الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج الجوقة، بحثاً عن جوقة: خدام نموذجاً

ابراهيم محمود

2006 / 1 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أعتقد أن الذين تابعوا الحوار الذي أجرته فضائية العربية، في يوم الجمعة الحزينة، كما أسمي، بتاريخ 30-12/2005، اليوم ما قبل الأخير في الحساب السنوي العسيروالثقيل الدوران محلياً، مع السوري عبدالحليم خدام، حاكم القنيطرة الذي كان في عام ستينيات القرن الآفل، ووزير الخارجية فيما بعد، ونائب رئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد طويلاً، ثم نائباً لرئاسة الأسد الابن، حتى مطلع الشهر السادس من هذا العام المنصرم، ليكون المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، بمثابة قاصمة الظهرلسوريا على مدى أربعة عقود زمنية تقريباً، حيث يخرج" أبو جمال" كما يلَّقب ، ذاك النبيه بكلامه الوجيه ، من طبخة المؤتمر خالي الوفاض السياسي بعد أن فاض كثيراً بالخيبات، على مستوى الدولة والمنصب، والامتيازات ، على مستواه الشخصي وعائلته وآله والمقربين منهم، أومن كان لـه صلة به بالمقابل، كما قلت، أعتقد أن هؤلاء، يمكن تقسيمهم إلى عدة فئات:
- فئة الذين تابعوا كل كلمة، كان يقولها، وأيديهم على قلوبهم، وخصوصاً إذا كانوا ممثلي السلطة مباشرة، ومن في ركابهم، والذين عملوا معه مطولاً، خصوصاً وأنه يعتبر شاهداً على تاريخ دولة، عجزت أن تشب عن طوق مجتمع اللادولة، لتكون في عداد دولة مدينية، فلا تكون جديرة بحمل اسمها، ومعنية بمؤسساتها ودوائرها ووزاراتها: أوزارها، وهو في الوقت ذاته، شهيد السياسات الخاطئة في مجتمع اللادولة هذا، ولكنه المساهم في تدشين وتلقين وتدوين التاريخ العملي والمعتقدي والحرَفي لسلوكيات سلطة اللادولة الموسومة بسلطة الحزب الواحد الأحد.
- وفئة الذين شهقوا شهقة مستغرب مستعجب مستطرب، ومأخوذ بلعبة المفارقات في دولة اللادولة الفعلية هذه، وتنفسوا الصعداء، من وراء مكبوتات تاريخية واجتماعية وسياسية ونفسية، وهم يتابعون تجلي صحوة ضمير، من كان زحزح ضميره التاريخ اللادولتي جانباً طوال هاتيك السنين، ويشير إلى الأبواب المدروزة، والجدران المتصدعة في قصر الشتاء الرمزي، كما يمكن تأويل قوله، وكأنه لم يكن في يوم ما، ذلك الذئب الأغبرأو الأشهب، داخل القصرالشتائي وخارجه، والسارح المارح في محيطه، متنعماً بآلاء القصر، مقرباً من سيده الوحيد الأوحد، وهاهو يكذّب بها، وكأنه كان لا حول ولا قوة حقاً، وربما كانت نشوة هؤلاء المشهدية، نابعة من مفارقات سلطة ادعت وتدعي تماسكاً، وهاهو كبير من كبار مهندسي النظام والرموز السلطوية يدلي بما هو منتظر ومتوقع في دولة الغنائم التي تمرد عليها، حين وجد نفسه ليس كما يريد.
- وفئة الذين تابعوا ما كان يُتفوَّه به، وهم مأخوذون بقلق حقيقي، ويتنفسون بصعوبة، إزاء دولة مهدورة القيمة من داخلها طويلاً، دولة حاولت التخلص إعلامياً: هلامياً من ماض مؤلم، لتدخل في حاضر آلم، ولتتهيأ لمستقبل أشد إيلاماً، وفق إحداثيات المعاش منذ سنين عدة: سنين شدة، لأنهم لا يفرحون لسقوط دولة، طالما أنهم داخل بيتها المتعدد المنازل، ولو أن القيمين عليه أصروا على تعريبه وتبعيثه وعفلقته، وكأن الآخرين: السريان والأرمن والكرد والجركس طارئون في تاريخ طارىء، مثلما أنهم لا يعلنون الحداد، على دولة لم تكن دولة قط، ولا سلطة كانت في عقودها المارة المريرة تسليطاً لأوامر ونواه ٍ، أكثر مما هي حقوقاً وواجبات، كما هو حال المجتمع الراسخ البنيان، وتسلطاً فئوياً وشبه فئوي على رقاب ملايينية، أفلجها طول الانتظار ووطأة التسلط التسرطن الكرح، لأن دولة بقيت مخادعة ذاتها باسم دولة، لا أحد يعلم ما الذي ينتظرها من سيئات العواقب، بعد سوئيات العورات الكبرى المكشوفة والمنكشفة.
أسمي نفسي من الفئة الثالثة، وأنا أتحدث، دون تقديم بيانات أو جداول توضح مسار النفوس والرؤوس إزاء الحاصل والفاصل الزمني الدقيق لدولة هي العنوان وعنوان دولة خلا من نص حكمي يُحتكم إليه، إزاء مجتمع يعتد القيمون عليه بفسادهم، بصفته النخب الوطني الثقافي العقائدي التاريخي الكفاحي الأول.
ربما بدا خدام، في هدوئه التليد العتيد، متمالك أعصابه، وكأنه الحريص على دولة لا يعفى قط من مسؤولية تبعات خراب وتخريب الضمائر فيها، ربما بدا صاحب حكمة وذكياً كما هو المشهد المألوف عقوداً زمنية لرجل دبلوماسي من نوع خاص، وهو يتكلم ، وبين الفينة والأخرى يمرر يده على ربطة عنقه، ليُعلم برباطة جأش لافتة، مبرزاً في صورته حنكة السياسي المحتد، ملوّحاً بمسار مختلف لرجل أمضى سني حياته الفاعلة لتفعيل سلطة جيرته، وكما يهوى، بصفته مجيّر سلطة على مقاسه، داخل مزرعة مخصصة لـه، مثلما لغيره، هي مزرعة سلطة نفوذ وحظوظ ومكرمات، مؤكداً صفة خلاصية لـه ولغيره، وربما برز الأكثر سفوراً بوجه الخارج على قانون سلطة مبعثنة في المجمل تبذرت داخله، راسماً طريق الخلاص، ومعترفاً لمن ينتظر منه ما يفيد ما هو معمول للإجهاز على سلطة دولة لا دولة، وفي الوضع الراهن الواهن، وهو في خارج خارج، ممنّياً نفسه بكرسي مريح وربما مؤمّن في المرحلة المقبلة، وما في المخطط والخطة من ذكاء ثاقب، إنما من ذاكرة مثقوبة بالمقابل أيضاً.
تُرى أين كان أبو جمال العقائدي البعثي، صاحب الذاكرة النفاياتية، والفساد السلطوي المأثور، طوال هاتيك السنين، وهو يصرح بما يرفع ضغط الدم في جسد دولة مرتج من الداخل؟ ماذا كان يفعل في دولة : الجمغورية العربية السورية؟ الجمهورية: الجمغَورية، حيث غارت في تاريخ باضطراد، خلال تواريخ الدول الأمم الشعوب الأخرى، وكانت دون اسمها سوى في جمهرة الألقاب والأنخاب والأنساب السلطوية، والعربية، طوبى الذين راهنوا على عروبية دولة اللادولة واقعاً مبعثناً فضفاضاً مقراضاً، من جبل الشيخ إلى إلى عين ديوار، رغم أنف الكثرة الكثيرة الأخرى ممن ليسوا عرباً، وقد كانوا، ولازالوا، سكانها الأصليين ممن أتينا على ذكرهم، وهي لم تخلص لاسمها العربي العروبي، لعلة في مدشني مصيردولة اللادولة، ولم تؤكد للكثرة الكثيرة الأخرى المنبوذة، مدى جدارتها لحماة ضادها، والسورية، لأنها باعتبارها الصفة، على مدار التاريخ المذكور، فقدت هوية الدولة اللادولة، فلا تمكنت من إبراز عربيتها لشقيقاتها العربيات الأخرى، ولا أفلحت، وسط مثار النقع الجدالي التاريخي العقيدي الصراطي السياطي، في أن تكون صاحبة قرار يستحق التقدير.
أتحدث بالطريقة هذه، لا حمداً ولا شكوراً، لا من باب التهكم، ولا من باب السخرية، بل ربما من باب: شر البلية ما يضحك، حيث دولة اللادولة مشهود لها بالمقارقات الكبرى، وفي الوقت الراهن، أكثر من أي وقت آخر.
تُرى من سيقتدي به، تخلصاً من تاريخ يواجه صانعيه، أو مدوّنيه، أو موجهيه؟ من سيتعظ منه يا ترى، لا ليبتعد منه، حيث لا يمكن بالسهولة المتصورة أو الممكنة، وإنما ليواجه نفسه، مستحضراً تاريخ ما كان، خوفاً مما يمكن أن يكون، ليحيله إلى خبرمن خبريات كان ياماكان، كان هناك شُطار، في بعض من التاريخ، فانشطروا في البعض التالي منه؟
هنا، لا يعنيني، ما يمكن للمعني، من أي صفة، أو وظيفة، أو اعتبار محدد، أن يعلق به على ما تقدمت به، أن ما يخص تأويله لما قلت، ما يعنيني، هو ما عانيته طويلاً إلى جانب كثيرين مثلي: سورياً كردياً، سورياً كثيراً وكردياً أكثر، حيث كنت ولم أكن، ولا أزال في طور الكائن اللاكائن، ولأن الذي سيقرأ مكتوبي هنا، سيفسرهربما كثيراً، مكبوت الغريب أو الأجنبي المتواطىء أو اللاوطني( ومتى كان الوطن حاضراً في دولة تعرّف بسجنها أكثر مما تعرَّف بمدرستها، بثكنتها أكثر مما تعرَّف بحديقتها؟)، والدخيل على وطن آمن، وكأن ما يجري لا علاقة لـه بكل الهزات الصاعدة من الأسفل ومن الأعلى ومن الجوار؟
ما يعنيني أن السيد خدام، لم يقل ما هو منتظَر، إلا كإشارة إلى تأزمات متصاعدة، هو كان أحد مداميكها الكبار، وأن تاريخه حين يُقرأ ، سيُعرف بسهولة أي رمضاء بثها في المشهد السوري: جسداً أنهكته وعوده السرابية، وفكراً بددت اسمه أوهامه العراض.
ما يعنيني، هوجانب الثقة التي يؤكدها، وهو يتحدث كما لو أنه لازال الدبلوماسي العتيد، وأن وكالات الأنباء العالمية، ستنظر إليه كما لوأنه يوسف الهارب من أخوته، والمضطهد من قبلهم، وأنه رأى أحد عشر كوكباً سياسياً في حلمه في اللحظة التاريخية الحرجة، فاستيقظ محموماً من تاريخ كان، لينتبه إليه سادة ورموز السياسة وجهابذتها في الجهات الأربع، وهو يعيش تناقضات جلية: حين يعبر عن تقديره للرئيس، وحين يؤكد حرصه عليه، وقد تجلى الواعظ الرئاسي، أرسطو زمانه، المسمي هذا أو ذاك، من رجال السياسة والأمن في سوريا، وكأنه خارج اللعبة كلياً، دون أن يخفي تهديده، لكل من يحاول الإساءة إليه، سواء في توجيه نقد أو فتح محضر تاريخي لمنا- مثالبه الجمة، ليكون المنقذ بجلده من جحيم عاشه اضطراراً، كما يقول فحوى اعترافاته، وارتضاه مراراً كما يبدو، وابتعد عنه اضطراراً، وكأن شيئاً لم يكن، تحت دعوى أنه سيكتب مذكراته، في عاصمة النور: باريس، وكأن قاصمة النور دمشق، لم تعد تؤمن لـه ذلك، كأن باريس هي الوحيدة الجديرة القادرة على أن تدثره، وأن كل ما باح وفاح به من الأقوال، يبقي الطريق لـه سالكاً إلى حيث كان نجماً ذات يوم معلوم، ونجمه في أفول مذموم مسموم، وكأن المذكرات التي ستظهر على الملأً، ستعيد إليه سطوع نجمه، وتخلده أكثر من ذي قبل، لينافس الشرفاء السوريين : عرباً وسرياناً وكرداً وأرمناً وجراكسة، ممن قتلوا أو تشوهت أجسادهم، أو بترت أعضاؤهم، أو عفنت السجون السورية أجسامَهم، واستهلكت فيهم أعمارهم طويلاً، فيكون، على الأقل، شريفاً مثلهم، بينما كان الشريك الشريك في إزهاق أروح كثيرة، وسبب عذابات ومعاناة الملايين من الشرفاء الفعليين ممن سميناهم، وكيف بقوا مفلسين إلا من وطنية أخلصوا لها، بينما أبو جمال: الرجل السبعيني ونيّف، فقد ضمن الملايين المستحوذة لنفسه ومن يخصه، وهوحامل ذاكرة، لا أعتقدها تشرّف شريفاً، ولا تؤانس عفيفاً، ولا تستحق – ولو- بسمة طفل واحدة، في دولة اللادولة، كان ركناً ركيناً من أركانها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على