الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصف ذهني ومقاربات مستمرة نحو الفهم ..؟

مسَلم الكساسبة

2016 / 11 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يسيطر الجزء الميتافيزيقي من افكار ومكونات العقل على بقية عقل العربي سيطرة فظيعة هائلة.. وهي سيطرة تتم حراستها وإعادة انتاجها بشكل دائب مستمر في الخطب والصلوات والمواعظ والمناهج المدرسية ووسائل الاعلام والقدوات والقيادات وكل شيء حول الانسان. الى درجة يوشك ان يكون دماغ العربي مخدرا او لنقل انه سكران بشكل دائم دون تعاطي الكحول .

صلوات الاستسقاء التي تمت في الجوامع اليوم تؤشر الى ان عقل العربي لازال لا يفرق بين الظاهرة الطبيعية الفيزيائية وأسبابها المادية وبين وظيفة الله وشغله في الكون .. ويظن ان المطر يأتي من السماء من خزائن الله وبأوامر مباشرة منه فيحجبه عن قوم ويرسله لقوم .. وليس بنواميس موضوعة في هذا الكون ومتروكة لتعمل ؟!

ولو نظر العربي حوله الى بقاع اخرى من الارض لم يكن لأهلها يوما ما اي صلة بالتدين او الغيبيات ولا يوجد في ثقافتهم للأدعية مكانا البتة ، مع ذلك هم لا يعرفون هل الماء ينبع من تحت ارجلهم او يسّاقط من فوق رؤوسهم .. وأرضهم تفيض بالخصب والخيرات دون صلوات ولا أدعية .. لأدركوا ان المطر ظاهرة طبيعية فيزيائية لا علاقة لها بالكفر والإيمان او الذنوب والحسنات ..

نحن لسنا ضد ان نؤمن برب نحبه ويحبنا ونشحد منه العون لكن ضد ان يعمينا ذلك الايمان عن فهم نواميس وسنن الكون وعن الاجتهاد في التعاطي معها وتسخيرها .. فنتكئ على ذلك الايمان في كل شيء ..ونقعد عن الفهم والفعل .. وهو بالفعل ما سيبقى هكذا مادام في المنطقة الميتافيزيقية من العقل لدينا فإن كل شيء هو من الله ، وانه هو المكلف بالفهم عنا او الفهم لنا ، ونحن مكلفون فقط بالعبادة والتوسل ..!

------

آمن كما شئت بما شئت ، لكن استعد للأمر او للنصر او للامتحان او ايا كان وكأنه ليس لك رب ترجو منه شيئا ..هذا هو ملخص مصيبتنا وسر نكبتنا في معتقداتنا وإيماننا وإلهنا الذي دوما امنا واعتقدنا به وفهمناه بصورة خاطئة مضللة فكان (اي ذلك الفهم ) سببا لهزائمنا وتخلفنا وبؤس واقعنا ..

وحينما تفسر تخلفا وضعفا أو خسارة او هزيمة ما ابطريقة تجعلك تتمسك وتدنو اكثر وأكثر من اسبابها ، وتبتعد اكثر وأكثر عما كان من شأنه ان يمنعها لو اخذت به ,,عندها فلا تتوقع ان تخرج من تلك الهزيمة او التخلف او الضعف حتى تدرك اسبابه الحقيقية .

تدمير المنطقة الميتافيزيقية في عقل ودماغ العربي بالشكل الذي هي موجودة فيه هو اهم نقطة في انقاذه من تخلفه ، وإلا بقي رازحا تحت نير ذلك الجزء الميتافيزيقي من دماغه يسيطر على باقي العقل ويشل طاقاته .. ويشكل في الدماغ ما يشبه نظام التشغيل في الحواسيب يسطر على ، ويوجه كل ما تبقى من برمجيات (بالنسبة للحاسوب ) ، او افكار ومكونات وطاقات بالنسبة العقل وكما هو حاصل الآن في العقل العربي بالفعل .

ثمة قصة تروى عن جائحة استفحلت وتدحرجت ككرة الثلج فاقمتها فتوى لأحد القساوسة وتفسيره لتفشي مرض الطاعون في اوروبا القرون الوسطى ، واجتهاده بأنه -أي المرض- كان بسبب القطط والكلاب (في حين هو حقيقة كان بسبب الجرذان واليرابيع ) وبالتأكيد فذلك القس قد اتكأ في فتواه على ايات او مزامير او نصوص لديه اوّلها وأسقطها على تلك الجائحة فكان ذلك التأويل وتلك الفتوى بدورها جائحة اخرى ..

وكان ان انصرف الناس بسبب فتوى دينية عن السبب الحقيقي وانشغلوا بقتل والتخلص مما كان من شأنه ان يساعدهم على محاصرة اسباب المرض فتفشى المرض واستفحل اكثر وأكثر .

وقد ذكرني ذاك ، وهو هنا كمجرد كمثال على التفكير والتفسير النيتافبزيقي ، بتفسيرنا لهزائمنا سيما نكسة 67 بأنها كانت بسبب ابتعادنا عن الله وعن الدين ، وهو تفسير خاطئ ومضلل بدوره .. فكان بسبب ذلك ان حدثت بعد النكسة ردة للتدين وعلا شأن الجماعات الدينية وتحكمت بتوجيه المجتمعات وبالذات المناهج والكتب التي استبعدت منها الفلسفة والفنون لحساب المواد الدينية .. وحدثت ردة الى مظاهر التدين كاللباس الشرعي والتزمت ...الخ وبذلك وقعنا في خطا التأويل او التفسير ، اي تعرضنا للتضليل كمن لا يرى امامه بسبب انه في نفق او دهليز لكنه بدلا من فهم الاحجية والخروج من النفق يذهب الى انه بسبب انه لم يهتم بالنفق ولم يجهزه بمصابيح وثقوب ليدخل الضوء اليه منها دون ان يلتفت ليفكر بالحل الجذري وهو الخروج من النفق ذاته اصلا ؟ وهو يطابق تماما تفسير ذلك الراهب او القس لتفشي الطاعون في اوروبا ..والذي فاقمه بدلا من ان يرشد الناس الى صحيح مكافحته ..

اذ اننا حقيقة هزمنا عام 67 بسبب تخلفنا العلمي والتقني وتخلف مستوى تدريب وتجهيز جيوشنا وأيضا وهو المهم بسبب عقيدتنا الدينية ذاتها او فهمنا الخاطئ لها ولما توجهنا اليه .. لان العسكري رايح للحرب وهو يضمر في داخله ان النصر ليس من سلاح متطور يجب ان يقتنيه ولا من شجاعته او من استعداده وتدريبه الجيد ولا من تقنيات الاسلحة ومستواها التي يستخدمها ولا من ايمانه بحقه وعدالة قضيته بل من عند الله وأننا بالتالي (في داخله ) لا نستحق هذا النصر لأننا ربما برأيه مقصرون في جنب الله ، اي انه رايح للحرب اصلا ليخسرها مقدما ..سواء باستعدادات تقنية متدنية المستوى من سلاح وتدريب وسواه نسبة للعدو وثانيا وهو الاهم نسبة لما في ذهنه من مفهوم مغلوط للنصر ، وهو انه من قوى غيبية لا من التدريب والاستعداد والإيمان بحقه ومن السلاح الجيد المتفوق ..الخ ، وفوق هذا وذاك فهو يعتقد انه لا يستحق النصر وان الهه غاضب عليه ولا يريد ان ينصره . يعني هو مستعد للهزيمة ومهزوم قبل ان تبدأ المعركة ..

حتى ان احد الدعاة المعروفين سجد وحمد الله على الهزيمة حتى نرجع للدين ولأننا لو انتصرنا برأيه فان ذلك سيكون فتنة لنا (تصوروا الى اين يصل التفكير الديني بالعقل ) ؟

ما ذا تتوقع من عسكري ذاهب للقتال وهو يعتقد انه هو وأمته لا يستحقون النصر او يعتقد ان النصر ليس من التدريب الجيد والسلاح المتطور والعقيدة القتالية بأنه صاحب حق يدافع عنه بل بسبب الادعية والصلوات اي انه ذاهب فقط كتنفيذ للأوامر العسكرية بينما في داخله هو مهزوم بل يتمنى الهزيمة لأنه في نظر نفسه لا يستحق النصر ..وهي عقيدة قاتلة وفتاكة ؟

بينما الطرف الاخر لا وجود البنة لتلك المعتقدات لديه وهو يؤمن بسلاحه وتجهيزاته ومستوى تدريبه ولا يرجو النصر من اية قوى غيبية . وقد رأينا فعلا كيف أن الذي يؤمن ان النصر بالسلاح الجيد والتدريب الجيد هو الذي انتصر في النهاية وهو برهان عملي لا يقبل الشك إلا عند من يكابرون ويجادلون بالواقع المحسوس ..


ناهيك عن العسكري ذاته وإضافة له ، وهو انشغالنا كأمة ورديف للعسكري ، انشغالنا واعتمادنا بدورنا على الادعية والصلوات وطلب النصر من الله دون الاستعداد التقني والعلمي والتدريب الجيد والذي اذا توفر اصلا يتحقق النصر حتى بدون ادعية ، بدليل عدم حاجة الآخر لتلك الادعية وتفوقه ونثره بدونها ..

لكن رجال الدين عندنا بعد الهزيمة للأسف فرحوا بها لأنها اثبات لنظريتهم تلك من وجهة نظر فهمهم ذاك ، فسارعوا وفسروا الماء بعد الجهد بالماء وبأنها كانت بسبب ابتعادنا عن الدين وعن الله وكما يتم عادة تفسير تخلفنا برمته بنفس الطريقة ، في حين ان الدين ذاته بالطريقة التي فهمناه بها هو سبب من اهم اسباب الهزيمة حين اعتقدنا ان النصر من قوى غيبية وليس مسألة استعداد وتدريب وسلاح متطور وإيمان بحقنا ..الخ ، أي بمعنى طبيعتنا الميثولوجية الغيبية واتكاءنا على الادعية واعتقادنا ان النصر من عند الله ولو لم نعد العدة كان في الحقيقة هو سبب تلك الهزيمة ..

وهكذا بدلا من أن تصحينا الهزيمة وتاخذنا باتجاه ما يعزز قدراتنا وما يجعلنا نفهم بشكل صحيح سببها ، على العكس من ذلك اخذتنا بالاتجاه الاخر نفسه الذي عمق اسباب الهزيمة ودورها وزادها حين اعمانا عن تلك الاسباب وأخذنا اكثر باتجاه التفسير الميتافيزيقي ذاته الذي اصلا هو سبب هزيمتنا من قبل ..اي بمعنى تدوير ودحرجة اسباب الضعف والتردي .. اي اعادة استخدام اسباب الهزيمة ذاتها كمدخلات من جديد في محاولة التغلب عليها والخروج منها .. وكالقط الذي يلعق المبرد ..




























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخذ بالاسباب لا للدعآء.!!!
سمير أل طوق البحرآني ( 2016 / 11 / 21 - 08:27 )
فهال اسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي.
اشكرك جزيل الشكر. لقد وضعت النقاط على الحروف. متى دعى المسلمون واستجاب الله دعآئهم واذا كان استجابة الدعاء تتوقف على الايمان واداء الفرائض فعلماء المسلمين يدعون على اسرىئيل وكلما دعوا عليها بالهلاك توسع استيطانها وارهابها في فلسطين.دعنا نقف عند حدثين مهمين ونتسآئل اين غاب الدعاء اذا كان الدعاء هو السبيل الى نيل الطلب. لماذلا انهزم المسلمون في غزوت احد ولماذا لم يدعوا المسلمون بالنصر وهل هم يحتاجون للدعاء اصلا.؟؟.اليس الاخذ بزمام المبدادة والقوة والاستراتيجية المكانية والايمان بعدالة القضية شرط من شروط النصر.الم يقل الله في القرآن: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم؟؟. الا يعني هذا باخذ الاسباب لتحقيق النتآئج؟؟. ربما يتثبث البعض بالآية التي تقول : امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء. هنا نتسآئل ما هو معنى الاضطرار. هل الذي لديها لامكانيات لامتلاك اسباب النصر يعتبر مضطرا؟؟. كلا ثم كلا.ان سبب هزيمة المسلمين في كل شيء هو ادخال القضا والقدرقي كل شيء والاعتماد عليه علما بان جل هزآئمهم سببه تخاذلهم.

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س