديدة من مثل : "القمرجية" "مع الحشاشة" "طبيب يداوي الناس "1948- كتبها وهو لازال طالبا في كلية الحقوق- "محامي زهكان"1949"في مكتب محامي" "محامي نايلون" "جبر الخواطر"1950 "راس الشليلة"1950 "مجنون يتحدى القدر" وهي مونودراما1951 "تؤمربيك" وتوجّها بتاسيس فرقة المسرح الفني الحديث بمعاونة رفيق عمره ابراهيم جلال عام 1952 . اضاقة الى نشاطاته في السينما العراقية ..
ماذا يعني كل ذلك التخطيط الممنهج الاّ "قيامة المسرح " !، والايمان بقدرة قيامته على التغيير والتثوير ونشر الغسيل القذر للنظام ،لا يخالني شك في ان يوسف العاني قد وضع نصب عينيه مقولة ، لينين " اعطني خبزا ومسرحا اعطيك شعبا مثقفا " ،لقد ادرك العاني منذ البدء مسؤوليته كفنان وكاتب وقبل كل شيء كانسان عراقي ، فحين تيقن انه يمتلك الشرط الثاني من المقولة مضافا اليها موهبته ، أخذ باستقطاب جمهور لمسرحه ، ولم يبخل عليه، يستقطبه الى خشبة المسرح ، الوجه الاخر للحياة الواقعية ، مدرسة الضحك والدموع ، مدرسة انعاش الوعي الانساني ، وقد تفهمٌ بشكل مبكر اشكالية العلاقة بين الجمهور والمسرح ، بين الفنان المسرحي والمتلقي، المتلقي العراقي الذي ترسبت لديه ذائقة من نوع خاص يمتد بها العمق الى عصور بابل واشور وسومر و طقس " التشابيه " في العراء، وهي مسرحة قصة استشهاد الحسين بن علي في كربلاء ". انها ذائقة غنية بالموروث ومحكومة بالخلفية الثقافية والمعرفية اللذين يصوغان وعيه ، يقابله العرض المسرحي كنص ادبي ، وتجسيده تمثيلا من قبل الممثل حامل الخطاب " النص " فذا هو مسرح الراحل يوسف العاني ادرك ما يهم المتلقي العراقي ، وموروثه الحضاري السحيق ، ادركه في ظرف تاريخي معين ،متعرفا على رغباته الدفينة ، وحاجته الملحة الى التعبير والمجادلة ليصل يوسف العاني اخيرا الى مبتغاه ، الى خصوصيات المتلقي ، وقد سهلت عليه ذلك كل من كاريزماه بنكهتها العراقية الساخرة وانحيازه المبكر لليسار العراقي ، فتوفرت في مسرحه كل الشروط الموضوعية للمسرح المنحاز للشعب .لم يكن ليقدم ابداعه لنخب سياسية خاملة، بل قدمه للجماهير متعطشة للمعرفة ، متقدما بها الى عمق واقعها ، بلغة مسرحية مكتنزه بالعاطفة والحب والتأثر، يتفاعل فيها الفكري والشعبي وماهو طاف على السطح والغائر عميقا في الوجدان وفي الواقع المعيش انذاك.
فصوت الفنانة الراحلة زينب كان قد خترق جدران قاعة المسرح صارخة " انه امك يا شاكر " ، متفاعلا بتناغم مع الحماس الجماهيري والفورة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني .إذ عَمد يوسف العاني في هذه المسرحية الى البساطة والوضوح ، بعيدا عن الترميز ، في محاولة للولوج الى عمق متطلبات مرحلة التثوير والتنوير انذاك ، وقد كان تاريخ كتابة المسرحية عام 1954 وهي تلك الفترة التي حدثت فيها مجزرة سجني بغداد والكوت ، انها محاولة لخلق أمٍّ عراقية رديفة لام روسيا في رواية غوركي ولام المانيا في مسرحية الام الشجاعة وابنائها لبرتولد بريشت. وقد تحقق ذلك .. يقول الشاعر الفريد سمعان مستذكرا يوسف العاني في اصبوحة المدى في 5 ايار 2012:
(وعرفت يوسف العاني أيضاً في عام 1952 معتقلاً في أبي غريب عندما قامت السلطات الملكية باحتجاز عدد كبير من المثقفين وورؤساء الأحزاب ومن بينهم كامل الجادرجي ومحمد مهدي الجواهري، ونحن من المثقفين الصغار وضعونا في قاعة خاصة والعمال في قاعة خاصة، والزعماء في قاعة خاصة، ويوسف العاني لا يستطيع ان يسكن بهدوء او يتصرف بهدوء، فعمل مسرحاً من البطانيات التي كانت موجودة في السجن)
((: اصبوحة المدى 5 ايار 2012"))
استطاع يوسف العاني في كل اعماله المسرحية والاعمال الدرامية الاخرى ان يجعل نصه الواقعي متوافقا مع الكوميديا والكوميديا السوداء احيانا ، من خلال التضاد بين موقفين او اكثر. بعدما كان المسرح العرقي يتعكز على الوقائع التاريخية او الموضوعات الرومانسية التي كبلت حركة المسرح نحو الانطلاق ، فاضاف للمسرح العراقي انساغا جديدة، حيث اعتبرت تلك المرحلة مرحلة التاسيس للاتجاه الواقعي في المسرح العراقي
بعد ثورة 14تموز 1958 ، اجيزت (فرقة المسرح الفني الحديث) مرة اخرى للعمل والتي كانت قد الغيت اجازتها لأسباب سياسية في عام 1957 ، حيث تقدم (فنان الشعب) لحكومة الزعيم عبد الكريم قاسم قانون مصلحة السينما والمسرح :
(لقد قدمتُ قانون السينما والمسرح في عام 1959 وقدمه فيصل السامر إلى الزعيم عبد الكريم قاسم فوافق على تأسيس السينما والمسرح، وكتب هو: على أن يكون الفنان يوسف العاني مديرا عاما وقد بقيت مديرا لمدة ثلاث سنوات، وقد أصابني إحساس في ذلك الحين بخسران جزء من مهمتي، ولكن بعد شهر من تركي وظيفة المدير، ظهرت على المسرح (بالجراوية) ومثلت حتى لا يقول البعض ان الوظيفة أخذت يوسف العاني، لقد ضاع مني في الوظيفة الكثير من الأشياء. ) (("يوسف العاني : اصبوحة المدى 5 ايار 2012".))
يظل الراحل يوسف العاني اسما فاعلا في تاريخ المسرح والسينما في العراق ، وسيظل خالدا في وجدان الشعب ، في وجدان الجمهور الذي افرد له العاني خلاصة تجربته المسرحية و حياته المنذورة للنضال ، سيظل ذاك الـ " عبود يغني " في ازقتنا يؤرقنا على ضيمنا ويحفزنا على الامل والعمل من اجلال خلاص..
غازي سلمان
sghazi31@yahoالعراق - بغداد
مكتب بريد 14 تموز
ص.ب 18157
------
iraq- baghdad
14Tamoze poste office
p.p / 18157o.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و