الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتصاب الجسم والعقل قاعدة التسلط العربي

محمد بوجنال

2016 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية




منذ البداية نقول أن هناك محايثة طبيعية ومنطقية بين الجسم والعقل أو قل، بصد الإنسان ، استحالة وجود الجسم منعزلا عن العقل والعكس صحيح وبالتالي فاحتقار الجسم يعني، وبالضرورة، احتقار العقل. فتآحدهما الجدلي هو منطق الوجود الذي هو، وبالكاد، العدالة والكرامة الإنسانية التي يفتقر إليها العالم العربي حيث تسليع الجسم الذي هو في نفس الآن تسليع العقل. وتوضيح ذلك يقتضي تناول كل منها لفهم العلاقة الوجودية والمنطقية بينهما. فكلما كان وضع العلاقة تلك وضعا سليما، كلما امتلكت الإنسانية حقوقها وكرامتها ، وكلما تم تسليعها كلما تم اغتصاب حقوقها وكرامتها وهو حال الإنسان في العالم العربي. هذا الوضع أسس له وعمل على حمايته الطبقات التي سيطرت على المجتمعات على مر التاريخ والتي راهنها الطبقة البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى التي عملت على تسليع وسلعنة الطبقة المقهورة العالمية الكبرى دفاعا عن مصلحتها ونظامها الاقتصادي.
من الأحكام والعادات التي عملت السلطة في عالمنا العربي على نشرها، اعتبار الجسم علة كل الجرائم؛ لذلك ، عملت السلطة تلك على محاربته ومراقبته باستغلالها الدين ومقتضيات الدساتير والقوانين. فمنذ البداية تم سلبت السلطة تلك الإنسان العربي جسمه بقمعه والحذر منه ووضعه تحت المراقبة. وعليه، فالإنسان العربي يحمل دوما جسمه، إلا أنه، بفعل التسليع الذي عانى ، وما زال، يعاني منه، لا يطمئن له هو نفسه أو قل لا يوليه أهمية إلا عندما يصاب بالعطب. إنه، حسب التشكيل المتسلط لشخصيته، علة الزلات الأخلاقية والرغبات العاطفية التي هي سلوكات تقتضي العقاب. ولأجل ذلك اهتمت السلطة ببناء السجون والمستشفيات المسماة مكرا بالنفسية والعقلية لتبرير التخلص من عدوانية الجسم؛ أما بعد الحياة، فالعقاب سيكون هو الجحيم. ففي كلا الوضعين، الجسم متهم بالرذيلة وارتكاب الجرائم والمحرمات؛ وقد تم ،في هذا الاتجاه، الاستثمار الجيد لقصة آدم وحواء لما اقترفاه جسمهما من زلات ومحرمات. إنه القمع الذي مارسته السلطة، وما زالت، على الجسم العربي ليس فقط دينيا وقانونيا،بل وكذلك فزيائيا وبيولوجيا.لقد أثبت العلم أن أساس الوجود هو الضوء؛ وعليه، فجسم الإنسان العربي ضوء أو قل أن مادية الجسم الإنساني هي التكون أو التشكل العلائقي بين أصغر مكونات المادة التي هي الذرة التي هي ، في نهاية المطاف، الضوء. فكلما افتقر الجسم إلي الضوء كلما أصيب حتما بالإتلاف. لذا، فلممارسة الجسم وظائفه وجب احترام حقوقه المتمثلة في التوفر على النسبة اللازمة من الضوء. ومعلوم أن من أهم مصادر الضوء ذاك هو التغذية بما تحتويه من مواد كميائية؛ ومن هنا أهمية البيولوجيا حيث التفاعل الفزيائي والكميائي بين مكونات التغذية التي تتحول، بفعل القوانين الداخلية للجسم إلى ضوء؛ وفي هذا يقول بعض الباحثين أننا نأكل الضوء لا التفاحة. بناء على ذلك،فجسم الإنسان العربي ظل، بفعل تسلط السلطة العربية، يفتقر إلى الاحترام والتمتع بالحقوق× فيبقى بذلك جسما يعاني من نقص التغذية وبالتالي نقص توفره على النسبة الضرورية من الضوء التي تمكنه من الفعالية والإبداع.هكذا، فالسلطة عرضت، وتعرض، جسم الإنسان العربي للتدمير باتهامه من جهة بالتدنيس وعلل أشكال الإجرام والتلاعب بالعواطف والغرائز، ومن جهة أخرى بمنعه من امتلاك حقوقه المادية ليبقى جسما مشلول القوة إلا بالقدر الذي يمكنه من العمل خدمة لمصالح القوى المسيطرة. وبالمجمل، فجسم الإنسان العربي قد أخضعته السلطة العربية لعملية التسليع لتلافيها التهديد الكامن فيه.
تباعا لما سبق، يطرح علينا السؤال: هل الجسم المحتقر على هذه الشاكلة والمسلعن وفق حاجات السلطة، يمتلك القدرة على التفكير والإبداع والمساهمة الفعالة والمسئولة في طرح ومناقشة قضايا وطنه الذي منه جسمه؟ وبتعبير آخر، فبما أن في الجسم يوجد العقل بالمحايثة، فالنتيجة المنطقية هي أن اغتصاب السلطة جسم الإنسان العربي يعني، وباللزوم، اغتصابها العقل بدوره ليبقى الإنسان العربي إنسانا يكن العداء لجسمه وبالتالي لعقله أو قل يبقى إنسانا مسلعنا. هكذا، وللتخلص من العقل، تعمدت السلطة ربطه تارة بإغراءات الجسم فتم بذلك تحديده على أنه الآلية المدمرة والسلبية التي قادت، وتقود، إلى الإلحاد وتفكيك المجتمعات ونقمة الإله بفعل ادعاءاته وتساؤلاته المستمرة عن قضايا ليست من اختصاصه ولا قدراته؛ ومن جهة ثانية فصله عن نصفه الثاني الذي هو الجسم لشل فعاليته. ومعلوم أن العقل وجوديا وفلسفيا وسياسيا...الخ هو السؤال المستمر حول مختلف القضايا خدمة لطبيعته المتمثلة في البحث عن العدالة والكرامة والفعالية التي هي طبيعة الإنسان غير المسلعن. وقمع السلطة له ومنعه من حقه ذلك، وهو السائد في عالمنا العربي، يعني اغتصابه وترويضه ليكون غير ذاته تلافيا لفعاليته وتطلعاته في التخلص من التسلط والاستغلال .
هكذا، وعموما، نقول بجدلية العلاقة بين الجسم والعقل انطلاقا من بداهة المحايثة. ففي العقل يوجد الجسم، وفي الجسم يوجد العقل. والسلطة في العالم العربي، لحماية مصالحها، تبنت نهج المفارقة بينهما لتسهيل تشويههما وشل فعاليتهما. إن اغتصاب السلطة للعلاقة تلك هو اغتصاب وتسليع للإنسان العربي ليبقى بذلك الوعي بمعنى الجسم والعقل بعيد المنال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل