الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من انتخب ترامب ولماذا؟

قصي الصافي

2016 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


من انتخب ترامب ولماذا؟

قولك أن كلباً عضّ رجلاً قول يعقل إلا انه رتيب وليس مثيراً، أما قولك أن رجلاً عضّ كلباً فهو قول قد لا يعقل إلا أنه مثير و شيق. كان هذا النوع من الاثارة والتصريحات الأقرب الى الكوميديا منها الى السياسة هو الطابع المميز لحملة ترامب.
خسرت كلنتون بفارق يفوق المليون ونصف المليون صوت لصالحها، وليس هذا بخطأ مطبعي أو مزحة، بل تكمن المزحة في قانون الانتخابات الامريكى ذاته، ومع ذلك فان عشرات الملايين من الاصوات التي دعمت ترامب تستدعي وقفة تأمل جادة.
المعاناة الاقتصادية لشرائح اجتماعية واسعة بالتزامن مع القلق الجماعي من تزايد عمليات الارهاب وانعدام الوضوح وتشوش الرؤية، كل ذلك يستثير-بالمنظور النفسي- الفحولة كقوة تعويضية عن الشعوربالاحباط والعجز، فحولة على مستوى الفرد تتمظهر على هيئة غضب ورغبة بالانتقام وميل الى القائد السلطوي العنيف، وفحولة أمة معبّر عنها بتنامي روح الاستعلاء القومي American Exceptionalism ( يجب أن تعود لأميركا هيبتها و لتسحق كل من يقف بوجهها!!).أدرك ترامب ان الوصول الى قلوب الناس عبر العقل طريق متعثر وغير مضمون، ولذا لم يكن بحاجة إلى خطط عملية أو برنامج انتخابي، فاكتفى باطلاق وعود وجمل شعارية مبتسرة تعمل كبطاريات شحن عاطفي ولا تصمد بوجه أية مساءلة عقلانية.
بنجاح كبير تمكن ترامب من حرف وجهة غضب الحشود باعادة تعريف الخصوم ، فالمعاناة الاقتصادية ليست نتاجاً للسياسة الاقتصادية لطبقته الحاكمة التي وضعت قواعد اللعبة بما يتيح لها تكديس الثروات على حساب الملايين، ولا لصياغة قوانين تفتح له ولاصحابه الأثرياء قنوات شرعية للتهرب من الضرائب، ناهيك عن تهريب رؤوس الاموال سراً لاعفاءها من الضرائب، بل سبب المعاناة الاقتصادية للفقراء البيض هم المهاجرون و الملونون، أما الارهاب فلا حل له إلا بحظر دخول كل المسلمين والضرب بيد من حديد أو برؤوس نووية!!
بالعودة الى عنوان المقال نتساءل ما هي الشرائح الاجتماعية التي دعمت ترامب و لماذا..

- الفقراء البيض وخاصة في الولايات الجنوبية و الوسط الغربي:

العولمة الاقتصادية وفق نهج الليبرالية الجديدة لم تحقق الحد الادنى من التوازن في توزيع ‎ الثروة بين الطبقات الاجتماعية، فقد كان الانشغال الرئيسي في صياغة معاهدات التجارة الدولية وصول الشركات العابرة للقارات الى الأسواق العالمية، دون ان تتضمن بنداً واحداً لحماية حقوق العمال من جشع تلك الشركات، والتي نقلت معظم مصانعها الى الدول النامية والصين بحثاً عن قوة عمل زهيدة مخلفة أعداداً كبيرة بلا عمل، وحسب قانون العرض والطلب في سوق العمل تجمدت اجور العمال مع تراجع كبير في حقوقهم المهنية والصحية، خاصة وان الليبراليين الجدد قد شنوا حرباً تشريعية وإعلامية قاسية منذ الثمانينات ضد اتحادات ونقابات العمال، فحلّ بعضها وتراجع نفوذ المتبقي منها مما أضعف الموقع التفاوضي للعمال. عرض البليونير نفسه منقذاً لتلك الشريحة التي يدفعها يأسها لتصديق الوعود والآمال الصادرة عمن هو خارج المؤسسة التي خذلتها. ولكن لماذا الفقراء البيض وليس الملونين وهم يتشاركون التهميش الاقتصادي بالقدر ذاته؟، للاجابة على ذلك علينا أن نفهم الثقافة الاجتماعية المتراكمة عبر التأريخ لتلك الشريحة.
روّج الآباء المؤسسون لفكرة جمهورية بلا طبقات يحقق فيها الرجل الابيض ما يسمى بالحلم الامريكي، وقد أصبحت تلك الفكرة أساساً لمنظومة المفاهيم التي تنتظم ثقافة الشعب الامريكي حتى الوقت الحاضر، وقد إصطدم الأثرياء وملاك العبيد آنذاك بحقيقة ان ملايين البيض يعيشون في فقر مدقع، فكانوا بالنسبة لهم عاراً على العرق الانكلوسكسوني، وانتشرت آنذاك أفكار في غاية الغرابة، فقد اتهم الفقراء البيض بأنهم مصابون بفيروس، وبعد اكتشاف داروين نظريته نشطت حركة النقاء العرقي وشرعت قوانين تمنع الزواج منهم تجنباً لتلوث العرق، وقد رافق ذلك تسميات مهينة لهم استمرت حتى الوقت الحاضر مثل (القمامة البيضاء white trash)،(الحثالة scum ) (ردنك)... الخ( للمزيد راجع كتاب white trash/Nancy Isenberge
قضت الكاتبة آرلي راسل عدة سنوات مع سكان لويزيانا لعمل تحقيقات ومقابلات جمعتها في كتاب ( غرباء في ارضهم ) حاز على جائزة أفضل كتاب لهذا العام، ذكرت فيه معاناة السكان وشعورهم بالمهانة كل يوم لترديد تلك التسميات في الاعلام و من قبل سكان المدن الكبيرة، ومع ذلك ما زالوا متمسكين بفكرة الحلم الامريكي وان بمقدورهم تحقيقه لو لم تعترض طريقهم - كما يعتقدون- المؤسسة السياسية والحكومة والمهاجرون وهيمنة النخبة من المدن الكبرى.
تتميز تلك الشريحة أيضاً بأنخفاض مستوى التعليم والعنصرية ، ويبدو لي أن منشأ عنصريتها يكمن في حقيقة أن الذات الجريحة تبحث عن مخدع نفسي يخفف آلامها و يمنحها قوة وتميز و‎ملجأها في هذه الحالة هو الاصل الاوربى الابيض.
اقتنص ترامب ارهاصات تلك الشريحة ليعزف على أوتارها ، فوعدهم في خطابه الانتخابي بهدم المؤسسة التي خذلتهم ، وإنهاء هيمنة نخبة المدن الكبرى التي تحتقرهم، وازاحة المهاجرين عن طريقهم، ولا بد من بعض التصريحات العنصرية لدغدغة كبرياءهم العرقي، وليؤكد ان الرسالة موجهة اليهم تحديداً كان يردد قوله الغريب " احب الجهلة غير المتعلمين".
أطلق ماركس على تلك الشريحة مصطلح lumpen proletariat وقد ترجمها الماركسيون العرب البروليتاريا الرثة وهي باعتقادي ترجمة سيئة، استعلائية ومهينة.

- القوى الدينية :
منذ ادارة ايزنهاور كثفت القوى الدينية وخاصة( طائفة الانجيليين) نشاطاتها السياسية لتحدث شرخاً في علمانية الدولة، وقد تركز كفاحها على دعم التشريعات المنسجمة مع التعاليم المسيحية كما يرونها وعرقلة ما يتعارض معها ، كالاجهاض وحبوب منع الحمل والمثلية الجنسية وحظر تدريس نظرية دارون . بعد عقد قرانها مع كبار الرأسماليين اكتسبت الحركة الدينية نفوذاً مؤثراً ليس في نشاطها اللوبي فقط بل في شبكاتها الاعلامية ومدارسها وجمعياتها السياسية ومعسكرات تدريب وتثقيف الاطفال والشباب.( راجع كتاب One Nation under God ) .
عادة تحشد القوى الدينية أصوات جماهيرها لصالح مرشحي الحزب الجمهوري الأقرب لأجندتها، وفي حالة ترامب كان التردد واضحاً، فقد أدركت انه رجل تناقض بداية جملته آخرها ورغم ما يدعيه فهو لا يحفظ سورة واحدة من الانجيل، إلا أن انتخابات هذا العام تكتسب أهمية كبرى وذلك لنقص أحد اعضاء المحكمة العليا وهي أعلى سلطة في البلد وأعضاءها الذين يرشحهم الرئيس يستمرون في مناصبهم مدى الحياة ، وقد وعد ترامب بترشيح شخصية محافظة تدعم القيم المسيحية. زيادة في طمأنة القوى الدينيه عيّن بينس نائباً له، و بينس هذا رجل متعصب في مسيحيته يجمع في نفس الرأس حب المسيح و حبه لشن الحروب.
للقوى الدينية قاعدة انتخابية واسعة ومتحمسة وقد حاز ترامب أصواتها ما عدا ما يدعى الكنائس الكاثوليكية الليبرالية.

- المليشيات ومنظمات البيض المتطرفين
قد يبدو غريباً أن تشكيل المليشيات المسلحة حق دستوري مكفول في الدولة الاكثر تطوراً في العالم، ويعود ذلك الى بدايات كتابة الدستور في القرن الثامن عشر حيث الريبة من تغوّل الحكومة وانتهاك حقوق الشعب، فكان السماح بتشكيل المليشيات ضمانة لأحداث التوازن بين قوة السلطة والشعب. بالطبع لا معنى لهذا التوازن فى الوقت الحاضر مع دولة تمتلك أكبر جيش في العالم، إلا ان تعديل الدستور الامريكي على درجة كبيرة من الصعوبة تقرب الى الاستحالة.
بحماية الدستور تشكلت مئات المليشيات، ابرزها ال الكو كلاس كلان ( 1870 م ) ولها سجل دموي في اغتيال السود و شنقهم على الاشجار وحرق وتفجير كنائسهم، وقد تمت السيطرة على نشاطاتهم الارهابية منتصف الستينات، و اضمحل نفوذهم وتقلصت شعبيتهم من 4 ملايين عام 1920 م إلى 5000-8000 عضو في الوقت الحاضر حسب (spas).تحلم ال KKK بالعودة إلى اميركا بيضاء يطرد منها السود و الملونون، وتعود فيها المرأة إلى طاعة الرجل وتفرض في مدارسها صلاة يومية اجبارية.في ظل حرية التعبير تشكلت ايضاً ما يقارب 1600 مجموعة عنصرية تتبنى فكرة اميركا للبيض فقط مثل الأمة الآرية ، جند المسيح، الاخوة الآرية ، الفاشيون الجدد ،الهوية المسيحية ، اليمين البديل Altright ... الخ .
اجتمعت تلك المجاميع في نيسان الماضي لدعم ترامب معلنة انه الرجل الذي سيقودها الى حلمها القومي. لا شكّ أن تلك المجاميع لا تشكل قاعدة إنتخابية واسعةبحد ذاتها،إلا ان انتعاش آمالها مع نمو حركة ترامب الشعبوية شجعها على تكثيف نشاطاتها في تظاهراته الانتخابية وعبر التواصل المباشر أو الانترنيت لحشد اعداد كبيره ممن استفاقت فيهم رواسب العنصرية الدفينة ومعظمهم ممن لم يسبق لهم التصويت من قبل.
شبكة بريت بارت المنبر الاعلامي لمنظمة اليمين البديل Altright والتي يرأسها ( ستيفن بانون ) قد اجتذبت جمهوراً واسعاً لم تحلم به من قبل. لم يصح الحزب الجمهوري من صدمة الزحف المفاجئ على حزبهم من قبل المتطرفين البيض حتى وجه ترامب صفعته بتعيين (ستيفن بانون) مديراً لحملته ثم أعقبها بصفعة اكثر ايلاماً بعد فوزه وذلك بتسمية بانون لمنصب كبير ستراتيجيي البيت الابيض في ادارته القادمة. الرجل الحالم بعودة أميركا للبيض فقط سيشرف على رسم سياسة الدولة التي تقود العالم !!

-الفئة الاخيرة التي تحمست لانتخاب ترامب يدفعها لذلك كونه رجل أعمال مما يجعله مؤهلاً لتحسين الاقتصاد الامريكي. تلك الفئة فشلت في رؤية البون الشاسع بين ادارة الاعمال وادارة الدولة، كما ان رؤيتها الحالمة أعمتها من النظر في سجله المالي المريب بما فيه من نصب واحتيال على القوانين والتهرب من الضرائب واعلان الافلاس لخمس مرات ناهيك عن آلاف-نعم آلاف-القضايا ضده في المحاكم الفيدرالية والمحلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن