الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين دافع الاعافرة عن مدينتهم

عكاب سالم الطاهر

2016 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


حين دافع الاعافرة عن مدينتهم
● عكاب سالم الطاهر
كان ذلك مساء السادس من كانون الاول 1995 .. وقتها كانت الشمس تنحدر نحو المغيب . أخالها كرة حمراء ، فيما نشرت رداء بذات اللون على جزر السحب الموزعة هنا وهناك . ومن حين لاخر كان قرص الشمس يختفي خلف تلال عديدة .
الركابي والعامري
في ذلك الوقت والتاريخ ، وحيث النسيم البارد يداعب الوجوه برفق ، كانت السيارة التي تقلنا تسرع متجهة نحو الغرب .. مدينة الموصل بقيت خلفنا .. والان نحن متجهون غرباً في سباق مع الشمس ، الاعلامي حسن الركابي يجلس خلف مقود السيارة ، والنسابة ثامر العامري يكرر الحديث حول أنساب العشائر .
والسيارة تنهب الطريق الاسفلتي ، كنت استعيد ما قرأته عن جغرافية هذه المدينة : تقع في القسم الغربي من مدينة الموصل . ويحدها من الشمال نهر دجلة .. تتميز أرضها بالتضاريس المتموجة .. ومناخها معتدل .. وهي غنية بالثروة الزراعية والحيوانية والمعدنية .
ويتكون اسمها من كلمتين : تل .. ومعناه معروف . و(أعفر) ومعناها : التراب . فتصبح دلالة الاسم ، عند الاحتكام للمدلول اللفظي ، تل التراب . وعندما شقت السيارة طريقها داخل المدينة كان (عداد) السيارة يشير الى الكيلومتر رقم (60) ، وكان لابد للوفد الزائر ان يقوم بجولة سريعة في المدينة ، فيما قمت بجولة مضافة حين عدت الى مصادري وفيها قرأت :
• ((تلعفر اسم مركب من لفظين ، التل .. و .. عفر ، فالتل معروف بدلالته ، و .. عفر .. هو التراب ، وقديماً كانت تلعفر تتموج بتلال التراب ، فجرت التسمية على هذه الصفة ، وهناك قرى في تلعفر يقترن اسم التل ببدايتها .. ومنها : تل الريم .. و ... تل خضر .. وغيرها . وهو تأكيد على تموج ارض تلعفر . وقيل ان الاسم ارامي (تلله عبره) اي تل التراب .. )) .
سومر وبابل وأشور
• أهل تلعفر ينتابهم مرض المدن العريقة ، ففي كل قرية يتألق تاريخ الشهادة . وفي كل الازمنة دافع الاعافرة عن شرف القلعة . فقدموا ذهبهم ورؤساء بطونهم واقلام شعرائهم ، قدموها بنية ذلك العراقي الذي فيه جزء من سومر وبابل وآشور . فيه حرارة السيف الاسلامي وافكار عياض بن غنم الذي حرر الجزيرة الشمالية من الرجس وعقد المعسكرات الاجنبية . وكان يقدمون الى الارض بدون منة ، لانها – اي الارض – كانت تربى في أعماق الاعافرة الايمان ، فيزرعون بالايمان والقدر فيصلون الى تاريخ العراق . فسيجدون الوطن الذي تآلفوا فيه تراباَ ودماَ ودعاء .
اغلقت باب الذاكرة التاريخية مؤقتاَ .. والمدينة – رغم هذا الجو الشتوي – تعج بالنشاط غير عابئة بالليل الذي قدم كجيش مجلل بالسواد من خلف المرتفعات .. نحن الان في قلب التل المعفر بالتراب .. .
الشمس تودعنا
ومع وصولنا ، بدأ الظلام يزحف على أديم هذه الارض ، لقد ودعتنا الشمس وهي تجري خلف تلك التلال .. الوقت زاد على الساعة الخامسة مساء ، حين وقفت السيارة التي تقلنا في باب الدار التي قصدنا .. عندها كنا بمواجهى (التلعفري) !! .
ومن المفيد القول أنني كنت على اتصال هاتفي معه في الليلة التي سبقت وصولنا .. وعندما أغلقنا طرفي الخط الهاتفي ، كانت الجولة – بكافة محاورها – قد تم ترتيبها .. وكانت المحطة الاولى في هذه الجولة هي ديوان الشخصية الادبية المعروفة (المحامي علي الشيخ ابراهيم التلعفري) .. وبعد طرقات خفيفة على الباب كنا بمواجهة تلك الشخصية .. .
وسرعان ما انتظم الديوان .. وبدأ يكبر مثل كرة الثلج .. كانت نواة الديوان (الاستاذ علي ونجله حيدر) .. والوفد القادم من بغداد .. وتقاطر حضار مجلس التلعفري ، أبو أسعد (قائمقام متقاعد) .. بينما (النسابة ثامر العامري) ينتحي جانباً يستدر المعلومات – بصعوبة بالغة – عن الانساب العربية لسكان هذه المدينة .. .
الأديب علي الشيخ ابراهيم
وبدأت بحوار (التلعفري) الذي صاهر قبيلة (بني لام) بزواجه من احدى بناتها .. وتحت عنوان (صفحة من أيام عمري) قرأت ما كتبه الاديب (علي الشيخ ابراهيم) :
• ولدت في تلعفر في الثاني من مايس 1935 من عائلة ذات ثقافة صوفية – دينية ، سميت (عليا) تيمناً بأسم جدي (الشيخ علي بن ملا محمد) ، الذي توفى سنة 1921 بعد ان ساهم ببعض وقائع ثورة العشرين في منطقة تلعفر ، تعلمت الابجدية وختمت القرآن في زمن قياسي على يد المرحوم : ملا أحمد . وعن هذا الطريق تعلمت القراءة والكتابة قبل التحاقي – عام 1947 – بمدرسة (تلعفر الثانية) . وكان ميلي شديداً نحو قواعد اللغة العربية ، لان المرحوم والدي كثيراً ما كان يردد على مسامعي : ان الذي يجيد (النحو والصرف) يقدر على ضبط قراءة القرآن الكريم وتجويده .
• في (متوسطة تلعفر) كان (علي التلعفري) مثال الطالب المجد ، ولعل أبرز حدث ثقافي صادفه آنذاك ، ان ادارة المدرسة ، قررت اصدار نشرة جدارية ثقافية فوقع الاختيار عليه ليكون رئيس اللجنة الثقافية التي تولت اصدارها تحت اسم (القبس) . يومها كتب الطالب (علي) افتتاحيتها .. والتي جاء فيها : القبس .. وما أدراك ما القبس ؟ انها نور مقتبس .. الخ . وكان واضحاً ان ثقافته الدينية تكمن وراء هذا النوع من الاسلوب الادبي المبكر .
باحث في فنون الفلكلور
• سألته ، وكان السؤال قفزة في التسلسل التاريخي لهذا الحوار . جاء في (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) للباحث حميد المطبعي ، وصفك (باحث في فنون الفلكلور) .. فما هي خلفيات هذا الوصف ؟ .
• أجابني بهدوء وصوت يسمع بصعوبة : (المطبعي) على صواب في ذلك ، فقد كتبت سلسلة من الابحاث الفلكلورية في الاعوام المبتدئة من عام 1969 وحتى عام 1980 في مجلة التراث الشعبي ، وكتبت كذلك عن الموسيقى الشعبية والازياء الشعبية في مجلة اتحاد الادباء التركمان (صوت الاتحاد) عام 1970 .
• ومجدداً وضعت الحوار على سكة (الجانب الاجتماعي) .. .
• قال لي ، بأسترسال ينم عن ذاكرة حية : تحت ظرف مالي يتصف بالقساوة ، التحقت باعدادية الشرطة ببغداد عام (1954 – 1955) فكنت أولا في صفي خلال سنوات الدراسة حتى تم تعييني كمفوض للشرطة ، تلته فترة التحقت فيها بالصف الخامس في (ثانوية النضال) فحصلت على شهادتها ، ثم التحقت عام 1959 بكلية الحقوق (القانون والسياسة) بعد ان انقطعت علاقتي بالشرطة بصورة نهائية .
رئيس اتحاد الأدباء التركمان
• يضيف التلعفري : حالت الظروف بيني وبين اكمال دراستي القانونية حيث عدت اليها سنة 1968 ، فنلت في العام التالي شهادة (البكالوريوس في القانون) .
ولكن رغم تواضعه الجم ، ورغم بعض الثغرات التي تحتاج الى ما يمليها في ما ذكر من معلومات ، فأن الوسط الثقافي العراقي يتذكر ان (المحامي علي الشيخ ابراهيم التلعفري) كان اول رئيس لـ (اتحاد الادباء التركمان) في بداية تكوينه بعد 17 تموز 1968 . كما عمل نائباً لرئيس الاتحاد لعدة سنوات بعد رجوعه الى مدينة تلعفر لممارسة المحاماة .
التلعفري يهتم – بصورة خاصة – في (ثورة العشرين) ويقول : أنه يعتز بالبحث فيها والكتابة عنها . كما يهتم بتاريخ العراق الحديث ، وبالادب التركماني . وعلى الرغم من تحصيله الاكاديمي (القانون) فانه يميل الى الدراسات الادبية والتاريخية والتراثية . وقلما ينشر في مجال (الدراسات القانونية) وكل ما قام به في هذا الجانب بضع مقالات نشرت في حينها .
• وعندما سألته عن اعماله الادبية الجاهزة للطبع ..
• قال التلعفري : لدي المخطوطات التالية وهي جاهزة للطبع : ثورة العشرين التحررية .. الشعارات والاهداف – من مأثورات التركمان الشعبية – الرؤى الثورية للثقافة التركمانية بعد 17 تموز 1968 – من مأثورات تلعفر الشعبية – رحلة نقدية في بطون الكتب – الواقع الموضوعي للهوسات الشعبية ، لكن ما ذكره ليس سوى جزء من عطائه الادبي .
المربع الذهبي
يقيم التلعفري – الان – بشكل دائمي في تلعفر . وله من الاولاد خمسة ، ولازال – كما يقول – يمارس المحاماة مهنة المشاق والتعب . اولاده بالتسلسل : حسن – حيدر – حسين – حكمت . وهم من أُمَّيْن : أم تلعفرية .. و .. الثانية بغدادية من بني لام . ويقول : ان له خمس بنات بعضهن موظفات .
الساعات تمر سريعاً ، والليل قد انتصف ، ورغم تعبنا حيث غادرنا بغداد مبكرين ، فقد كنا مستعدين للمطاولة في السهر حباً في الحديث ، ورغبة بالاستزادة .. فيما لاحظت ان (الديوان) يتوزع صدارته ما يمكن ان نسميه (المربع الذهبي) .. ونعني به المربع واضلاعه المحامي علي الشيخ ابراهيم التلعفري .. و .. السيد علي الموسوي (ابو حسين) .. و .. الحاج فاضل حسين قدو .. و .. علي عبد الله (أبو طلال) هؤلاء الاربعة هم أضلاع (المربع الذهبي) المعروف في تلعفر .
• استمر الحديث وتشعب ، رغم ان نهره الرئيسي كان : أنساب أهل تلعفر وعروبيته وعراقيتهم الصميمة .. وتحس ا ن اهلها قد كسبوا جولة الصراع مع مزيفي التاريخ اولئك الذين ظلموا الحقيقة .. وتلعفر وتاريخها .. .
صباحاً ، وبعد ليلة مضى اكثرها في الحوار والاستماع ، غادرنا تلعفر تلك المدينة التي انسجمت – بوعي وادراك – مع هويتها الوطنية العراقية .. فيما ودعنا المحامي علي الشيخ ابراهيم ونجله حيدر ، بعد ضيافة كريمة لم نفاجأ بها .. .
ودعنا أهل تلعفر وفي النفس رغبة بالعودة اليها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة