الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -24-

كمال عبود

2016 / 11 / 27
الادب والفن


فِرَاسَة
*****

وفي الناس العَجَبْ ..
وفي الناس الغرابة ..
وفي الناسِ الزَهو والجمال والعقل والكرم والشهامة والمرؤوة ..
وفيهم الخبث والدهاء والبخل والمكيدة والاستغلال والسيطرة بالقوة والبغضاء ...
وفي بعضهم سرٌ غامض: الفِرَاسَة!

وفي الحكايةِ أن أميراً شاباً أراد الزواج ، فاستشار الملك.
قال الملك لابنه : دونك نساء الأرض فاخترَ جميلاً ، ولتكن الحكمة طريقاً والعقل نبراساً لك.

تزوّدَ الأمير بما يستطع حمله وغادر .. سار في شِعاب الأَرْضِ وسهولها ووديانها .. سار في البادية والحاضرة .. لقي قبائل وأقواماً ... في ترحاله لَمْ يِعلم أحداً غايته أو كونه أميراً..
كان يحضر عند القوم كغريب يبحثُ عن رزقٍ ، يعمل أي عملٍ يكفيه كي يواصل البحث والترحال ... عمل في الرعي ولدى التجار والموسرين وأصاب في عمل المهن التي أوكلت اليه .. في آخر ترحالٍ له أمتدَّ به الطريق .. صار الوقت هجيراً .. أضناه التعب فقرر أن يرتاح تحت شجرة بانت له على الطريق ..

كان ثمةَ رجل يجلس تحت الشجرة .. سلّم الأمير على الرجل وجلسا معاً ، وبعد أن ارتاحا قاما ومشيا سوياً ، أراد الأمير أن يكسر الصمت الذي يتصف به رفيق الدرب فقال له الأمير : أيُّها الرجل الطريقُ طويلةٌ ، احملني لِأحملك ..

لم يُجب الرجل بل قال لنفسه : هذا الشاب ذو خللٍ عقلي ألا يعرف أنني لا أستطيع حمله ولا هو بقادرٍ أن يحملني!

بعد مسافةٍ طويله مرّا قرب زرعٍ ، قال الأمير : أرى قمحاً أخضرَ في الحقل .. هل حصده صاحبه ...؟

لم يُجِب الرجل بل أسرّ في نفسه : ألا يراه أخضرَ لم يحُن وقت الحصاد ..؟

اقتربا من الديار أخيراً فشاهدا جنازةً محمولةً على الأكف .
قال الأمير : هل حقاً ماتَ من في النعشِ ..؟
لم يُجب الرجل أيضاً ، سارا مسافةً قليلة .. وصلا الى ديار الرجل قال الرجل : هاقد وصلنا الى بيتي سترتاح الى الغد ثمّ تسافر كريماً.

دخلا إلى البيت ، جلسا في ركن المُضافة ، ولج الرجل إلى الداخل . لقي ابنته الصبيه قال لها : عندي ضيف أحضري لنا عشاء .. ثمّ قال : الضيف غريب .. لقد سألني أسئلة تبدو غبية .

وكلّمها بما سمع من أسئلة : ابتسمت الفتاة وقالت :
يا أبي ، أمّا سؤاله احملني لِأحملك يعني: حدثني لاحدّثك كي لا نمل من طول الطريق... أمّا سؤاله عن الزرع فقصده القول : هل استدان صاحبه وصرف الثمن على عياله قبل الحصاد... أمّا عن الجنازة فقصده : هل ترك أولاداً له خلفة أم مات دون أن يخلف، اللي خلّف ما مات.

ترك الرجل ابنته وذهب إلى الضيف قائلاً له: أما ما سألتني عنه في الطريق فجوابه .. كذا وكذا ( كما شرحت ابنته )

قال الأمير : هذا ليس شرحك ، أصدقني القول من شرحَ لك ذلك
قال : ابنتي الذكيّه ... تعالي يابنتي سلّمي على الضيف...

دخلت الصبيّة ، نظرت إلى أبيها ... ثمّ الى الضيف .. تفرَست في ملامحه: السلام عليك أيها الأمير ..

تبادل الرجل مع ابنته ومع الضيف النظرات ثمّ قال : اسكبي الماء للضيف كي يغسل يديه ..

قام الضيف سار مع الفتاة الى ركنٍ فيه دلو الماء قالت للضيف : لن أصبَّ الماء على يديك .. أخدم نفسك.
قال الأمير أعرف أنَّك أميرة والأميرة عزيزة النفس!

جلس الثلاثة ، تناولوا الطعام ثم قال الأمير للرجل : هذه بغيتي التي أبحث عنها من سنين .. جئتُ أبحثُ عن زوجةٍ وقد وجدتها ، وإني خاطبٌ لهذه الأميرة.

قال الرجل : أنا موافق شرط أن تقولا لي كيف عرفت أبنتي أنَّك أمير وكيف عرفتَ أنها أميرة؟

قالت البنت أعرف أني لست من صلبك ولكنك أبي الذي ربيتني
قال نعم أنا سرقتك .. من الملك البعيد حيث كنت أخدمه ولم أرزق أولاداً ... ثمّ قام وقال : مبارك عليكما ، إني راحلٌ في ديار الله الواسعة خجلاً منكما ... قولا قبل الرحيل : كيف عرفتما بعضكما:
قالا مبتسمين : إنّه علم الفِراسة
******

وتبقى الجذور راسخةً في الأرض وفي الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع