الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب ذات..بين غرب وعرب

سماح هدايا

2016 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن بحاجة لبحث مسألة السلوك في بناء الهوية الذاتيّة كجزء من البحث في مسألة الهوية الوطنيّة السياسية الجامعة التي جاءت الحروب إلى المنطقة العربيّة ومزّقتها.
الحرب شرسة..ومن السذاجة الاستسلام لصورة الإرادة المسلوبة بالمؤامرة العالمية للتخلص من مسؤولية الفعل والعمل الجدي الواعي، عبر تحميل الغرب السياسي والعالم الخارجي، بشرقه وغربه، مسؤولية ما يحدث من دمار في سوريا والعالم العربي. فمسؤلية شعبنا كمواطنين وعرب ومسلمين وأحرار، كبيرة في استمرار هذه الضعف والفشل . صحيح أنّ الغرب والمنظومة الدوليّة أطراف فاعلة بقوة وشراسة في هذه الحرب المصيرية؛ لكنْ، للحرب أطراف داخليّة من باطن الشعب السوري والشعوب العربيّة وشعوب المنطقة. وصحيح أنّ العقل الغربي المسيحي وحلفائه والعقل العربي الإسلامي في مواجهة تاريخية؛ لكنّ التوصيف الجاهز الرائج أنها حرب إيمان مسيحي على إيمان إسلامي غير دقيق. هناك صبغة دينية للحرب؛ ليس بالمعنى الإيماني والعقائدي، بقدر ماهو أدلجة سياسيّة ذرائعيّة وعنصريّة عصبويّة خادمة لسياسات التسلّط والنفوذ، باستخدام خطاب الحرب من أجل الله أو الدين أو الرموز الدينية، أو الحرب ضد الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية وأمنيّة؛ فأصحاب القرار السياسي في العالم لا يعنيهم من أديان الإسلام والمسيحية واليهودية ومذاهبها إلا بما يخدم مصالحهم السياسية والاقتصادية وتفوّق قوتهم وسلطانهم.
المؤسّسات الدينيّة جزء من مؤسسات السلطة والحكم
هناك تحالف(سياسي ديني) عالمي لبناء التّفاهم الأممي والتعايش الإنساني وفق موازين القوى الدولية، ينشيء مؤسسات وأنشطة دعوية وتفاعلية بغية تطويق التحارب والكفاح المسلح ، وحركات دينية كثيرة شائعة تنضوي تحت حراك الاحتواء وتسير في إطار تعليب الفكر الإسلامي بعبوات المسالمة؛ مثل حراك وحدة الاديان، بأطروحات الإخاء والسلام والخلاص الإنساني، لغايات تقليص العداوة والخصومة، ونشر قيم الغرب السياسي. وبجري سياسيا توظيف الحركات الدينية وتصوراتها وشعاراتها بما يخدم العملية السياسية في مسار مصالح الأنظمة وبيوت المال والسياسة والدول المسيطرة.
عملت المؤسسات السياسة على في مرحلة سابقة على دعم الأطروحات العلمانيّة التي تهاجم الدين وتستهتر بالمعتقدات وتسخر منها، لكنْ، هناك بالمقايل دعم ممنهج لبعض التيارات والنماذج الإسلامية، المنسجمة والسياسات الغربية؛ تبعا للاحتياجات، وبحسب الظروف السياسية والمستجدات. فالنماذج السلميّة والصوفية الناعمة ذات الحراك الروحي الساكن والجمعيات والمؤسسات الدينية التي تحقق التجانس والانسجام مع السلطة والرضوخ للقيم الغربية وتتماشى مع شعارات السلم السياسي ونبذ الجهاد أو رفع السلاح في وجه الحكام والغزاة، تتلقّى الدعم الكبير، حتى وإن كان اشخاصها في إطار الإسلام الشكلي مثل؛ الحجاب والعبادات. وسابقاً، تلقّت التيارات السلفية، كذلك، الدعم الكبير، عندما جرى استخدامها كأداة جهاد ضد الشيوعية وأنظمتها في صراع الغرب مع الاتحاد السوفيتي وروسيا. وضد الأنظمة العربية القومية الناهضة لتطويق المسعي القومي التحرري . وحاليا يمثّل تنظيم داعش الإرهابي، حصان طروادة لمحاربة الإسلام السياسي بحجة الإرهاب والعنف والتطرف الإسلامي. وهناك أيضا، بالتوازي مع ذلك دعم ضمني للتشيّع السياسي بمحموله الإيراني وتحالفاته مع المصالح الصهيونية، يمرّ عبره أنجاز مسار من مسارات الهيمنة وبسط النفوذ، بتمزيق المجتمعات العربية بالفتن والنزاعات والحروب الأهليّة، فداعش وميليشات التشيّع العالمية النموذج المثالي لتنميط الإسلام بالإرهاب والعنف والتوحش وفتح باب الصراعات على فوضى العصبيات لتتلتهم طموحات تحرير الذات العربيّة الإسلاميّة وتلقي بجذوة المشروع النهضوي التحرري في تربة ميتة محترقة غير قابلة على إنهاض أمة عصريّة.
بعض الحركات الدينية الحداثية، هي أيضا مجال للدعم الغربي السياسي، كجزء من حراك العولمة السياسي، مادامت تقوم بتطويع قيم الإسلام وفق القالب الغربي الحداثي بشكليّة مفاهيم التقدّم والديمقراطيّة، ومادامت توجّه نقدها لمحاربة الإسلام السياسي غير الموالي وغير المنضبط على وتيرة عملها، والإسلام الجهادي المستقل الذي يهدد بإطاحة ركائز الهيمنة الغربيّة للمنظومة الاستعمارية. أما قائمة الإرهاب الإسلامي فمتغيرة بحسب الظروف السياسية؛ يمكن أن يكون فيها تنظيمات السنة أو تنظيمات الشيعة، بحسب المصالح السياسية وجوهر هذه التنظيمات وغاياتها؛ فما يخيف الغرب السياسي هو الجهاد الديني التحرري النهضوي العابر للحدود الضيقة، وما يخيفه أكثر الصحوة والنهضة العربية الإسلامية بمستوياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي في بنيتها الجهاد ضد الاستعمار الغربي. لا مشكلة للغرب السياسي مع الاسلام عندما ينحصر في قوقعة الروح وفي الجانب الأخلاقي النظري، أو في التنوير الشكلي ، أو في النموذج المتخلف والداعشي المافياوي والميلشياوي العميل. المشكلة تظهر مع الإسلام في مشاريعه السياسية التحررية والنهضوية ذات المعنى والمغزى القادر على الحراك الحيوي لبناء إنسان عاقل وكريم وحر مستقل، يحمل هوية حضاريّة متنوّرة وتنويريّة .
تصويب الرؤى
الحرب على الإرهاب بالإرهاب، تعتمد شعارات دينيّة وتثير الشحن الغرائزي التدميري، يتحمّل الجهل المعرفي والديني الإسلامي والصراعات المذهبيّة مسؤولية كبيرة فيها؛ لكنّها أيضا حرب سياسيّة عدوانيّة لحماية المصالح الغربيّة وإدارة صراعات الهيمنة الدوليّة بين معسكرات تقليديّة متصارعة تاريخيا في الغرب. وقد جرى استخدام حرب الإرهاب كسلاح في الثورة المضادة لمحاربة ثورات الربيع العربي التي تحمل في مشروعها التحرري تصورات وأطروحات دينية وسياسية لبناء أمة مستقلة؛ واستغلالها للتدخل في الواقع العربي وكبح نهضته وتأجبج الصراعات والحروب وتفتيت المجتمع بالتقسيم الذي يصب في خدمتها وخدمة الكيانات الموالية لها. فرصة النجاح الاستراتيجي للمشروعات الغربية الاستعماريّة مرهون بنمو الوعي العربي وتوحّد أراداته وخروج قيادات وطنية واعية ونهضويّة في جميع المجالات؛ فمساعي الحرب،وكل أشكال التدخّل الخارجي لا يمكن لها اختراق المجتمعات والعبث بها، إلا بوجود أرضية تمهّد لها الطريق. إذ لا تنتصر القوة على مجتمع صلب متماسك راسخ.
المجتمع المحصّن بالوعي والعلم وكبرياء الذات الوطنية والتاريخية لا يقوى عليه التآمر.ولا تتحقق الهزيمة إلا بالهزيمة النفسيّة، عندما يفقد الإنسان وعيه بذاته ويحس بالمهانة والذل وهزالة هويته، وعندما يضعف إيمانه بمنظومته الأخلاقيّة وقواه الفكرية والوطنيّة والقوميّة والتاريخيّة؛ ما يمهّد للاشتغال في الفوضى والتطرف الغبي والغوغائية ومكاسب التبعية والإذعان. فالمسلم الذليل بدينه والعربي الذليل بقوميته ، والإنسان الذليل بذاته، الخاوي من وجدان عادل وعقل ناقد نماذج مثالية للهزيمة.
إن كان ما يدور الآن هو امتداد للصراع بين العرب والغرب وبربرية الشرق ويحمل صبغة دينية وقوميّة، فإن المهمة أمام أمّة ضعيفة متشرذمة يبطش فيها الاستبداد والجهل والفساد، وتنخرها النزاعات الأهلية، تصبح أشد خطورة وأهميّة لتحمّل عبء المسؤولية التاريخيّة وحل المشاكل والإشكاليات العالقة فكريا وأخلاقيا وسياسيا. الواقع السوري جزء من الواقع العربي، لكنْ، له خصوصته؛ فهو نتاج تراكم الصراعات السياسية لقرن ونصف، وتركة عصور الانحطاط السياسي والحضاري لقرون، ومحصّلة نظام الاستبداد والفساد والتجهيل والتمييز الطائفي والمناطقي الذي أسس ، عبر نصف قرن، لمنظومة الخوف والقهر وانعدام الحرية وانكسار الكرامة، وراكم المشاكل الاجتماعية فركدت عملية النهوض المعرفي والعلمي والتنوير الديني الثوري واليقظة القومية، وانعكس سلبا على إعداد الإنسان كفرد مفكر، وكمؤمن مخلص، وكعقائدي واع وكمواطن صالح، وعلى البناء المؤسسي الوطني..
الثورات العربيّة والثورة السوريّة جاءت شعبيّة عفويّة ضد الواقع الرديء، لها مطالب في الحرية والكرامة، ولم تقم على أسس تنظيريّة ونظريّة ، ولم تكن لدولة إسلامية أو عرقية أو علمانية، أو لتكون تابعة ذليلة لدولة أو تنظيم . ، الفيصل الحاسم في النصر هو الشعب وضمير الأمّة وتبلوّر الفكر. ولا يمكن كسب الحرب بذهنيّة التآمر والجبن والذل والعمالة. على الشعب السوري التغلب على ما يعيشه من صراعات طبقيّة ومناطقيّة وعرقية وقومية وطائفية وثقافية واجتماعيّة ودينيّة لتحقيق مشروع ثورته؛ فالثورة نضال من أجل الحق والعدل والحرية والنهضة. وبغض النظر عن الصراع الديني و الموقف من الدين وعلاقته بالسياسة، فهناك سؤال مصيري حتمي متعلق بالسلوك الفردي في الدفاع عن الحياة والكرامة والهوية: كيف يكون رد الإنسان على الظلم والطغيان والعدوان؟ بالذل؟ بالاستسلام؟ بالتبعية؟ بالخضوع والإذعان؟..
ماهي الحلول لمواجهة تحيات البقاء والوجود والمصير؟
المقاومة بكل أشكالها والنضال لأجل المسعى التحرري هما الحل. ولا ينفصل الجهاد العسكري عن الجهاد الفكري والثقافي. تبدأ المقاومة بالثورة على التخلف وتصويب الرؤى التي تصب في مسار تصويب السلوك الذاتي والجماعي والوطني. معرفة الذات والثقة بقدراتها والعمل على إعدادها بالشكل الأصلح، هو بداية طريق إلى النصر.

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah