الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيوت شيوعية مشبوهة

عبدالكريم العبيدي

2016 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بيوتنا، هي "بيوت الزعيم" الحكومية الضيِّقة التي لا تتجاوز مساحتها الـ "90" مترا. ومحلاتنا السكنية شعبية بسيطة، اكتظت بعائلات العمال والكادحين والكسبة، وغدت فواصل مدهشة ما بين عالم الصرائف والأكواخ وخرائب الطين وبين عالم "طابوگ اعگاده"!
كنّا أطفالها الحفاة، وطلبة مدارسها الخارجين من براثن الجهل وظلام الموروث الى رؤية "نيل ارمسترنغ" وهو يضع أولى قدميه على سطح القمر في قفزات عصفت بعصر قديم، تهاوى من على سطح القمر وفزَّز آباءنا وأمهاتنا وجعلهم يرتعدون من موعد اقتراب أهوال الساعة!
في أزقتنا، أزقة "الدعبل والطوبه وسبع اقباقه واعْظيم الضاع"، كانت ثمة بيوت تشبه بيوتنا من الخارج، لكنها مختومة بشمع المخبرين وكتبة التقارير الحزبية ودوائر الأمن وتحذيرات أجدادنا. يوحدها شعار تحذيري مخيف: احذروا الاقتراب منها، واياكم مصاحبة أبنائها وبناتها، فهي بيوت شيوعية مشبوهة، تبث السموم وتخرجكم عن جادَّة الصواب وتحولكم الى معارضين لمسيرة "الحزب والثورة". وباختصار "اتْشبعون ضيم وظلايم"!
لكننا اقتربنا منها، وعقدنا صحبة مع سكنتها فتعلمنا من أبنائها، أبناء "بيت الندّاف وبيت أيوب عمر وجاسم العايف وعباس مشتت وراشد وكامل الأعور وسامي وجبر صيوان وهاشم أحمد ونعمان وعبد الرحمن ناصر وغالب السعد"، عرفنا منهم بلسان مبين أن بمقدورنا الانتقال من حالتنا البائسة إلى الحالة المدنية لمجتمع منظم، فيه أحزاب ونقابات ودولة قانون، نكون فيها جزءا من حراك قواها، لأن المجتمع سيتغيّر أيضا في مجرى التاريخ ويحوّل نفسه في عملية خلق الإنسان الجديد بقدرة العمل!
تعلمنا من أولاد "المعارضين للحزب والثورة"، أولاد العم "گاصد" في صبخة العرب" ومن "جميل الشبيبي وعلي جاسم ونادية مبروك وسندس عزيز وقاسم سبتي" انَّ أيّا منّا من الممكن أن يتحول الى إنسان منتج، يحقق جوهره في العملية الإنتاجية، ويندرج في علاقات إنتاج مع إقرانه، ثم يتطور من خلالها كطاقة حيوية خلاّقة، ويعانق العالم الموضوعي بواسطة قواه الذاتية الفاعلة!
كنّا ننصت لأحاديثهم "السّامة"، أحاديث "صالح عبد النبي وفالح عبد النبي وكريم محسن وعبد القادر ورعد أبو مسار وجعفر وخديجة وطه ياسين وأبو نزار وكاظم ناشور ومحسن عكله وماجد محمد عايف وكريمة سالم وسعد وصباح ثاني وجميل لازم وفليحة" فنتعرف على الحتمي والمحتمل والممكن. ثم باتت أفكارهم "المشبوهة، الشوْفتنه الضيم والضلايم" تُعلمنا بإصرار أن الكون حقيقة مادية، والعالم يتطور وفقا لقوانين حركة المادة، من غير الحاجة إلى روح كونية، ولا توجد حركة بدون مادة، ولا مادة بدون حركة، كما أن التاريخ البشري جزءٌ من الطبيعة، وقوانينه التي تتحكم بحركته تستنبط من الطبيعة نفسها.
أبناء تلك البيوت المختومة بشمع المخبرين، بيوت:"المحامي عبد الحسين الساعدي وعواطف علي وكميلة مهدي وغالي مطشر وكوبا مصطفى وميلاد حنون وغالية وعادل سلام" شرحوا لنا لأول مرة قوانين نفي النفي ووحدة صراع المتناقضات وتحول الكم إلى كيف، ثم بشَّرَتنا تصوراتهم "الكافرة التي أخرجتنا عن جادَّة الصواب" بأن خاتمة الصراع الطبقي الذي نقل الإنسان من نمط الإنتاج المشاعي إلى العبودي إلى الفيودالي إلى الرأسمالي، ستنقل الشعوب حتما وفق مسار تقدمي حتمي إلى حُلمِ آخرِ مرحلةٍ ينعدم فيها التناقض والشرور، وفيها يبدأ التاريخ الفعلي للإنسانية!
بعد كل هذا النور، عرفنا أن تلك البيوت مشبوهة حقا، وان من حق ظلام الدكتاتورية أن يحذِّرنا منها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية