الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة

طوني سماحة

2016 / 12 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك في فلسطين، منذ ما يزيد عن ألفي عاما، كانت البداية. فلسطين أرض النبؤة والفساد، أرض الحياة والموت، أرض السيف والقلم، أرض الهياكل العظيمة والدمار، أرض الكتاب والجهل، أرض الظلم والرحمة، أرض الفقر والغنى. هناك، على جبل الزيتون، في باحة الهيكل، في أزقة المدينة وشوارعها، وقف رجل أعزل يصارع أمّة، أمّة حكمت على نفسها بالموت والظلام. هناك وقف رجل مغمور ليخرج حياتا من الموت. أنار شموسا وسط الظلام. أنبت عشبا في البرية. صاغ هياكل بشرية وسط الدمار. لم يكن فيلسوفا، لكن أقواله ما زال يتداولها الناس بعد ألفي عاما. كتب عنه تلميذه يوحنا "في البدء، كان الكلمة. وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله... فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه."

كانت البداية على ضفاف نهر الأردن. دخل يسوع تحت الماء، بدا للوهلة الأولى وكأن الأمواج تبتلعه. ترى أيموت الحلم؟ أيُقطع المسيح الموعود؟ أتلد البداية النهاية؟ لكن الوقت لم يكن قد حان بعد. خرج يسوع من الماء، وكأنه مات وقام. أمسكه النهر رجلا جليليا وأطلقه مسيحا يهوديا وأمميا. باركته الأرض والسماء. سار وراءه بعض الرجال والنساء. لكنه اتخذ البرية وجهة له أولا.

البريّة! أرض العطش، أرض الموت والجفاف، أرض الجوع والدموع. هناك مكث يسوع أربعين يوما. أراد أن يختبر الجوع والعطش والموت قبل أن يطعم الجياع ويسقي العطاش ويحيي الموتى. هناك على جناح الهيكل تواجه الموت الحياة. أراد الموت أن يبتلع الحياة، لكن شوكة الموت اقتلعت ولم يعد للهاوية غلبة. هناك قذفت براكين الشهوة حممها على يسوع وهناك داس يسوع على ثعابينها. هناك تبعثر الظلام تحت أشعة النور. "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا الى العالم. كان في العالم، كوّن به العالم، ولم يعرفه العالم".

في البرية، أراد الشيطان أن يقلب المقاييس، كأن يكون المعبود عابدا والعابد معبودا. أراد أن يصبح الظلام قاعدة والنور استثناء. أراد أن ينزل الإله عن عرشه مهانا، ذليلا كي يجلس هو مكانه. أراد أن يسكت الكلمة مرة وللأبد، لكن "الكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا". جاع الجسد، مزّق الجوع أمعاءه، لكن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". هناك اتحدت الشهوة بسراب الثروة والسلطة والمجد لتنصب فخا محكما لمن رأته فقيرا، جائعا، مرضوضا ومغلوبا، لكنها تبعثرت أمام صوت القائل "لا تجرب الرب إلهك".

منذ أن "صار الكلمة جسدا" صار جسد الإنسان هيكل الله بعد أن كان سلعة للسبي والموت والمرض والسيف. صار الكلمة جسدا كي يسير في شوارع أورشليم، كي يجوع ويعطش ويتألم وبالتالي يمد يده للمتألمين والجياع والعطشى. عانق جسد الكلمة جسد الأبرص الذي لم يكن أحد يجرأ على لمسه. أوصل صوته الى الصم فنفذ الى ضميرهم. جلجل الكلمة في أرواح الموتى النيام كي يوقظهم ليعانقوا الحياة. بارك الكلمة الأطفال والمهمشين والمنبوذين وفتح أبواب الملكوت لهم أوّلا.

إنها ثورة الكلمة. ثورة على الظلم والقهر والعبودية والرياء والسيف. فلا الاضطهاد ولا السيف ولا الصليب ولا السجن يستطيع بعد اليوم أن يطفأ الكلمة وأن يقوّض أركان ملكوته، لأن ملكوت الكلمة ليس من هذا العالم أو في العالم أو للعالم.

صار الكلمة جسدا ليقول لمن هم في الجسد أن الجسد لا يستطيع أن يختزل الحياة وأن الحياة لم تخلق للموت. الحياة هي الله وفيه ومنه وله وبه. فتح الكلمة باب الحياة على مصراعيها لمن لا يريدون الموت، إنما لأولئك الذين يريدون أن يحيوا خارج إطار الزمان والمكان، في الجسد وخارجه.

كتب يوحنا "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا الى العالم. كان في العالم، كوّن العالم به ولم يعرفه العالم. الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. واما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة الكلمة
nasha ( 2016 / 12 / 3 - 22:27 )
إنها ثورة الكلمة. ثورة على الظلم والقهر والعبودية والرياء والسيف. فلا الاضطهاد ولا السيف ولا الصليب ولا السجن يستطيع بعد اليوم أن يطفأ الكلمة وأن يقوّض أركان ملكوته، لأن ملكوت الكلمة ليس من هذا العالم أو في العالم أو للعالم. 
نعم الثورة لا زالت مستمرة ولا زالت الكلمة فعالة كما هي منذ تجسدها ولن تختفي لانها الطريق والحق والحياة . لن تختفي الكلمة ولن يستطيع الشيطان إن ينتصر عليها لانها حية فعالة لا تموت.
تحياتي أيها الرائع


2 - Ayman Toma
طوني سماحة ( 2016 / 12 / 4 - 00:21 )
شكرا استاذ أيمن، يسعدني حضورك


3 - sami simo
طوني سماحة ( 2016 / 12 / 4 - 03:27 )
شكرا استاذ سامي على التوضيح. يسعدني تفاعلك مع الموضوع. تحياتي


4 - ثورة الكلمة
طوني سماحة ( 2016 / 12 / 4 - 03:31 )
نعم الثورة لا زالت مستمرة ولا زالت الكلمة فعالة كما هي منذ تجسدها ولن تختفي لانها الطريق والحق والحياة . لن تختفي الكلمة ولن يستطيع الشيطان إن ينتصر عليها لانها حية فعالة لا تموت.
آمين
مع محبتي

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س