الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الدواعش -

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الدّواعش
من أين يأتون وإلى أين يمضون ؟
من الكتاتيب والمدارس القرآنية التي كان الاستعمار في الماضي يرعاها ويهتم بها كثيرا ليستمر ّفي استغلاله وهيمنته على الشعوب العربية المتخلفة حتى لا تستفيق من غفلتها ولا تُنازعه البقاء في أوطانها أو تطرده من ديارها . وفي ما بعد الاستقلال قد استمرّينا على هذا التوجه بإحداث مادة التربية الدينية في المدارس الابتدائية والثانوية وأخيرا وليس آخرا ( في الروضات حيث لا يتجاوز الطفل بعدُ الخامسة من العمر ) في حين أنه من المفروض أن الدّين لا يُدرّس ولا يُعلّم ، وإنه شأن خاص بصاحبه وليس على الدولة توجيهُ الناس منذ (الطفولة) إلى دين معيّن إلا إذا كانت تقصد بذلك تأدية خدمة لمصلحة سياسية معينة كما أن لنا منذ زمن بعيد جامعتنا الزيتونية بتونس -التي نفاخرُبها بين الأمم العربية والإسلامية كمنارة تاريخية للعلوم الدينية . أليست جريمة ضد الطفولة وبالتالي ضد الإنسانية قاطبة أن نصنع من أطفالنا رُبُوات غير واعية تتحرك بإرادة الغير في خدمة أجندات معينة وربما استُعملوا لاحقا عن وعي أو عن غير وعي منهم في عمليات إرهابية ، وإلا فلماذا الإسلام وليس الدين المسيحيّ مثلا أو الدين اليهودي وهي موجودة كلها على الساحة التونسية وفي مختلف الساحات العربية ولكل حقه في الدعاية إذا كان ذلك من الضروري القيام ُبه ؟
ولا شك أن الامبريالية العالمية تجد في الدّواعش هؤلاء - وفي مثيلتها المعروفة بالقاعدة ما يُساعدها على خلق الاضطرابات والفتن في المنطقة ودفع الناس لقتال بعضهم بعض دون تكلفة باهظة من لدنها أو تدخل مباشر وإلا فمن أين لهؤلاء الدّواعش من المساعدات المالية والأسلحة والمعدات الحربية لو لم يكونوا مدعومين من الإمبريالية العالمية لخدمة مصالحها ومساعدتها على تحطيم المنطقة في أسرع وقت ممكن ؟ إنها لحربٌ تشنها علينا الإمبريالية بواسطة هؤلاء المُرتزقة منذ زمن بعيد والذين يبرّرون ذلك بإيهام أنفسهم بأنهم يُدافعون عن دينهم وعن حضارتهم ويريدون استرجاع خلافتهم الإسلامية التي فقدوها أو قد ضاعت – في اعتقادهم – من أيديهم بفعل التغريب وانتشار العلمانية في العالم ، ولابد أن كلا من الدّواعش والامبريالية يتهم الأخر بالغباوة لأنه يعمل في صالح الأخر وهو يظن نفسه يعمل في صالحه.
الدواعش في اعتقادهم يحاربون الكفار لنشر الشريعة الإسلامية وإعادة الاعتبار للخلافة . والامبريالية تتخذ منهم جيشا لمحاربة إخوانهم ولتحطيمهم جميعا دون رحمة أو شفقة لتهيمن هي لاحقا على حوض البحر الأبيض المتوسط وعلى كامل المنطقة الشرقية منها والغربية (برنامج الشرق الأوسط الجديد والاتحاد المغاربي معا بعد انتهائها من تفكيك الاتحاد السوفياتي وتقطيع أوصاله منذ مدة قصيرة .
والغريب أن السيد نوفل الورتاني يستضيف الشيخ ( الإمام الفقيه ) سعيد الجزيري في برنامجه " تونس لا باس " في قناة الحوار التونسي لنستمع إليه يقول حول مسألة ظاهرة عبادة الشيطان التي ظهرت في تونس مؤخرا : لا بد من فتح الكتاتيب في كل الجهات التونسية لنملأ الفراغ الذي يعيش به الشباب في بلادنا فيجعلهم ينحرفون في مثل هذه النزعات الدينية الغريبة والمتطرفة مؤكدا على أن الشيطان هو عدوّ الله رغم أنه يعرف حق المعرفة ما جاء في القرآن من أن هذا الشيطان الذي تحدث عنه هو من خلق الله فهل لم يخطر له يوما أن تساءل- ولو بينه وبين نفسه - " كيف يخلق الله الشيطان ليصير له عدوا في ما بعد و ليميل بعض خلقه لعبادته تحدّيا له ؟هل الله عاجز عن مقاومته أو القضاء عليه مرة واحدة وهو القادر القدير الذي يقول للشيء كن فيكون ؟ أليس هذا الذي تقولون وترددون من باب الترهات العجيبة التي لا يقبل بها عاقل على وجه البسيطة؟ والأغرب من كل هذا أن السيد الورتاني صاحب البرنامج يؤكد كلام الشيخ ويشكره جزيل الشكر على ما يقول وكأنما هو رسول الرسول وهذا ما يدل على أنه مقتنع به الاقتناع التام . تُرى هل نخن اليوم في حاجة إلى إعلام توعوي يُساعد الناس على الانتباه واليقظة لكل ما يجري على الساحة من الأكاذيب والأباطيل والتشعوُذ أم نخن في حاجة أكثر إلى إعادة التأهيل والتوعية لكل الساهرين على مصير هذا الوطن ؟. كل المؤسسات اليوم في حاجة إلى إعادة التأهيل والرّسكلة حتى تكون دائما في المستوى المطلوب من الحرفية على الساحة الحضارية بما في ذلك العديد من وسائل الإعلام المختلفة وإلا تجاوزتنا الأحداثُ وفاتنا الركب إلى الأبد وعلى كل واحد منا إذا شاء التقدم أن ينتظر القطار لأن القطار لا ينتظر أحدا في الواقع العادي . والمعلوم أن القطارات اليوم أصبحت سريعة جدا مثل TGV في فرنسا والقطارات الجديد ة في اليابان وفي غيرهما من بلدان العالم المتحضر .
أن يتخذ المرء من الوجود المادي أو المعنوي شيئا ما ويعبده فهذا أمر يخصُّه هو وحده ولا حق لأحد من الناس أن يُنازعه فيه أو يناقشه، أما أن يُريد من الناس أن يفعلوا مثله ويعبدوا ما يعبدُ وإلا فإنهم أعداء له فهذا لعمري منتهى الجهل والغباوة وبعيدٌ كل البعد عن الروح الإنسانية المطلوبة وسقوطٌٌ في الهامشية وفي ما يُعرف في علم النفس "بالمركزية الذاتية" التي هي في حقيقة الأمر حالة مرضية قديمة كان يعيش بها الناس في المرحلة البدائية التى مضت عليها عشرات الآلاف من السنين ولم يتبق لها من الآثار إلا في المجتمعات المتخلفة كثيرا عن ركب الحضارة المعاصرة والتي هي اليوم في طريقها إلى جمع كل الناس في حضارة واحدة متناغمة ومتشابهة في خصوصياتها ومكوناتها ومتقاربة في ثقافاتها وتؤمن بقيم ومبادئ كونية واحدة خصوصا وأن العلوم والتكنولوجيات المعاصرة تعمل دوما على مساعدتنا على إنشاء هذه المدينة الفاضلة ومن يدري لعلنا بعدها سنذهب إلى تشييد جنتنا الموعودة التي طالما حلمنا بها وتغنينا بها في دياناتنا السّماوية الافتراضية المتتالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان