الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صادق جلال العظم و الثورة السورية.

عبدو خليل

2016 / 12 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما قال المفكر السوري صادق جلال العظم ان الثورة السورية هي ثورة تأسلمت ام تعلمنت وجدها بعض الإسلاميون فرصة في زيادة التمادي، والمضي خلف مقولة ان الثورة السورية هي بالمحصلة حراك إسلامي. حتى أن البعض ذهب ابعد من ذلك وقال. هذا اعتراف بحقيقة الثورة السورية من رجل امتطى صهوة العلمانية طوال حياته و دافع عنها بشراسة، إنه تراجع واعتذار مبطن وإقرار بواقع الحال، و اعتراف ما بعده اعتراف. كيف لا وهو صاحب كتاب ذهنية التحريم الذي اثار جدلاً واسعاً منذ تسعينات القرن المنصرم.
من طرف آخر وجد الكثير من العلمانيين والسياسيين و المثقفين في مقولته تلك اعترافاً بمتغيرات المرحلة، و فرصة لتبرير تقهقرهم أمام تلك التيارات الإسلامية ومسوغاً لتبديل مواقعهم والاصطفاف إلى جانب تلك التيارات في خندق واحد تحت ذريعة محاربة الاستبداد. كانت دريئة جيدة للاحتماء بها في ظروف انعدام الرؤيا التي تسود الواقع السوري، و مخرجاً للتهرب من تواطئ بات واضحاً للقاصي والداني .
في واقع الحال قفزت تلك المقولة للواجهة خلال الآونة الأخيرة في الوسط السوري، ترافق هذا القفز مع تراجع القوى العسكرية المعارضة وتخليها عن مواقعها، مما دفع الجموع الغاضبة لتحميل الفصائل الإسلامية وزر تلك الخسارات. لذا لم يجد البعض بداً. خاصة التيارات الإسلامية. سوى من إعادة تفعيل و تنشيط مقولة المفكر السوري جلال العظم لإيجاد مخرج لهذا السقوط. لكن غالبية من أعجبوا بتلك المقولة و قاموا بعميلة تحديثها تجاهلوا بقية العبارة التي تقول: هي . أي الثورة السورية. كاشف أخلاقي وثقافي وإنساني لكل البديهيات القديمة. وهذا يقودنا لتذكر الآية الكريمة ( ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى). حينما يتم اقتطاعها من بعض الخبثاء أو المشاكسين والتلاعب باجتزاء مفرداتها للتهرب من فريضة الصلاة، لدرجة انها صارت مثالاً للمراوغة و السفسطة الجوفاء. الرجل قالها . هي كاشف . كما يكشف جهاز الحمل عن وجود الجنين من زيفه. لم يقل كشفت الوجه الناصع عن تلك التيارات. إسلامية كانت أم علمانية. لم يبرر السلوكيات. لم يناقش أصلاً صوابها. رغم انحيازه الصريح للثورة. لكنه ترك هذا الكشف للقادم من الأيام ورضي بعملية الكشف. سلبية كانت أم إيجابية. تقدمية أم رجعية. المهم أنه صار بمواجهة الحقيقة و الحقيقة لا تحتاج سوى لعملية كشف وما تبقى لن يغدو أكثر من تحصيل حاصل.
وبالعودة الى أدبيات بعض الكتاب والمثقفين السوريين نجدهم بدلوا كلمة. كاشف. في لا وعيهم المضمر بكلمة أخرى هي. الحامل. فسروا الكاشف الأخلاقي والإنساني والثقافي بأن الثورة تأسلمت أم تعلمنت هي حامل أخلاقي وإنساني وثقافي، وهذا هو الإجحاف بعينه. لم يبذلوا جهداً في التفكر بتلك المدلولات التي انكشفت لصادق جلال العظم. الأخلاقية والإنسانية والثقافية. اكتفوا بعبارة تأسلمت أم تعلمنت للتهرب من استحقاقات المرحلة في متابعة عملية الكشف والبحث و النقد. خافوا من القول أنها كشفت زيف التيارات الإسلامية في قضايا الحرية و الديمقراطية. خافوا من الاعتراف أنها أوقعت الثورة السورية في مستنقع الماضي. كرروا مقولة الإسلاميين. لم نخرج إلا لنصرة هذا الدين. نسفت كل شعارات الحرية و مفاهيم الحياة المدنية التي نادت بها الثورة السورية في مراحلها الأولى، وتغاضى هؤلاء عن عملية السطو المسلح التي قامت بها تلك الحركات السلفية والجهادية، وقامت بحرق إرث الثورة وجيَّرته لخدمة إماراتها المنشودة. تغاضت عن المحاكم الشرعية التي نحرت وقطعت الأرجل والأيادي على خلاف بعضهما. تغاضت عن قتل النشطاء المدنيين والزج بهم في السجون، لدرجة بات كل من يرفع شعارات الثورة السورية أو يتلفظ بمصطلح الثورة منبوذاً ومرتداً يجب إقامة الحد عليه، وحل مصطلح المجاهدون بدل الثوار. تذرع البعض ان تلك المحاكم التي أقيمت في الساحات العامة وروعت الناس بالضرورة التاريخية لضبط المنظومة الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع. لم يتجرأ أحد على الاقتراب من دوائر نقدها أو فضحها. طيلة خمس سنوات لم يستطع مثقف سوري أو معارض يدعي مقارعة استبداد النظام السوري من العيش ليلة واحدة في تلك المناطق التي قيل عنها محررة، وكانت في الواقع ترزح تحت نير استبداد أخر لا يقل شناعة عن استبدا النظام السوري.
نعم الثورة السورية هي بالنهاية كاشف. بما للكلمة من معنى. كشفت المستور عن ذهنية التحريم التي عمل صادق جلال العظم على تفكيكها وتعريتها. هي دك لكل المنظومات القيمية والاخلاقية. الثقافية. في المجتمع السوري. عملية نسف وتخريب على يد النظام أولاً وعلى يد الجماعات الإسلاموية ثانياً، وبات الصراع المعلن في ظاهره عسكرياً. معارك كر وفر. لن تغني وتسد عن جوع. كل الانتصارات التي تأتي بقوة السلاح مجرد وهم للقبض على التاريخ السوري الذي دخل مرحلة التدحرج، هذا التدحرج الذي بات من المستحيل إيقافه عند مستوى معين من الموت أو الدم. المهم اليوم هو أن كل أوراق أطراف الصراع باتت مكشوفة. ومن هنا تأتي أهمية الثورة السورية التي قال عنها العظم أنها ثورة تأسلمت أم تعلمنت وأضاف هي كاشف أخلاقي وانساني وثقافي، هذه التفصيلة هي سر مقولة العظم و مكمن قوة الثورات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة