الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آخر العمالقة ...

عارف معروف

2016 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية




آخر العمالقة ...
----------------------------------

رحل فيدال كاسترو ، اليوم ، عن عالمنا ، بعد ان لم يعد هذا العالم كما عرفه كاسترو ،عند ضحى الثورة العالمية مطلع الخمسينات ، مثلما ، لم يعد كاسترو ، نفسه ، كما عرفه العالم في ايام الأمل المفعم بغدٍ مختلف ....
نظرةٌ الى الصور والافلام لتلك المرحلة ، تُرينا كيف كان كاسترو ومعه رفيق الثورة جيفارا ، وسط جموع الشباب ، تعبيرا عن لحظات تاريخية مكتنزه بالفرح والامل والرجاء . لقد اجتاحت الشباب ، في كل ارجاء المعمورة ، من واشنطن حتى موسكو ، ومن لندن حتى ستوكهولم ، ومن القاهرة الى جنوب افريقيا ، ومن بكين الى سيلان ، حمّى هافانا ، حمى كاسترو والثورة الكوبية . لكن جيفارا ، الذي غادر مبكرا ، بقيت صورته ، في الافئدة ، طرية وضاءة ، شابة وواعدة ، مثل كل صور الاطفال الموتى ، الذين لا يشيخون ابدا في عقول وأفئدة محبيهم ، متحولا الى ايقونه خالده ، للنزاهة والتضحية ، مطبوعا على تي شيرتات الشباب الفقراء في ضواحي المدن الفقيرة ، مثلما ، تزين صورته او ميديلياته السيارات الفارهة في المدن الغنية . فالبشرية ، كلها ، تحتاج ال الايقونات والقديسين . في حين عانى كاسترو ما يعاني منه كل شيء حيّ ، فأثقلت صورته الفتيه الواعدة ، فجر الثورة الكوبية ، بالمرارة والفشل مثلما عبّرت عن الحماسة و الحلم . وعانى من تبدلات الايام واحكام الزمن ، في رحلة الكون والفساد الازلية ، ليغادر كوبا ، المبغى وكازينو القمار الامريكي وعاصمة اللقاءات المريبة لرؤوس المافيات العالمية ، ايام باتيستا ، دون ان تتحول الى جنة كاريبية ذات قطوف دانية بالنسبة لمواطنيها رغم ان اسمها لا يعني سوى " ارض الخصب " ، او تبقى منارة امل للشباب والبشرية في كل مكان كما حلم وحلم معه الملايين في كوبا وحول العالم . بل حُكمت بالحصار الخارجي المرير، والضيق والعسر الداخلي الاشدّ مرارة ، لمدة جاوزت النصف قرن ، ولتبقى ، محلك سرّ ، تعيش على تصدير السكر الذي انخفض من 35% من الانتاج العالمي الى 10% فقط والنيكل والتبغ والخدمات الطبيه ، لتعود السياحة ، ثانية ، الى الواجهة بعد العودة المترددة للأبن الكوبي الضال الى الاقتراب من احضان الام الرأسماليه !
لم يكن كاسترو الشاب ، فأر كتب ، على حد تعبير نيكوس كازنتزاكيس ، في الهرب الى الأوراق والكلمات والغرق في مستنقع عالم افتراضي موهوم ، والطواف والتلبية في محراب المفاهيم المجردة . ولا جرذ خمارات وثوري طاولات ، كما ألفنا ، نحن ، وعرفنا . ولا أعمى بصرٍ وبصيرةٍ يصّرف الثورة استمناءا دائما في متاهات من القول السمج واحلام الذي لا يأتي ابدا . لقد كان وريث ممارسة ثورية امتدت قرابة قرن في مواجهة الاسبان ثم الامريكيين . لقد كان وريث خوسيه مارتي ، وحروب العصابات الثورية التي سبقت . ولذلك فأن اقتصاد الثورة ، بقيادته وصحبه ، لم يشهد خسارات جسيمة ، وموتى بلا غرض ولا فعل . ومقابل تضحيات لا تتجاوز المئة مقاتل ثوري ، انتزع كوبا من براثن الرأسمالية الامريكية ، ليعلنها جزيرة حرّة مستقلة . وكان لتاكتيكاته الحصيفة ، تاكتيكات القائد الميداني الكيّس الذي يعرف الفرصة والكّف ، ان تدرأ خطر الثور الامريكي الهائج ، فأسند رئاسة الجمهورية الجديدة الى رجل ليبرالي وبعد ان تمكن ّ، شرع بتحويل برنامج الثورة الى قرارت عملية فأمم ، وصادر ، وبنى ، ومنح الاراضي للفلاحين ، وعمم التعليم . وقد فوجيء ريتشارد نيكسون ، نائب الرئيس الامريكي في تلك الايام بأن من وصفه بالثوري البسيط الذي لا يعتقد بأنه شيوعي بالضرورة ، يقترب بحركته وقناعاته من الشيوعية ليتوحد معها في حزب جديد ، امدّه بالطاقة والدماء ومنحه وهجا جديدا ، وليصبح فيدال وكوبا ، من يومها ،هدفا لتآمر لا يفتر ولا يكّل وتدخلات مسلحة سافرة ، بل ولتتجه انظار العالم كله الى هافانا بعد ان بلغت القلوب الحناجر وباتت البشرية على شفا حفرة من النار ، اثر التهديد الامريكي النووي في ازمة الصواريخ السوفيتيه . لقد بقيت كوبا ، طوال عقود ، محط انظار العالم ، ولاعبا يحسب له الحساب في مجريات ووقائع العالم . مثلما بقي كاسترو هدفا لعمليات الاغتيال السرية التي تجاوز ما دبرت ال(CIA ) منها الستمائة محاولة .
لقد بدأ كاسترو ارثوذوكسيا وانتهى شيوعيا ..بدأ مؤمنا وانتهى ملحدا . ولكن ليعود ، بعد اكثر من ستة عقود ، يسير خببا باتجاه العودة الى نقاط البداية فالتقى ، في منتصف الطريق بالبابوية التي طردته من الكنيسة وحرمته من " تسمية " المسيحية ، غداة صعود الثورة ، لتبدأ المصالحة وليقول فيدال عن البابا ، خلال زيارته لهافانا ، بأنه يكاد يكون اشتراكيا ويكاد ينطق بشهادة " ياعمال العالم اتحدوا " ! فمن تغيّر ، حقا ، فيدال ام البابا ؟ شيوعية الأوبة والغروب ام مسيحية الصفح والأحتواء ؟!
لقد ودّع العالم اليوم ، كاسترو ، فهل ما تزال بشارة السييرا مايسترا الخضراء ،حاضرة في افئدة من عايشوها وعشقوها في فجر الثورة الكوبية ، ايام الاحلام الوهاجة الاولى ، العصّية على التطويق؟ هل بقيت كلمات كاسترو الحمراء ، كلمات الشاب الممتليء عزيمة وحماسة ، تقود شباب العالم نحو اكثر الرؤى جنونا وتهورا ؟ ام ان كاسترو الخمسينات الشاب الذي يتفجر ايحاءا ،انتهى الى كاسترو الاب ، الموسوس الذي يقفل على ابناءه ابواب غرف النوم ،ويعيد التأكد من اقفالها ،خوفا عليهم من الكوابيس ومن الاحلام الغريبة ؟! الاب الحريص الذي يعتقد انه الاكثر حرصا واخلاصا من كل الآخرين ،بل المخلص الوحيد ؟! وهل ان كل ذلك حصل ويحصل امتثالا لما يصدر عن طبيعة الاشياء ام طبيعة البشر ؟ هل ينجم عن السنن الكونية ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ام انه عارض من عوارض طبيعة ومستوى الوعي و الادراك البشري ، ام انه لا هذا ولا ذاك ، وأنما ناتج من نواتج سناريو امبريالي اسود ، كما يقول المريدون والاتباع ، راحت الثورة الكوبية تخب مثقلة نتيجته وراح وجه كاسترو الطلق يتغضن معاناة منه ...
لقد رحل ، فيدال اليوم ،عن تسعين عاما ، وسط هزة كتف لا مبالية من خصومه الذين يصفونه بطاغية آخر تشبث بكرسي السلطة اللعين ممارسا كل ما مارسه الطغاة بحق شعوبهم ، في حين تألم البعض الاخر ممن رأوا فيه بشارة آيلة وورقة من سفر خالد ، ذابلة . لكن الانصاف ، رغم هذا واك ، يقتضي القول ، انه عالمٌ لا يبشر الناس بالسعادة والحرية والسلام ، ذلك العالم الذي يغادره كاسترو من باب الضنك والأفول ، ليلج اليه ترامب من اوسع الابواب !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب